للمسجد
الأقصى منـزلة عظيمة في عقيدة كل مسلم من حيث أنه أولى القبلتين ومسرى رسول الله e
وثالث الحرمين . وأرضه أرض إسلامية لا يملك أحد من المسلمين رقبتها ولا التنازل
عنها لأحد ، فما بالنا إذا كان التنازل لليهود ؟
الذين استثناهم عمر بن الخطاب من سكناها عندما أعطى لأهل القدس عهدا ، وما
سمي بالعهدة العمرية قال : "ولا يسكن
بإيلياء أي القدس معهم أحد من اليهود " . وعليه فإن الاعتراف بهم يعتبر باطلا
شرعا وغبر ملزم للمسلمين .
وقد
يقول قائل ما هو البديل ؟ نجد البديل في كتاب الله حيث أرشدنا إلي الطريق الواجب اتباعه
فقال : )ولا تهنوا ولا تحزنوا
وأنتم الأعلون (
وقال : )
ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون (
وقال : )
فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون (
.
لقد
بلغت الإجراءات الإسرائيلية لتهويد القدس والمسجد الأقصى حداً لا يخفى على
أحد والذي تمثل بسن القوانين والتشريعات
التي تضمن لهم ذلك ، كتوسيع حدود بلدية القدس لضم أكبر مساحة ممكنة بأقل عدد من
السكان العرب ناهيك عن الإجراءات التعسفية
كحل مجلس أمانة القدس العربية وإلغاء القوانين الأردنية واستبدالها بتشريعات
إسرائيلية ، وإزالة الكثير من الأحياء العربية ومصادرة الأراضي والعقارات ، وتوالي
عمليات الهدم والإزالة ، وفرض الضرائب المتعددة ابتداءاً بضريبة الدخل وانتهاءاً
بضريبة الأرنوتا والتي تصل إلى سبعين
دولاراً على المتر المربع الواحد سنوياً ، أضف إلى ذلك رسوم التأمين الوطني ورسوم
الإعلام ، وغير ذلك من الإجراءات التي لا يتسع المقام لذكرها ، وما يهمنا هو
التذكير بخطورة وضع القدس ، وما يرافق ذلك من التراخي العربي والإسلامي في نصره
قضية القدس ، والذي قد يؤدي إلى التنازل عنها بحجة عدم القدرة على حرب اليهود ونقص الدعم العربي والإسلامي ، ناسين أنها
أمانة عظيمة في أعناقهم سوف يسألهم الله عنها ، ولا أدري ماذا ينتظر المسلمون ؟
هل
ينتظرون أن يحوَّل الأقصى إلى معبد يهودي ؟
أم
أن احتمال تحقيق الوهم العربي بعودتها عن طريق عملية الدجل الكبرى المسماة بعملية
السلام سيحول دون ذلك ؟
إن
الأحداث الأخيرة في فلسطين ، أثبتت أن الأمة بخير وأنها مستعدة للجهاد ولدى
أبناءها كامل الاستعداد للبذل والفداء ، مع أنهم عزّل ومجردين من السلاح للدفاع المشروع عن
أرضهم إلا من الحجارة .
إن
ردة الفعل لزيارة شارون إلى باحة المسجد الأقصى لم تكن متوقعة فقط بل كانت منتظرة
من الجيش الإسرائيلي ، الذي أعد نفسه لمثل هذا اليوم فمنذ حادثة النفق عام 1996
وشارون لم يكن ليبادر بمفرده بخطوة كتلك الخطوة البعيدة الأثر على الحكومة
الإسرائيلية بأسرها ، لولا أن باراك قد بارك خطوته هذه .
إن
من غرائب وعجائب العملية السلمية أنها استمرت ما يقارب العشر سنوات للبحث في كل
قضايا الصراع ، إلا المسائل المهمة والخطيرة والمعقدة وهي القدس و العودة و الحل
النهائي ... وأخيراً تبـرع الراعي الأمريكي بعشرة أيام في كامب ديفيد للفراغ منها
وتكرّم بأربعة أيام أخرى ليكون نصيب البقعة المباركة التي ظلت تحت ظل الحكم
الإسلامي أربعة عشر قرناً تحتاج إلى أربعة عشر يوماً لنقل ملكيتها إلى من سرقوها
واغتصبوها بصكوك دائمة تحت عنوان الحل النهائي . وقد ظهر عملياً في مفاوضات الحل
النهائي في كامب ديفيد ، أن القدس كلها كانت في كفة وما اسماه اليهود جبل الهيكل في كفة وجبل الهيكل هو الاسم الإعلامي الدولي للمسجد
الأقصى والصخرة المشرَّفة ، وأثبت اليهود أن قادتهم من أمثال بن جورين وبيجن
وغيرهم ، كانوا يعنون ما يقولون عندما رددوا مراراً أن لا قيمة لإسرائيل بدون
القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل .
ومن
هنا يمكن القول من الناحية الواقعية ، أن كامب ديفيد الثانية قد اختُصرت فيها أزمة
الشرق الأوسط ، وأعيدت إلى نقطة المركز وهي المسجد الأقصى والسيادة عليها هل هي
للمسلمين أم لليهود أم للنصارى ؟ وهو ما صرح بذلك وزير الخارجية الإسرائيلي شلوبن
عامي قال :" لقد أصبح الصراع في الشرق الأوسط صراعاً على أرض المسجد"
وهي الحقيقة الدينية الصرفة التي أفصح
عنها الخطاب الإسرائيلي والأمريكي فيما
يتعلق بالمسجد الأقصى ، أما لخطاب الغربي السياسي والإعلامي ، فقد تكلم باللهجة
نفسها بخصوص السيادة على أرض الحرم القدسي ، وقد بدأ الخطاب العربي العلماني
هزيلاً وهو يتحدث عن المقدسات والحرمات .
ومن
المثير للدهشة أن يتحدث عن القدسية أقوام
انتهك أكثرهم كل شيء مقدس في الدين ، بدءاً من الشريعة المبعدة عمداً وقصداً عن
الحياة العملية وانتهاءاً بمحاربة التدين والمتدينين سراً وعلناً .
ومن
الملفت للنظر أن نسمع عن مغادرة الوفد الإسرائيلي لمكان التفاوض كلما حل يوم السبت
احتراماً له ، بينما ما زلنا نرى النظم المعمول بها لا تمانع في أكثر بلاد
المسلمين من ممارسة الأعمال الحياتية وقت صلاة الجمعة استهانة بها .
وما
حصل أن هبت الروح الإسلامية للذود عن المقدسات بعد إفلاس الزعامات اللادينية وليجد
الفلسطينيون أنفسهم بعد خراب مالطة قوة عزلاء شلاّء تقف وجهاً لوجه أمام القوات
الإسرائيلية بأسلحتها الفتاكة .
إن
المتتبع لتسلسل أحداث القضية الفلسطينية
والتي استندت في النهاية إلى رجل واحد يتكلم باسم أكثر من مليار مسلم بشأن
المقدسات فكانت اللقاءات السرِّية باليهود
في العواصم الأوروبية ، التي وافقوا فيها على إلقاء السلاح وأن يستمروا على الخط
السياسي . وأخذ يجتهد نيابة عنهم ويتفاوض
ويتفق ويوقع سرّاً وجهراً مختاراً ومكرهاً
بالوكالة والأصالة عن العالم الإسلامي بأسره ، الذي وقف منذ زمن طويل موقف المتفرج
على ما أطلق عليه العلمانيون الصراع العربي الإسرائيلي ، وبذلك ذهبت التضحيات
النفسية والبدنية والمالية أدراج الرياح
وحقق الغرب الكافر ما كان ينتظره منذ اكثر من أربعين سنة ، بانتزاع اعتراف
الفلسطينيين بالدولة اليهودية في فلسطين ، وتوقيع اتفاقية السلام مقابل الأرض ،
مما أسفر عن الوضع الجديد الذي أحرق الفلسطينيين بناره ، لأن الوضع الجديد لا
يتعدى أكثر من كانتونات هزيلة ممزقة وموزعة هنا وهناك وكأنّها فُصِّلت تفصيلا
لحراسة الكيان اليهودي وتحت رحمة حرابه ، علماً بأنه لا تتوفَّر في الضفة والقطاع
مقومات الدولة ، وكيف يكون ذلك وما يربط بينهما عبارة عن جسر علوي يسهل نسفه متى
أرادت إسرائيل ، إضافة إلى أنها مزروعة بالمستوطنات اليهودية ، كما لا يمكن لهذه
الدولة الدفاع عن نفسها وعن أمنها الخارجي ، والذي بقي بيد إسرائيل كما نصت على
ذلك اتفاقية أسلو ، والتي سمحت بإنشاء
شرطةٍ قوية مهمتها الحفاظ على الأمن الداخلي وإذا أحكمت إسرائيل الطوق على هذه
الدولة التي تعتمد في مواردها على ما يقدم لها من مساعدات ومنح من الدول الغربية ،
فإن الناس لا يجدون الطعام ، فهم يعيشون ويقتاتون لهم ويُعمِّرون ويبنون لصالحهم في ذِلَّةٍ وصغار .
وعندما ضعفت الآمال بالسيادة الفلسطينية على القدس طلب باسم السلطة إسناد تلك
السيادة إلى العالم الإسلامي ولكن أنى
للمتفرجين المستبعدين طيلة عقود ، أن يتحولوا إلى مشاركين أساسيين في اللعبة التي
لم يفهموها أو يشاركوا في صنع تطوراتها ، وقد رُفض الطلب قبل أن يفصح عن المطلوب .
تردد
في الأنباء أن كامب ديفيد الثانية تخطت أكثر من 80 % من المسائل المعلقة والمتمعن
في مجريات الأحداث السياسية ، يرى أن أخطر الاتفاقات والمعاهدات لم يتم التوصل
إليها إلا سرّاً وعبر مفاوضات متكتم عليها ، ثم ترفع المداولة بشأنها لكي تعلن
النتائج في وقت أكثر مناسبة لذا أجل إعلان قيام الدولة فلسطين مراراً لأن الوقت لم
يحن ، وقد لمست السلطة من دول أوروبا بأن الدولة لأن يؤيدها أحد ما لم يأذن بها
اليهود وعندما يحين وقت تنفيذ القرارات ،
سيتوالى الاعتراف الدولي بالقدس عاصمة لإسرائيل
وعندها يكون مسموحاً بالإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس
عفواً أبو ديس لأنه حصل ما يشبه الاتفاق على اعتبارها العاصمة حال قيام الدولة ،
وقد أطلق عليها اسم القدس وهذا ما كشفته
صحيفة نيوزويك الأميركية في منتصف أيلول سنة 2000 ولم نسمع عن نفي للخبر من الجهات
المعنية ، ولم يكشف لنا عن السر في اختيار أبو ديس مقراً للبرلمان الفلسطيني الذي
تم بناءه بالفعل في أبو ديس ، والتقطت له الصور ونشرت بالصحف .
وما
يتردد عن الحلول في ظل الشرعية الدولية أي شرعية اليهود والنصارى الذي تطالب به
السلطة فإنه يعيد القضية إلى نقطة الصفر
حيث كانت قبل أكثر من خمسين عاماً يوم اتخذ قراراً في المنظمة الدولية بوضع القدس
تحت الوصاية الدولية وهو احتمال وارد فإن
العرب يكونوا بذلك قد أحبطوا أنفسهم نصف قرن بجهده وجهاده حرباً وسلماً وكأنك يا
أبو زيد ما غزيت .
وهناك
اتجاه إلى تقزيم قضية القدس على مستوى العالمين العربي والإسلامي حتى تصيح قضية
سلطة بلدية في ظل قيادة فردية ، ولما لمست المنظمة تصلب الموقف الإسرائيلي
والأميركي برفض السيادة على القدس ، اقترحت أن تسند السيادة عليها إلى العالم
الإسلامي وبالرغم من هذا التنازل فقد رفض الإسرائيليون ذلك .
إن
المنظمة التي قامت على أشلاء كثيرين قاتلوا وجاهدوا في الستينات والسبعينات والذين
لم يكونوا يقبلون أي سلام مع اليهود ، قد صوَّرت للفلسطينيين بأن الاتفاق مع
إسرائيل هو المخرج الوحيد من حياة البؤس والشقاء في مخيمات الذل وأنه سيعود عليهم بالدعم المالي والمساعدات
الدولية من كل جانب ، ولكن زيادة معدلات البطالة مروراً بالغلاء الفاحش إلى إنخفاض
مستوى المعيشة كان ذلك مدعاةً للإحباط ، أضف إلى ذلك ما كشفته الأيام عن حقيقة
الاتفاق وبنوده وما يترتب عليه ، والذي اتضح مع الأيام من أن المهمة الأولى للدولة
الموعودة هي حماية أمن إسرائيل وحدودها وتنفيذ أوامر الموساد والمخابرات الأميركية
، حتى أن أي عملية جهادية يقوم بها فلسطيني ضد إسرائيل تعتبر خرقاً للميثاق
وتراجعاً عن العهود . أضف إلى ذلك ما لمسه كل فلسطيني من ضعف هذا الكيان وحجم
المأساة التي وصلوا إليها بعد صبرهم الطويل ، وما يزيد من حجم الألم أن أكبر مسؤول
لا يستطيع الدخول أو التنقل إلا بإذنٍ من السلطات الإسرائيلية .
أما
ما يجري في المخيمات الفلسطينية فإنه يهدف إلى تفكيكها وتشتيت الفلسطينيين الذين
يعيشون فيها ، وقد وصفتها إسرائيل بأنها مجتمعات الحقد والكراهية وقد خرجت في
الآونة الأخيرة دعوات داخل الدول المضيفة لهذه المخيمات ظاهرها الرحمة والشفقة مطالبةً بإعادة تأهيل
هذه المخيمات وتحسين حالة الفلسطينيين فيها
وحقيقتها الاستجابة لمطالب اليهود بتفكيك بنية هذه المخيمات وإزالتها
نهائياً .
إن اليهود ليسوا أكثر من تجار دولتهم
تلمودهم يحملونه حيثما وجدوا وأينما
كانوا فهذا حالهم على مرِّ العصور ، حتى
أنه قيل على لسان بن جوريون : "إنه يخشى أن لا يُدفن حفيده في فلسطين "
، إنهم على يقين أكثر منا بأنهم غرباء عن المنطقة وسيغرقون في بحرها ، لولا
الخيانات التي ساهمت مساهمة فعّالة في إيجاد دولة اليهود وحمايتها وتثبيتها إلى
هذه الأيام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق