الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

مؤامراة تحديد النسل


كشفت الإحصائيات أن العالم يتضاعف تلقائياً كل خمسة وأربعون عاماً . وكمسلمين نؤمن بان الله هو الخالق والكون كله له ، وأن ظاهرة التفوق البشري ظاهرة طبيعية .
إلا أن ظاهرة تقلص حجم المواليد في عالم الغرب  وزيادة هذا الحجم في عالم الإسلام من الظواهر التي تزعج الغرب الكافر إزعاجاً شديداً ، لأنهم يحسون بمدى الخطر الذي ينتظرهم نتيجة نضوب المواليد وتنازل نسبها ، بينما تزداد هذه النسبة وتتضاعف في بلاد المسلمين .
ومن هنا نجد أن الغرب يشن حملة شديدة وعنيفة على هذه الزيادة المضطردة ، بوصفها بعيدة الأثر في عالم الإسلام ، تحت إسم الانفجار السكاني ويجند لها عشرات من الأقلام والمفكرين والساسة  دون أن يشير إلى حقيقة الموقف وطبيعة التحول الحضاري والاجتماعي الذي يوحي بأن فساد المجتمعات الغربية قد أدى الى تدني نسبة المواليد  نتيجة انصراف المرأة الغربية عن رسالتها  وكراهيتها الشديدة للولادة وتربية الاولاد والاسراف في عمليات الزواج غير الشرعي  وظاهرة اللقطاء واستعمال حبوب منع الحمل  رغم ما تقدمه حكومات الغرب من اغراءات وتشجيع للزواج والولادة ، في الوقت الذي تُشَنُ حملة شديدة على الولادة المتزايدة في البلاد العربية والاسلامية ، حيث تنفق ملايين كثيرة من أجل تحديد النسل وتعقيم الرجال ، والإغراء باعطاء الحبوب واللوالب وغيرها من أجل تقليل نسبة المواليد  لأن الغرب يرى في ظاهرة التقلص في مواليده وزيادة نسبة مواليد البلاد النامية ، خطراً شديداً على نفوذه ، وعلى المقدرات التي يحصل عليها من الخامات والثروات والمواد الأولية وعلى كل ما يعينه على التفوق والتقدم التقني ، وفي الوقت الذي يعلن فيه البابا عن رأيه صراحة في تأييد المسيحية لكثرة النسل ، نجد أنهم يجبرون المسلمين في مناطق كثيرة من العالم على التعقيم الإجباري ، كما حصل لمسلمي الهند على يد انديرا نماندي ، مما يدل على اكذوبة تهديد العالم الثالث بنضوب الثروات .
إن ظاهرة الانحسار السكاني تخيف الغرب وتقلق القائمين على مقاليد الأمور فيه ، فامريكا تتجه نحو حالة الصفر في النمو السكاني ، أي أنها تقف عند النقطة التي يكون فيها عدد المواليد مساوياً لعدد الوفيات ، مما يؤدي إلى انخفاض القوة العاملة ، والذي يؤدي بدوره إلى ركود الانتاج  يقول البروفسور خورشيد في جامعة كراتشي في بحث له عن سؤ نية الأوروبيين بإدامة سيطرتهم على الشعوب النامية " إن اسيا والعالم الإسلامي هي أكبر مناطق الأرض اليوم ازدحاماً بالسكان  وما عدد السكان في البلاد الغربية بالقياس اليها إلا قليل  وإن هذا التفوق السكاني سوف يقضي على الأسس التي أقامها الغرب لسيادته السياسية في العالم منذ القرون الخمسة الماضية .
وأشار في بحثه إلى أن عدد السكان في بلاد الشرق  أكبر بدرجات من عدد السكان في الغرب ، وأن هذا معناه أنه ليس في الإمكان بقاء شعوب الشرق محكومة مغلوبة على أمرها  بعد تدربها على الآلات المكانيكية وتصنيعها في العلوم الفنية  ويتابع قائلاً : إن أية محاولة للحد من زيادة السكان في الشرق ، عن طريق تحديد النسل ومنع الحمل مسألة فاشلة تماماً ".
إن المحاولة الخطيرة التي يقوم بها الغرب لإيقاف النمو السكاني والتفوق البشري في عالم الإسلام  وتحويل ارادة المسلمين والعرب لتوجيه مقدراتهم وثرواتهم ومقدرتهم الاقتصادية والمالية إلى طريق الاستهلاك والترف ، يجب أن تسترعي اهتمام المسئولين فيه .
يقول الدكتور خورشيد : إن هذيان أمريكا وكل ما تبذل من النصائح والمواعظ عن مشكلة السكان ، إنما هو نتيجة إلى حد كبير لشعورها بخطر تلك النتائج والمؤئرات السياسية المتوقعة على أساس تغير الأحوال في اسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية .
يقول العلامة علال الفاسي :"إن أكبر الخطر أن تدّرس حركة تحديد النسل منفصلة عن سياقها السياسي والتاريخي ، فحين لا نستطيع أن نفهمها على حقيقتها ، ولا أن نرسم لانفسنا خطة عملية راشدة إلا داخل نطاق التحدي ، إذا اضفنا إلى هذا الخطط الصهيونية لإجلاء العرب عن الشرق الاوسط ، وتهجير أكبر عدد ممكن من اليهود اليه  وخلق حركات داخل كل بلد إسلامي وعربي  من الاقليات التي يصل بها التعصب احياناً إلى الانفصال  ،  إذا أضفنا هذا عرفنا أن التنقيص في عدد المواليد لا يخدم إلا مصلحة الاستعمار والصهيونية  " .
إن حمل الأمة الإسلامية أو تشجيعها على تطبيق فكرة تحديد النسل ، جريمة بحق هذه الأمة لا يقوم بها إلا جاهل بالحقيقة غافل عن النتائج ، أو ساقط في شبكة مكيدة من المكائد الكبرى التي تدبر ضد المسلمين للحد من تزايد طاقاتهم البشرية
ولا تجوز المشاركة في المؤتمرات العالمية التي تدعو وتشجع على تحديد النسل ، لأن النبي حث على الزواج من المرأة الودود الولود ، ليكاثر الأمم بالسلالات الإسلامية ، قال رسول الله في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي : ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم )  وعليه لا يجوز للإنسان إن ينظم تخطيطاً جماعياً على الشكل الذي تدعوا اليه منظمات الكفر   لأن ذلك يتنافى مع مقاصد الشريعة التي جعلت من غايات الأسرة تكثير النسل ، وقد قال: (تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة )
 وقد نص الامام الشاطبي في الموافقات : على أن مما اجمعت عليه الملل والنحل وجوب حفظ المال والنفس والعِرض والنسل ، فمحاولة المساس بواحدة من هذه الأربعة بغير حق مناف للشرائع كلها ولا يقع إلا من الظالمين الذين قال الله تعالى فيهم :{وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}.البقرة 205
وقد التبس على بعض المتملقين ، ما قاله بعض الفقهاء في مسألة اباحة العزل ، مع أن قضية العزل هي غير قضية التخطيط العائلي ، لأنها مسألة تتعلق بحالات فردية اختيارية ، لا تتدخل فيها الدولة ولا تنظمها ولا تدعو اليها ولا تجعلها جزءاً من برنامجها .
يقول العلامة علال الفاسي :" أما ادعاء أن التنقيص من عدد السكان ضروري لتنفيذ التخطيطات الاقتصادية وتحقيق النمو فهو خطأ  من الناحية الاقتصادية ومن الناحية الاجتماعية   لأن المواليد لا يولدون بافواههم فقط ، بل يولدون بعقولهم وسواعدهم ، فهم مادة وعامل قوي في النمو الاقتصادي وتقوية الانتاج    وليسوا مجرد طفيليين في المجتمع .
وان عجز التدبير من الحاكمين وسوء توزيع الثروة على المواطنين والتخلي عن الاقاليم للمستعمرين ، هو الذي يدفع إلى هذا التفكير الكسول ، الذي يرضى بهذه التدابير غير الانسانية  ولا يعلم أن مقتضيات التطور الحديث يقضي بتحمل الدولة لتكاليف العائلة . وأما قضية نضوب الموارد وعدم كفاية الأرزاق وانتشار المجاعة في العالم كما يدَّعي الغربيون فليست صحيحة ، لأن الله تعالى قد يسَّر طريق الرزق وجعله مستطاعا ، إلا أن صعوبة الرزق بدأت بعد أن تدخلت اهواء الناس ومطامعهم   وظهرت عمليات الاحتكار والاحتجاز  وعوامل التفرق والاستغلال ، فهي أزمة الجشع والتسلط وليست أزمة الرزق الذي أعطى الله عهده وميثاقه وأقسم على ذلك بضمانه لكل مخلوق حتى تطمئن النفس الإنسانية إلى عهد الله الصادق الأكيد الذي حفظ للإنسان الموارد التي لا تنضب ، في نفس الوقت فقد دعا إلى السعي في الأرض التي جعلها الله مستودعاً لأقوات المخلوقات جميعاً  المقضي لهم بأن يحيوا فيها إلى أن تقوم الساعة  وضمن حدود الآجال المقدرة لها في قضاء الله وقدره وما على الناس إلا أن يهتدوا إلى مفاتيح ابواب هذه المستودعات لتتدفق عليهم خيرات الأرض
إن السبب الأول لمشكلة الجوع ، يكمن في صراع قوى الشّر على خيرات الأرض واحتكار مقدراتها ، وفي رفاهية الفئة القليلة على حساب شقاء الفئة الكثيرة .
الم نسمع عن احراق المحاصيل الزراعية للمحافظة على الغلاء وارتفاع الاسعار ، ولو اتجه العالم إلى الانتاج السلمي فقط ، لزادت خيرات الأرض عن حاجة اهلها . 
نشرت مجلة اليونكسو بحثاً جاء فيه: "إن تكاليف قذيفة نووية واحدة تكفي لبناء 75 مستشفى في كل واحد منها مئة سرير بكامل المعدات أو شراء خمسين الفا من الجرارات الزراعية التي يمكن أن تحرث ملايين الأفدنة بدلاً من حرثها بمن عليها بقنابل الدمار " .
ولوصح الرأي القائل : إن خيرات الأرض واقواتها لا تفي بحاجة أهلها ، لكان معنى هذا أن الله لم يحسن التقدير والتدبير ، أو أنه اخطأ في تقدير ما يحتاجونه من الأقوات ، تعالى الله عما يقول الجاهلون . إن حل مشكلة الجوع لا يكون بالحروب ولا بتحديد النسل ، ثم ما جدوى هذا التحديد ما دام في الناس ظالم ومظلوم وآكل ومأكول ، إن الحل لا يكون إلا بإزالة الموانع التي تحول بين الإنسان واسباب معيشتة واستغلال ميزات الأرض لإنتاج الغذاء والكساء ، لسد كل ما يحتاجه الإنسان الحاضر والآتي ، وما على الإنسان إلا العمل على استخراج الأقوات من مستودعات الأرض وخزائنها . قال تعالى : { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها في أربعة ايام سواء للسائلين } فصلت 9 .
   

             



  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق