إن
المستمع للمقابلات التي نشاهدها على شاشات التلفزة بخصوص الحرب الجارية يلمس موجة من الانهماك في عالم التوقعات
ودنيا التأويلات والتفسيرات ، التي تتحدث عن الأحداث ، فبين متمهل مطمئن بأنها
ستحسم قريباً ، وبين مبشرٍ بأنها ستستغرق وقتاً طويلاً ونسمع لكثيرٍ من الآراء والطروحات التي تغلب
عليها روح العداء للإسلام والحقد على
المسلمين والتفاؤل بتحقيق الهدف الذي
قامت الحرب من أجله ، ناسين أن هناك إلهاً
وأن هناك ترتيباً آخر قد يفاجئهم .
أما
المسلم الحق فالواجب أن تختلف نظرته لهذه الحرب ، فليس من المستبعد أن يكون النصر
حليف المؤمنين بالله ، فالفأل الحسن محمود
أقول ليس من المستبعد لأنني اجزم بنصر الله للفئة المؤمنة ، بغض النظر عن
العدد أو العدة ، لأن الله وعد المؤمنين بالنصر فقال تعالى :}إن
تنصروا الله ينصرْكُم ويثبت أقدامكم { محمد 7 .
ولأن
المستقبل للإسلام ، بشرط ألا يكون موقفناً من هذا المستقبل مجرد انتظار استقباله
فنحن أمة تؤمن بالغيب ، ولكنها لا تقبع وراء ذلك الغيب مستشرفةً حدوثه وهي في عالم
الشهادة والتكليف لأن الذي يتصور أن يهلك
الله أمة الكفر مكتفياً بالدعاء ورفع
الأكف إلى الله بالضراعة ، دون أن يُعد نفسه وغيره لذلك ، فهو واهم وحالم في أحسن
الأحوال وظالم في أسوئها ، وقد نبهنا الله إلى هذه القضية فقال تعالى : }ولو
أرادوا الخروج لأعدوا له عدّةً ، ولكن كره الله إنبعاثَهُم فثبطهم وقيل اقعدوا مع
القاعدين{ . التوبة 46. هؤلاء الذين لا يهتمون بما يعاني إخوانهم في الدين ،
كره الله انبعاثهم لما يعلمه من خيانتهم وعدم نصرتهم ، فتخلفوا عن الجهاد كالعجائز
والنساء والأطفال الذين لا يستطيعون الجهاد ، ولا ينبعثون له من أرباب الهمم
الساقطة والقلوب المرتابة والنفوس الخالية من اليقين يظنون أنهم يحققون لأنفسهم الخير بالتخلف
والقعود عن مشاركة المجاهدين في مراكب الهم والهدم والدم .
نسمع
الأخبار ونحن مع القاعدين ، فمرة نتشاءم ومرة نتفاءل ، ومع أن التفاؤل والتبشير
بلا عمل ملامة ، والتشاؤم واليأس ولو مع شيء من العمل إدانة ، إلا أن ذلك يبعث على
القلق وبخاصة مع تزايد حدّة التحدي والخروج عن الهدف المحدد للحرب .
لقد
أعلنوا الحرب على الإرهاب والإرهابيين ، ونحن نراها طالت المرضى والعجزة والمقعدين
، لا بل كافة الناس هناك أجمعين ، وهنا نتساءل : هل صحيح أن كل الإسلاميين بما
فيهم النساء والأطفال هم إرهابيين ؟ وما هو المطلوب ؟
إن
الذي يظن أن مجرد متابعة الأخبار على الشاشات والإذاعات مع التحسر والتألم لما
يجري يعفي من الأثم عند الله ، فذلك لعمري هو القصور في الفهم ، والتهرب من الواقع
الأليم ، وأنت تشاهد يا أخي الأخبار على الشاشات ، تصور أن الأم الثكلى التي تراها
هي أمك ، أو أن ذلك الطفل أو الطفلة الصغيرة المجروحة الجسد المحروقة الأطراف هي
ابنتك ، أو أن ذلك الصغير التائه الزائغ العينين المتعفر الثياب الذي يبحث عن شيء
يأكله في أكوام القمامة هو ابنك ، وأن تلك الفتاة المدفوعة بين الذئاب والكلاب هي
أختك وأن تلك العجوز المرتعشة الأصابع الضعيفة البصر الرافعة كفيها إلى السماء
بالدعاء بعد هدم بيتها وغياب عائلتها هي جدتك أو خالتك أو عمتك ، ماذا كنت ستفعل ؟ لو أن هؤلاء أهلك مع أنهم في
الحقيقة إخوانك وأهلك ، نعم إنهم أهلونا وخذلهم هو خذلان لنا والتخلي عنهم مسؤولية
أمام الله ، وبلادنا الهدف المنشود لزعماء الغرب لتحقيق أهدافهم والمتتبع لمسيرة
زعماء أمريكا ، يجد أنهم يلجأون إلى المنطقة العربية لتحقيق الانتصارات التي
يحتاجونها أمام شعبهم ، والسؤال هنا : لماذا المنطقة العربية ؟
هل
لأننا كرماء بطبعنا أو أوفياء لأصدقائنا نتنازل بكرمنا المعهود عن حقوقنا ؟
أم
لأننا شعب مغلوب على أمره تفرض عليه الحلول الظالمة ويرضى بها دون تردد أو مناقشة
؟ فقد وصلنا على أرض الواقع إلى درجة من الانهزام ، نقبل التعليمات التي يصدرونها
بكل فخر واعتزاز ، مما يدل على الاستهانة بهذه الأمة واعتبارها الجانب الأضعف
باللعبة السياسية الذي تعوَّد قادة
أعدائنا تحقيق انتصاراتهم عن طريقه أضف
إلى ذلك مواقفهم المؤيدة لعدونا اللدود إسرائيل ، فهذه أمريكا ممثلة برئيسها الذي
يعمل بوحي من شعبها ، تعمل لمصلحة دولة يهود التي احتلت أرضنا ومقدساتنا وشردت
أبناء شعبنا وحاصرت وقاتلت ، وما زالت تعمل ليل نهار قصفاً وقتلاً وتدميراً .
والرؤساء
الأمريكيين المتقدمين منهم والمتأخرين لم
نلمس منهم موقفاً حازماً لإيقاف عمليات القتل والتدمير ، لأنهم لم يعتلوا كراسيهم
إلا بصوت الناخب اليهودي .
لذا
فهم مدينون لهم بالولاء من أجل قيام دولتهم
وتحجيم جميع القوى المعارضة لهم لا أقول بالمنطقة فحسب ولكن بجميع أنحاء
العالم ، لذا يجب علينا أن نستيقظ من غفوتنا ونؤوب إلى رشدنا ، ونحزم أمرنا ونعرف
صديقنا من عدونا ، ونعلن للعالم كله أننا أمة يجب أن تجاهد لإعلاء كلمة الله
أولاً وتدافع عن الحقوق المغتصبة ثانياً
، لأن واجبنا تجاه امتنا لا يحتاج إلى مزيد شرحٍ وبيان ، فطالما تكلمنا بذلك وتكلم
الدعاة إلى الله ولكن للأسف صُمَّت الآذان ، فاستمرئنا الهوان و أصابنا الإحباط
والخذلان .
تعالوا
نقلب دفتر الذكريات وصفحات التاريخ لننظر
سوياً إلى رجال ذلك الجيل الذي عملت فيه الأمة وسادت ، ما أحوجنا إلى رجالٍ
أمثالهم يقودون السفينة التي عصفت بها ريح الكفر
وهبت عليها أعاصير الحقد والكراهية للإسلام وأهله ، روى التاريخ أن امرأة
قتل أبوها وزوجها وأخوها يوم أحد ، فلما أتاها خبرهم قالت : ما فعل الله برسول
الله ؟ قالوا : بحمد الله كما تحبين قالت
: أرونيه حتى أنظره ، فلما رأته صاحت من أعماق قلبها : كل مصيبة صغيرة بعدك يا
رسول الله !
إنه
الصبر الجميل على قدر الله ، إنه الصبر الذي افتقده كثير من رجال زماننا ، الصبر
على تحمل المسؤولية الذي تخرّج منه أولئك الأبطال الأشداء الذين يثبتون عندما تزل الأقدام ويحتسبون
عندما ييأس أصحاب العزائم الخاملة ، فنحن بحاجة إلى رجال كهذه المرأة في صبرها
وحرصها ، لا رجالاً خرست ألسنتهم حتى عن كلمة شجب أو إدانة لما يجري لإخواننا
مسلمي فلسطين في محنتهم الذين يلاقون أكثر
مما تلاقيه أفغانستان ، وكأن ما يجري توزيع للمهمات لإذلال المسلمين والسيطرة على
مقدِّراتهم ، فأمريكا في أفغانستان وإسرائيل في فلسطين لأن ما يفعله اليهود
الحاقدون من وحشية وظلم وطغيان وإهانات
محاصرين إخواننا في قراهم ومدنهم ، يُمْطرون ليل نهار بححمم القذائف والنار
من الدبابات والمدافع ، في أبشع صور الوحشية والطغيان ، مع تأييد غربي وسكوت عربي
، فأين الجامعة العربية لا بل أين مجلس الأمن والأمم المتحدة وحقوق الإنسان التي
تكيل بمكيالين أرأيتم ما جرى في نيمور
الشرقية لأبناء ملتهم من تدابير عاجلة ، وإعلام هائل وتحرك بأسرع وقت ، ولكن من
يعرف خفايا الغرب وموقفه من الإسلام وأهله لا يستغرب ذلك ومما يدمي القلب أن اثنين وخمسين دولة إسلامية
مجتمعة أو منفردة لا تفعل شيئاً تجاه إخوان لهم يعتدى عليهم بأحدث ما عرفته
التقنية الغربية من السلاح المتطور ، ولا يحركوا ساكناً مما يدل على أن هناك خللاً في إسلامهم وصلتهم
بربهم ، وهذا والله منتهى الذل والهوان ، ويا ليت المسلمين يسلمون بالرغم من كل
ذلك من مكر دولهم ، ومحاربتها لكل ما هو إسلامي حتى فاقت في ذلك دول الكفر واليهود
.
يخيل
لي أن ما يجري من تركيز القصف على محطات الكهرباء والأسواق والمراكز الحيوية في
المدن والقرى لتختل مقومات الحياة وتدمر ، حتى يواجه من ينجو من هذا الشعب الشتاء
ببرده القارس ، وهم عزل من كل شيء سوى القذائف والصواريخ التي تمطرهم صباح ومساء ،
ومن فرّ لا يجدي الملجأ ولا الطعام ، بل ولا أي شيء من مقومات الحياة
وكل
ما أستطيع قوله : عفاءً على الدنيا إذا المرء لم يعش بها بطلاً يحمي الحقيقة شُدُّه
وأسأل
: لماذا يحدث لنا كل هذا ؟ ولماذا المسلمون بالذات تسيل دماؤهم وتُزهق أرواحهم
وتُنثر أشلاؤهم ؟ ولا حيلة لي إلا أن أنادي : أيها المسلمون ، أيها النائمون ، ما
لكم لا تبصرون ؟ ما لكم لا تنطقون ؟ أي عار بعد هذا تنتظرون ؟.
وأكرر
: لماذا أنتم صامتون ؟ أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون ؟ أما يوجد فيكم قوم يتحركون
؟ أو أنكم أصبحتم لا تعقلون ؟
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
أما
الحل فهو كما قلنا مراراً وتكراراً ، يكمن في العودة الصادقة لرب العالمين ،
واتباع نهج سيد المرسلين . وعندها ستكون الجولة للإسلام وللإسلام وحده }ويقولون
متى هوَ قل عسى أن يكونَ قريباً{.الإسراء 51 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق