الأحد، 26 أكتوبر 2014

طريق الخلاص من الذل


إن سلسلة الهزائم التي شهدتها الأمة الإسلامية في هذا العصر ، أصابت الشعوب الإسلامية بالإحباط والوهن والتخاذل ، وجعلتهم يستسلمون للواقع المرّ الذي شلَّ حركتهم وسلبهم قدرتهم على الصمود والثبات . علماً بأن المسلم الحق لا يغلبه اليأس ولا يشعر بالإحباط لأنه يؤمن بأنه يستمد قوته من إيمانه بالله الذي قال :)ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ( . آل عمران 139 .
والاستعلاء يكون بالإسلام والاعتزاز بالدين لأنه الطريق الصحيح لنهضة الأمة وعزتها . وليعلم كل مسلم أن من سنن الله الثابتة التي لا تتبدل ولا تتحول ، أن نهضة الأمة لن تتم بمعجزة خارقة بل بسنة جارية ذكرها الله في كتابه العزيز عندما قال : ) إن الله لا يغيَّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (. الرعد 11 .
ولهذا توجهت دعوة النبي e لبناء الإنسان وتزكيته قال تعالى :)هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب الحكمة ( الجمعة 2. 
يخطئ خطأ بالغاً من يبدأ في تغيير الواقع دون تغيير الإنسان نفسه ، فذلك هو الجهل بعينه لأن الدين ليس جهازاً يعمل من تلقاء نفسه ، ولو شاء الله لقهر الناس على الهدى ، فلا يستطيعون المخالفة ولا الهبوط ولا الانحراف ، ولكن الله كرَّم الإنسان فلم يجعله شيئاً يُقهر بل جعله كائناً فعّالاً مريداً قادرا على الاختيار ، يتحمل تبعة عمله ، حسب سنن مقررة كشفها الله له لكي يهتدي على ضوئها ويضبط مساره بمقتضاها .
وقوله : ويزكيهم فيه حضٌ على تزكية النفس وتطهير الضمير والشعور والعمل والسلوك وتطهير الحياة الزوجية والحياة الاجتماعية . تطهير ترتفع به النفوس من العقائد الفاسدة إلى عقيدة التوحيد  التي ترتفع بالإنسان من رجس الفوضى الأخلاقية إلى نظافة الخلق الإيماني ، ومن دنس الربا والسحت إلى طهارة الكسب الحلال ، وبعبارة أخرى تزكية شاملة للفرد والجماعة ترتفع بالإنسان وتصوراته عن الحياة كلها وعن نفسه ونشأته .
إن بناء الإنسان من أصعب ألوان التغيير والبناء  لأنه يتطلب قدراً كبيراً من المثابرة وطول النفس كما يتطلب قدراً من سعة الأفق وبعد النظر .
وبقدر ضخامة المهمة التي سيقوم بها الإنسان يكون مقدار التربية ، ولهذا كانت قيادة الأمة تتطلب نوعيّة من الرجال مختلفة قال تعالى :
 ) وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (.السجدة 24 .
والمتأمل للتربية النبوية لجيل الصحابة الذين أصبحوا رواد الأمم وقادة الشعوب لما آمنوا بالله حق الإيمان ، واعتصموا بحبله المتين ، لقد كانت تربيةً إيمانيةً فريدة ، فها هو خباب بن الأرت يقول : أتيت النبي e وهو متوسد بُردةً له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدّة ، فقلت يا رسول الله ألا تدعو الله لنا ، فقعد هو ُمحْمَرُّ وجهه فقال : ( لقد كان من قبلكم ليُمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، ولُتَمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ، ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه ) .
إنها تربية إيمانية عظيمة يبنى بها الإنسان وترفعه عن مباهج الدنيا وأهوائها ، تربية تجعله قادر على تحمل تبعات الطريق المستقيم ، تربية تسمو به عن الفتن والأهواء فلا تضرّه فتنة ما دامت السموات والأرض .
فكان أمر الله واجب الإتباع ، والعلاقة بينهم وبين ما عداه من شرع الكفر والناس ومن عاداهم ، علاقة جهاد وقتال ، لأنهم آمنوا بقول الله تعالى :) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله  ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (.التوبة 29 . ومن اليقين أن الضلالة والخسران والذل والهوان في اتباع المسلمين لأهل الكفر ، ومن هنا جاء التحذير من اتباعهم فقال e ( لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، فإنكم إما أن تصدقوا بباطل أو تكذبوا بحق ، فإنه لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ) .
واجب المسلم وهو يرى استباحة حرمة المسلمين أن يدعو إلى الجهاد ، لا الوقوف موقف المتفرج لا يحرك ساكناً ، ويتآمر على العباد والدين الذي أبعدوه عن الحياة عقيدة ومنهاج حياة ، علماً بأنه من صلب تعاليم ديننا ألا نطيع لهم أمراً ، لأن الضلالة في طاعتهم والخسران في اتباعهم لقول رسول الله e  : ( ألا إن رحا الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم ، فإذا عصيتموهم قتلوكم   وإن أطعتموهم أضلوكم ، قالوا يا رسول الله كيف نصنع ؟ قال : كما صنع أصحاب عيسى بن مريم ، نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب ، موتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياة في معصية الله ) .
وقد حذّر الله من اتباع الكفر و أهله ومن أعداء الدين ، خشية أن يفتنونا عن عقيدتنا التي هي سرُّ قوتنا وشأن عزتنا فقال تعالى : )ولا تتبع أهوائهم و أحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل إليك (. المائدة 49 .
فمنذ قيام دولة إسرائيل ، والناس تخشاها وتظن أنها لا تقهر ، لأن الإعلام المبرمج أقنع الناس بذلك ، بما يضخمه من قدراتها وأنها تمتلك أسلحة نووية وبيولوجية لا قبل لنا بها ، وقد سمعنا مقولة أن إسرائيل إذا تضايقت من العرب فسوف تمدها أمريكا بجسر جوي ، وقالوا إسرائيل أقوى من العرب مجتمعين ، بما لديها من ترسانة عسكرية برية وبحرية وجوية ، وجاءت الأيام لتكشف أن إسرائيل انتصرت بالدعاية والتهويل ، ومشاركة فئة من المسلمين في التخويف من إسرائيل ، وقد أثبت الواقع ذلك باستعمال سلاح بسيط مقارنة بما تمتلكه إسرائيل ، كصواريخ الكاتيوشا والعبوات الناسفة ، وانتفاضة الحجارة والعمليات الإستشهادية ، التي جعلت إسرائيل تعيش في رعب   فانكشف واقع اليهود وجبنهم والذي أشارت إليه وكالات الأنباء بهروبٍ يوميٍ لليهود خارج فلسطين ، وهروب العديد من المستوطنين من الضفة وغزة إلى داخل فلسطين ، ومن بقي منهم في المستعمرات لا يجرؤ على الخروج ، وهذا بسبب أعمال بسيطة ضد اليهود ، فكيف إذا ما قامت حرب حقيقية على يد دولة مخلصة لله ودينه والجهاد في سبيله 
فعلى المسلمين أن يتداركوا الأمر بالرجوع إلى الإسلام  يعملوا من أجل تطبيقه ، إسلام في جيوشه وقوته وجهاده ، إسلام لا يعرف هزيمةً ولا يخشى بأسا ، ولا يرضى خنوعاً أو استسلاما ، ولا يخاف قوةً ولا بطشا   وفي حالة تكتل الدول ضده يُعْمَلُ بالتوجيه الإلهي في قوله تعالى : ) وإما تخافنَّ من قومٍ خيانة فانبذ إليهم على سواء ( الأنفال 58 .
             


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق