إن
الله سبحانه وتعالى ، قيد اختيار الإنسان في فرائضه ، إما مكاناً وإما زمانا ، ومن
العبادات ما لم يقيده الله ، لا بالزمان ولا بالمكان كالشهادة ومنها ما قيدها الله ، زماناً ولم يقيدها
مكاناً كالصلاة ومنها ما قيده زمانا ،ً كالصيام في شهر رمضان من كل عام ، ومنها ما
قيده الله زماناً ومقداراً ، ولم يقيدها مكاناً كالزكاة .
أما الحج فإنه يختلف عن سائر العبادات ، من حيث
انه مقيد زماناً ومكاناً ، وعلى هذا فلا يصح أن تحج وأنت في بيتك أو موطنك ، بل لا
بد أن تذهب إلى بيت الله الحرام في مكة ، ولا يصح أن تقف في يوم عرفه في أي مكان ،
بل لا بد أن تذهب إلى عرفات ، من التاسع من ذي الحجة ، تقف في المكان المحدود
للوقوف لا تتعداه كما لا يحق لك أن تؤدي
مناسك الحج في أي شهر ، بل لا بد أن تكون في شهر ذي الحجة .
فالحج إذن هو الفريضة الوحيدة ، المقيدة زماناً
ومكاناً ، لذلك كان جزاؤها غفران
الذنوب لأنها أكثر الفرائض مشقةً
على النفس المؤمنة . عن أبي هريرة قال سمعت النبي عليه السلام يقول: ( من حج
لله فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ ، رجع كَيَوْمَ وَلَدَتهُ أمهُ ). أي من غير
ذنب ، وظاهر الحديث يدل على غفران الصغائر والكبائر والتبعات ، وفي حديث آخر ، (والحج
المبرور ليس له جزاءٌ إلى الجنة ) .
وروى الطبرانّي في الكبير والبزار وابن حبان في
صحيحه عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: ( وأما وقوفك عشية عرفه فإن
الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا ، فيباهي بكم الملائكة فيقول عبادي جاؤني شعثاً غبرا ، من كل فجٍ
عميق يرجون رحمتي ، فلو كانت ذنوبهم كعدد
الرمل ، أو كقطر المطر ، أو كزبد البحر لغفرتها
أفيضوا مغفوراً لكم ، وأما رميك الجمار ، فلك بكل حصاةٍ رميتها ، تكفيرُ
كبيرةٍ من الموبقات وأما طوافك بالبيت ،
فان تطوف ولا ذنب عليك يأتي ملك فيضع يديه
بين كتفيك ، فيقول اعمل فيما يستقبل ، فقد غفر لك فيما مضى .
قال
الزركشي وغيره ، إن هذا يقتضي أن تغفر الصغائر والكبائر ، وقال ابن حجر في قوله :
رجع كيوم ولدته أمه ، أي بغير ذنب ، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات ،
وهذا من أقوى الشواهد لحديث عباس بن مردا
س وفي زوائد المسند أن رسول الله ﷺ : ( دعا عشية عرفه لأمته بالمغفرة
والرحمة فأكثر الدعاء ، فأجابه الله سبحانه
أن قد فعلت وغفرت لأمتك ، إلا من ظلم بعضهم بعضا فقال يا رب إنك قادر أن
تغفر المظالم ، وَتُثيبَ المظلوم خيراً من مظلمته ، فلم يكن تلك العشية فلما كان من الغد ، دعاه غداة المزدلفة
، فعاد يدعوا لأمته ، فلم يلبث النبي ﷺ
أن تبسم فقال بعض أصحابه يا رسول الله ،
بأبي أنت وأمي ضحكت في ساعة ، لم تكن تضحك
فيها ، فما أضحكك أضحك الله سنك ، قال تبسمت من عدو الله إبليس ، حين علم أن الله
عز وجل ،
قد استجاب لي في أمتي وغفر المظالم ، وها هو يدعو بالثبور والويل ،
ويحثو التراب على رأسه ، فتبسمت مما يصنع من جزعه) . وأخرجه الطبراني في
المعجم الكبير والبيهقي في السنن الكبرى .
وأخرجه ابن عدي إنك قادر أن تُثيب المظلوم وتغفر لهذا الظالم ، فأجابه الله عز وجل ، أن
قد فعلت قال الكرماني بعد ذلك الحديث ،
فإن قلت هل هو عام في جميع الذنوب ؟ قلت هو عام في جميع ما يتعلق بحق الله تعالى ،
لأن مظالم الناس تحتاج إلى استرضاء الخصوم .
وذكر
ابن شهاب ، بهامش الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر ، استناداً إلى ما تقدم من
الحديث من أن حقوق الناس لا تسقط به ، بل يُعوضهم الله عز وجل من الجنة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق