الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

مفهوم الهجرة


                                        
قال تعالى :{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسِهِمْ قالوا : فيم كُنْتُمْ ؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا : ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنَّمُ وساءت مصيرا}النساء97 . إن الإسلام يحرِّم الاستخذاء على أُمته ، ويحظر عليهم قبول الدنية  والإقامة على الضيم ، لأن من سهل عليه الهوانُ ولان ظهرُهُ للأوزار ، فهو بذلك يرشحُ نفسه للنار وبئس القرار .
وإذا كانت هناك رخصةُ للمسلم أن يهاجر  فليهاجر إلى دارٍ يأمن فيها على دينه ، ويجهر فيها بعقيدته ، ويحيا حياةً إسلامية في ظل شريعة الله  هذه هي الهجرة المعتبرة في الإسلام ، ليست هجرةً للثراء ، أو للنجاة من المتاعب أو هجرةً للذائد والشهوات ، أو لأي عرض من أعراض الحياة ، إنها الهجرة لإقامة شريعة الله في الأرض  وإلى دار تتخذ المنهج الإسلامي ، منهجاً للحياة  لأن الإسلام يحرِّم علينا ، أن نهادنَ قوى الكفر في الأرض ، وأن نعاون على الإثم والعدوان ، قال تعالى :{الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت }النساء 76 .
إن الإسلام يحرِّم علينا أن نمدّ أيدينا إلى الذين يؤذون المسلمين ، ويخرجونهم من ديارهم  ويظاهرون على إخراجهم ، قال تعالى {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم ، وظاهروا على إخراجكم ، أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}الممتحنة 9 . إنها دعوة تحريرية تبدأ في ضمير الفرد ، وتنتهي في محيط الجماعة ، ولا يلبى هذه الدعوة إلا المؤمنون ، الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا ، وذلك يرفع الظلم والبغي عن الأمة .
أما الذين يبصرون الظلم ولا يحركون يداً أو لساناً  ويقصرون أعمالهم على الهمهمة بالأدعية  والتمتمة بالتعاويذ ، منتظرين أن تمطر السماء على الأرض صلاحاً وخيراً ، وحرية وعدلا ، فتلك هي الجريمة وذلك هو الخسران المبين ، لأن الله لا يمكن أن ينصر قوماً لا ينصرون أنفسهم ، ولا يلتزمون بشريعتهم .
إن أناساً هذا حالهم ،لم يعمرِّ الإيمان قلوبهم ، لأنه لو عمرها ، لانقلبوا مجاهدين للبغي والطغيان   ولا يمكن بحالٍ من الأحوال ، أن يمدّ المسلم الذي عمّر الإيمان قلبه للأعداء يدا ، أو يقدم لهم عونا  أو يُهادنَهم ، أو يكف عن حربهم ، وإنه لخائن لدينه قبل أن يكون خائناً لأمته ، كل من لا يعادي ملة الكفر ، ولا يشن عليهم حرباً فيما استطاع ، لأن الله يخاطب عباده قائلاً : {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله}النساء 75 .
نقاتل من اغتصب أرضنا ، واعتدى على مقدساتنا ، وسَخِرَ من عقيدتنا ، نقاتلهم لا نعاهدهُمْ ونصادقهُمْ ونحالفهُمْ ونَقِف لهم رداءاً وسترا .
إن الإسلام يدعونا ، لأن نكون أمناء على تحقيق العدل في الأرض كلها ، والعمل على منع الجور ورد الطغيان ، تحقيقاً لكلمة الله ، وحيثما كان ظلمٌ وبغي ، فالمسلمون مدعوون لدفعه ورفعه   ولا يكون ذلك إلا بتحكيم منهج الله ، وإقامة مجتمع على أساس العقيدة الصحيحة ، الحاكمية فيه لله وحده ، لا لفردٍ ولا لجماعة ، مجتمع ليس للحاكم فيه حقوق زائدة على حقوق بقية أفراد الأمة ، مجتمع ليس فيه أشخاص فوق القانون  فالكل أمام القضاء سواء ، لا فرق فيه بين الإنسان العادي ، أو الأمير أو الوزير لا استعلاء ولا تمييز ، مجتمع يقيم علاقاته الدولية على أساس المسالمة ، والمودة بينه وبين كل من لا يعادونه  ويحارب المعتدين المفسدين الظالمين .
إن ديناً هذا منهجه وهذه سياسته ، يخافونه ويحاربونه ، ويقفون في طريق تحقيق منهجه   الذي يختلف في طبيعته ، وفكرته عن الحياة  ووسائله في تصريفها ، عن النظم المطبقة في كل دول العالم ، والتي لم تحل المشكلات التي تواجه شعوبهم ، وعندما أخذنا قوانينهمْ ومناهجهمْ  ازدادت مشاكلنا وانحرافاتنا ، والتي كثيراً ما يُستفتـى الإسلام فيها ، ويُطلب لها حلولاً ، مما يدعوا للعجب ، أن يستفتـى الإسلام في مشكلات لم ينشئها ولم يشترك في إنشائها .
والغريب أن الذين يستفتون الإسلام ، ناس لا يرضون له أن يحكم وأن يُطبق ، والأغرب من ذلك أجوبة رجال الدين ، حول رأي الإسلام وحكمة ، في تلك الجزئيات وترك الأساسيات  فمالنا بالمشاكل والنظم التي لا تمت إلى الإسلام بصلة ، نظم لا تطبق أحكام الإسلام ، ولا ترضى له أن يحكمها ، فلماذا إذن نطلب حكم الإسلام في هذا الاتجاه ، ونُحرِّمه في اتجاهات أخرى  فالإسلام كلٌّ لا يتجزأ ، فإما أن يؤخذ جملة أو يترك جملة ، لأن الالتزام بأحكام الشريعة كاملة الخير كلُّ الخير للأمة ، أما الترقيع بالشاذ والغريب من أنظمة الكفر ، التي كانت وما زالت الخصمُ الأكبر للأمة الإسلامية ، فهو الصدود عن دين الله الذي نتمنى أن تسير الأمة على خطاه .
هناك فرق بين من هجر دين الله ، وبين من يقاتل لتحقيق منهج الله وإقرار شريعته ، وإقامة العدل بين الناس باسم الله ، اعترافاً بأن الله وحده هو الإله ، ومن ثم فهو الحاكم ، وبين الذين انحرفوا عن المنهج ، يطبقون شريعةً غير شريعة الله  أولئك وصفهم الله بأنهم أولياء الشيطان ، الذين أمر الله المؤمنين أن يقاتلوهم قال تعالى :{فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}النساء 76 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق