الأحد، 26 أكتوبر 2014

ضرورة تطبيق أحكام الإسلام

         

إن الدارس لجوانب الإسلام المتعددة ، يجده قد تناول بالتنظيم كلّ العلاقات التي يمكن تصورها  فنظم علاقة الفرد بربه ، وعلاقة الفرد بالفرد  وعلاقة الفرد بالمجتمع والدولة ، ثم علاقة الدول بغيرها من الدول .
إنها حكمة الله التي اقتضت أن لا يترك عباده دون نظام شامل كامل لحياتهم ، يكون فيه من المبادئ والتفاصيل والجزئيات ، ما ينظم كلّ جوانب الحياة قال تعالى:{أيحسب الإنسان أن يترك سدى}القيامة 36 . وقال {فمن تبع هداي فلا يضل ولايشقى}طه 123 .
وقد ورد الحث على إتباع المنهج الرباني بقوله تعالى :{اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء}الأعراف 3 .
إن مما يدعو للأسى إنه عندما نقول لبعض المسلمين إن الإسلام هو الحل ، وإن شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتطبيقاتها في الحياة هي الحل . وان العبادة الصحيحة لله كما جاء بها الإسلام هي الحل ، يهز كتفيه ساخراً  ها هو الإسلام موجودٌ ، ولا اله إلا الله والعبادة موجودة وقائمة ، ومع ذلك فأكثر الناس تأخراً وانحرافاً هم المسلمون ، كما أنهم اكثر الناس الذين يعانون من المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، فلنبحث عن حلٍّ عند النظم الأخرى ، لأن الإسلام غير قادر على تقديم الحل 
نقول لهؤلاء إن ما يُطبق اليوم في حياة الناس ليس هو الإسلام الصحيح الذي أنزله الله ، ولا العبادة التي أمر بها الله ، فلا بد والحالة هذه من تصحيح المفاهيم أولا ،ً ثم إقامة بناء جديد على المفاهيم الصحيحة للإسلام ، لأنه لا قيمة للأفكار والتشريعات والقوانين إن لم تكن وراءها عقيدة تدفع إلى العمل بمقتضاها ، ولا بد للمسلم ولحامل الدعوة أن يأخذ الأفكار أو ينبذها أو يحاربها بقياسها على العقيدة ، فما وافق العقيدة أخذ ، وما تعارض معها رفض .
ولا بد أن يعرف المسلم ، أن الإسلام فكره وطريقه ، وأن الفكرة هي العقيدة والمعالجات المنبثقة عنها ، وأما الطريقة فهي الأحكام المتعلقة بكيفية تنفيذ المعالجات ، وكيفية المحافظة على العقيدة ، وكيفية حمل الدعوة إلى تطبيق الإسلام وتنظيم الحياة الإسلامية ، التي تنقذ الأمة من جميع المشاكل التي تعاني منها ، ومن التخبط والاضطراب والحيرة والعذاب والذل والعار  الذي أصبح وصمةً في جبين هذه الأُمة .
فما هو الحل الذي جاء به الإسلام ؟
إنه يتمثل في قيام مجتمع إسلامي صحيح ، تواجهه وتحكمه وتسوده عقيدة الإسلام ومفاهيمه وشعائره  ومشاعره وأخلاقه وتقاليده وقوانينه .
إن الإسلام هو الذي حقق أسمى ما عرفته الدنيا من المبادئ والقيم الروحية ، والمثل العليا في العدالة والحرية والمساواة ، وإن منهجه ضرورة إنسانية حتمية ، لأن التجربة الإسلامية في الحكم في عهد الرسول وعهد الخلفاء الراشدين من أروع وأرفع ما وعته ذاكرة الدنيا ، في الجمع بين  صلاح الدنيا والآخرة ، وإن تلك التجربة التي تحققت يوم غلب الله على أمره ، والتي نرجو من الله أن تتحقق مرة ثانية ، مع إدراكنا بأن ذلك ليس نزهه سهله ، بل هو طريق شاقٌ مليء بالأشواك ، أعسر ما فيه أن نرتفع بأخلاقنا وأفكارنا إلى مستوى الإسلام ، وهو المستوى الذي أراده الله لهذه الأمة .
إن الدارس لتاريخ تلك الفترة من الحكم الإسلامي ، يجد فيه المواقف المشرفة التي تجعل تجربة الحكم فريدة في معنى الحكم وتكامل الجماعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  بدستور إلهي لا يعتريه تغيير أو تبديل ، لأنه تنزيل من العزيز الحكيم ، ألحا كمية فيه لله وحده ، ولا طاعة لمخلوق في معصيته الخالق ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ووجود وضع يحفظ كرامة الإنسان فلا يذل ولا يُسْتَبْذَلْ ولا يُظْلَمْ  .
بذلك نهتدي وننتصر وإلا توالت هزائمنا . كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو العاص : "سلام عليك أما بعد فلقد بلغني أنه فشت لك فاشيةٌ ، من خيل وإبل وغنم وبقر وعهدي بك قبل ذلك  ولا مال لك  فأجابه ابن العاص وهو من هو :" يا أمير المؤمنين إن أرضنا أرض مزرع ومتجّر ، فنحن نُصيبُ فضلاً عما نحتاج إليه لنفقتنا" . فأجابه عمر: "إني قد خبرت من عمال السوء ما كفى  وكتابك إلىّ كتاب من أقلقه الأخذ بالحق ، وقد سؤت بك ظنا ، وبعثت إليك محمد بن مسلمة فشاطره مالك ، فإنكم أيها الرهطُ الأمراء  جلستم على عيون المال لم يفزعكم عذر   تجمعون لأبنائكم وتمّهدون لأنفسكم ، أما إنكم تجمعون العار وتورثون النار والسلام ".
فقارن يا أخي المسلم هذه الواقعة بما هو عليه حال حكام اليوم . ويمرُّ عمر بن الخطاب يوماً بمكة فيرى الخدم وقوفاً والسادة يأكلون   فيغضب ويقول مستنكراً : "ما لقوم يستأثرون على خدّامهم " ...ويأبى إلا أن يجلس الخدم للأكل مع السادة في جفنهٍ واحدة . وجلس ذات يوم يقسِّمُ مالاً بين المسلمين فازدحم الناس عليه  فأقبل سعد بن أبي وقاص وهو من هو في نسبه وبلائه في الإسلام ، فزاحم الناس حتى زحمهم وخلص إلى عمر ، فعلاه عمر بالدّرة وهو يقول : "لم تهب سلطان الله في الأرض فأردت أن أعلمك أن سلطان الله لا بها بك ". وقال مرةً في حَجْةٍ حَجْها وقد أنفق ستة عشر ديناراً هو ومن معه "ما أرانا إلا قد أجحفنا ببيت المال " .
 إن تاريخ سلفنا ملئ بمثل هذه المواقف ، التي تضع للحكم نظاماً راسخاً ، وتضع للمال سياسة عادلةً  تنسق بين العبادة والمعاملة . وتساوي بين العقيدة والشريعة ، إنها مبادئ الإسلام السمحة العادلة لارهبانية ولا بهيمية ، فقد وضعت الحدود لموازنة قوى النفس البشرية بحيث لا يطغى فرد على فرد ولا فرد على جماعه ، هذا الإسلام الذي حرّر الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة الله    ومن الافتتان  بالمال أو الجاه أو السلطان ، وحض على دفع الظلم ، وأوجب الجهاد لحماية البلاد والمقدسات ، هذا هو الدين الذي لا دين سواه  وهذه هي المبادئ فأين نحن اليوم منها .
 إن الذين يستحون  أن يطالبوا بها خشية أن يتهموا بالرجعية ، في زمن فيه ناس يعتبرون المطالبة بالتمسك بالإسلام تأخر ، والأخذ بما يقوله تلامذة الكفر وبطانات السوء وأسيادهم تقدمً وتحضّر، حتى أن هذه الفئة من الناس في تقديري لا يهمها هيمنة إسرائيل على بلادنا   بقدر ما يهمها تقويض الدين وتدمير الإسلام .  إن مما يدعو للأسى أن نكون مسلمين وفي بلد مسلم ، وفي دوله دينها كما في دستورها الإسلام  ثم نخشى أن نجهر بكلمة الحق ، إنها الجاهلية العمياء ، لأن واجب المؤمن أن يصدع بأمر الله ليُغيِّر واقعاً أسود ، يتمثل في هيمنة العدو على مقدساتنا وبلادنا ، مما يوجب على المسلم ألا يدين لذلك بالولاء ، وإن أمر الله أولى بالإتباع من أهواء الأفراد والجماعات كائنه من كانت
قال تعالى :{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه } .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق