الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

هل القمة تمثل الموقف الإسلامي


إن المتتبع للأحداث الجارية في العالم يجد أن الأمة مفتقرة لوحدة الكلمة والرأي ، فضلاً عن وحدة الهدف والوسيلة ، فقد تعددت الآراء والمواقف حول جدوى مؤتمر القمة ، فتحول بعضها إلى علامات استفهام أو التعجب الذي تحوَّل إلى علامات استهجان وترقب للإجابة عن السؤال الكبير ، الذي يدور في خلد كل مسلم مخلص  من يمثل الموقف الإسلامي الصحيح ؟ وقد يتكرر هذا السؤال بلسان المقال ، وأحياناً بلسان الحال  ثم لا يلبث المتسائل أن يُخْلِد إلى التناوم أو التناسي ، هرباً من ضغوط الاحباطات والصدمات من جراء التعارض والتناقض ، بين ما يسمع وما يرى .
 هناك من يتكلم بلغة التنديد ومن يتكلم بلغة التأييد ، فاحتج المنددون بأن الاستجابة للضغوطات إهانة وخيانة للأمة ، وتضحية بمبادئها التي تحرِّم وتجرِّم مسايرة الدول القوية والاستجابة لمطالبها الظالمة ، بينما تطلع الفريق الثاني إلى إخراج الأمة من الوقوع في محنة الاحتلال ، وقالوا بجواز الاعتراف بدولة اليهود والتطبيع مع عصابتهم ، وعقد الصلح الدائم معهم والاعتراف بهم ، ناسين أنهم لا يمثلون في هذه القضية الموقف الإسلامي الصحيح ، وقد أبرزت الأحداث في فلسطين غياب الموقف المساند للحق كما يريد الحق سبحانه ، علماً بأن رسول الله e أخبر بأنهم موجودون لم يخل منهم زمان فقال: e ( سألت ربي ألا يجمع أمتي على ضلاله فأعطانيها ) .رواه احمد في مسنده
فلماذا يجمع زعماء الأمة على الضلالة ؟ بل وأين اجتماعهم على الحق ؟ ونحن نعاني من ظلم اليهود وبطشهم ، وإن شدَّة المعاناة والضعف وثقل الهزيمة وخور العزائم وغلبة اليأس ، كثيراً ما يبعث في النفوس التعلل بالأماني الكاذبة ، والهروب من الواقع المؤلم إلى أطياف الأحلام ، لعلنا نجد السلوى من الآلام والهزائم ، وما هي في الواقع إلا أضغاث أحلام أو سراباً من الأوهام } يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا { وقد اثبت واقعنا الذي نعيش أن الذي يعيش في عالم الأحلام الموهوم ، جدير به أن يقول ما لا يفعل   وأن يفعل ما لا يرضى عنه عقل ولا دين ، وهنا يكمن الخطر الذي يوجب على الأمة أن تستيقظ وترفض المساومة على حقوق الأمة المشروعة .
 في الوقت الذي قرر حكام العرب اجتماع القمة  وهو لقاء خطير وهام وعظيم ، لأن أي قرار يتخذه لا يدعو إلى إعلان الجهاد ، والتمسك بالدين عقيدة وشريعة لا فائدة منه ، لأنه لا نصر ولا توفيق بدون العودة إلى الله والتمسك بمبادئ الدين ، هذا بالإضافة إلى أن يصدق العمل القرارات التي تتخذ ، لأن علامة الصدق في القول أن يتبعه العمل ، ونحن بحاجة ماسة إلى أن يفي الحكام بالواجب الذي رسمه الله لعباده في شريعته التي جاء بها رسول الله e ، والمسؤولية في هذا الاتجاه كبيرة وحاسمة ، وهم يعلمون ذلك ولا ينقصهم إلا التطبيق العملي .
فما أحوجهم لأن يتماسكوا ويسيروا على طريق الحق ، طريق القوة والمنعة طريق الإسلام  الذي دعا الله إلى التمسك به ديناً ومنهج حياة ، وإنا لنرجوا الله أن يعودوا إلى شريعة الله  ويعملوا على تطبيقها في كل شؤون الحياة ، فكم هو جميل اللقاء الأخوي ، ولكن الأجمل منه اتخاذ القرارات الحازمة التي تتبعها الأعمال الجادة ، بعيداً عن  الوقوف عند الوعود والأقوال ، واتخاذ قرارات تعمل على رفع العار والذل ، الذي تعاني منه الشعوب التي تتطلع بشوق ولهفة إلى اتخاذ القرارات التي تحقق للأمة النصر .
لقد سئمت الأمة الكلام والخطب ، وهي تنادي كل ذي قلب يعي أن لا حاجة الآن لأقوال مجردة عن الأفعال لأن الأمة بحاجة إلى أعمال إيجابية  تلبية لنداء الله:} وقل اعملوا فسيرى الله عملكم (
ففي كل اجتماع أو مؤتمر يعقد ، يذاع البيان الختامي الذي يطمئن على أن اللقاءات كانت مثمرة للغاية وهادفة وناجحة ، تساعد على وحدة الصف والهدف ، ولكن الشعوب في كل مرة يسمعون كلاماً ووعوداً ، لا يلمسون لها حقيقة في واقع التطبيق العملي . وفي هذه القمة لم تتخذ القرارات الداعمة للمقاومة .
 لقد نسي الذين اجتمعوا أو تناسوا وجوب الالتزام بكتاب الله وسنة رسول الله شريعةً ومنهج حياة ، الذي خلا منه البيان الختامي ، كما هو الحال في كل قمة عقدت من قبل  وخلا من المطالبة بوجوب إلزام إسرائيل بالكف عن ممارسات القتل والقمع لشعب فلسطين  والتزامها بالقرارات الدولية وإلا فالحرب والمقاطعة  ولأن البيان خلا من قرارٍ كهذا فقد كانت رسالة إسرائيل للمؤتمر دخول دباباتها وعرباتها المصفحة إلى مدن الضفة .   
هذه المواقف تذكرني بقصة أبي جعفر المنصور  حين وقف يوماً خطيباً في جماعة من الأعراب فقال : " أيها الناس احمدوا الله على أن وهبني لكم ، فإنني منذ وليت أموركم أبعد الله عنكم الطاعون ، فقال له أحد الحاضرين " إن الله اكرم من أن يجمع علينا الطاعون والمنصور ". وبقصة ذلك الوالي الذي وقف يخطب الناس فأرْتِجَ عليه فمكث ساعة ثم قال : والله لا أجمع عليكم عيّاً ولؤماً ، من أخذ شاةً من السوق فهي له وثمنها علي " . ما أكثر ما يجمع على الأمة الإسلامية هذه الأيام ، من عيّ ولؤم وفساد وإلحاد وعمالة وخيانة ، والمخفي أعظم والله المستعان .
فقد صدرت القرارات وجاء الإعلان بنجاح القمة   إلا أن الحقيقة ظلت تائهة ضائعة  ولو وجد من يقول للمجتمعين عودوا إلى دينكم ، وضمنوا بيانكم الختامي ضرورة الالتزام بالإسلام نظاماً ومنهج حياة ، والعودة إلى الجهاد لحماية الأهل واسترداد ما فقد من الأرض ، أقول لو وجد من يقول ذلك ، لأداروا له ظهورهم وقلبوا له شفاههم  وجعلوه سخرية الاجتماع ، وأخذوه مأخذ الهزل واستخفوا بما قال ، علماً بأننا إن لم نتخذ منهج ربنا دستوراً لحل قضايانا ، فإن معالجة ما تعاني منه الأمة داخلياً وخارجياً هو حلم حالم .   
 إن من بين العرب والمسلمين من يؤيدون السياسة الإسرائيلية . وهم كثرٌ لا أستطيع حصرهم  وبالمناسبة تذكرت قصة الرجل الذي حلف بالطلاق أن الحجاج في النار فأتى ابن شيرمه يستفتيه فقال : يا ابن أخي امضي فكن مع أهلك  فإن الحجاج إن لم يكن من أهل النار فلا يضرّك أن تزني  .
كيف نأمل الخير في الاجتماعات واتخاذ القرارات  وقد تخلينا عن قرآننا ، فأصبحنا أضحوكة الأمم ومهزلة التاريخ ، فلا نعيش إلا تابعين ولا نحيا إلا موجهين ، تُرسم لنا الطريق ونبحث عن سند وصديق ، متناسيين أن الأقوياء لا صداقة عندهم  لأن همهم مصلحتهم وما يحقق مجد أمتهم .
إننا نعيش حياة الذل بدل مجد ضيعناه ، ونهوى الهزيمة بدل النصر الذي فقدناه يتفاوض على قضايانا الأقوياء ، حتى غدونا سلعاً تباع في الأسواق ، أسواق السياسة الدولية .
إن عزتنا وقوتنا لن تكون إلا بالإسلام ، لأنه عماد صمودنا وباعث مقاومتنا ، ومكون حضارتنا وحافز تقدمنا ، وذخيرتنا التي لا تنفذ مع الأيام ، إننا بالإسلام نتحرر من اليأس ولاستسلام ، لأنه يولِّد فينا الثقة بالنصر والتصميم على الجهاد ، ويدفعنا إلى الأخذ بما يحقق النصر وأسبابه ، ويرتفع بنا إلى ذروة التضحية .
لقد عايش المسلمون قديماً أوضاعاً تشبه الأوضاع العالمية هذه الأيام ، كان الروم يومئذٍ يمثلون الدولة الأولى في العالم ، صحيح أن الفرس نازعوهم السيادة ، غير أن حرباً نشبت بين القوتين العظميين انتهت بانهزام الفرس انهزاماً ساحقا ، فانفرد الرومان بالسطوة في أرجاء العالم كله ، تماماً كأمريكا هذه الأيام ، وقد قام الرومان بمطاردة الدعاة الإسلاميين ومنعهم من نشر الدعوة .
وعندما قرَّر النبي e محاربة الروم والتصدي لعدوانهم ، فزع الكثيرون وتثاقلوا عن الخروج   وقال بعضهم لبعض : أنى لنا مقاومة هذه الدولة العظمى ؟ فنـزل الوحي يقطع دابر الضعف  ويستأصل روح الهزيمة ، ويطلب إلى المؤمنين أن يسارعوا إلى النفير ، وان يسيروا إلى الروم حيث كانوا دون أي تهيب . وذكَّر المتثاقلين عن الجهاد بأن النصر من عند الله وحده ، لا تمنعه قلة عدد أو عدة ، فماذا كانت النتيجة ؟ إن الله لم يخذل من تعلق به واستند إليه ، وها هو ذا رسول الله e يرفع  راية الحق . فكانت غزوة تبوك  وبعد سنين كانت معركة اليرموك التي انتصر فيها المسلمون على دولة الروم ، أعتى دول الأرض وأوسعها سلطانا في ذلك الوقت ، والتي كانت  تريد الطغيان بباطلها وجبروتها .
إننا في هذه الأيام من المفرِّطين ، والله لا ينصر المفرِّطين ، تماماً إذا تكاسل الواحد منا عن أداء ما عليه وهو قادر ، فكيف يرجو من الله أن يساعده وهو لم يساعد نفسه ؟
وإن ما يجري في فلسطين درس من دروس الجهاد الحية ، يُساق إلى المتواكلين  الذين ينتظرون من الله أن يُقدِّم لهم كل شيء ، وهم لم يقدِّموا شيئا  في الوقت الذي يهبُّ فيه الأعداء لاجتياح الإسلام وبلاده ، والإتيان عليه من القواعد ، فهل نرفع راية الجهاد للعمل على  ما يخزي أعداء الله ويرد كيدهم في نحورهم ، وما يساعدنا على استئناف رسالتنا ودعم حضارتنا ، في الوقت الذي يترنح فيه الوضع الدولي في هذه الفترة  والدواء عندنا وحدنا  فهل ننقذ أنفسنا وننقذ العالمين ؟ .     
 


   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق