قال تعالى : { لتجدَنَّ أشد الناس عداوةً للذين
آمنوا اليهود والذين أشركوا }المائدة 82 .
إن المتمعن في هذا النص القرآني ، ومقارنته بالواقع التاريخي
، منذ مولد الإسلام وحتى هذه الأيام التي يدنس فيها اليهود أرضنا ، ليدل على أن
عداوتهم للمسلمين ، هي أشد وأقسى واعمق إصراراً وأطول أمداً من عداء الذين أشركوا
.
ولا يستغرب ذلك من اليهود ، فما نراه اليوم من تعنت وتشدد في
المواقف ، يدل على هذا العداء والكيد الذي دلت عليه الآيات القرآنية في كثيرٍ من
الإشارات والتقريرات ، والذي فيه ما يكفي لتصوير تلك الحرب المريرة ، التي شنها
اليهود على الإسلام في تاريخه الطويل ، والتي لم تهدأ لحظة واحدة ، وما تزال حتى
هذه الأيام .
لقد استخدموا كل الأسلحة ، والوسائل التي تفتقت عنها عبقريةُ
المكر اليهودية ، ابتداءً من قرون السبي في بابل والعبودية في مصر والذل في الدولة
الرومانية ، لم يجد اليهود لهم ملاذاً إلا دار الإسلام الذي وسعهم بعد ما ضاقت بهم
الأقطار على مدار التاريخ ، ولكنهم ردوا للإسلام جميلة أقبح الكيد والألم والمكر ،
فقد ألبوا على الإسلام والمسلمين كلَّ قوى الجزيرة العربية المشركة وراحوا يجمعون القبائل المتفرقة لحرب الجماعة
المسلمة ، ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا . ولما غلبهم
الإسلام بقوة الحق يوم أن كان الناس
مطبقين للإسلام ، استداروا يكيدون له بدس المفتريات في كتبه ، ولم يسلم من ذلك
الدس ، إلا كتاب الله الذي تكفل الله بحفظه .
لقد كانوا يكيدون للإسلام بالدس بين صفوف المسلمين ، وإثارة
الفتن عن طريق استخدام حديثي العهد بالإسلام ، ومن ليس لهم فيه فقه من مسلمي
الأقطار . ويكيدون له أيضاً يتأليب خصومه عليه في أنحاء العالم ، حتى انتهى بهم
المطاف أن يكونوا في العصر الأخير هم الذين يقودون المعركة ضد الإسلام في كل شبر
على وجه الأرض ، وهم الذين يسخرون الصليبية والوثنية في هذه الحرب الشاملة ضد
الإسلام وظل ذلك شأنهم منذ بداية دولة
الإسلام في المدينة المنورة وحتى دولة الخلافة الأخيرة في الأستانة ، فقد كان
اليهود وراء إثارة النعرات القومية ووراء الانقلابات ، التي ابتدأت بعزل الشريعة
عن الحكم ، واستبدال الدستور في عهد السلطان عبد الحميد ، وانتهت أخيراً بإلغاء
الخلافة جملة على يد اتاتورك اليهودي .
إن الحرب التي شنها اليهود على الإسلام ، أطول أمدا وأعرض
مجالا ، من تلك التي شنها عليه المشركون والوثنيون على ضراوتها قديماً
وحديثاً وليس هناك عداءً يماثلة عداء اليهود للإسلام في طول الأمد ، إلا
معركة الصليبيين . إن اليهود هم هذه الجبلةِ الشرِّيرة ، التي تحقد على الإسلام وأهله ، ولن يخلّص العالم
منهم ، إلا الإسلام يوم يفيءُ أهلهُ إليه .
لقد سجل التاريخ أن اليهود كانوا من أشد من وقف في وجه هذا
الدين ، حرب أصرّوا عليها ودأبوا وما يزالون يُصرَّون ، فقد استخدموا من ألوان
الحرب والكيد والمكر ، أضعاف ما استخدموه
طوال القرون الماضية ، وفي هذه الفترة بالذات ، تعالج الصهيونية إزالة هذا
الدين بجملته ، وتحسب أنها تدخل معه معركته الأخيرة الفاصلة ، لذا فهي تستخدم جميع
الأساليب التي جربتها في الماضي بالإضافة
إلى ما استحدثته منها جملة واحدة ، هذا في الوقت الذي يقوم فيه ممن ينتسبون إلى
الإسلام ناسٌ يدعون في سذاجة ، إلى التعاون بين أهل الإسلام وأهل بقية
الأديان الذين يَذبحون من ينتسبون إلى
الإسلام في كل مكان ، ويشنون عليهم حرباً تتسمُ بشاعةً لا يمكن تصورها .
إن هناك مؤامرة على المسلمين ، هدفها ضرب كرامتهم ومقومات
وجودهم ، وبالتالي إخضاعهم . إنهم يعملون كلَّ ما يسعهم عمله لتحل محل الإسلام عقائدُ ومذاهبُ علمانية تعمل على تطور الأخلاق ، لتصبح هي أخلاق
البهائم والعمل على تطوير الفقه لتحليل الربا والاختلاط الجنسي وسائر المحرمات التي حرَّمها
الإسلام .
إن عمل اليهود ينصبُ دائماً على تلبيس الحق بالباطل وكتمان
الحق ، بقصد بلبلة الأفكار في المجتمع المسلم ، وإشاعة الشك والاضطراب وقد زاول اليهود هذا التلبيس وكتمان الحق في
كل مناسبة عرضت لهم ، وكانوا على مدار التاريخ عامل فتنه وبلبلة في المجتمع
الإسلامي وعامل اضطراب وخلخلة في الصف
المسلم . وعلى هذا فإن من واجبنا تحذير المسلمين من كيدهم ومكرهم ، فلا ننخدع
بأموالهم ووسائلهم الماكرة في الفتنه والتضليل والمكر والدس ، وما يزالون يضللون
الأمة عن دينها ويصرفونها عن قرآنها ، فهم في أمن ما دامت الأمة الإسلامية بعيدة
عن دينها و قرآنها ، لأنهم يعرفون العقيدة الإيمانية والمنهج الإيماني والشريعة
الإيمانية هي الطريقة والخلاص ليس غير .
إن طبيعة اليهود تحس أن كل خير يصيب سواها كأنما هو مقتطع
منها ، فهم يريدون كل شيء مقابل لا شيء . إنهم يتربصون بالبشرية الدوائر ويكنون للناس البغضاء ، ويعانون عذاب الأحقاد
والضغائن ، ويذيقون البشرية رجع هذه الأحقاد
فتناً يوقدونها وحروباً يثيرونها بين الشعوب ، إنهم متعصبون لأنفسهم وجنسهم ، يكرهون أن يمنح الله شيئاً من فضله
لسواهم .
إن المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت
ضد المسلمين ، هي معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها ، لقد جربوا حماس المسلمين لدينهم وعقيدتهم ، حيث
واجهوهم تحت راية العقيدة ، ومن ثم استدار الأعداء فغيروا أسلوبهم فلم يعلنوها
حرباً باسم العقيدة خوفاً من حماس العقيدة ، إنما أعلنوها باسم الاقتصاد والسياسة
ومراكز القوى العسكرية وما شابه ذلك . ثم القوا في روع المخدوعين الغافلين منا أن
حكاية العقيدة قد صارت حكاية قديمة ، فإذا ما ذكرت ضرورة العمل لإعادة الخلافة ، نظروا إليك باستهجان واستغراب
، فلا يجوز رفع رايتها وخوض المعركة باسمها حتى يأمنوا جيشان العقيدة وحماسها .
إن معركتنا معهم هي معركة العقيدة ، وليست معركة الأرض ، ولا
المراكز العسكرية ، ولا هذه الرايات المزيفة كلها ، يزيفونها علينا لغرض في نفوسهم
دفين ، ليخدعونا ويصرفونا عن حقيقة المعركة وطبيعتها ، والله يحذرنا ونحن نبتعد عن
توجيه الله لنبيه ﷺ ولأمته وهو
أصدق القائلين {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }البقرة 120 ، ذلك هو الثمن الوحيد الذي يريدونه ، وهو ما
حذَّرنا الله منه في الأمر الجازم الذي يتمثل في قوله تعالى : {قل
إن هدى الله هو الهدى}الأنعام 71 ، ذلك على سبيل
الحصر والقصر هدى الله هو الهدى ، وما عداه ليس بهدى ، فلا ترضية على حسابه ولا مساومة في شيء منه قليل أو
كثير ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، والحذر كل الحذر من الميل إليهم أو
مصادقتهم أو التودد إليهم وقد هدد الله وتوعد المخالفين فقال تعالى :{ولئن
اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك
من الله من وليٍ ولا واق}الرعد 37 . وإذا
كان هذا موجهاً لنبي الله ورسوله وحبيبه فسيكون ذلك أشد لبقية الخلق { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب
أو القى السمع وهو شهيد } .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق