قال تعالى :{ ومن أعرض عن ذكري فإن
له معيشة ضنكا ، ونحشره يوم القيامة أعمى}طه 124
إن الإعراض عن الدين وذكر الله تعالى ،
سقوط لإنسانية الإنسان ، وعمى بصيرته ، ودخوله في حياة الضنك ، ومن هنا فإن دعوات
ومحاولات عزل الدين عن الحياة ، والعدول عن أحكامه وجعله شأناً شخصياً وأمراً فردياً ، مجاله ضمير
الإنسان ، بعيداً عن مسالكه وممارساته على الإنسان ، والعودة به إلى تسلط الإنسان
على أخيه الإنسان ، وعبودية البشر للبشر ، والاقتصار على القيام ببعض العبادات ،
كأداء الصلاة والصيام والحج ، بعيداً عن المساهمة في قضاء حاجات الناس ، ومعالجة
مشكلاتهم ، ومجاهدة الظلمة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إن فهماً كهذا لدى فئةٍ من المسلمين ، بحاجةٍ
إلى المراجعة والتقويم ، ولو صاموا وصلوا وحجوا وزكوا ، فإن إيمانهم يبقى منقوصاً
.
لأن الانسحاب من الدنيا ، وترك الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، لا ينسجم مع الإسلام الذي جاء به رسول الله (ص) لتقويم مسيرة
الحياة ، ومدافعة الظلم والظالمين ، حتى لو كلف ذلك الإنسان عُنَقهُ .
إن هذه الظواهر السلبية ، من انتقاص في
التدين وانسجام في الفهم ، وغياب في الفقه
، وإدراكٍ لوظيفة الدين في الحياة ، ليست جديدة ولا مبتكرة ، فهي موجودة ومستمرة ،
يرعاها الظلمة ويشجعها سدنة الاستبداد
السياسي ، والظلم الاجتماعي ، ويروجون لها ويمتدحونها ويعتبرونها معياراً للتدين السليم ، ويصورون
ما وراءها من المجاهدة والمدافعة ، نوعاً من المغالاة واستغلال الدين وتسْييسه ، حيث يغيب العلماء
العدول العاملون ، وتنشأ طبقةٌ من العلماء
الذين يدافعون عن الاستبداد ، ويتصيدون له المبررات .
إن المشكلة الخطيرة ، تكمن في قطع النصوص
الشرعية عن سياقها ، وتفسيرها وتوظيفها من خلال مناخ التخلف ، وحالات الهبوط ،
فبدل أن تكون الآيات والأحاديث ، عامل نهوض وفاعلية ، تحولت لتصبح مسوغاً لحالةٍ
من التخاذل ، وذلك بالتأويل الجاهل .
وبدل أن يكون الاجتهاد لإيجاد الحلول ، وكيفية
التعامل مع المشكلات ، وتقديم برامج الحل الإسلامي لقضايانا ، أصبح سبيلاً للعثور
على التبريرات ، وإيجاد الذرائع لتكريس الواقع الظالم والدفاع عن مشروعيته ، وبدل أن يصبح هوانا تبعاً لما جاء به الإسلام ، جعلنا ما جاء به
الإسلام تبعاً لهوانا والعياذ بالله ، والرسول (ص) يخبرنا بأن هذا يتنافى مع
الإيمان فيقول (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
إن التدين الصحيح ، هو التكيف مع مقتضيات الدين
وأحكامه ، وتقويم سلوك المجتمع ، وليس تكييف نصوص الدين ، لتوافق هوى الناس ورغبة الظلمة المتسلطين .
لقد عمت الفتنة وكثر
الخبث ، وأصبحت الأمة الإسلامية مهددة بالهلاك ، لانعزال العلماء الصالحين ، عن
المهمة الملقاة على عاتقهم وانسحابهم من
المجتمع ، وقعود الكثيرين منهم عن القيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر والدعوة إلى الخير .
إن المشكلة تكمن في
مناخ الفتنة ، والهزيمة النفسية ، وتربية حواس الذل في الأمة ، والتطبيع على
الهزيمة والمنكر ، وتأليفه للنفوس ، وانعكاس هذا التطبيع ، على فهم النصوص الداعية
إلى القوامة على الحق ، والتضحية في سبيله ، والجهاد من أجله ، ومحاولة تفسير
النصوص ، وتأويلها بما يكرِّس الهزيمة
ويوطن الفساد ، ويمكن له في الأرض ، ويؤذن بتتابع الأزمات ، وخراب البلاد
إن عملية تطبيع الهزيمة ، وتفسير نصوص الكتاب
والسنة ، وتأويلها وفق مقتضاها ، وتقطيع الرؤية القرآنية ، وبيانها في السنة
والسيرة ، ومحاولة إسقاطها عن واقع معين لتسويغه ، والتمكين لشريعته ومحاصرة الدعوة إلى الحق ، والتكريس للانسحاب
عن واجب العودة بالأمة ، إلى ما يبني مجدها ، ويحمي كرامتها ، وإيثار السلامة
الخادعة
إن هذا ليس جديداً على الأمة ، فقد تعرضت لهذا
في فترة من الفترات ، حيث كثرت فتاوى الحيل والمخارج ، ورغم ذلك لم تغب
الحقيقة ولم ينقطع النهي عن المنكر ، إذ
لم يسجل على هذه الأمة التواطؤ على الخطأ ، والتوافق على المنكر ، والتنكر للحق ،
حتى في أشد الفترات ظلاما واستبدادا . إن الخزي والهزيمة النفسية التي لحقت بهذه الأمة ،لم تعد تقتصر على أضعف
الإيمان ، الوارد في الحديث الذي رواه مسلم :(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ،
فإن لم يستطيع فبلسانه ، فإن لم يستطيع فبقلبه ، وذلك اضعف الإيمان) . واضعف
الإيمان في تقديري ، هو الاحتفاظ بالحق في مرحلة العجز ، وتحيُّنِ الفرص للتَّقوي
وبناء الذات ، لمعاودة طرحها والعمل على إظهارها .
في الوقت الذي
يُهمَّشُ فيه مفهوم الجهاد ويُعْبَثُ به ،
بوضع المقدمات الخاطئة ، التي أملتها ردود الفعل ، وحالات الهزيمة والانكسار ،
للوصول بالأمة إلى النتائج الخاطئة ، وهذه من أخطر مراحل الخزي ، إلى درجة أصبح
فيها القائم على الحق غريبا ومستغربا ، ومتشددا ومتطرفا وأصوليا إلى آخر هذه المصطلحات ، التي لا علاقة لها بنا ولا هي ثمره لفكرنا ومعاناتنا ،حتى شلت حركة الدعوة
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأدهى
من ذلك وأمَرّ ، أنها تمارس تطبيع المنكر ثقافياً
وتجعل المعروف منكراً والمنكر معروفا
وهذه الحالة التي تنقلب فيها الأمم على أعقابها وتصبح سلعة يُتَصَرَّفُ فيها ، من قبل
خصومها والحقيقة أن مهمة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ،لم تَمتْ في هذه الأمة
، على الرغم من تبعيتها ، وخضوعها لسيطرة الغرب ، لأن الإسلام في جوهره هو القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ، حيث لخصه رسول الله (ص) بقوله : (الدين النصيحة ، قلنا لمن ؟ قال : لله
ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتِهِمْ ) .
إن تغيير المنكر ، والأخذ على يد الظالم وردع
المفسدين ، هي الفريضة الموءودة في أمتنا ، ولن تستقيم حياة أمة ، بغير القيام بها
قياماً ناجحاً .
الأمر الذي يحققُ
الخير للإنسانية جميعا ، ليعم السلام والخير ، تحت راية الإسلام ، الذي ارتضاه
الله لعباده المؤمنين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق