الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

هل الضرورة تبيح التعامل بالربا


يتوسع الكثيرون في الحرام محتجين بأن الذي دفعهم لهذا هو الضرورة ، وإذا ما سألت عن هذه الضرورة وخصوصاً بما يتعلّق بالربا ، قد يقول بأنه محتاج لسياره أو شقة يسكنها أو قرضٌ يتزوج به ، إن من يقول ذلك واهم يتحمّل إثم كبيرة من الكبائر ، سواء كان ذلك عمداً أو جهلاً أو تجاهلاً ، لأن هذه المحرمات من المعلوم من الدين بالضرورة ، وليست كل ضرورة تدخل في باب الاضطرار ، ولا يجوز أن نستبيح القروض الربوية لشراء منـزل أو سيارة عملاً بقاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " وإن دعوى الاضطرار للعمل أو التعامل بالربا غير صحيح   لأن النص في الإباحة للاضطرار ورد في آيات كلها تبيح أكل ما حرّم الله من المنصوص عليها للاضطرار الذي يخشى منه لو لم يُبح الأكل مما حرّمه الله أن يموت الإنسان جوعاً أو يهلك عطشاً قال تعالى : ) إنما حرَّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزيرِ وما أهل به لغير الله ، فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفورٌ رحيم ( البقرة 173. وقال تعالى : ) فمن اضطر في مخمصةٍ غير متجانفٍ لإثم فإن الله غفورٌ رحيم ( المائدة 3 . في هذه الآيات دليل على أنه ما أبيحت هذه المطعومات إلا عند الاضطرار في المجاعة المهلكة ، لكي يحفظ الإنسان حياته وهذه الضرورة غير قائمة في التعامل الربوي   وإن أي محاولة يراد بها إباحة ما حرّم الله ، إنما هي جرأة على الله وقولٌ عليه بغير علم ، وضعف في الدين . قال القرطبي في معنى الضرورة المبيحة لأكل الميتة ولحم الخنـزير والذي عليه الجمهور من الفقهاء والعلماء في معنى الآية ، هو من صيّره العدم والجوع إلى ذلك وهو الصحيح . وفي حديث أبي واقد الليثي قال يا رسول الله ؟ إنا نكون في الأرض تصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة ؟ فقال r ( متى لم تصطبحوا أو تفتبقوا أو تجدوا بقلا ) والفبوق العشاء والفِِبوق بقلة تأكلونها .
لقد علّق الشيخ محمد أبو زهرة على الحديث بأن النبي r لم يعتبر حد الضرورة إلا في هذا وقال : إن الضرورة لا يتصور أن تكون في نظامٍ ربوي بل تكون في أعمال الآحاد . إذ أن معناها أن النظام كله يحتاج إلى ربا كحاجة الجائع الذي يكون في مخمصة إلى أكل الميتة أو لحم الخنـزير أو شرب الخمر ، وإن مثل هذه الضرورة لا تتصور في نظام كهذا ، على أنه يجب أن نقرر هنا أن كل الربا حرامٌ لذاته ، لا يحل إلا لضرورة تكون على الحد الذي بيناه نقلاً عن النبي r .
قال عبد الله بن عباس في قوله تعالى : ) فمن اضطر ( يعني إلى شيءٍ مما حرّم الله ، وقوله تعالى : ) غير باغٍ ولا عاد ( يقول : من أكل شيئاً من هذه وهو مضطر فلا حرج ، ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى . وقد تقرر فقهاً أن الضرورة تقدّر بقدرها ، وقدرها في المأكل والمشرب لسد الحاجة ، وإذا زال سبب الضرورة حرم التـزود وتكرار الفعل حتى قال الفقهاء : إن المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر سد الرمق ولا يباح له الشبع ، ومن يستطيع دفع أجرة مسكن لا يحل له أخذ قرض لشراء مسكن . 
هذه هي الضرورة إشراف على الهلكة ، وجوعٌ يؤدي إلى إزهاق الرّوح ، وليست كل ضرورة تدخل في باب الاضطرار ، ولو كان المجتمع يدفع إليها لأنه يمكن الاستغناء عنها كشراء بيت و سيارة أو أي شيءٍ من الكماليات ، فالشريعة لا تسمح بأخذ الربا في هذه الحالة ، ومن يقول إن اللجوء إلى الربا ضرورة من الضرورات لأن صلاح الأمة من الناحية الاقتصادية قائم على التعامل الربوي هذه الأيام ، وإلا توقف حال الأمة ، إن هذه مغالطة وضعف أمام النظم التي يسير عليها أقوياء العالم ، وإن كل محاولة يراد بها إباحة ما حرًم الله أو تبـرير ارتكابه بأي أنواع من أنواع التبـرير ، إنما هي جرأةٌ على الله  وقولٌ عليه بغير علم ، وضعفٌ في الدين وتزلزلٌ في اليقين ، وإن القول بأن الربا ضرورةٌ عامة للأمة والمجتمع ، اتهامٌ لشريعة الله بالنقص ، هذه الشريعة التي شهد الله لها بالكمال ومن كمالها تحريم الربا قال تعالى : ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ( المائدة 3 .  
وأما من يعتمد على حل القرض باسم المرابحة وهو أحد أنواع بيوع الأمانة في الفقه الإسلامي   وهو مشروع جرى التعامل به في زمن الرسول الله e , وبيع المرابحة هذا يكون بين مبايعين لا بين ثلاثة ، والسلعة في ملك البائع وهو بيعٌ بمثل الثمن الأول مع ربح مبلغ معلوم يصّرح به البائع على وجه الأمانة .
أما كيفية الشراء عن طريق البنك فتتم بطلب العميل من البنك شراء سلعة ليست عنده مع وعد من العميل شراء السلعة بعد شراء البنك لها بثمن آخر ، ووعد البنك بيع السلعة له بعد شرائها   فبيع المرابحة بهذه الطريقة كما يتعامل المصرف يكون الثمن الذي يدفعه العميل مؤجلاً بينما الأصل في بيع المرابحة أن يدفع ثمن السلعة عند العقد ، أما ما يجري التعامل به فإن البيع يتم فيه إبرام عقدين أي بيعتين بين المصرف والبائع للسلعة وعقد بين المصرف والآخر بالشراء ، وهذا غير جائز حسب قناعتي ، لأن المرابحة تتم بإجراء عقد واحد ، ولما روى الترمذي قال حكيم يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي أأبتاع له من السوق ثم أبيعه ؟  ولم يقل أبيعه ثم أشتريه  فقال له الرسول الله e : لا تبع ما ليس عندك   معنى قول رسول الله e لا تعدْه بالبيع ثم تذهب لتشتريه ، لأن ذلك يعتبر بيعاً ، فيكون بيع ما لا تملك ، وقد نهى رسول الله e صراحة عن بيعتين في بيعه .
قال الإمام مالك رحمه الله في باب النهى عن بيعتين في بيعه : أنه قد بلغه أن رسول الله e نهى عن بيعتين في بيعه ، وأنه بلغه أن رجلاً قال لرجل : ابتع لي هذا البعير بنقد حتى ابتاعه منك إلى أجل فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه 
كما إن ما يجري التعامل به على هذه الصورة يعتبر كبيع العينة وهي كما فسرها كثير من العلماء ، بيع من طلبت منه سلعة قبل ملكه إياها لطالبها بعد شرائها ، وقد ورد النهى عنها عن ابن عمر سمعت النبي r يقول : ( إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد   واتبعوا أذناب البقر أدخل الله عليهم ذلاً لا ينـزعه حتى يتوبوا ويراجعوا دينهم ) أعلام الموقعين  .
وإذا كانت الزيادة في ثمن السلعة قائمة على أساس سعر الفائدة كما يجري التعامل به ، إذ يتمثل عائد التمويل في صورة هامش مرابحة محدد مسبقاً ، على حسب المدة الزمنية التي يتم بها سداد الدين ، فهذا حرام كما قال به كثير من العلماء ، يقول سيد قطب في الظلال لمن يريدون أن يحصروا الربا في بعض صوره : " إن الإسلام ليس نظام شكليات ، وإنما هو نظامٌ يقوم على تصوّرٍ أصيل ، فهو حين حرّم الربا لم يحرِّم صورةً منه ، إنما كان يناهض تصوراً يخالف تصوره   ويحارب عقليةً لا تتمشى مع عقليته ، وكان شديد الحساسية في هذا إلى حد تحريم ربا الفضل ابعاداً لشبح العقلية الربوية والمشاعر الربوية من بعيدٍ جدا ، وإن كل عملية ربوية حرام ، سواء جاءت في الصور التي عرفتها الجاهلية ، أم استُحدِثت لها أشكالٌ جديدة ، ما دامت تتضمن العناصر الأساسية للعملية الربوية ، أو تتسم بسمة العقلية الربوية ، وهي عقلية الأثرة والجشع والفردية والمغامرة " .       


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق