الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

لا قيمة لحق بدون قوة


إن المتتبع لاهتمام الغرب بحقوق الإنسان ، يجد أنهم ينظرون إليها بنظرتين مختلفتين  فبخصوص بني جلدتهم تراعى الحقوق وتلتزم القوانين والعهود ، وأما بالنسبة  للمسلمين فقد سنت قوانين الأدلة السرّية والمحاكم العسكرية والاعتقال لمجرد الاشتباه والتعذيب وانتزاع  الاعترافات وانتهاك الحقوق ، مما يدل على أنها صورة فاضحة من صور التناقض   وصورة صارخة تؤكد أن المثل والقيم التي يصنعها الأقوياء يجب أن يصّفق لها الضعفاء ، يتجلى ذلك في موقفهم من الأسرى الأفغان فقد صرّح وزير الدفاع الأمريكي ، بأنهم ليسوا أسرى حرب وإنما هم مقاتلون خارجون على القانون ، ولكن الواقع أظهر لنا جلياً الكيل بمكيالين في معاملة هؤلاء الأسرى ، فالمسلمون منهم عوملوا معاملة غير إنسانية وكانت تصرفاتهم معهم لا تمت إلى السلوك الحضاري والإنساني بأية صلة ، حتى المنصفون من الغرب الكافر احتجوا على تلك المعاملة السيئة ، وقد كان بين الأسرى أفراد من بريطانيا وأحدهم أمريكي الذي أحيل للقضاء المدني ، وعومل البريطانيون معاملة خاصة ومختلفة تماماً ، مما يؤكد عدائهم للعالم الإسلامي واستهانتهم بالمسلمين ، لأنهم يعلمون تمام العلم بأن الحكومات الإسلامية لن تواجههم على هذا الانحياز الفاضح ، ولن تحتج على هذه التصرفات الهمجية ، ناسية أن ذلك سيجر على أمريكا من الأخطار التي لا تحمد عقباها إذا ما ثار المسلمون لحقوقهم المهدورة من جراء معاداة أمريكا لهم  وهو ما فطن له أحد رجالاتهم من ذوي الخبرة بالسياسة الخارجية ، وهو هنري كيسنجر الذي حذّر من ذلك في كتابه مفهوم السياسة الخارجية الأمريكية ، عندما قال : " إن غطرسة القوة التي تفرض نفسها على مجمل السياسة الخارجية الأمريكية ، قد جعلت من أمريكا الشرطي الذي يحاول خنق أصوات الاحتجاج التي تصدر ، حتى عن حلفائه وأصدقائه ، وهي سياسة ضالة لا بد أن تؤدي مع الأيام إلى صحوة هؤلاء الحلفاء والأصدقاء ، ثم إلى نقمتهم واعتراضهم بكل الوسائل وبجميع الأشكال ، فتعدو قوة أمريكا سبب دمارها " .
وعبّر وليم فولبرايت رئيس لجنة العلاقات الخارجية الأسبق بمجلس الشيوخ الأمريكي وهو مؤلف كتاب غطرسة القوة ، قال : " إن أمريكا قد أخذت تدريجياً في إظهار دلائل الغطرسة التي أذلت و أضعفت أمماً عظيمة في الماضي ، بل سحقت بعضاً منها وعندما نمارس ذلك نكون قد فقدنا قدرتنا على أن نكون أمام العالم مثال الدولة المتحضرة وهذا هو الذي يحفز الرجل الوطني إلى إبداء الاعتراض علينا لأن هذا ما يفرضه عليه الواجب " 
وكأن مفكريهم قد درسوا حديث رسول الله e   فالصحوة آتية لا بد منها والاعتراض حقيقة كائنة على يد الطائفة الظاهرة على الحق التي أخبر عنها رسول الله e وهي من الأمة الإسلامية من أمة محمد e ، وقد ذكر النبي e لها عدة صفات وهي منصورة وقائمة بأمر الله ، وظاهرة على الحق وللعدو قاهرة ، وأخبر النبي e أن هذه الطائفة ستلاقي عقبات في طريقها ، عقبات داخلية تتمثل في التخذيل والمخالفة ، وخارجية تتمثل في مجابهة العدو والتصدي لها ، روى مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : سمعت رسول الله e يقول : ( لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون )
وفي رواية عن معاوية قال سمعت رسول الله e : ( لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ) .
وقد فسر الظهور بالقهر كما جاء تفسيره بالنصر   وقال الإمام القرطبي : ظاهرين منصورين غالبين   كما قال الحديث الآخر : ( يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خذلهم ) . أي من لم ينصرهم من الخلق ، فالنصوص النبوية تدل على أهمية الجهاد في سبيل الله من أجل حماية الدين ونصرة الحق ، وإن إعلان الجهاد في سبيل الله وبذل المال والنفس في سبيله هو طريق العزة    وذلك يتطلب من القائمين على أمر الله أن يعدو العدة لإرهاب أعداء الله وأعدائهم ، وأن يصبروا على ما يلاقوه في طريقهم من الأذى والمشقة   وأن يتوكلوا على الله ، وعندها يكون النصر بإذن الله ، ولا يشترط التكافؤ وهو ما كان عليه المسلمون في كثير من معارك الإسلام الفاصلة التي انتصر فيها المسلمون ، ولله في ذلك حكمة فالنصر مع القلة والضعف ، ليس كالنصر مع الكثرة والقوة وقد مدح الله القلة العاملة وذم الكثرة المتواكلة فقال تعالى :}وقال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئةً كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين{.البقرة 49
كما على القائمين على أمر الله ألا يخشوا إلا الله قال تعالى :}فلا تخشوا الناس واخشون{ المائدة 44 .
وأن تكون رؤيتهم للأحداث منبثقة من فهم الحكم الشرعي والانقياد والتقيد به ، وما يترتب عليه من مسؤولية تجاه المسلمين المظلومين في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين وعلى كل مسلم أن يؤمن أن الدول المعاصرة القوية ليست أكبر من أن تنالها قدرة الله فما هي إلا حلقة من حلقات التاريخ البشري ، يجري عليها ما جرى لغيرها من دول قوية سابقة اتجهت وجهتها وبغت بغيها ، وقد أكد القرآن هذه الحقيقة قال تعالى :}ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدّكر{ القمر 51  
إذن مهما اشتدت قوة دول اليوم فهي ليست أكبر من أن تعاقب ، خصوصاً وأنها تحمل العوامل المؤدية إلى انهيارها من الكفر والظلم والاستكبار والفساد الخلقي والاجتماعي قال تعالى في أمثالهم من الأمم السابقة :}الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب {الفجر 6-8 
أما كم من الزمن يحتاج هذا التغيير ؟ الزمن جزء من العلاج ، ومن المستحيل أن يتحقق ذلك بين عشيةٍ وضحاها ، إذا علمنا أن قدر الله لا يتحقق إلا بمقدار الجهد الذي تبذله الأمة كي تنتقل من الظلمات إلى النور ، والأمة بحاجة وهي تمد يدها إلى ربها لينصرها أن تقيم أحكامه في كل مجالات الحياة ، وإلا فإن زمام العالم سيبقى بين أيدي هؤلاء الجبابرة الذين أذلوا المسلمين ، وما دام المسلمون على هذا الحال فلن يكونوا أهلاً للنصر ولا أهلا للقيادة ، وحتى يكونوا أهلاً لذلك لابد وأن يستجمعوا أسباب السيادة .
قرأت في التاريخ الإسلامي أن هولاكوا دخل بغداد وقتل نحو مليون ونصف من الناس  ثم مضى القرن السابع الذي انهزم فيه المسلمون ، وجاء القرن الثامن الهجري وهم على حالهم ، وما أن جاء القرن التاسع الهجري حتى كان المسلمون يثأرون لأنفسهم مما نزل بهم ، ودخل المسلمون القسطنطينية وجعلوها عاصمة الإسلام ، وهكذا انتصروا عندما صلحت أحوالهم واصطلحوا مع الله ، هناك فارق كبير بين الخليفة الذي قُتل مع قومه في بغداد وبين الخليفة الذي انتصر على أعداء الإسلام وافتتح القسطنطينية ، يقول التاريخ عنه وهو محمد الفاتح ، كان رجلاً صوَّاماً قوَّاماً وكان كثير القراءة للقرآن الكريم ، وقبل أن يموت جمع أولاده وأوصاهم بأن يظلوا مجاهدين لنصرة الإسلام ، ولا يشغلهم شيء عن مرضاة الله . أما  وقد ابتعدت الأمة اليوم عن الإسلام منهجا والجهاد في سبيله طريقا فلن تكون لها الغلبة على أعداء الله ، قال تعالى : } فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا { النساء  90 .


           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق