إن
ما يجري في فلسطين من تطورات خطيرة يتطلب من القائمين على أمر الأمة وقف المفاوضات
مع اليهود ، لأنها ليست إلا صورة للاستسلام المذل والتفريط المستمر في حقوق الأمة
العربية والإسلامية في المقدسات . لقد هب شعب فلسطين الأعزل لمواجهة العدو وسقط
منهم من سقط شهيداً وجريحاً ، وبقي الواجب علينا كمسلمين شعوباً وحكومات أن نقدم
الدعم والمساندة لتحرير قدسنا وأقصانا ، والثأر للدماء التي أُزهقت على يد اليهود
، وليس الاكتفاء بالشجب والاستنكار أو تقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن .
وإذا كان المسلمون قد فاتتهم وحدة الصف فلماذا لا يجتمعون على وحدة الهدف ، حتى يعملوا
على وقف هذا الاعتداء المتواصل على المسلمين في فلسطين وغيرها ، يُنال منهم ولا
ينالون ويُجار عليهم ولا يجيرون ، وذئاب الشرق والغرب تُغير عليهم فتفترس ما شاءت دون
أن يحرَّك ساكنا ، وكيف يتوقع ذلك من أناس أيديهم هي السفلى أليسوا مدينين لهم ؟ فكيف يريدون لنا خيراً ؟
إن
الإسلام لا ينتصر بنا ، لأننا وصلنا إلى درجةٍ لسنا بعربٍ ولا مسلمين ، فإن كنا
عرباً ، فإن العرب الأوائل كانوا يرفعون راية الإسلام ، أما هذه الأيام فهم
يتنكرون لها ، بل انضموا إلى الأعداء يعاونونهم على وأد الإسلام وقتل شرائعه إنهم
مسؤولون عما يقع الآن للإسلام والمسلمين من مصائب ، إن تفرقهم قديماً هو الذي فتح
الطريق إلى بيت المقدس وجعل الجثث فيها أكواماً وهم يكررون الخطأ القديم بل زادوا
إلى ذلك تقطيع الصفوف وتوهين العقيدة .
لقد
أراد الله أن يكون العرب رؤوساً بالإسلام قادةً برسالته ، فإذا عادوا إلى جاهليتهم
وآثروا الانتماء إلى قوميتهم فنحن ننذرهم بقول الحق : ) إن يشأ يذهبْكم أيها
الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا ( النساء 133 .
وحتى العرب قبل الإسلام فقد كان الواحد منهم إذا
أصابته هزيمة حرَّم على نفسه مباهج الحياة وأفراحها حتى يدرك ثأره ، وفي هذا يقول
تأبط شرّاً وقد قُتل خاله ولم يستطع أن يدرك ثأره .
إن بالشِّعب الذي دون سَلْع لقتيلاً دمه ما يـُـطَـلُّ
خلَّــف العبء علىَّ وَوَلي أنا بالعـبء له مُسْتَقِـل
ووراء الثأر مني ابـنُ أخـتٍ مَصِعٌ عُقْدَتُـه مـا تُحَلُّ
فلما
أدرك ثأره قال :
حلَّت الخمْر وكانت حراما وبلأيٍ ما ألمـــت تَحِلُّ
فاسقنيها يا سوادَ بنَ عمروٍ إن جسمي بعـد خالي لخلُّ
إنها
نفسها الطبيعة العربية التي جعلت أبا سفيان يقول عند هزيمته في بدر : لا أغتسل من
جنابة حتى أدرك ثأري من محمد ، وجعلت هند بنت عتبة تقول : لا يمس جلدي طيب حتى
أدرك ثأري من محمد .
بينما
نرى المسلمين مهزومون في فلسطين وفي أماكن لا حصر لها في أنحاء العالم وكأن
الانتماء إلى الإسلام أصبح تستباح معه الدماء والأموال والأعراض ، وكأن الساسة
والقادة يتآمرون على ديننا ، وإلا فما معنى الاكتفاء بالشجب والإدانة وجمع
التبرعات ونيران اليهود تقتل وتجرح من المسلمين في كل يوم ، إن هذا لا ينبغي إن
كنا عربا ً أما إذا كنا مسلمين ، فينبغي أن يكون لنا بصلاح الدين قدوة ، فقد رُئي
وهو متجهم الوجه فقيل له : ما أحزنك ؟ قال : وكيف أبتسم والمسجد الأقصى أسير في
أيدي الصليبيين ؟ وهاهو أسير الآن والناس والمسئولون يضحكون ولا يكترثون .
إننا
نرجو من الله أن تتخلص امتنا من اليهود وهذا الذل الذي وقعت فيه ، ولا يكون ذلك
إلا بالإيمان الذي يملأ فراغها ويعمر خرابها .
وهنا
أورد لكم مثالاً من قصص القرآن للإيمان الذي يفعل الأفاعيل ، سحرة فرعون لم يخطر
ببالهم اتباع موسى ، فقد كانوا طلاب مال وأصحاب جشع ورغبة في المكافآت والجوائز
يتملقون ملكهم ويحلفون بعزته قال تعالى :)فلما جاء السحرة
قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين ؟ قال نعم وإنكم إذاً لمن
المقربين (
الشعراء
43
هكذا
كان شأنهم شأن من يعبد الدنيا ، ويعبد فيها المال والوجاهة ، ولكن ذلك تغير عندما
ألقى موسى عصاه قال تعالى :) فألقى
موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يؤفكون فألقى
السحرة ساجدين ، قالوا آمنا برب العالمين ، رب موسى وهارون(
الشعراء
45 .
تصور
يا أخي المسلم عندما شرح الله بالحق صدورهم وتلاقت أشعة الإيمان في نواصيهم إذا هم
شيءٌ آخر ، إنه صنع الإيمان .
إن
الإيمان يصنع العجائب ولكن الناس غفلوا عن وظيفته , وتعلقوا بالظواهر الفارغة
والقشور التي لا تغَيِّر واقعا ، فهو الذي حوّل سحرة فرعون من أنانيين لا يفكرون
إلا في أنفسهم إلى ربانيين يغضبون لله ويتحملون في ذات الله التقتيل والصلب وضياع
الدنيا وفقدان كل شيء .
وهناك
وقفة أخرى قي قصة موسى مع فرعون فقد خرج
موسى بقومه فلحقهم فرعون بجيشه فسرت الشكوك عند البعض وتزلزلت أقدامهم وظنوا أنهم
أدركوا و أُحيط بهم وهنا يختبر الإيمان
فمن كان متعلقاً بغير الله اضطربت نفسه وسرت الهواجس التي تخوفه ، أما من
كان راكناً إلى الله فقد بقي ثابتاً مؤمناً أنه مع اشتداد الظلمة سيطلع الفجر ومع
تضاعف الحرج سيجيء اليقين قال تعالى :)فلما
تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ، قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق
فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفتا ثم الآخرين
وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين( الشعراء 66 وبهذا انتهت قصة البطش وأسطورة الألوهية
الكاذبة ، وكم سجل التاريخ من مآس لمن غالبوا الله فغلبهم وقاوموه فهزمهم فلنتدبر
قصص القرآن الكريم ، إنها مصباح تنطلق أشعته منه ، لكي يعرف الناس الطريق الصحيح
فلا يزيغوا ولا يضلوا ، ولا بد للناس أن تعلم أن المفاسد إذا استقرت في أمة فلن
تكون أهلاً للنصر ، ولا بد حتى تستجمع أسباب السيادة والنصر أن تصطلح مع الله .
ذكر
التاريخ أن هولاكو دخل بغداد وقتل نحو مليون من الناس ، حتى أن الفرات احمّرت
مياهه من كثرة الدماء التي سفكت ، فقد كان المسلمون يومئذٍ أهلاً للهزيمة وكانوا
جديرين بها كما هو حالهم هذه الأيام .
ثم
جاء وقت على المسلمين كانوا يثأرون لأنفسهم مما نزل بهم ودخل المسلمون القسطنطينية
وجعلوها عاصمة الإسلام . فقد انتصروا عندما صلحت أحوالهم واصطلحوا مع الله . وكان
الفارق كبيراً بين الخليفة العربي الذي قتل مع قومه في بغداد ، وبين الخليفة الذي
انتصر على أعداء الإسلام وفتح القسطنطينية ، فقد روى أن محمد الفاتح كان رجلاً
صواماً قواما ، وكان كثير القراءة للقرآن ، وقبل أن يموت جمع أولاده وأوصاهم بأن
يظلوا مجاهدين لنصرة الإسلام وأن لا
يشغلهم شيء عن مرضاة الله .
إن
العرب والمسلمين في هذه الأيام يلقون الويل والاحتقار والمذلة والإهانة لأنهم
يحاولون الانسلاخ من الإسلام . الذي جاء رحمة
للناس وخروجاً بهم من الظلمات إلى النور قال تعالى :
)كتاب
أنزلناه لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد(
إبراهيم
1 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق