في هذه الذكرى ، تحيا
نفوس المسلمين معانٍ وذكريات ، منها ما يؤكد مكانة أولى القبلتين وثالث الحرمين ،
ومنها ما نشعر به الآن ، من مرارة وألم
لأن موطن الإسراء ، والأرض التي بارك الله حولها تئن تحت نير الاحتلال ، مما يدعو للتساؤل :
أليس من المفارقات العجيبة ، أن تهتم الأمة الإسلامية ، أعظم الاهتمام بالاحتفال
بهذه الذكرى ، والمسجد الأقصى يعاني ما يعاني ، من رجس الاحتلال ومطامع اليهود ،
ببناء هيكلهم على أنقاضه .
إن جميع المسلمين في هذه الدنيا ، يعرفون جيداً
عن المطامع الصهيونية في فلسطين ، ومع ذلك لا يتحركون ، ويقولون ولا يفعلون ،
واليهود جادون ، وماضون إلى ما يريدون ، وما فائدة اهتمام المسلمين بليلة الإسراء
، والاحتفال بذكراها ، وهم في حالة ذُل
إن الأمة الإسلامية تردد قوله تعالى :{ ولله
العزة ولرسوله وللمؤمنين } المنافقون 8 . لكنها بعد ذلك ترضى بالدون من المنازل ، وتقنع بالذليل من
الأوضاع ، وتجيء في أخريات الأمم والشعوب وتستكين لسلطان الغاصبين والظالمين .
ناسيةً أن رسول الله ( ص ) تبرأ ممن ذلَّ لأعداء الله فقال : (من أعطى الذلَّة من نفسه طائعاً غير مكره
فليس مني ) . إن الذكرى تمرُّ في وقت ، سقطت فيه هيبة المسلمين وذهبت ريحهم ، وديست أرضهم ، وصادر الغاصبون ما
أحبوا منها ، ليبنوا عليها مستعمراتهم ، وكأن ما يجري لا يهم المسلمين ، ويا ليتهم
تمثلوا الجاهلية الأولى في مواقفها ، فقد كانت القبائل المهزومة في الجاهلية ، تدع
المتع والملذات ، حتى تدرك ما فاتها فإذا
نالت ثأرها ، ومحت العار عنها ، عادت إلى حيات الملذات واللهو . وفي هذا يقول
شاعرهم : فساغ لي الشراب وكنت
قبلاً أكاد أغُـصُّ بالماء
الفرات
تأتي الذكرى وقد
هُزِمْنا ، وطمع بنا أعدائنا ، مما يتطلب منا ، حشد كل ما لدينا من طاقات ،
لمواجهة أعدائنا ، ولا يكون ذلك ، بغير الرجوع إلى تطبيق أحكام الإسلام ، حتى
نتمكن من القدرة والغلبة والانتصار .
إن الأمة إذا التزمت
منهج الله ، لا يمكن أن يقف أمامها شيء في الوجود ، من غير أن تجد له حل وقضية
الأقصى أمام العمل والمنهج ، يجب أن تجد حلاً
وذلك بإعلان الجهاد لاسترداده .
تأتي الذكرى وقد كثرت
المغريات ، حتى أصبح الطريق إلى الله ، يتطلب عزماً أشد ، وهمة أبعد ، في الوقت
الذي ازدحم الناس فيه ، على موارد العيش
يقتتلون على نيل المستطاع منها ، فهم في تنافس لا يبقي على إيثارٍ أو رحمة
.
تأتي الذكرى وفي
المجتمع نفرٌ ، نُكِبَ العلم بهم وفُضحت
الأديان بسيرتهم ، جعلوا علمهم بالحق مصيدةً للباطل ، فحفظوا منه كلمات ،ٍ يهدون
بها الناس ، ثم انثنوا من جهةٍ أخرى ، يجرون المنافع ويصطادون المغانم ، وطلب
المناصب ، وهؤلاء وصف القرآن الصلة ، بين علمهم وطباعهم ، بقوله تعالى : { مثل
الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ، كمثل الحمار يحمل أسفارا ، بئس مثل القوم
الذين كذبوا بآيات الله } الجمعة 5 .
تأتي الذكرى والأنباء الموجعة ، تكتنفنا صباح
مساء تحكي كيف يعربد اليهود من حولنا ،
وكيف باءت قضايانا بالخذلان في المحافل الدولية . فهل توقظنا التجارب اللاذعة ،
فنعود إلى دين الإسلام ونعمل وفقاً لمنهجه ؟
اللهم آمين .
تأتي الذكرى
والمسلمين في أوضاعٍ متردية مُهينة تجعل
الأوغاد يركبوننا وهم آمنون ، إذ نُضْرَبْ ولا نَضْرِبْ ، ويُنالُ منا ولا ننال من
أحد . مما يدعوا للتساؤل : ماذا كسب المسلمون من ترك التناصر بالإسلام ؟ لقد ضلوا
وأضلوا ، وضاعوا وأضاعوا أما آن لهم أن
يستيقظوا من غفلتهم ، وإلا فالموت أو الخزي إلى الأبد ، هو البديل .
إن العرب بعيداً عن
الدين ، لن يكونوا في الآخرة إلا حطب
جهنم ، أمّا في الدنيا فسيأكلُ بعضهم بعضا
ثم يأكل بقيتهم اليهود . وإذا كان الدين ضرورة إنسانية ، لإرشاد الناس
وقيامهم بحقوق خالقهم ، فإنه بالنسبة للعرب ، الهواء الذي يُبْقي على حياتهم ، أو
الغذاء الذي يُمْسِكُ كيانهم ، فليروا رأيهم ، إن شاءوا الحياة أو الممات .
إن علينا ألا نفرَّ
من أخطائنا ، بل نحاسب أنفسنا عليها فذلك
أحرى ألا نقع فيها ، لقد استن اليهود لأنفسهم البكاء عند حائط في المسجد الأقصى ،
ومن العبرات المراقة كتبوا لهم تاريخاً آخر .
أما نحن فما أكثر ما
فقدنا ، وما أكثر البلاد التي عمرناها بالإسلام ، ثم طردنا منها بعد أن فقدنا
أهلية البقاء فيها ، فلماذا لا نبكي على خطايانا ، لا بكاء اليائس بل بكاء التائب
الآيب إلى الله .
تأتي الذكرى وفريقٌ
من الناس ، يتخذ من المدائح الفارغة ، بضاعةً يتملق بها الأكابر ، ويكيل المديح
والثناء جزافاً لمن لا يستحق ، وربما وصف بالعدالة الظالمين ، ووصف بالشجاعة الجبناء
الخائنين ، ابتغاء عرضٍ من الدنيا عند هؤلاء وأولئك ، هذا الصنف من المنافقين
الكذبة ، أوصى الرسول ( ص ) بمطاردتهم في الحديث الذي رواه أبو هريرة قال : ( أمرنا
رسول الله ( ص ) أن نحثوا في وجوه المداحين التراب ) .
إنه لن يخرج المسلمين
من أزمتهم ، ويرفع عنهم إصرهم ، ويردهم إلى عزتهم ، إلا العودة الصحيحة الصادقة
إلى الدين ، الذي أنعم الله به عليهم
وحباهم إياه ، ولن يخلِّص البشرية من أزمتها ، ويوجد حلاً لمشكلاتها ، إلا
المنهج الرباني ، الذي أنزله الله ليقوم الناس بالقسط ، قال تعالى : { ولقد
أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ، ليقوم الناس بالقسط }
الحديد 25 .
إن تحقيق ذلك ، ليس
أمراً سهلاً ، إنه طريقٌ يخوضه المؤمنون بهذا الدين ، رغم كل العقبات التي
تواجههم حتى يتم التمكين لهذا الدين من
جديد ، وتزول الغربة الثانية ، التي أخبر عنها رسول الله ( ص ) فقال (بدأ
الإسلام غريبا ، وسيعود غريباً كما بدا ، فطوبى للغرباء )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق