ما زالت الحملة مستمرةٌ على ما أسمته الدول الغربية بالإرهاب
، لتتجاوز أفغانستان إلى حملةٍ أكثر ضراوة وشراسة على أهل فلسطين ، إن الحملة
الصهيونية المحمومة ، والصمت العربي والإسلامي المستهجن ، يذكرنا بواقعة تاريخية مشابهة ، حينما ترك المسلمون في الأندلس
العصابات النصرانية في الشمال تهاوناً بشأنها بينما النصارى يمدونها بالعدد
والعتاد ، فكروا هاجمين على المسلمين حتى طردوهم منها .
إن منطق القوة الإرهابي يتباكى على ضحايا إسرائيل جراء أية
عملية ، أما ضحايا الفلسطينيين فلا بواكي لهم ، ويستحقون ما أصابهم ، ناسين أن
الشعوب المستضعفة لن تبقى كذلك ، بل إن الإمعان في إهانتها واستذلالها هو الذي
سيحيها بإذن الله ، وما أجمل قول الشاعر :
وإذا الذئاب استنعجت لك مرَّة فحذار منها أن تعود ذئابا
إن حياة الذل ليست أبدية ما دام هناك إسلام قال عمر بن الخطاب : "لقد كنا أذلاء
فأعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله "، ها هي الدماء
تسفك ويقتل المسلمون على أرضهم وفي عقر دارهم ، وكأنه كتب عليهم أن يُشرَّدوا
ويقتَّلوا ، بينما المسلمون في فرقة كالغنم الشريدة في الليلة الشاتية ، والقائمون
على أمرهم يلزمون الصمت ، بينما لو كانت المشكلة مشكلة بلد كافر ، لرأيت الاهتمام
أكثر ولارتفعت الأصوات منددة مستنكرة ، ولو كان الذين يقتلون منهم بالآلاف نتيجة
لقصف الطيران الذي أحال العمار إلى خراب ، لقامت الدنيا وقعدت .
سائلوا الليل عنهم والنهار كيف باتت نساؤهم والعذارى
كيف أمسى رضيعهم فقيد أم
وكيف اصطلى مع القوم نارا
كيف صاح العجوز تحت جدارٍ يتهاوى
وأسقـف تتجارى
يستغيثون
ولا مغيث ، والأمـة في غفلة معرضة لأنها
ابتغت العزة في غير الإسلام ، فأذلها الله
لدرجة أن وصل القتلى بالآلف نتيجة قصف طيران الكافرين ، ولا تجد من الأمة
الإسلامية أية مساعدة لأنهم كما قال الله :
}جعلوا
أصابعهم في آذانهم واستكبروا استكباراً{.نوح 7
بينما الدعم على أشده لإسرائيل من قبل أمريكا التي تمدها بالمال والسلاح والمسلمون تسيل
دماؤهم ولا يجدون يدا تمتد إليهم ، دمهم نفيس ودمنا رخيص ولقد صدق القائل :
قتل امرئ
في غاية جريمةٌ لا تُغْتفَر
وقتل شعب
آمن مسألةٌ فيها نظر
نعيش في زمن التزمت الأمة الصمت ، كأنه صمت الخُرس إزاء ما
يتعرَّض له المسلمين في ديارهم ، بينما لحادث العاشر من أيلول قامت الدنيا وقعدت ،
واعدت الجيوش وجردت الأساطيل ، وأعلنت الحرب ، والتهمة التي واجهناها أننا مسلمين
وبالله موحدين مصداقاً لقوله تعالى :}أخرجوا
من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله{. وفي غمرة ما يجري نسي القائمون على أمر
الأمة ، واجبهم في حمايتها والسهر على راحتها ، ويا لهم ساروا على خطى سلفهم الذين
تخرجوا من مدرسة محمد e ، فهذا عمر بن
الخطاب كان يمشي بالليل ومعه عبد الرحمن بن عوف ، فرأى في ظلمة الليل ناراً فذهب
إلى مكان النار ، فوجد أماً معها أربعة من اليتامى ، وأمامها نارٌ عليها قدر ،
واليتامى يبكون من الجوع ، فسألها عمر كيف حالك يا أمة الله ؟
فقالت له : الله الله في عمر .
فقال لها : ومن الذي أعلم عمر بشأنك .
فقالت له : أيلي أمرنا ويغفل عنا ؟
فقال لها : وما في هذا القدر ؟
قالت : فيه ماء وحصى أغليه للأطفال ليناموا .
فرجع عمر إلى بيت المال ، وطلب من حارس بيت المال أن يحمل
عليه كيسان من الدقيق فقال الحارس في عجب : أحمل عنك أم عليك ؟ فقال له أحمل علي ، ثكلتك أمك أأنت تحمل
ذنوبي يوم القياة ؟ أحمل علي ، فحمل الدقيق على ظهره وبيده سمن وعسل ، ورجع إلى أم
اليتامى فقالت له والله إنك أحق بالخلافة
من عمر ، فقال لها يا أمة الله ، إذا كان
الصباح فائتي إلى عمر وسأكون عنده لأكلمه بشأنك .
إنها رحمة ما بعدها رحمة ، وصلة ما بعدها صلة لا تمثيل ولا دجل ولا نفاق ولا تزليف على حساب
حق الأمة ، ولا رياء لنيل منصب ، ولا ركوع ولا سجود من أجل كرسي يزول .
ثم توجه عمر ومعه عبد الرحمن بن عوف وجلسا وراء صخرة بالقرب من اليتامى ، فقال له
عبد الرحمن هيا إلى بيتنا يا أمير المؤمنين فالليلة شديدة البرد فقال عمر : والله
لا أفارق هذا المكان حتى أراهم وهم يضحكون ، كما أتيتهم وهم يبكون وما زال في المكان حتى أطمئن عليهم . ولما حان
موعد صلاة الفجر وقف ليصلي ، يقول عبد الرحمن والله ما استطعت أن أتبين قراءة
القرآن من عمر ، من شدة بكائه في الصلاة
وفي الصباح جاءته أم اليتامى إلى مقره ، فوجدته جالساً وعن يمينه عليّ وعن
يساره عبدالله بن مسعود وكلاهما يقول يا أمير المؤمنين ، فلما عرفته خافت ، فقال
عمر : لا بأس عليك لا تخافي ، أتدري لماذا أمرتك بالحضور إلينا ؟ فقالت عفواً يا
أمير المؤمنين فقال لها : إنما جئت بك إلى هنا لأشتري مظلمتك ، فبكم تبيعيها ؟
فسكتت حياءً ، فأعاد عليها السؤال ، واشترى المظلمة بستمائة درهم من ماله الخاص
وهو يقول : اشهد يا علي واشهد يا ابن
مسعود ، وأوصيكم أنني إذا مت أن تضعوا المظلمة بين كفني وجسدي حتى ألقى الله بها
يوم القيامة .
هذه هي سيرة سلفنا الصالح ، هكذا كانوا لأنهم علموا بأن عين
الله لا تغفل ولا تنام وكان لسان حالهم ،
إذا دعتك قوتك على ظلم العباد فانظر إلى قوة العزيز الجبار من فوقك . وللأسف فإن
الخلف في هذا الزمان كما قال تعالى }فخلف
من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً{.مريم 59.
فما هي مواقفهم ؟ اليهود قوم متعطشون للدماء خونة للعهود ،
بينما نحن متتعطشون للمناصب نستجدي السلام
من الأعداء ، هم يعملون على توفير الحماية والأمن والطمأنينة لشعوبهم ، بينما نحن
نركض وراء تحقيق ملذاتنا ، التي لا قيمة لها عندما يكون هناك هلع وفزع .
لا تخضعن لمخلوق على طمع فإن ذلك نقص منك في الدين
لن يقدر
العبد أن يعطيك خردلة إلا بإذن الذي
سواك من طين
فلا تصاحب
غنياً تستعز به وكن عفيفاً وعظم
حرمة الدين
إنهم يخططون لتصفية الإسلام في كل مكان فماذا نحن فاعلون ؟
إنهم يرتكبون المجازر تلو المجازر وجيوش
المسلمين مكبلة مقيدة ، رابضة في ثكناتها
والأسلحة مكدسة في مخازنها ، لا الجندي يثور ولا السلاح ينطلق ، وحتى ينطلق
هذا السلاح إلى صدور الأعداء ، لا بد من سلطة تطبق منهج الله في الأرض ، لأن منهج
الله في الأرض ليس مجرد وعظ وإرشاد فقط ، ولكنه دعوة لتطبيق أحكام الله في الأرض ،
وإن ما يصيب المسلمين ناتج عن عدم الاحتكام إلى آيات الله وتنفيذها في واقع الحياة
، مما جعلنا عرضة لغضب الله والهزيمة أمام أعداء الله ، ولا نجاة لنا إلا
بالاعتصام بحبل الله ويوم تمسك المسلمون في تاريخهم بحبل الله وحققوا منهج الله في حياتهم ، عزوا وانتصروا
ووقاهم الله كيد أعدائهم ، وكانت كلمتهم هي العليا ، وعندما تحالفوا مع أعدائهم
الذين يحاربون عقيدتهم ومنهجهم ، واستمعوا إلى مشورتهم واتخذوا منهم بطانة وأصدقاء
، وأعواناً وخبراء ومستشارين ، كتب الله عليهم الهزيمة ومكن لأعدائهم فيهم وأذل
رقابهم ، وأذاقهم وبال أمرهم ، ومما ينبغي تجديد اليقين به ، أن الأيام دول وأن
الغلبة لغير المسلمين قد تكون إلى حين
ولن يدوم ذلك ، فهناك دورات قد تقوم فيها دول وتسقط أخرى ، فقد قرانا في
التاريخ كيف كانت غلبة الفرس للروم ، وكيف كانت غلبة الروم للفرس ، وكيف كانت غلبة
المسلمين للروم والفرس ، وإني على يقين أن الغلبة ستكون للإسلام بقدر الله كما
أخبر رسول e :
( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الدين بعزِّ عزيز أو بذل ذليل ، عزّاً يُعزُّ الله به الإسلام وذلاً يُذِلُّ الله به الكفر) أخرجه أحمد .
( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الدين بعزِّ عزيز أو بذل ذليل ، عزّاً يُعزُّ الله به الإسلام وذلاً يُذِلُّ الله به الكفر) أخرجه أحمد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق