لقد عوّض الله
المسلم ، في عمره المحدود وأيامه القصيرة
في الحياة ، بمواسم الخير ، وأعطاه من شرف الزمان والمكان ، ما يستطيع أن يعوِّض
أي تقصير في حياته ، إذا وفِّق لاستغلالها والعمل فيها
ومن تلك
المواسم ، شهر رمضان ، الذي يُعِدُ القلوبَ للتقوى ،حتى تُؤدَى هذه الفريضة ، طاعة
لله وإيثاراً لرضاه .
سُئل الحسن
البصري ، كيف يَطْلُبُ مني الإيمان أن أُحسن إلى من أساءَ إليّ ؟ قال الحسن لسائله أولست صنعة الله ؟ قال السائل : نعم قال السائل : أو ليس الذي أساء إليك وآذاك معتدياً
على صنعة الله ؟ . وحين يعتدي أحد على
صنعة الصانع ، فمن يغار على صنعته ؟ قال : انه الصانع . وغيرته تكون بإصلاح الصنعة
، قال : أفلا أحسن لمن جعل الله في جانبي
. .؟
هكذا نرى أن
الله حين يُصِّعدُ الإيمان في رمضان فإنه
يُكَلِّفُ المؤمن ، أمراً بالحرمان ، في وقتٍ مُعّيَنْ ، من أشياء كانت مُحلَلَةً
كلَّ الوقت في غير رمضان ، والله حين يَخْرُجُ بالمؤمن ، من دائرة العادة إلى شرف
العبادة ، فانه يؤكْدُ حرارة التكليف الإيمانيّ ، وما دام العبد في قمة
التصميم فان الله اصطفى رمضان ، ليكون
الشهر الذي نزل فيه منهجه إلى الناس . قال تعالى : {شهر رمضان الذي أنزل فيه
القرآن }البقرة .
وما دام أنزل
فيه ، فيجب أن يكون أيضاً الوقت الذي يتم فيه تصعيد الإيمان ، تصعيداً يُديمُ على
المُؤمن حلاوة العبادة ، ويخرج فيه من أسر العادة
والعبادات التي
أمرنا الله بها ، فيها أمورٌ للتعبد
وأمورٌ خالصةً لله تعالى ، والصوم من الأمور الخالصةِ لله تعالى .جاء في
الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له ، إلا الصيام فانه لي وأنا أجزي به) وكل العبادات لها جزاء عند الله ، الحسنة بعشر
أمثالها ، وقد تصل إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصيام فانه يخرج من هذه الدائرة ، لأن
تقدير الجزاء فيه لله تعالى .
قال رسول الله
( ص ) : ( للصائم فرحتان فرحةٌ عند فطره ، وفرحةٌ عند لقاء ربه ) .
فرحةٌ عند
الإفطار ، لأنه نجح في الالتزام التعبدي
الذي يَصْعَدُ به إلى درجة أعلى من الإيمان . أما المفطر بدون سبب شرّعي ،
ويتظاهر بالصوم فانه يدرك مدى الإحساس
بالخسارة والهوان ويحكم على نفسه بأنه دون
سواه . لذا فان الصوم يكون سرّاً بين الله
وبين الخلق ، فيحرِّمُ الإنسان على نفسه في وقت محدود ، ما كان حلالا ، إيماناً
منه في تنفيذ مشيئة الله تعالى .
وما أحوجنا إلى
وقفة محاسبه ، نراجع أحوالنا لا سيما من
أفرط وأسرف في جنب الله ، ومن قصَّرَ في
حق أهله ، أو حق من ولاه الله رعايته ومن
فرَّط في حق المسلمين . إنها فرصةٌ لنتساءل حتى متى نعود إلى الله ؟ ونسيُر على
طريق الحق ونترك ما الفته النفس من لهوٍ
ومجون ؟ .
إننا حكاماً
ومحكومين ، يجب علينا أن نغتنم الفرصة في هذا الشهر ، لنصطلح مع الله ، لان البعض
يحارب الله ورسوله ، جهاراً نهارا ، فأنى له أن يوفَّقْ أو يُخْتَمَ له بخير .
وعلى ولاة الأمور أن يعلنوا حقيقة إسلامهم ، وليحكِّموا شريعة الله .
إننا نرى من
يزعمون أنهم من الداعين إلى الإسلام بينما
هم في الحقيقة منحرفون ، وعن السنة زائفون ، وعن منهج الإسلام وعقيدته متخلّون .
إن النسب والحسب لا ينفع الإنسان ، ولكن ينفعه
عمله ، وتقربه إلى الله ، بالأعمال الصالحة وتطبيق منهج الله . قال تعالى:{فإذا
نُفِخَ في الصور فلا أنساب بينهم ، ولا يتساءلون}المؤمنون 101.
إن في الصيام
تحرير للإرادة الإنسانية ، التي جعلها تبعاً لأْوامر الله ، لا لرغائب النفس . وإن الأمة الإسلامية ، قد جهلت من الدنيا ،
بمقدار ما جهلت من الدين ، ونسيت من عالم الشهادة
بمقدار ما نسيت من عالم الغيب ، وما صاحب ذلك من الشهوات الطائشة ، والنيات
الرديئة ومن هنا كان اتجاه الدين الإسلامي
أولاً إلى النفس ، يريد تزكيتِها وتهذيبِ نوازعها ، وإعلاء غرائزها ، وكبت ما يحد
من ضراوتها وقساوتها والصوم العبادة التي يمكن
أن تساهم في التدريب على ذلك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق