الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

فضل الحج وثوابه


                    
إن الله سبحانه وتعالى ، قيد اختيار الإنسان في فرائضه ، إما مكاناً وإما زمانا ، ومن العبادات ما لم يقيده الله ، لا بالزمان ولا بالمكان كالشهادة  ومنها ما قيدها الله ، زماناً ولم يقيدها مكاناً كالصلاة ومنها ما قيده زمانا ،ً كالصيام في شهر رمضان من كل عام ، ومنها ما قيده الله زماناً ومقداراً ، ولم يقيدها مكاناً كالزكاة .
 أما الحج فإنه يختلف عن سائر العبادات ، من حيث انه مقيد زماناً ومكاناً ، وعلى هذا فلا يصح أن تحج وأنت في بيتك أو موطنك ، بل لا بد أن تذهب إلى بيت الله الحرام في مكة ، ولا يصح أن تقف في يوم عرفه في أي مكان ، بل لا بد أن تذهب إلى عرفات ، من التاسع من ذي الحجة ، تقف في المكان المحدود للوقوف لا تتعداه  كما لا يحق لك أن تؤدي مناسك الحج في أي شهر ، بل لا بد أن تكون في شهر ذي الحجة .
  فالحج إذن هو الفريضة الوحيدة ، المقيدة زماناً ومكاناً ، لذلك كان جزاؤها غفران  الذنوب  لأنها أكثر الفرائض مشقةً على النفس المؤمنة . عن أبي هريرة قال سمعت النبي عليه السلام يقول: ( من حج لله فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ ، رجع كَيَوْمَ وَلَدَتهُ أمهُ ). أي من غير ذنب ، وظاهر الحديث يدل على غفران الصغائر والكبائر والتبعات ، وفي حديث آخر ، (والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلى الجنة ) .
 وروى الطبرانّي في الكبير والبزار وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر أن رسول الله قال: ( وأما وقوفك عشية عرفه فإن الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا ، فيباهي بكم الملائكة  فيقول عبادي جاؤني شعثاً غبرا ، من كل فجٍ عميق  يرجون رحمتي ، فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل ، أو كقطر المطر ، أو كزبد البحر لغفرتها  أفيضوا مغفوراً لكم ، وأما رميك الجمار ، فلك بكل حصاةٍ رميتها ، تكفيرُ كبيرةٍ من الموبقات   وأما طوافك بالبيت ، فان تطوف ولا ذنب عليك  يأتي ملك فيضع يديه بين كتفيك ، فيقول اعمل فيما يستقبل ، فقد غفر لك فيما مضى .
قال الزركشي وغيره ، إن هذا يقتضي أن تغفر الصغائر والكبائر ، وقال ابن حجر في قوله : رجع كيوم ولدته أمه ، أي بغير ذنب ، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات ، وهذا من أقوى الشواهد  لحديث عباس بن مردا س وفي زوائد المسند أن رسول الله : ( دعا عشية عرفه لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء ، فأجابه الله سبحانه  أن قد فعلت وغفرت لأمتك ، إلا من ظلم بعضهم بعضا فقال يا رب إنك قادر أن تغفر المظالم ، وَتُثيبَ المظلوم خيراً من مظلمته ، فلم يكن تلك العشية  فلما كان من الغد ، دعاه غداة المزدلفة ، فعاد يدعوا لأمته ، فلم يلبث النبي أن تبسم  فقال بعض أصحابه يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي  ضحكت في ساعة ، لم تكن تضحك فيها ، فما أضحكك أضحك الله سنك ، قال تبسمت من عدو الله إبليس ، حين علم أن الله عز وجل ، قد استجاب لي في أمتي وغفر المظالم ، وها هو يدعو بالثبور والويل ، ويحثو التراب على رأسه ، فتبسمت مما يصنع من جزعه) . وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في السنن الكبرى .
 وأخرجه ابن عدي إنك قادر أن تُثيب المظلوم  وتغفر لهذا الظالم ، فأجابه الله عز وجل ، أن قد فعلت  قال الكرماني بعد ذلك الحديث ، فإن قلت هل هو عام في جميع الذنوب ؟ قلت هو عام في جميع ما يتعلق بحق الله تعالى ، لأن مظالم الناس تحتاج إلى استرضاء الخصوم .
وذكر ابن شهاب ، بهامش الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر ، استناداً إلى ما تقدم من الحديث من أن حقوق الناس لا تسقط به ، بل يُعوضهم الله عز وجل من الجنة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق