الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

كلمة للمسؤولين


إن الدستور الذي يحكم به في معظم البلاد الإسلامية ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة ، وحين نعرض هذا الكلام على الواقع   لا نجد سوى هيمنة النظام الذي لا يعتبر أي عمل مشروعاً ، ما لم ينسجم مع أصول الأنظمة الوضعية التي تطبق هنا وهناك ، وأما ما يتعلق بالإسلام فقد انحصر في بعض المظاهر السطحية التي لا تتجاور المحاكم الشرعية ، وشهود المسؤولين لبعض المناسبات الإسلامية ، كمناسبة الإسراء و المولد النبوي أو بعض الصلوات   كصلاة الجمعة أحياناً وصلاة العيدين ، أما بقية الأمور فتسير في الخط المنافي لمقاصد الإسلام .
حتى إن الناس ألفوا ذلك وكادوا لا يحسون به  فإذا ما ارتفع صوتٌ بالتنبيه إلى ذلك  والتحذير من أخطاءه وعواقبه ، جوبه بالإنكار ونُبذ بالاتهام   والعجيب أن الذين يتولون الزعامة لبلد حياة أهله كلها قائمة على الإسلام يعتبرون مجرد الدعوة إلى تحكيم شرع الإسلام ، عملاً مستنكراً مرفوضاً   يستحق دعاته المطاردة والتشهير والتحقير بل إنه ينكر على من يطالب بالسعي لتحكيم شرع الإسلام ، وكأنها وصمة عار يجب الابتعاد عنها    حتى إن بعض المسلمين اعتبروا العمل في مجال السياسة مخالف لروح الإسلام ، وهذا في تقديري أكبر إساءة للإسلام ، لأن الإسلام هو النظام الذي أراده الله دستوراً مهيمناً على مسيرة الحياة البشرية ، ومن واجب المسلمين تحقيق هذه الهيمنة في كل وجودهم ، وأول مقتضيات مبدأ الإسلام في مثل ظروفنا التي عزلت فيها الشريعة الإسلامية عن ميادين الحكم ، أن تتجه المساعي للعمل على رفع راية الإسلام ، وذلك فرض عين على كل مسلم ، وذلك لن يتحقق إلا في ظل حكومات تحترم الإسلام ، وترى نفسها مسؤولة أمام الله عن القيام بحقوقه .
إننا نعيش في عالم يسيطر فيه أصحاب المواهب والخبرات الجيدة ، والتجارب المصقولة والثروات الأدبية والمادية الهائلة. أما البقية الباقية فالمسيطر عليهم فئةٌ من الأدعياء الفارغين  الذين يفلسفون الأوضاع حولهم بما يشبع كبرهم ويصدق وهمهم   وبدلاً من أن يستيقظ على الحقائق اللاذعة ، ينظر إليها من الجانب الذي يرضيه ويطغيه .
ورد في كتاب الأدب القديم قصة ، هذه القصة على ما فيها صورة صادقة لكثير من ذوي المناصب المرموقة .
 " ذكر ابن قتيبة أن أبو حيّة النميري كان جباناً بخيلاً كذابا ، وكان له سيف يسميه لعاب المنية   ليس بين سيفه والخشبه فرق ، وكان أجبنُ الناس   دخل ليلة إلى بيته فسمع صوتاً لا عهد له به   فسحب سيفه ووقف في وسط الدار وأخذ يقول :" أيها المغتر بنا  المجترئ علينا بئس والله ما اخترت لنفسك ، خير قليل وسيف صقيل      لعاب المنية - الذي سمعت به ، مشهورةٌ ضربته لا تخاف نبوته ، أخرج بالعفو عنك ، قبل أن أدخل بالعقوبة عليك " وإذا بكلب يخرج من الدار فقال : الحمد لله الذي مسخك كلباً وكفانا حرباً ".
إننا رأينا صوراً لهذا الجبان المستأسد في بعض الساسة ، الذين لهم في التاريخ الحديث الباع الطويل في العجز الحريص على الصدارة   والدعوى الفارضة نفسها على الواقع .
ذكر التاريخ الحديث أن الجنرال إيزنهاور قائد الحرب العالمية ، التي انتصرت فيها أمريكا وحلفاؤها ،لم تعطه أمريكا لقب مارشال ، مع أنه خاض حرباً تم له فيها النصر ، بعد أن دُمرت مئات المدن والقرى وقتل آلاف الآف .
 في الوقت الذي يطلق هذا اللقب على أناس في الشرق الأوسط والأقصى ، دون أن يخوضوا حرباً أو يعانوا ضربا كما يصل ناس إلى القمة دون جهد يذكر ، اللهم إلا جهد التذبذب لأرباب السلطان والاستعداد لخدمة أهوائهم .
وقديماً عين أحد الخلفاء قائداً لا يصلح لقيادة ولا ريادة ، فنظر إليه البحتري الشاعر قائلاً :                   ويكاد من شبه العذارى        فيـه تبـدو نـهوده
جعلـوه قائداً عسكرياً        ضل الرعيل ومن يقوده
وما أكثر القادة بالتعيين لا بالخصائص النفسية والعقلية ، الذين يقودون أمة الإسلام في معركة البقاء ، وما اكثر الألقاب التي تمنح ، ولكنها بعد قيام إسرائيل سقطت لها  وانكشف السحر والساحر .
ذكر صديق لي اغترب في أمريكا ، وكان يعمل في مصنع كبير قال :"كنت أرى مدير المصنع دائم التجوال بين الآلات والماكنات ، وقد تلوثت ألبسته بالزيوت والشحوم ، وكثيراً ما كان يكنس أرض المصنع ويتعرض للغبار " . في الوقت الذي نرى مدراء المصانع في بلادنا ، يبغون مكتباً أنيقاً يجلسون عليه ، وتليفوناً يثرثرون فيه وسكرتيرة ترفه عنه وتسليه ، أما أن يتعرض للغبار والمتاعب فهذا ما لا يخطر بباله ، إنها أخلاق الهزيمة والضياع وأصحابها هم عللنا المقعدة . في الوقت الذي نحن بحاجة ماسة إلى المعنيين بالعمل الحق الحمالين لأعبائه الثقال . إننا نرى عظماء العالم على جانب عظيم من الإخلاص لشعوبهم ، في حين نرى المتسولين على موائدهم أتوا بالذيب من ذيله كما يقول المثل . فتصور في الدول النامية معيداً في كلية يصبح عميدها ، أو كاتباً في محكمة يصبح رئيسها ، وكل ذلك في غيبة الدين والدنيا معاً . روى أن المتنبي أبى الذهاب إلى الأندلس   لأنه أدرك تفاهة حكامها من ضخامة الألقاب التي يحملونها ، وكان يصف أحوال العرب في عصره وكأنه يصف عصرنا عندما قال :               في كل أرض وطئتها أمم      يقودها عبد كأنها غنم
إن الحقائق تفرض نفسها مهما تجاهلناها ، وعلى ضوء ذلك ، على القائمين على أمر الأمة أن يعيدوا تشكيل نفوسهم وصفوفهم ، وفق القانون الإلهي المستمد من قوله تعالى: )ليس بأمانيكم ولا بأماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا(النساء 122 
في النص تقرير للقواعد العادلة التي يجازي بها الله على الأعمال ، والتي ترجع إلى عدل الله المطلق وإلى الحق الذي لو أتبع الأهواء لفسدت السماوات والأرض ، والأصل أن لا يسند لأحد عملاً من الأعمال أو منصباً من المناصب إلا بحقه   وأن يكون الإنسان كفؤاً للمنصب ، وعندما يُولى   عليه أن ينهض بجميع الأعباء التي يفرضها المنصب عليه فقد روى مسلم أن رسول الله e قال لأبي ذر عندما طلب أن يوليه عملاً قال :"يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها".
وروى أن أحد الصالحين كان في موسم الحج   وكان قريباً من أمير المؤمنين فقال له : يا أمير المؤمنين أنظر قال : إلى ماذا ؟ ، قال : انظر إلى أهل الموسم ، فنظر إلى الحشود القادمة إلى البيت العتيق فقال له : يا أمير المؤمنين كل واحد من هؤلاء مسئول عن نفسه  أما أنت فمسئول عنهم جميعاً .
إن الأعباء التي يفرضها المنصب تتفاوت ، فقد يكون الإنسان رئيس عشرة من الناس يسأله الله عن رعايتهم ، روى الطيراني في الأوسط بسند صحيح أن رسول الله e قال :"ما من أمير عشرة إلا يؤتى به مغلولاً يوم القيامة حتى يفكه العدل أو يُوبقه الجوْر". فكيف تكون المسئولية بمن يكون مسئولاً عن الملايين .
وللإمام علي رضي الله عنه توجيه فاضل لطيف للحاكم من أجل أن ينصف الناس من نفسه قال :" أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ، من خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك   فإنك إلا تفعل تظلم ، ومن خاصمه الله أدخص حجته وكان لله حربا حتى ينـزع ويتوب   وليس شيءٌ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم  فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد " .
قال تعالى :)وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(.
  
           


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق