الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

ماذا على المسلمين إذا هزموا أمام العدو


إن المسؤولية أولاً تقع على عاتق ولاة الأمر لأنهم المسؤولون عن رعاية أمور المسلمين والقيام بمصالحهم ، ومن تلك الرعاية رفع المظالم عن المظلومين منهم ، ونصرتهم والدفاع عنهم ضد الظالمين ، وما دام هناك ظلمٌ واعتداء على المسلمين وديار الإسلام ، فإن الإسلام كفاح لا يهدأ وجهاد لا ينقطع  ، واستشهاد في سبيل الحق والعدل والمساواة فهو يبدأ في ضمير الفرد وينتهي في محيط الجماعة ، وهذا هو سرّ خلوده ، فقد انتصر المسلمون انتصار عقيدة ، غرست في نفوسهم حب الضبط والنظام ، وحببت إليهم الاستشهاد في سبيل الحق ، وجعلتهم يرون هذا الاستشهاد نصراً دونه كل نصر ، كما بعثت فيهم الاعتزاز بالنفس ، والشعورَ بأن عليهم رسالة واجبة الأداء للعالم .   
لقد تقبل العرب الإسلام بما فيه من تكاليف البذل والجهاد والتضحية والفداء ، لذلك سادوا العالم ودوخوا الدنيا ، فلما اصبحوا يتقبلون الإسلام بدون تكاليفه  ، خسروا كل شيء ، واصبحوا أذلاء مستعبدين حتى في ديارهم .
فما أحرانا أن نتفهم الإسلام ، ونتفهم حياة النبي e التي هي التطبيق العملي للإسلام كما تَفهَّم ذلك الصحابة الذين ملأت العقيدة قلوبهم في مبدأ سيرهم ، وصحبتهم وحالفتهم في كل الأحوال التي عاشوها هازمين ومهزومين ، وجعلتهم يثقون بوعد الله لهم في فتح الأرض والسيطرة عليها بالحق والعدل ، كانوا إذا هزموا أمام العدو لأي سبب من الأسباب ، يلجأون إلى الله عز وجل  ليهبَ لهم الصبَر على ما نزل بهم ، ويسألوه أن يوفقهم ليُبدِّلوا ضَعْفَهم قوة وهزيمتهم نصرا  ويسدِّد خطواتهم وهم يبحثون عن الأسباب التي أدت بهم إلى الهزيمة ، من أجل العمل على تفاديها أو اجتنابها ، ثم معاودة التصدي للعدو من قريب  لغسل عار الهزيمة في نفوس المسلمين ، سواء كانوا من المقاتلين أو من غير المقاتلين . ولنا في ما قام به رسول الله e  في أعقاب غزوة أحد أسوة حسنة  فبعد أن هزم المسلمون اثر مخالفة أكثر الرماة لأوامر النبي e ، وانصرف المشركون منصورين ورجع المسلمون مهزومين ، قرر النبي e أن يُنْسي المشركين طعم انتصارهم قبل أن يصلوا إلى بلادهم ، وأن يجددَ في نفوس المسلمين ثقتهم بنصر الله ، ويعيد إليهم قيمتهم بأنفسهم ، من حيث أنهم أصحاب رسالة وحمله دعوة ، يتخذون الجهاد في سبيل الله طريقةً لإعلاء كلمته ، وتحطيمِ كلِّ عقبةٍ تقفُ في طريقها ، كما يعيد إليهم هيبتهم بين من يُحيط بهم من قوى الكفر فخرج رسول الله e غداة يوم أُحد ، مرهباً للعدوِّ ولِيَبْلُغَهم أنه خرج في طلبهم لِيَظُنّوا به قُوَّة ، وأن الذي أصابهم لم يوهِنْهم عن عدوِّهم ، وكان المشركون قد عزموا على العودة إلى المدينة للقضاء على المسلمين ، ولكن خروج المسلمين لمطاردتهم جعلهم يُغيِّروا رأيهم .
إن على المسلمين إذا ما نزلت بهم هزيمةٌ أن يُضمِّدوا جراحهم ، ويتحاملوا على أنفسهم ويظهروا الجلادة للعدو ما أمكنهم ، وأن يعودوا إلى صفوفهم فيلمّوا شعثها ، وإلى قوتهم فُيعيدوا بناءها ، وإلى أسباب الهزيمة في فيجتنبوها  وليُوطِّنوا أنفسهم على الثأر للحق واسترداد هيبة المسلمين في أقرب فرصة تسنح لهم . وليقاوموا أيَّ شعور يُراودهم بالاستسلام إلى روح الهزيمة  وليثقوا أنهم هم الأعْلون بإذن الله . مصداقاً  لقوله  تعالى : }  ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم  مؤمنين { . آل عمران139 .
قد يهلل العدو ابتهاجاً للقضاء على الإسلام والمسلمين ، ناسين أن القلب المؤمن يظل مطمئناً إلى أن الإسلام خالد لا يموت ، وكل مصيبة تلم به مهما تكن عظيمة لا بد أن تحمل إليه انتصاراً  فهذه أمريكا التي تنظر إلى مقاومة الشعب الفلسطيني للاعتداء الإسرائيلي على أنه إرهاب  يجب العمل على وقفه ومعاقبة الذين يمارسونه  هي نظرة ليس لها مصدر إلا الحقد الأسود الذي يعمي عن الحقائق ، ويتيح للهوى أن يتكلم ويصدر حكمه كما يشاء ، وإلا فكيف يوصف بالإرهاب من حمل حجراً ، ومن يضحي بنفسه في وجه من أعلن عليه الحرب ، وقرر الفتك به وصمم على القضاء عليه ومحوه من الوجود .
و صادر كل ما وصلت إليه يده من أمواله وممتلكاته  إنه لمنطق غريب ممن يهدرون كرامتهم ويستبيحون دمائهم ثم يسمونهم بالإرهابيين وهنا يحضرني ما قاله الجندي الإنكليزي مرة لزميل له يصف الأفريقيين المعتدى عليهم قال : إن هؤلاء الإفريقيين وحوش والله ، وعندما سُئل عن السبب قال : تصور أن أحدهم عضني وأنا أقتله. هذا منطق غريب في عالم جعله الله لنا ميدان اختبار قال تعالى : } وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا {.الفرقان 20 .
فلا بد أن نُختَبَرَ بهؤلاء ويُخْتَبَرون بنا ، فالله يمكن أن يرسل صواعق تحرقهم أو زلازل تخسف بهم وتدمر عليهم قال تعالى :}ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم{.
فالله يمكن أن يتدخل وكل شيء طوع أمره  ولكنه يختبرنا أنؤمن ونجاهد ونبذل ونؤدي ما علينا ، أم نجبن وننكص على أعقابنا ، ونستكثر تكاليف الجهاد ونولي الأدبار .
وقد ورد في تكملة الآية } ولكن ليبلو بعضكم ببعض { وختمت  الآية   بقوله  تعالى :
 } والذين قُتلوا في سبيل الله فلن يُضل
أعمالهم { .
 أما الذين ولو الأدبار وقبلوا الدنية والظلم  فإلى جهنم وبئس المصير قال تعالى : }إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا{.النساء 97.
فما يعتَدِ مُعْتَدٍ وما ينجو جبار وما يتفرعن متفرعن إلا إذا أمن العقوبة ، ولو علم أنه إذا لطم لُطم ، لما امتدت يده بظلم لأحد ، ومن هنا فإن نصر الله يتمثل في الدفاع عن بلدي وبيتي ودمي وعرضي حتى استحق نصره ومغفرته قال تعالى : }إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم {.
 ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة في أي قلبٍ  ليقف بها أمام الدنيا كلها عزيزاً لا يتزعزع ، ما دام على طريق العزة التي تطلب عنده ، وإلا فلا عزة ولا قوة عند الآخرين ، وما يستعزُّ المؤمن بغير الله ، وما يطلب العزة والنصرة والقوة عند أعداء الله مؤمن ، وما أحوج الذين يدَّعون الإسلام ، ويتسمون بأسماء المسلمين ، ما أحوجهم وهم يستعينون بأعدى أعداء الله في الأرض ، أن يتدبروا كتاب الله ، إن كانت بهم رغبة في أن يكونوا مسلمين ، وإلا فإن الله غني عن العالمين .
لقد وعد الله بأن لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا ، وعداً قاطعاً ولن يخلف الله وعده إذا استقرت في نفوس المؤمنين حقيقة الإيمان وتمثلت في حياتهم منهجا للحياة ونظاماً للحكم ، وتجرداً لله في كل حركة وعبادة قال تعالى : } ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا { . النساء 141 . وهذه حقيقة وهي أن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين ولم تلحق بهم في تاريخهم الطويل ، إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان ، الذي يدعو إلى أخذ العدة و إعداد القوة في كل لحظة وفي كل حين بنية الجهاد في سبيل الله ، ففي معركة أحد كانت الثغرة في ترك طاعة رسول الله e ، وفي الطمع في الغنيمة ، وفي حنين كانت الثغرة في الاعتزاز بالكثرة والإعجاب بها ، ولو ذهبنا نتتبع كل مرَّة تخلَّف فيها النصر عن المسلمين في تاريخهم  لوجدنا شيئاً من هذا نعرفه أو لا نعرفه ، وليس بيننا وبين النصر في أي زمان وفي أي مكان إلا أن نستكمل حقيقة الإيمان ، ونستكمل مقتضيات هذه الحقيقة في حياتنا وواقعنا ، ومن حقيقة الإيمان أن نأخذ العدة ونستكمل القوة ، وأن لا نركن إلى أعداء الله إن تفوق الكفر في معركة ، ليس معناه أن الله تاركه ، أو أنه من القوة بحيث لا يُغْلَبْ أو يبقى مسيطراً على الحق وأهله ، وإن بقاء الحق ضعيفاً فترةً من الزمن ، ليس معنى ذلك أن الله مجافيه أو ناسيه ، كلا ! إنما هي حكمة الله وتدبيره ، يملي الباطل ويرتكب أبشع الآثام  ويحمل أثقل الأوزار ، حتى ينال أشد العقاب باستحقاق قال تعالى : } ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله
شيئا { آل عمران 176 .
فالذين يحاربون الله وعباده أضعف من أن يضروا الله شيئا ، وبالتالي لن يضروا دعوته  ولن يضروا حملة هذه الدعوة ، مهما سارعوا بالكفر ، ومهما أصابوا أولياء الله بالأذى .
وهنا سؤال : لاذا يتركهم الله ؟ لأن الله يدبِّرُ لهم ما هو أنكى وأخزى قال تعالى : } يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة { . يريد لهم أن يستنفذوا رصيدهم كله ، وأن يحملوا وزرهم كله  وأن يستحقوا عذابهم كله ، وأن يمضوا مسارعين في الكفر إلى نهاية الطريق } ولهم عذابٌ أليم {  وذلك أشد إيلاماً مما يملكون إيقاعه بالمؤمنين من آلام ، وإذا كان المتوعد هو الله ! فأين المفر ؟ وكيف النجاة ؟ } ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير { . آل عمران 189 .     
       



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق