إن
المؤتمرات على تنوع طروحاتها ، وتعدد أساليبها ، ترمي إلى أشكال جديدة ، من الحياة
الاجتماعية والاقتصادية ، تتعارض مع القيم الدينية ، وتعمل على نشر الإباحية باسم
الحرية ، وتشجِّع على التحلل باسم التحرر .
لقد
عُقِدَتْ سلسلةً من المؤتمرات ، التي اتخذت طابعاً عالمياً ، من أجل تدمير الأسرة
وتفككها ، حتى أن الناظر لواضعي هذه البرامج لهذه المؤتمرات ، يجد انهم لم يلتقوا
عند حد التشكيك في اعتبار الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع ، ومطالبة الوالدين
بالتغاضي عن النشاط الجنسي ، غير المشروع للمراهقين ، لكنهم قفزوا فوق الكثير من
الضوابط ، والقيم الدينية الأخرى ، ليقرروا بأن مفهوم الأسرة ، بالمعنى الذي يشرعه
الدين ، ليس إلا مفهوماً عقيماً ، وقيداً على الحرية الشخصية ، لأنه لا يتقبل
العلاقات الجنسية الحرة بين مختلف الأعمار ، ويشترط أن تكون بين ذكر وأنثى فقط ،
وضمن الإطار الشرعي ، ولأنه لا يمنح الشواذ حقهم في تكوين أسر بينهم ، ويتمسك
بالأدوار الطبيعية التي يقررها الإسلام للأبوة والأمومة ، والعلاقات الزوجية ضمن
الأسرة ، معتبرين أن ذلك مجرد أدوار وأشكال لا تخرج عن كونها مما اعتاده الناس ،
ودرجوا عليه وألفوه ، حتى دخل في طور التقاليد المتوارثة .
لذلك
حاولوا الترويج لأنماط أسرية بديلة ، دون أدنى اعتبار للنواحي الشرعية والقانونية
والأخلاقية مثل زواج الجنس الواحد ،
والمعاشرة بدون أزواج ، وإعطاء الجميع حقوقاً متساوية ، ووضع سياسات وقوانين ،
تأخذ في الاعتبار تعددية أشكال الأسرة ، إضافة إلى الدعوة إلى تحديد النسل باسم
تنظيم النسل ، وتشجيع موانع الحمل ، وتيسير سبل الإجهاض .
إن
الأسرة في الحضارة الغربية ، قد تحللت من كل القيود ، والضوابط الخلقية ، والروابط
الاجتماعية والعلاقات الأسرية والزوجية على حد سواء ، حتى لقد وصلت إلى مستويات
ترقى عنها وتأنف منها بعض فصائل الحيوانات غريزياً ، إلى درجة يمكن معها ، أن ينال
سجلُ الفضائح الجنسية ، أكبر الرؤوس وأعلى المناصب ، حتى بات الاعتراف بالزنى
والخيانات الزوجية ، والتبجح بذلك في التلفاز وأجهزة الإعلام ، على مرأى ومسمع من
الناس أمراً طبيعياً ، وأصبح لتجارة الجنس ودور الدعارة مؤسسات عالمية ، تجاوزت
البالغين المراهقين ، والشاذين من الجنسين ، بسبب ما الحقت من إصابات مرضية رهيبة
، والتي أصبحت تهدد البشرية كالإيدز والأمراض الجنسية الأخرى .
أما قضية ملايين المرضى والشواذ ، فحدث ولا حرج
، حتى اعتبر مؤلفا كتاب أمريكا التي تخيف لا تخيف ، أن أحد الألغام الاجتماعية
الكبرى ، التي سوف تنفجر عاجلاً أو آجلاً ، فتقضي على كل شئ ، هي قضية الجنس التي
تعمل داخل المجتمع الأمريكي بقوة ، وتقترب من حافة الانفجار .
إن
هذه المؤتمرات ، أو بعبارة أخرى هذه المؤامرات على الإسلام والمسلمين ، تعنى
بالدرجة الأولى إلى استهداف الأسرة المسلمة ، لأنها تعتبر من أواخر الحصون
الإسلامية ، سواء على المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو القانوني ، لذلك لا بد من
إسقاطها ، وإغراقها في الممارسات التي سقطت فيها الأسرة في الحضارة الغربية ، لذا
نرى آثار هذه المؤتمرات على الأسرة في الغرب ، يكاد يكون معدوماً لانعدام وجود
الأسرة تقريباً بالمفهوم الإسلامي .
إن
الأسرة المسلمة هي المقصودة ، لأنها ما تزال متميزة ، وبعيدة عن التناول والتحكم .
قال تعالى :{ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونوا سواء}النساء 89 .
كما
أن الأسرة المسلمة هي ميدان المواجهة ، ومن هنا لن تتوقف هذه المؤتمرات عن التخطيط
لتدميرها ، والذي سيفشل إن شاء الله ، لتأكيد الله بقوله :{لن يضروكم إلا أذى}آل
عمران 111 . وذلك لن يتحقق إلا بالعزيمة الصادقة ،لحمل لواء الجهاد ، للدِّفاع عن
هذا الدين ومبادئه .
ومن
الملاحظ أن مثل هذه المؤتمرات ، قد بدا تحوّل انعقادها ، إلى عواصم بلاد المسلمين
في القاهرة واسطنبول ، وطرح الكثير من المفاهيم ، التي كانت تبدوا مستغربةً ومنكره
، كما تمارس عملية التطبيع والقبول ، لمفاهيمها وطروحاتها ، والأخطر من ذلك كله ،
محاولات تسويغ الإنتاج الفكري الغربي إسلامياً ، وإضفاء الصفة الإسلامية ، على
الفكر الناتج عن عقل لا يؤمن بالإسلام ، وكيف يمكن أسلمة فكر له منطلقاته وأهدافه
، وعقيدته ومناهجه وممارساته ، ممن يقومون بتلك المحاولات من تلامذة الفكر الغربي نفسه ؟
لقد كثرت ندوات وجهود الحوار ، التي تساند الفكر
الغربي ، والتعبير عن الإسلام الوسطى ، واتهام الإسلام والمسلمين بالتعصب والتطرف
، والعنف والأصولية والإرهاب ، حتى أن كثيراً من المثقفين دعوا إلى تسويغ الفكر
الغربي واعتماده ، وأن ذلك هو معيار الاعتدال ، وطرح أي فكر يخالف ذلك هو التطرف
والأصولية من وجهة نظرهم .
لقد
افتقد العالم اليوم أخلاقه ، حتى بات الإنسان ذئب الإنسان ، بعد أن قرر الدين أن
الإنسان أخو الإنسان ، وغابت الرحمة التي من أجلها جاءت النبوات ، واصبح 80./. من
ثروات العالم الطبيعية تتحكم فيها وتستهلكها 20./. من سكانه ، و20./. من أغنى
أغنياء العالم ، يمتلكون 80./. من العائد ، بينما 20./. من أفقر فقراء العالم ، يمتلكون 1.5 في المائة فقط ، وأصبحت النتيجة أن 40.000
شخص يموتون كل يوم من سؤ التغذية والمجاعة .
إن
الدول الكبرى المسيطرة سياسياً وإعلامياً ، والتي تعاني من نقص السكان ، والخوف
والهجرة هي التي عملت على إغراق الدول
النامية بالديون ، لتبقى تعيش على المساعدات ، ولا نقوم لها قائمة وتكون مستعدة لكل الحلول المطروحة .
لقد
اشتدَّ الهجوم من أعداء الإسلام عليه ديناً ، بعد نجاحهم في ضربه دنيا ، مما أدى
إلى توهين قوته وخفض رايته ، فأغراهم ذلك
بالهجوم عليه في عقيدته ، وبثوا أفكارهم وثقافتهم ، في طول بلاد المسلمين وعرضها ،
من خلال قنوات عديدة ، مسموعة ومرئية ومقروءة ، فأحدثوا غشاً ثقافياً في ميدان
الدين ، من خلال تفوقهم في علوم المادة ، فانصاع لذلك من لهم عقول الطفولة
الفجة الذين اعتنقوا آرائهم ، وراحوا
يدافعون عنها ، ويقاتلون دونها ، ويحاولون أن يؤسسوا دعائمها في المجتمع المسلم .
إن
الخلاص لا يكون إلا بالرجوع إلى دين الله ، كشرط للتغيير . { إن الله لا يغير
ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق