الأحد، 26 أكتوبر 2014

رمضان شهر التقوى والإيمان

        
  لقد عوّض الله المسلم ، في عمره المحدود   وأيامه القصيرة في الحياة ، بمواسم الخير ، وأعطاه من شرف الزمان والمكان ، ما يستطيع أن يعوِّض أي تقصير في حياته ، إذا وفِّق لاستغلالها والعمل فيها
ومن تلك المواسم ، شهر رمضان ، الذي يُعِدُ القلوبَ للتقوى ،حتى تُؤدَى هذه الفريضة ، طاعة لله وإيثاراً لرضاه .
 سُئل الحسن البصري ، كيف يَطْلُبُ مني الإيمان أن أُحسن إلى من أساءَ إليّ  ؟ قال الحسن لسائله أولست صنعة الله  ؟ قال السائل : نعم   قال السائل : أو ليس الذي أساء إليك وآذاك معتدياً على صنعة الله  ؟ . وحين يعتدي أحد على صنعة الصانع ، فمن يغار على صنعته ؟ قال : انه الصانع . وغيرته تكون بإصلاح الصنعة ، قال :  أفلا أحسن لمن جعل الله في جانبي . .؟
 هكذا نرى أن الله حين يُصِّعدُ الإيمان في رمضان  فإنه يُكَلِّفُ المؤمن ، أمراً بالحرمان ، في وقتٍ مُعّيَنْ ، من أشياء كانت مُحلَلَةً كلَّ الوقت في غير رمضان ، والله حين يَخْرُجُ بالمؤمن ، من دائرة العادة إلى شرف العبادة ، فانه يؤكْدُ حرارة التكليف الإيمانيّ ، وما دام العبد في قمة التصميم  فان الله اصطفى رمضان ، ليكون الشهر الذي نزل فيه منهجه إلى الناس . قال تعالى : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن }البقرة .
 وما دام أنزل فيه ، فيجب أن يكون أيضاً الوقت الذي يتم فيه تصعيد الإيمان ، تصعيداً يُديمُ على المُؤمن حلاوة العبادة ، ويخرج فيه من أسر العادة
 والعبادات التي أمرنا الله بها ، فيها أمورٌ للتعبد  وأمورٌ خالصةً لله تعالى ، والصوم من الأمور الخالصةِ لله تعالى .جاء في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له ، إلا الصيام فانه لي وأنا أجزي به)  وكل العبادات لها جزاء عند الله ، الحسنة بعشر أمثالها ، وقد تصل إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصيام فانه يخرج من هذه الدائرة ، لأن تقدير الجزاء فيه لله تعالى .
قال رسول الله ( ص ) : ( للصائم فرحتان فرحةٌ عند فطره ، وفرحةٌ عند لقاء ربه ) .
 فرحةٌ عند الإفطار ، لأنه نجح في الالتزام التعبدي  الذي يَصْعَدُ به إلى درجة أعلى من الإيمان . أما المفطر بدون سبب شرّعي ، ويتظاهر بالصوم  فانه يدرك مدى الإحساس بالخسارة والهوان  ويحكم على نفسه بأنه دون سواه .  لذا فان الصوم يكون سرّاً بين الله وبين الخلق ، فيحرِّمُ الإنسان على نفسه في وقت محدود ، ما كان حلالا ، إيماناً منه في تنفيذ مشيئة الله تعالى .
 وما أحوجنا إلى وقفة محاسبه ، نراجع أحوالنا   لا سيما من أفرط وأسرف في جنب الله ، ومن قصَّرَ  في حق أهله ، أو حق من ولاه الله رعايته  ومن فرَّط في حق المسلمين . إنها فرصةٌ لنتساءل حتى متى نعود إلى الله ؟ ونسيُر على طريق الحق  ونترك ما الفته النفس من لهوٍ ومجون ؟ .
 إننا حكاماً ومحكومين ، يجب علينا أن نغتنم الفرصة في هذا الشهر ، لنصطلح مع الله ، لان البعض يحارب الله ورسوله ، جهاراً نهارا ، فأنى له أن يوفَّقْ أو يُخْتَمَ له بخير . وعلى ولاة الأمور أن يعلنوا حقيقة إسلامهم ، وليحكِّموا شريعة الله .
إننا نرى من يزعمون أنهم من الداعين إلى الإسلام  بينما هم في الحقيقة منحرفون ، وعن السنة زائفون ، وعن منهج الإسلام  وعقيدته متخلّون .
 إن  النسب والحسب لا ينفع الإنسان ، ولكن ينفعه عمله ، وتقربه إلى الله ، بالأعمال الصالحة وتطبيق منهج الله . قال تعالى:{فإذا نُفِخَ في الصور فلا أنساب بينهم ، ولا يتساءلون}المؤمنون 101.   
إن في الصيام تحرير للإرادة الإنسانية ، التي جعلها تبعاً لأْوامر الله ، لا لرغائب النفس  . وإن الأمة الإسلامية ، قد جهلت من الدنيا ، بمقدار ما جهلت من الدين ، ونسيت من عالم الشهادة  بمقدار ما نسيت من عالم الغيب ، وما صاحب ذلك من الشهوات الطائشة ، والنيات الرديئة  ومن هنا كان اتجاه الدين الإسلامي أولاً إلى النفس ، يريد تزكيتِها وتهذيبِ نوازعها ، وإعلاء غرائزها ، وكبت ما يحد من ضراوتها وقساوتها  والصوم العبادة التي يمكن أن تساهم في التدريب على ذلك


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق