الأحد، 26 أكتوبر 2014

طريق الإصلاح


قال تعالى:{ أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم} الملك22        تصور لنا الآية القرآنية حال الشقي الضال عن طريق الله ، المحروم من هداه من أصحاب العقليات الفاسدة والنفسيات المريضة ، التي لها أهداف التدمير والتخريب والإفساد وغايات الاستعلاء والاستكبار والاحتكار وحب السيادة والسلطان .
بخلاف أصحاب النفسيات الطيبة التي تسلك طريق الإيمان والحمد ، وتسعى وراء تحصيل رضوان الله ، وتعمل من أجل الإصلاح والبناء والتعمير والتخلص من العبودية ، وبسبب هذا الاختلاف في الطبائع ينشأ الاختلاف على المصالح مما يؤدي إلى المشاحنات والصراع الذي يصل أحياناً إلى سفك الدماء .
وما نريده ليس التأكيد على وجود هذا الصراع إنما النظر لبعض المواقف داخل حلبة هذا الصراع  مثل المروءة والرجولة والشجاعة والجرأة أو عكس ذلك ، مثل الجبن والخوف والتخاذل والتقهقر ، ثم ما هي حقيقة وزن الرجال ؟ حتى نعرف مواقفهم في هذا الواقع المرّ  الذي يحتاج إلى علاج و إصلاح ، وقد تكون في الطريق من العوائق الكافية لجلب الخزي والعار علينا ، كيف لا ونحن نرى المفسدين يصولون ويجولون طولاً وعرضاً بفسادهم في الأرض كيفما شاءوا دون أن يلاقوا أية مقاومة ، وأصحاب الحق متخاذلين عن العمل لاسترجاع حقهم من مغتصبيه .
إن أهل الباطل والظلم في هذه الأيام في استعلاء ظاهرين فوق العباد بظلمهم وجبروتهم فقد عطلوا شرع الله ، ونادوا بأنظمة الكفر من الديمقراطية إلى العلمانية ، بينما تخاذل أهل الاستقامة والصلاح نتيجة الوهن الذي حذر منه رسول الله بقوله: ( الوهن هو حب الدنيا وكراهية الموت ) . والخوف والجبن الذي يسيطر عليهم ويأخذ مأخذه فيهم فيتراجعوا عن القيام بالواجب لصالح أصحاب الباطل ، لأن الجبن ما اتصفت به أمة إلا وأفقدها النخوة والرجولة والعزة والكرامة ، وفتح لعدوها سبل الظلم والفساد والعبث بحياة الناس و مصالحهم فيتلاعبون بها كيفما أرادوا دون معارضة   بسبب الجبن الذي أفقد الأمة العزة والشهامة وقتل فيها الإحساس بالكرامة و ضاعت الأمانة التي أخبر الرسول   عن ضياعها قائلاً : (كيف أنتم إذا ضيعتم الأمانة ؟ فقالوا وما هي الأمانة يا رسول الله ؟ قال :الرجل التافه  ينظر  في أمور العامة ) . وبتطبيق معنى الحديث على واقع المسلمين نجد أن هناك من يتولى المسؤولية وهو غير كفء لها ، والأمة مستسلمة  لا تحرك ساكناً رغم ما يرونه من الظلم والعدوان   عن أبي بكر (رضي) قال : قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم} المائدة 105 وإني سمعت رسول الله يقول : ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) . رواه أبو داوود و الترمذي والنسائي .
لقد وجد الأعداء حظهم فينا ولم نجد من يأخذ على أيدي الظالمين نتيجة الجبن والوهن الذي أمات قلوبنا والذي حذرنا الله منه بقوله {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}هود 113 .
لذا نحن بحاجة إلى قدر من الحماس نصبه على البرود القاتل الذي ابتلينا به في مواجهة القضايا والمصائب التي تحيق بالأمة وتهدد مصيرها  والأوبئة التي تفتك بها والانحرافات السياسية والاقتصادية التي تهزّ كيانها ، والتيارات الثقافية التي غزتها في عقر دارها ، إننا بحاجة إلى صرخات المخلصين لتوقظ النائمين وتحذر الغافلين وترهب المتلاعبين ، وبحاجة إلى إخلاص المخلصين إذا ما استمرت الأوضاع على سوئها واللصوص الكبار يسرحون ويمرحون ، ولا يعاقب إلا صغار اللصوص ، نشالو الجيوب يسجنون ، ونهابوا المال العام طليقون  لا يسألون عما  يفعلون  .
نعم نحن بحاجة إلى هؤلاء وأولئك ما دام المعروف ضائعاً والمنكر شائعاً وما دام الإسلام يعيش غريباً في أوطانه مضطهداً بين أهله ، وما دامت شريعته معطلة ، وقرآنه مهجوراً ودعاته معزولون عن مواطن التأثير والتوجيه .
إننا بحاجة إلى عمل بالإسلام وعمل للإسلام  وذلك بتحمل عبء الدعوة إليه عقيدة وشريعة ودنيا ودولة وحضارة وأمة وثقافة وسياسة  والجهاد في سبيل تمكينه في حياة المسلمين حتى يتفق  واقع المسلم مع عقيدته ويلتقي سلوكه مع ضميره والعمل على تحرير الأمة من كل قيد أو سلطان أجنبي ، وألا نكتفي بالتدين التقليدي : وهو التدين الجزئي الفردي المعزول عن قضايا الأمة الكبرى ، وعن رسالتها في الحياة ومكانتها في الوجود .
إن الذين يقتصرون على ذلك ويحسبون الإيمان والتقوى والاستقامة والصلاح مجرد أداء للشعائر  والإكثار من التسبيح والتهليل  والتكبير والامتناع عن المحرمات المعروفة من الزنا والسكر ونحو ذلك مع تغيب العقل وإهمال العلم وإغفال العمل ومجافاة السنن وانتظار البركة من السماء وقد علموا كما قال عمر بن الخطاب أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ، ولو رجعوا إلى ما كان عليه المسلمون الأوائل الذين أورثهم الله الأرض ومكن لهم فيها وجعلهم أئمة وبدلهم من بعد خوفهم أمنا ، لعرفوا أنهم لم يحققوا ذلك إلا بالجهد والعلم والفكر الدؤوب والجهاد الصبور . هكذا فهموا الإيمان والتقى والاستقامة والصلاح  فقد وازنوا بين العمل للدنيا والعمل للآخرة وجمعوا  بين حظ النفس من الحياة وحق الرب في العبادة فخدموا الدين بالدنيا وأصلحوا الدنيا بالدين{فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة} آل عمران 148 .
إن من السطحية أن نحسب  أننا بمجرد  أن ننادي بالإسلام شعاراً أو نغيِّر بعض المواد القانونية بمواد إسلامية يطلع علينا الصباح وقد حلّت مشكلاتنا وشفينا من كل أدوائنا غافلين أن لله في خلقه سننا لا تحابي ، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وإن التغيير يحتاج إلى عمل طويل النفس ، وتوجيه متعدد الجوانب متنوع الوسائل  وإن الإصلاح يحتاج إلى تخطيط مدروس ورجال يجمعون بين القوة والأمانة ويقودون سفينة التغيير إلى بر الأمان ، وذلك ليس بالمستحيل إذا صدقت النيات وصحت العزائم ، وفي ذلك يكون طريق النجاة والخلاص
قال تعالى : { ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } .            

      

            




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق