الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

نتائج الإعراض عن ذكر الله


قال تعالى :{ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ، ونحشره يوم القيامة أعمى}طه 124
إن الإعراض عن الدين وذكر الله تعالى ، سقوط لإنسانية الإنسان ، وعمى بصيرته ، ودخوله في حياة الضنك ، ومن هنا فإن دعوات ومحاولات عزل الدين عن الحياة ، والعدول عن أحكامه  وجعله شأناً شخصياً وأمراً فردياً ، مجاله ضمير الإنسان ، بعيداً عن مسالكه وممارساته على الإنسان ، والعودة به إلى تسلط الإنسان على أخيه الإنسان ، وعبودية البشر للبشر ، والاقتصار على القيام ببعض العبادات ، كأداء الصلاة والصيام والحج ، بعيداً عن المساهمة في قضاء حاجات الناس ، ومعالجة مشكلاتهم ، ومجاهدة الظلمة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
 إن فهماً كهذا لدى فئةٍ من المسلمين ، بحاجةٍ إلى المراجعة والتقويم ، ولو صاموا وصلوا وحجوا وزكوا ، فإن إيمانهم يبقى منقوصاً .
 لأن الانسحاب من الدنيا ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا ينسجم مع الإسلام الذي جاء به رسول الله (ص) لتقويم مسيرة الحياة ، ومدافعة الظلم والظالمين ، حتى لو كلف ذلك الإنسان عُنَقهُ .
 إن هذه الظواهر السلبية ، من انتقاص في التدين  وانسجام في الفهم ، وغياب في الفقه ، وإدراكٍ لوظيفة الدين في الحياة ، ليست جديدة ولا مبتكرة ، فهي موجودة ومستمرة ، يرعاها الظلمة  ويشجعها سدنة الاستبداد السياسي ، والظلم الاجتماعي ، ويروجون لها ويمتدحونها   ويعتبرونها معياراً للتدين السليم ، ويصورون ما وراءها من المجاهدة والمدافعة ، نوعاً من المغالاة  واستغلال الدين وتسْييسه ، حيث يغيب العلماء العدول العاملون ، وتنشأ طبقةٌ من العلماء   الذين يدافعون عن الاستبداد ، ويتصيدون له المبررات .
 إن المشكلة الخطيرة ، تكمن في قطع النصوص الشرعية عن سياقها ، وتفسيرها وتوظيفها من خلال مناخ التخلف ، وحالات الهبوط ، فبدل أن تكون الآيات والأحاديث ، عامل نهوض وفاعلية ، تحولت لتصبح مسوغاً لحالةٍ من التخاذل ، وذلك بالتأويل الجاهل .
 وبدل أن يكون الاجتهاد لإيجاد الحلول ، وكيفية التعامل مع المشكلات ، وتقديم برامج الحل الإسلامي لقضايانا ، أصبح سبيلاً للعثور على التبريرات ، وإيجاد الذرائع لتكريس الواقع الظالم  والدفاع عن مشروعيته ، وبدل أن يصبح هوانا  تبعاً لما جاء به الإسلام ، جعلنا ما جاء به الإسلام تبعاً لهوانا والعياذ بالله ، والرسول (ص) يخبرنا بأن هذا يتنافى مع الإيمان فيقول (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
 إن التدين الصحيح ، هو التكيف مع مقتضيات الدين وأحكامه ، وتقويم سلوك المجتمع ، وليس تكييف نصوص الدين ، لتوافق هوى الناس  ورغبة الظلمة المتسلطين .
لقد عمت الفتنة وكثر الخبث ، وأصبحت الأمة الإسلامية مهددة بالهلاك ، لانعزال العلماء الصالحين ، عن المهمة الملقاة على عاتقهم  وانسحابهم من المجتمع ، وقعود الكثيرين منهم عن القيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  والدعوة إلى الخير .
إن المشكلة تكمن في مناخ الفتنة ، والهزيمة النفسية ، وتربية حواس الذل في الأمة ، والتطبيع على الهزيمة والمنكر ، وتأليفه للنفوس ، وانعكاس هذا التطبيع ، على فهم النصوص الداعية إلى القوامة على الحق ، والتضحية في سبيله ، والجهاد من أجله ، ومحاولة تفسير النصوص ، وتأويلها بما يكرِّس الهزيمة  ويوطن الفساد ، ويمكن له في الأرض ، ويؤذن بتتابع الأزمات ، وخراب البلاد
 إن عملية تطبيع الهزيمة ، وتفسير نصوص الكتاب والسنة ، وتأويلها وفق مقتضاها ، وتقطيع الرؤية القرآنية ، وبيانها في السنة والسيرة ، ومحاولة إسقاطها عن واقع معين لتسويغه ، والتمكين لشريعته  ومحاصرة الدعوة إلى الحق ، والتكريس للانسحاب عن واجب العودة بالأمة ، إلى ما يبني مجدها ، ويحمي كرامتها ، وإيثار السلامة الخادعة
 إن هذا ليس جديداً على الأمة ، فقد تعرضت لهذا في فترة من الفترات ، حيث كثرت فتاوى الحيل والمخارج ، ورغم ذلك لم تغب الحقيقة  ولم ينقطع النهي عن المنكر ، إذ لم يسجل على هذه الأمة التواطؤ على الخطأ ، والتوافق على المنكر ، والتنكر للحق ، حتى في أشد الفترات ظلاما واستبدادا . إن الخزي والهزيمة النفسية   التي لحقت بهذه الأمة ،لم تعد تقتصر على أضعف الإيمان ، الوارد في الحديث الذي رواه مسلم :(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطيع فبلسانه ، فإن لم يستطيع فبقلبه ، وذلك اضعف الإيمان) . واضعف الإيمان في تقديري ، هو الاحتفاظ بالحق في مرحلة العجز ، وتحيُّنِ الفرص للتَّقوي وبناء الذات ، لمعاودة طرحها والعمل على إظهارها .
في الوقت الذي يُهمَّشُ  فيه مفهوم الجهاد ويُعْبَثُ به ، بوضع المقدمات الخاطئة ، التي أملتها ردود الفعل ، وحالات الهزيمة والانكسار ، للوصول بالأمة إلى النتائج الخاطئة ، وهذه من أخطر مراحل الخزي ، إلى درجة أصبح فيها القائم على الحق غريبا ومستغربا ، ومتشددا ومتطرفا وأصوليا  إلى آخر هذه المصطلحات ، التي لا علاقة لها بنا  ولا هي ثمره لفكرنا ومعاناتنا ،حتى شلت حركة الدعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  والأدهى من ذلك وأمَرّ ، أنها تمارس تطبيع المنكر ثقافياً  وتجعل المعروف منكراً والمنكر معروفا  وهذه الحالة التي تنقلب فيها الأمم على أعقابها  وتصبح سلعة يُتَصَرَّفُ فيها ، من قبل خصومها  والحقيقة أن مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،لم تَمتْ  في هذه الأمة ، على الرغم من تبعيتها ، وخضوعها لسيطرة الغرب ، لأن الإسلام في جوهره  هو القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حيث لخصه رسول الله (ص) بقوله : (الدين النصيحة ، قلنا لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتِهِمْ ) .
 إن تغيير المنكر ، والأخذ على يد الظالم وردع المفسدين ، هي الفريضة الموءودة في أمتنا ، ولن تستقيم حياة أمة ، بغير القيام بها قياماً ناجحاً .

الأمر الذي يحققُ الخير للإنسانية جميعا ، ليعم السلام والخير ، تحت راية الإسلام ، الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق