الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

مصير الظالمين والمفسدين


قال تعالى :{وكذلك جعلنا في كل قريةٍ أكابر مجرميها ، ليمكروا فيها ، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون }الأنعام 123 . إن الذين عناهم الله في هذه الآية ، هم سفلة المجتمع  وأرذال الناس ، لأنهم خانوا ربهم وأمتهم  وعرَّضوا الناس للشقاء في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة .
وقد ورد في بعض التفاسير ، أن أكابر مجرميها هم الرؤساء الذين كبر جرمهم واشتد طغيانهم  ليمكروا  بالخديعة والدعوة إلى سبيل الشيطان  ومحاربة منهج الرسالة بالقول والعمل ، وإن مكرهم وكيدهم يعود على أنفسهم ، لأنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .
إن أكابر المجرمين يقفون موقف العداء من دين الله  لأنه يجرَّدهم من السلطان الذي يستطيلون به على الناس ، ومن الربوبية التي يتعبدون بها الناس   ومن الحاكمية التي يستذلون بها الرقاب .
والقرآن يُخاطبهم بهذا النداء الرباني :{قل إنما أعظكم بواحدةٍ ، أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا}سبأ 46 . فماذا إذن لو قام كل فرد مع نفسه أو مع صاحبه ، ثم فكر فيما هم عليه من فساد وصد عن سبيل الله ، وهل اقتنع كل ذي فكر ومنطق بما جرى ويجري ؟ وهل يرضى الله عنه ؟ وهل فيه خير للأمة ؟
لو قام الأفراد بذلك ابتغاء مرضاة الله ، وفكروا في الجواب البديهي ، بأن الفساد لا يحبه الله بل يمقته ويمقت أهله ، وسيأتي الوقت الذي يمقت فيه أهلُ الفساد أنفسَهم ، ويتحسرون على ما فرَّطوا وضيعوا وأفسدوا ، وذلك في يوم الحسرة حيث لا ينفع التحسر ولا الندم  .
إن الذي يكره الخير وأهله ، وينشر الفساد ويصد عن سبيل الله تعالى ، إنما هو بين أمرين لا ثالث لهما ، إما أنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، وما الحياة عنده إلا هذه الدنيا ،فهو يسعى ليجمع فيها ويظلم ويبطش ، لأنه لا يرجو اليوم الآخر ولا يخافه ، لأن الدنيا ومناصبها أسكرت عقله ولبه  فأصبح في غفلة شديدة عن الآخرة ونعيمها وعذابها ،حتى استمرأ الفساد ، وصارت الدنيا أكبر همه يلهث وراءها ويجمع حطامها ، ولو كان عن طريق الفساد والإفساد .
ولما كان الظلم قرين الفساد والإفساد ، فإنه جدير بالظالمين الذين يظلمون الناس ، ويبغون في الأرض بغير الحق ، أن يتذكروا يوم الفصل والحساب ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ويوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. وليتذكر الظالمون هذا اليوم المشهود ، الذي يقتص فيه الحكم العدل من الظالمين للمظلومين  ليتذكروا هذا اليوم العظيم ، إن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، ما داموا في دار الدنيا دار التوبة والإستعتاب  . ليتذكروا أن للظالم يوماً ينكشف فيه الغطاء ، ويعض فيه على يديه من الخزي والحسرة ، وإن في كتاب الله لغُنْيةً عن أي كلام ، وكفايةً عن أيِّ موعظة فقال تعالى:{ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ، إنما يؤخِّرُهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار  مهطعين مقنعي رؤوسهم ، لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}ابراهيم 43 . فالله لا يغفل عن ظلم الظالمين ، وخيانة الخائنين لأمتهم ودينهم ، وإن أخذهم آت لا محالة ، في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع . وإن لم يجد واعظ الله في هذه الدنيا مع الظالمين شيئاً   ولا يخيفهم هذا المصير الذي ينتظرهم ، فلا أقل من أن يوجد عندهم بقية مروءة وحياء ، تمنعهم من إفساد أخلاق الأمة ، والوقوف في وجه المصلحين الداعين إلى إحقاق الحق ، وإقامة الخلافة وحكم الله في الأرض ، ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخير والدين والخصال الحميدة ؟ وماذا يريدون من إفساد وتسليط برامج الإفساد المختلفة  ؟ هل يريدون جيلاً منحلاً يكون وبالاً على المجتمع ذليلا لاعدائه عبداً لشهواته ؟
ألا ليت الظالمين إلى ربهم يرجعون ، ويفكرون في  مصيرهم ، وليعلموا أن وراءهم أنباءً عظيمة وأهوالاً جسيمة ، تشيب لها الولدان وتشخص فيها الأبصار ، إن كانوا يؤمنون بذلك ، وما أظن ذلك ، فليستيقظوا من عقلتهم وليراجعوا أنفسهم  وليعلموا أن الله يعلم سرَّهم ونجواهم ، وقد حذَّرهم من طاعة الشيطان وحزبه ، وبراءته من أتباعه يوم القيامة فقال تعالى { وقال الشيطان لما قُضي الأمر ، إن الله وعدكم وعد الحق  ووعدتكم فأخلفتكم ، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ، ما أنا بمصرخِكُمْ وما أنتم بمصرخِيّ  إني كفرت بما أشركتموني من قبل ، إن الظالمين لهم عذاب أليم }ابراهيم 22 . وقال تعالى قبلها : {وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا ، إنا كنا لكم تبعا ، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ }. فالضعفاء الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان على الله ، حين تنازلوا عن حريتهم في التفكير والاعتقاد والاتجاه ، وجعلوا أنفسهم تبعاً للطغاة   والضعف ليس عذراً بل هو الجريمة بعينها ، فالله لا يريد لعبده أن يكون ضعيفاً ، وأن ينـزل عن نصيبه في الحرية ، التي لا يستطيع أن يستعبدها ما دام العبد يتمسك بها . وإن قصارى ما تملكه قوى الظلمة ، أن تملك الجسد تؤذيه وتعذبه وتكبله وتحبسه في الزنازن  السجون ، أما الضمير والروح والعقل فلا يملك استذلاها أحد، إلا أن يسلمها صاحبها لذلك  .
من الذي يملك أن يجعل الأمة تبعاً للمستكبرين في العقيدة وفي التفكير وفي السلوك ؟ ومن ذا الذي يجعلهم يدينون  لغير الله وهو خالقهم ورازقهم؟  لا أحد بالطبع ، إلا أنفسهم الضعيفة ، هم ضعفاء لا لأنهم أقل جاهاً أو مالاً أو منصبا ، إنما هم ضعفاء لأن الضعف في قلوبهم وفي نخوتهم  وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان .
إن المستضعفين كثرة والحاكمين قلة ، فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة ؟
إن الذي يخضعها ضعف الروح وسقوط الهمة  وقلة النخوة والتنازل عن الكرامة التي وهبها الله لبني الإنسان . فالطغاة لا يملكون أن يستذلوا الناس إلا برغبتهم ،فهم قادرون على الوقوف لهم لو أرادوا ، ولكن الذي ينقصهم هي هذه الإرادة  
إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء ، وهذه القابلية هي التي يعتمد عليها الطغاة ، إن العبد الذي يتوجه لله بالاعتقاد في ألوهيته وحده ، ثم يدين لله في الوضوء والطهارة والصلاة والصوم والحج وسائر الشعائر والآداب  بينما هو في الوقت ذاته ، يدين في حياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لشرائع من عند غير الله ، ويدين في قيمه وموازينه الاجتماعية  لتصورات واصطلاحات من صنع غير الله   ويدين في أخلاقه وتقاليده وعاداته وأزيائه  لأرباب من البشر ، تفرض عليه هذه الأخلاق والعادات المخالفة لشرع الله ، بهذا يكون الإنسان قد زاول الشرك في أخص حقيقته ، وخالف شهادة أن لا إله إلا الله ، في أخص حقيقتها  وهذا ما يغفل عنه الناس ويزاولونه في ترخص وتميع ، وهم لا يحسبونه الشرك الذي كان يزاوله المشركون من عبادة الأصنام  إن الأصنام في هذه الأيام ، هي الشعائر التي يختفون وراءها لتعبيد الناس باسمها وضمان ديونهم ، فالصنم لم يكن يومها ينطق أو يسمع أو يبصر ، إنما كان السادن أو الكاهن أو الحاكم يقوم من ورائها ، يتمتم ثم ينطق لتعبيد الناس وإذلالهم ، فإذا رفعت في أي وقتٍ شعائر ينطق باسمها الحكام ، ويقررون باسمها ما لم يأذن به الله ، من الشرائع والقوانين والقيم والموازين والتصرفات والأعمال ، فهذه هي الأصنام في طبيعتها وحقيقتها ووظيفتها ، فإذا ما تعارضت شريعة الله وقوانينه وتوجهاته وتعليماته ، مع تلك الشعارات ومقتضياتها  نُحِّيَتْ شريعةُ الله وقوانينه وتعليماته ، ونفذت إرادة تلك الشعارات .
إن الذين يظنون أنفسهم في دين الله لأنهم يقولون بأفواههم " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " ويدينون فعلاً لله في الآداب والأخلاق ، وشؤون الطهارة والشعائر والزواج  والطلاق والميراث ، بينما يدينون فيما وراء هذا الركن الضيق لغير الله ، ويخضعون لشرائع لم يأذن بها الله ، ويبذلون أرواحهم وأموالهم ليحققوا  ما يطلبه منهم حاكمهم ، فإذا تعارض طلبهم مع دين الله ، نبذت أوامر الله ونفذت مطالبهم .

إن من هذا حالهم ، ويظنون  أنهم مسلمين   عليهم أن يستفتوا أنفسهم على الأقل لما هم فيه من الشرك العظيم . إن دين الله منهج شامل لكل صغيرة وكبيرة ، ولجزئيات  الحياة اليومية وتفصيلاتها والدينونة لله وحده في كل تفصيلٍ وكل جزئيةٍ من جزئيان الحياة ،  فضلاً على أصولها و كلياتها ، ولينظر كل واحد منا لمن المقام الأعلى في حياته ، ولمن الدينونة الكاملة ؟ ولمن الطاعة والإتباع والامتثال ؟ إن كان هذا كله لله  فهو في دين الله ، وإن كان لغير الله ، فهو في دين الطواغيت والعياذ بالله { هذا بلاغ للناس ولينذروا به ، وليعلموا أنما هو إله واحد ، وليذكر أولو الألباب} .                                                                                                                                                                                  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق