الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

مصير المعرضين عن منهج الله

             

تستوقفك بعض الآيات في كتاب الله ، وتتفكر فيها ملياً ، فتتحدد منها الأحكام والتوجيهات  التي تُشخِّصُ الواقع كأنه رأى العين ، وكلما قلَّبتَ فكرك  ازددت منها حكماً ومعاني لا تتوقف .
وترجع إلى كتب التفسير ، فتزيدك وتغنيك   وتبتهج نفسك بهذه المعاني .
من هذه الآيات قول الله تعالى :{ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس ، لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم أذان لا يسمعون بها  أولئك كالأنعام ، بل هم أضلُّ أولئك هم الغافلون}الأعراف 179 .
هذا النص القرآني ، يضع يدنا على حقيقة ، هي أنه ليس المراد أن من يهتدي هو الذي يَخلق الله فيه الهداية ، ومن يضل هو الذي يَخلق الله فيه الضلال . كلا لأن الفطرة تأبى ذلك ، فالله ليس بظلاّم للعبيد ، ويأباه النص القرآني ، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضلَّ فإنما يضلّ عليها . أما كيف يجمع الله بين وصفي الهداية والإضلال ؟
نعلم أن الشيطان هو المضل ، لقوله تعالى :{هذا من عمل الشيطان ، إنه عدوٌ مضل مبين}القصص 15 فالمهتدي من كان عند الله مهتدياً ، ولو كان عند الناس ضالاً ، ولا يكون من المهتدين إلا إذا آمن وعمل صالحاً ، لقوله تعالى :{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم}يونس 9 وقال {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}العنكبوت 16 .
فالله يهدي من يبغي الهداية لنفسه ، أما الضال  فإنه من كان ضالاً في حساب الله لا في حساب الناس ، لأن الله يضل من يبغي الضلال لنفسه  ويُعرض عن دلائل الهدى ، وموجبات الإيمان  ويُغلق سمعه وبصره دونها . لقوله تعالى{إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً ، إلا طريق جهنَّم خالدين فيها}النساء 168 .
بهذا يتضح أن مشيئة الله التي يجري  بها قدره  هي أن يخلق الإنسان باستعداد مزدوج للهدى والضلال تحملهما معاً فطرته مع إعطائه العقل المميز للضلال والهدى .
وإرسال الرسل بالبينات لإيقاذ الفطرة إذا تعطلت  وهداية العقل إذا ضلّ ، وكما اقتضت إرادة الله وجود هذه الفطرة ، فقد اقتضت أيضاً أن يجري قدر الله بهداية من يجاهد للهدى ، وإضلال من لا يستخدم عقله وسمعه وبصره ، للتمييز بين الهدى والضلال لقوله تعالى:{ولقد ذرأنا لجهنم} فهؤلاء الكثيرين من الجن والإنس مخلوقون لجهنم مهيأون لها ، لماذا ؟ لأنه مكشوفٌ لعلم الله الأزلي   أعمالهم التي تقودهم الى جهنم ، ولأن الله لا يدفع الناس إلى الضلال الذي يستحقون به جهنم   لأن لهم قلوبٌ لا يفقهون بها وأعينٌ لا يبصرون بها ، وأذانٌ لا يسمعون بها ، فقد عطلوا هذه الأجهزة التي وهبوها
ولم يستخدموها ، وقد وصفهم الله بقوله :{إن شرَّ الدواب عند الله الصمُّ البكم الذين لا يعقلون  ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}الأنفال 23 . لقد عطلوا هذه الأجهزة   فكانوا كالأنعام بل هم أضل ، لأن للأنعام استعدادات فطرية تهديها ، بخلاف الجن والإنس إذا مرّوا بالحياة غافلين لا تلتقط قلوبهم معانيها وغاياتها ، ولا أعْيُنُهُم مشاهدها ودلالاتها ، ولا آذانهم إيقاعاتها وإيحاءاتها ، بهذا يكونوا أضلَّ من الأنعام الموكلة إلى استعداداتها الفطرية الهادية ، ثم يكونون من ذرء جهنم يجري فيهم قدر الله وفق مشيئة ، حين فطرهم باستعداداتهم تلك ، وجعل قانون جزائهم هذا فكانوا في علم الله القديم حطب جهنم منذ كانوا .
ثم يفصِّل الله صنوف الخلق في آيات أخرى   فيذكر منهم المتمسكون بالحق الذين يدعون الناس إليه ويحكمون به ولا ينحرفون عنه ، كما يذكر المنكرين للحق المكذبين بآيات الله ، أما المتمسكون بالحق فهم حرّاسٌ عليه ، حين يُكذِّب الناس به وينحرف عنه المنحرفون ، وهم الذين قال فيهم {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}الأعراف 181 . وما كان ليُكرِّم البشرية لو لم يكن فيها الجماعة التي يسميها الله الأمة ، وهي التي تدين بعقيدةٍ واحدة ، وتدين بقيادة واحدة قائمة على تلك العقيدة ، وثابتةٍ على الحق يهدون بالحق وبه يعدلون .
إنهم دعاةٌ إلى الحق لا يسكتون عن الدعوة به واليه والقيادة باسمه ، لأنه ما جاء ليكون مجرد علم يُعَرَفُ ويُدرّسْ ، ولا مجرد وعظ يُهدى به ويُعَرَّف ، إنما جاء ليحكم أمر الناس كله ، يحكم تصوراتهم الإعتقادية فيصححها ويقيمها على وفقه ، ويحكم شعائرهم التعبدية وحياتهم الواقعية   فيقيم نظامها وأوضاعها وفق منهجه ومبادئه   ويقضي فيها بشريعته وقوانينه المستمدة من هذه الشريعة ، ويحكم بذلك عاداتهم وتقاليدهم   وأخلاقهم وسلوكهم ، ومناهج تفكيرهم وعلومهم ومكتسباتهم الثقافية .
إن طبيعة الإسلام واضحة لا تحتمل التلبيس ، وإن الحملات ضد الإسلام لا تنقطع من قبل الذين يحرِّفون الكلم عن مواضعه ، فيحلون ما حرَّم الله  ويباركون الفجور والفاحشة ، ويصورون الإسلام الذي حكم الحياة حادثاً تاريخياً مضى  ولا يُمكن إعادته .
إنهم يشيدون بعظمة هذا الماضي ، بالاحتفالات التي يقيموها في مناسبات دينيه . ليخدروا مشاعر المسلمين ، وليقولوا في ظل هذا التخدير ، بان الإسلام اليوم يجب أن يعيش في نفوس أهله فقط عقيدة وعبادة لا شريعة ونظاما ، ويحاولون تغيير طبيعة هذه الأُمة ، حتى لا يجد هذا الدين قلوباً تصلح للهداية به ، ويحولون هذه الأمة إلى فئاتٍ غارقةٍ في وحل الجنس والفاحشة والفجور  ومشغولةً بلقمة العيش لا تجدها إلا بالكد والعسر والجهد ، كي لا تفيق بعد اللقمة والجنس لتستمع إلى هدى أو ترجع إلى دين .
إنها معركتهم ضد هذا الدين ، جندوا لها كل قواتهم ، وأجهزة الإعلام العالمية والتشكيلات الدولية لتكفل من أجل ذلك أوضاعاً ، ما كانت لتبقى يوماً واحداً ، لولا هذه الاستعدادات العالمية للوقوف في وجه هذا الدين .
ورغم ذلك فإن طبيعة هذا الدين الواضحة   والأمة المسلمة القائمة عليه ، مع قلة عددها وضعف عدتها ما تزال صامدة ، في وجه عمليات السحق والإبادة الوحشية ، ورغم السجن والمطاردة ، إنها القوه التي لا يحسبون حسابها  وهم يشنون هذه الحملة الضارية ضد هذا الدين  وضد أهله
إنها القوة التي يغفل عنها المكذبون بآيات الله ، إنه استدراج لهم حيث لا يعلمون أن كيد الله متين
بل إن فئةً كبيرةً من المسلمين وصلوا لدرجة من اليأس   فلا يؤمنون بذلك .
إن دول الكفر يتولى بعضهم بعضا ، ويحسبون أن قوتهم ظاهره في الأرض ، وينسون قوة الله الكبرى لكنها سنة الله مع المكذبين الكافرين ، ويزين لهم المنافقون من المسلمين ما يُرخي لهم العنان   ويُمْلي لهم في العصيان والطغيان استدراجاً من الله لهم في طريق الهلكة ، وإمعانا في الكيد لهم ، لكنه مع من ؟ إنه الجبار ذو القوة المتين ولكنهم غافلون . 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق