الأحد، 26 أكتوبر 2014

ذكرى الإسراء والمعراج


في هذه الذكرى ، تحيا نفوس المسلمين معانٍ وذكريات ، منها ما يؤكد مكانة أولى القبلتين وثالث الحرمين ، ومنها ما نشعر به الآن ، من مرارة وألم  لأن موطن الإسراء ، والأرض التي بارك الله حولها  تئن تحت نير الاحتلال ، مما يدعو للتساؤل : أليس من المفارقات العجيبة ، أن تهتم الأمة الإسلامية ، أعظم الاهتمام بالاحتفال بهذه الذكرى ، والمسجد الأقصى يعاني ما يعاني ، من رجس الاحتلال ومطامع اليهود ، ببناء هيكلهم على أنقاضه .
 إن جميع المسلمين في هذه الدنيا ، يعرفون جيداً عن المطامع الصهيونية في فلسطين ، ومع ذلك لا يتحركون ، ويقولون ولا يفعلون ، واليهود جادون ، وماضون إلى ما يريدون ، وما فائدة اهتمام المسلمين بليلة الإسراء ، والاحتفال بذكراها ، وهم في حالة ذُل
 إن الأمة الإسلامية تردد قوله تعالى :{ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } المنافقون 8 . لكنها بعد ذلك  ترضى بالدون من المنازل ، وتقنع بالذليل من الأوضاع ، وتجيء في أخريات الأمم والشعوب وتستكين لسلطان الغاصبين والظالمين . ناسيةً أن رسول الله ( ص ) تبرأ ممن ذلَّ لأعداء الله فقال :  (من أعطى الذلَّة من نفسه طائعاً غير مكره فليس مني ) . إن الذكرى تمرُّ في وقت ، سقطت فيه هيبة المسلمين  وذهبت ريحهم ، وديست أرضهم ، وصادر الغاصبون ما أحبوا منها ، ليبنوا عليها مستعمراتهم ، وكأن ما يجري لا يهم المسلمين ، ويا ليتهم تمثلوا الجاهلية الأولى في مواقفها ، فقد كانت القبائل المهزومة في الجاهلية ، تدع المتع والملذات ، حتى تدرك ما فاتها  فإذا نالت ثأرها ، ومحت العار عنها ، عادت إلى حيات الملذات واللهو . وفي هذا يقول شاعرهم :    فساغ لي الشراب وكنت قبلاً       أكاد أغُـصُّ بالماء الفرات  
تأتي الذكرى وقد هُزِمْنا ، وطمع بنا أعدائنا ، مما يتطلب منا ، حشد كل ما لدينا من طاقات ، لمواجهة أعدائنا ، ولا يكون ذلك ، بغير الرجوع إلى تطبيق أحكام الإسلام ، حتى نتمكن من القدرة والغلبة والانتصار .
إن الأمة إذا التزمت منهج الله ، لا يمكن أن يقف أمامها شيء في الوجود ، من غير أن تجد له حل وقضية الأقصى أمام العمل والمنهج ، يجب أن تجد حلاً  وذلك بإعلان الجهاد لاسترداده .
تأتي الذكرى وقد كثرت المغريات ، حتى أصبح الطريق إلى الله ، يتطلب عزماً أشد ، وهمة أبعد ، في الوقت الذي ازدحم الناس فيه ، على موارد العيش  يقتتلون على نيل المستطاع منها ، فهم في تنافس لا يبقي على إيثارٍ أو رحمة .
تأتي الذكرى وفي المجتمع نفرٌ ، نُكِبَ العلم بهم  وفُضحت الأديان بسيرتهم ، جعلوا علمهم بالحق مصيدةً للباطل ، فحفظوا منه كلمات ،ٍ يهدون بها الناس ، ثم انثنوا من جهةٍ أخرى ، يجرون المنافع ويصطادون المغانم ، وطلب المناصب ، وهؤلاء وصف القرآن الصلة ، بين علمهم وطباعهم ، بقوله تعالى : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ، كمثل الحمار يحمل أسفارا ، بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } الجمعة 5 .
 تأتي الذكرى والأنباء الموجعة ، تكتنفنا صباح مساء  تحكي كيف يعربد اليهود من حولنا ، وكيف باءت قضايانا بالخذلان في المحافل الدولية . فهل توقظنا التجارب اللاذعة ، فنعود إلى دين الإسلام ونعمل وفقاً لمنهجه ؟  اللهم آمين .
تأتي الذكرى والمسلمين في أوضاعٍ متردية مُهينة    تجعل الأوغاد يركبوننا وهم آمنون ، إذ نُضْرَبْ ولا نَضْرِبْ ، ويُنالُ منا ولا ننال من أحد . مما يدعوا للتساؤل : ماذا كسب المسلمون من ترك التناصر بالإسلام ؟ لقد ضلوا وأضلوا ، وضاعوا وأضاعوا    أما آن لهم أن يستيقظوا من غفلتهم ، وإلا فالموت أو الخزي إلى الأبد ، هو البديل .
إن العرب بعيداً عن الدين ، لن يكونوا في الآخرة إلا    حطب جهنم ، أمّا في الدنيا فسيأكلُ بعضهم بعضا   ثم يأكل بقيتهم اليهود . وإذا كان الدين ضرورة إنسانية ، لإرشاد الناس وقيامهم بحقوق خالقهم ، فإنه بالنسبة للعرب ، الهواء الذي يُبْقي على حياتهم ، أو الغذاء الذي يُمْسِكُ كيانهم ، فليروا رأيهم ، إن شاءوا الحياة أو الممات . 
إن علينا ألا نفرَّ من أخطائنا ، بل نحاسب أنفسنا عليها  فذلك أحرى ألا نقع فيها ، لقد استن اليهود لأنفسهم البكاء عند حائط في المسجد الأقصى ، ومن العبرات المراقة كتبوا لهم تاريخاً آخر .
أما نحن فما أكثر ما فقدنا ، وما أكثر البلاد التي عمرناها بالإسلام ، ثم طردنا منها بعد أن فقدنا أهلية البقاء فيها ، فلماذا لا نبكي على خطايانا ، لا بكاء اليائس بل بكاء التائب الآيب إلى الله .
تأتي الذكرى وفريقٌ من الناس ، يتخذ من المدائح الفارغة ، بضاعةً يتملق بها الأكابر ، ويكيل المديح والثناء جزافاً لمن لا يستحق ، وربما وصف بالعدالة الظالمين ، ووصف بالشجاعة الجبناء الخائنين ، ابتغاء عرضٍ من الدنيا عند هؤلاء وأولئك ، هذا الصنف من المنافقين الكذبة ، أوصى الرسول ( ص ) بمطاردتهم في الحديث الذي رواه أبو هريرة قال : ( أمرنا رسول الله ( ص ) أن نحثوا في وجوه المداحين التراب ) .
إنه لن يخرج المسلمين من أزمتهم ، ويرفع عنهم إصرهم ، ويردهم إلى عزتهم ، إلا العودة الصحيحة الصادقة إلى الدين ، الذي أنعم الله به عليهم    وحباهم إياه ، ولن يخلِّص البشرية من أزمتها ، ويوجد حلاً لمشكلاتها ، إلا المنهج الرباني ، الذي أنزله الله ليقوم الناس بالقسط ، قال تعالى : { ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ، ليقوم الناس بالقسط } الحديد 25 .
إن تحقيق ذلك ، ليس أمراً سهلاً ، إنه طريقٌ يخوضه المؤمنون بهذا الدين ، رغم كل العقبات التي تواجههم  حتى يتم التمكين لهذا الدين من جديد ، وتزول الغربة الثانية ، التي أخبر عنها رسول الله ( ص ) فقال (بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريباً كما بدا ، فطوبى للغرباء )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق