السبت، 25 أكتوبر 2014

السبب في فساد الأوضاع


قال تعالى: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، ويعفو عن كثير ، وما أنتم بمعجزين في الأرض ، وما لكم من دون الله من وليِّ ولا نصير }. الشورى35
هذه الآية تدل بصراحة لا تقبل التأويل ، على أن الظلم والفقر من صنع الناس لا من صنع الله  ومن فساد الأنظمة والأوضاع ، لا من حكم الله وشريعته ، وحتى القحط وحبس الغيث سببه البغي والفساد لقوله تعالى:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}.الشورى 30
إن ظهور الفساد وانتشار الفقر والمرض والجهل هو من حكم الأرض لا من حكم السماء ومن أيدي الناس الذين أماتوا الحق وأحيوا الباطل   ولو أن الأمة التزمت الحق وعملت به لعاشت في سعادة وهناء  .
إن الانحراف عن منهج الله يؤدي إلى فساد الأوضاع وشقاء البلاد والعباد ، وإن التركيز على صلاح الفرد والأسرة أولاً ، لا يعتبر الطريق الصحيح لصلاح المجتمع بكامله ، لأن مجرد صلاح فرد من الأفراد لن يجدي مادام بين قوم فاسدين ، بل قد يجر صلاح الفرد البلاء والشقاء عليه نفسه بدليل قوله تعالى:{واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.الأنفال 252
فهذا دليل على أن الآثار السيئة لمجتمع سيئ ، تعم جميع أفراد المجتمع الصالح والطالح ، ولا شك في إن المجتمع الكسول الخانع الخاضع للعسف والجور  لا بد أن يعيش أفراده في الذل والهوان ، لذا دلت الآيات القرآنية على أن الإيمان الموجب للرزق هو الإيمان بالله مع  العمل بجميع أحكامه ومبادئه ، لا الاقتصار على إقامة الصلاة أو الذكر وترديد التعاويذ ، نعم هذه من الأعمال الصالحة التي يثيب الله عليها ، لكن العمل الصالح لا بد له من القاعدة الأصيلة ليرتكز عليها وهي الإيمان لقوله تعالى:{من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن } النحل 97 
فبغير هذه القاعدة لا يقوم بناء ، وبغير هذه الرابطة لا يجتمع شتات ، إنما هو هباء كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، والعقيدة هي المحور الذي تُشدُّ إليه الخيوط جميعاً ، لأنها هي التي تجعل للعمل الصالح باعثاً وغاية ، فتجعل الخير أصيلاً ثابتاً يستند إلى أصل كبير لا عارضاً مزعزعاً يميل مع الشهوات والأهواء حيث تميل   فالذين يتصورون الإيمان بالله وتقواه مسألة تعبدية بحتة لا صلة لها بواقع الناس في الأرض ، لا يعرفون الإيمان ولا يعرفون الحياة ، لأن المنهج الإيماني للحياة لا يجعل الدين بديلاً عن الدنيا  ولا يجعل سعادة الآخرة بديلاً عن سعادة الدنيا  ولا يجعل طريق الآخرة غير طريق الدنيا ، صحيح أن النظم والأوضاع هذه الأيام لبعدها عن الله وعن منهجه في الحياة ، تباعد بين طريق الدنيا وطريق الآخرة وتحتم على الذين يريدون البروز في المجتمع والكسب من المنافع الدنيوية أن يتخلوا عن طريق الآخرة وأن يضحوا بالتوجيهات الدينية ، كما تحتم على الذين يريدون النجاة في الآخرة ، أن يتجنبوا تيار هذه الحياة وأوضاعها القذرة   والوسائل التي يصل بها الناس في مثل هذه الأوضاع إلى البروز في المجتمع ، لأنها لا يمكن أن تكون موافقة للدين ولا مرضية لله ، لأن الأصل أن يكون الإيمان والتقوى والعمل الصالح هي أسباب عمران هذه الأرض ، وأنها هي وسائل الحصول على رضوان الله وثوابه ، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا حين تقوم الحياة على منهج الله   الذي يجعل العمل عبادة ، ويجعل الخلافة في الأرض وفق شريعة الله فريضة ، والخلافة عمل وإنتاج ووفرة ونماء ، وعدل في التوزيع يفيض به الرزق على الجميع من فوقهم و من تحت أرجلهم لقوله تعالى :{ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل   وما أُنزل إليهم من ربهم ، لأكلوا                              من فوقهم ومن تحت أرجلهم}.المائدة66 .
وقال تعالى :{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا   لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.الأعراف 96.
قد يقول قائل : إننا مسلمون فلماذا لا نجد السعة في الرزق ؟ ولماذا يحل بنا الجدب والمحق ؟ بينما نرى أمماً لا يؤمنون ولا يتقون مفتوحاً عليهم في الرزق والقوة والنفوذ ، فأين هي السنة التي لا تتخلف ؟
إن الذين يقولون ذلك لا يخلصون عبوديتهم لله  ولا يحققون في واقعهم شهادة أن لا إله إلا الله  إنهم يسلمون رقابهم لعبيد منهم يتألهون عليهم ويشرعون لهم ، والمؤمن لا يدع عبداً من العبيد يتأله عليه ويصرف حياته بشرعه وأمره ، ويوم كان أسلافنا مؤمنين حقا ، دانت لهم الدنيا وتحقق لهم وعد الله ، والمؤمن لا يكتفي بالوعظ والإرشاد لأن الإسلام نظام عملي وتنظيف الروح لا يتم بالوعظ ولإرشاد إذا كان المجتمع فاسداً والنظام منحلاً والاقتصاد جائراً والسياسة غير نظيفة ، وحتى نصل إلى الهدف المنشود ، لا بد من إقامة نظام اقتصادي عادل ونظام اجتماعي متوازن ونظام سياسي راشد على أساس الإسلام  ولا يجوز أن ننخدع بما وصلت إليه الأمم التي لا تؤمن ولا تتقي ولا تطبق منهج الله في حياتها    ولكن لديها ما لديها من وفرة الخيرات وضخامة الإنتاج والتقدم التقني .
إن الإيمان والتقوى والعبادة والصلة بالله وإقامة شريعته في الحياة ، كل أولئك ثمرته للإنسان وللحياة الإنسانية . فالله سبحانه وتعالى غني عن العالمين ، وإذا شدد المنهج الإسلامي على هذه الأسس ، ورد كل عمل وكل نشاط لا يقوم عليها ، فليس هذا لأن الله سبحانه يناله شيء من إيمان العباد وتقواهم وعبادتهم له ، ولكن لأنه _سبحانه _ يعلم أن لا صلاح لهم ولا فلاح إلا بهذا المنهاج ... لذا علينا أن ندرك أن كل ذلك لحسابنا ومن أجل صلاح البشرية جميعا .
ففي الحديث القدسي : عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال :{يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً  فلا تظالموا .. يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته  فاستهدوني أهدكم .. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم .. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته  فاستكسوني أكسكم .. يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار   وأنا أغفر الذنوب جميعاً  فاستغفروني أغفر لكم ..يا عبادي  لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني .. يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم   وأنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ... يا عبادي  لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم   كانوا على أفجر قلب رجل واحد ، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً .. يا عبادي لو أن  أولكم وآخركم  وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني  فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي   إلا كما ينقص المخيطُ إذا أُدخل البحر .. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيراً فليحمد الله  ومن وجد غير لك فلا يلومن إلا نفسه}. رواه مسلم          
          

                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق