إن سلسلة الهزائم
التي شهدتها الأمة الإسلامية في هذا العصر ، أصابت الشعوب الإسلامية بالإحباط
والوهن والتخاذل ، وجعلتهم يستسلمون للواقع المرّ الذي شلَّ حركتهم وسلبهم قدرتهم
على الصمود والثبات . علماً بأن المسلم الحق لا يغلبه اليأس ولا يشعر بالإحباط
لأنه يؤمن بأنه يستمد قوته من إيمانه بالله الذي قال :)ولا تهنوا ولا تحزنوا
وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (
. آل عمران 139 .
والاستعلاء يكون
بالإسلام والاعتزاز بالدين لأنه الطريق الصحيح لنهضة الأمة وعزتها . وليعلم كل
مسلم أن من سنن الله الثابتة التي لا تتبدل ولا تتحول ، أن نهضة الأمة لن تتم
بمعجزة خارقة بل بسنة جارية ذكرها الله في كتابه العزيز عندما قال : )
إن
الله لا يغيَّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (.
الرعد 11 .
ولهذا توجهت دعوة
النبي e
لبناء الإنسان وتزكيته قال تعالى :)هو
الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب الحكمة (
الجمعة
2.
يخطئ خطأ بالغاً من
يبدأ في تغيير الواقع دون تغيير الإنسان نفسه ، فذلك هو الجهل بعينه لأن الدين ليس
جهازاً يعمل من تلقاء نفسه ، ولو شاء الله لقهر الناس على الهدى ، فلا يستطيعون
المخالفة ولا الهبوط ولا الانحراف ، ولكن الله كرَّم الإنسان فلم يجعله شيئاً
يُقهر بل جعله كائناً فعّالاً مريداً قادرا على الاختيار ، يتحمل تبعة عمله ، حسب
سنن مقررة كشفها الله له لكي يهتدي على ضوئها ويضبط مساره بمقتضاها .
وقوله : ويزكيهم فيه
حضٌ على تزكية النفس وتطهير الضمير والشعور والعمل والسلوك وتطهير الحياة الزوجية
والحياة الاجتماعية . تطهير ترتفع به النفوس من العقائد الفاسدة إلى عقيدة
التوحيد التي ترتفع بالإنسان من رجس
الفوضى الأخلاقية إلى نظافة الخلق الإيماني ، ومن دنس الربا والسحت إلى طهارة
الكسب الحلال ، وبعبارة أخرى تزكية شاملة للفرد والجماعة ترتفع بالإنسان وتصوراته
عن الحياة كلها وعن نفسه ونشأته .
إن بناء الإنسان من
أصعب ألوان التغيير والبناء لأنه يتطلب
قدراً كبيراً من المثابرة وطول النفس كما يتطلب قدراً من سعة الأفق وبعد النظر .
وبقدر ضخامة المهمة
التي سيقوم بها الإنسان يكون مقدار التربية ، ولهذا كانت قيادة الأمة تتطلب نوعيّة
من الرجال مختلفة قال تعالى :
)
وجعلنا
منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (.السجدة
24 .
والمتأمل للتربية
النبوية لجيل الصحابة الذين أصبحوا رواد الأمم وقادة الشعوب لما آمنوا بالله حق
الإيمان ، واعتصموا بحبله المتين ، لقد كانت تربيةً إيمانيةً فريدة ، فها هو خباب
بن الأرت يقول : أتيت النبي e
وهو متوسد بُردةً له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدّة ، فقلت يا رسول الله
ألا تدعو الله لنا ، فقعد هو ُمحْمَرُّ وجهه فقال : ( لقد كان من قبلكم ليُمشط
بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار
على مفرق رأسه فيشق باثنين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، ولُتَمنَّ الله هذا الأمر حتى
يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ، ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه ) .
إنها تربية إيمانية
عظيمة يبنى بها الإنسان وترفعه عن مباهج الدنيا وأهوائها ، تربية تجعله قادر على
تحمل تبعات الطريق المستقيم ، تربية تسمو به عن الفتن والأهواء فلا تضرّه فتنة ما
دامت السموات والأرض .
فكان أمر الله واجب
الإتباع ، والعلاقة بينهم وبين ما عداه من شرع الكفر والناس ومن عاداهم ، علاقة
جهاد وقتال ، لأنهم آمنوا بقول الله تعالى :) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر ، ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله
ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون (.التوبة
29 . ومن اليقين أن الضلالة والخسران والذل والهوان في اتباع المسلمين لأهل الكفر
، ومن هنا جاء التحذير من اتباعهم فقال e ( لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ، فإنهم
لن يهدوكم وقد ضلوا ، فإنكم إما أن تصدقوا بباطل أو تكذبوا بحق ، فإنه لو كان موسى
حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ) .
واجب المسلم وهو يرى
استباحة حرمة المسلمين أن يدعو إلى الجهاد ، لا الوقوف موقف المتفرج لا يحرك
ساكناً ، ويتآمر على العباد والدين الذي أبعدوه عن الحياة عقيدة ومنهاج حياة ،
علماً بأنه من صلب تعاليم ديننا ألا نطيع لهم أمراً ، لأن الضلالة في طاعتهم
والخسران في اتباعهم لقول رسول الله e : ( ألا إن رحا الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب
حيث دار ، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون
عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم ، فإذا عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم ، قالوا يا رسول الله كيف
نصنع ؟ قال : كما صنع أصحاب عيسى بن مريم ، نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب ،
موتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياة في معصية الله ) .
وقد حذّر الله من
اتباع الكفر و أهله ومن أعداء الدين ، خشية أن يفتنونا عن عقيدتنا التي هي سرُّ
قوتنا وشأن عزتنا فقال تعالى : )ولا
تتبع أهوائهم و أحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل إليك (. المائدة 49 .
فمنذ قيام دولة
إسرائيل ، والناس تخشاها وتظن أنها لا تقهر ، لأن الإعلام المبرمج أقنع الناس بذلك
، بما يضخمه من قدراتها وأنها تمتلك أسلحة نووية وبيولوجية لا قبل لنا بها ، وقد
سمعنا مقولة أن إسرائيل إذا تضايقت من العرب فسوف تمدها أمريكا بجسر جوي ، وقالوا
إسرائيل أقوى من العرب مجتمعين ، بما لديها من ترسانة عسكرية برية وبحرية وجوية ،
وجاءت الأيام لتكشف أن إسرائيل انتصرت بالدعاية والتهويل ، ومشاركة فئة من
المسلمين في التخويف من إسرائيل ، وقد أثبت الواقع ذلك باستعمال سلاح بسيط مقارنة
بما تمتلكه إسرائيل ، كصواريخ الكاتيوشا والعبوات الناسفة ، وانتفاضة الحجارة
والعمليات الإستشهادية ، التي جعلت إسرائيل تعيش في رعب فانكشف واقع اليهود وجبنهم والذي أشارت إليه وكالات
الأنباء بهروبٍ يوميٍ لليهود خارج فلسطين ، وهروب العديد من المستوطنين من الضفة
وغزة إلى داخل فلسطين ، ومن بقي منهم في المستعمرات لا يجرؤ على الخروج ، وهذا
بسبب أعمال بسيطة ضد اليهود ، فكيف إذا ما قامت حرب حقيقية على يد دولة مخلصة لله
ودينه والجهاد في سبيله
فعلى المسلمين أن
يتداركوا الأمر بالرجوع إلى الإسلام
يعملوا من أجل تطبيقه ، إسلام في جيوشه وقوته وجهاده ، إسلام لا يعرف
هزيمةً ولا يخشى بأسا ، ولا يرضى خنوعاً أو استسلاما ، ولا يخاف قوةً ولا بطشا وفي حالة تكتل الدول ضده يُعْمَلُ بالتوجيه
الإلهي في قوله تعالى : )
وإما
تخافنَّ من قومٍ خيانة فانبذ إليهم على سواء (
الأنفال
58 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق