الأحد، 26 أكتوبر 2014

عاقبة الإعراض عن ذكر الله


            
قال تعالى : { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا  ونحشرهُ يوم القيامة أعمى }طه 134 .
الناس فريقان ، فريق اهتدى ، وفريق غوى فهوى  فمن تبع هدى الله ، فهو في أمان من الضلال والشقاء ، بإتباع هدى الله .
والشقاء ثمرة الضلال ، وما يضل الإنسان عن هدى الله ، إلا ويتخبط في القلق والحيرة .
 ومن أعرض عن ذكره ، فإن له معيشة ضنكا  ضنك الحيرة والقلق والشك ، ضنك الحرص والحذر ، كما اقتضت مشيئة الله ، أنه حين يغفل الإنسان عن ذكر الله ، يجد الشيطان طريقة إليه  ويصبح له قرين سوء ، يوسوس ويزين له السوء  وإن وظيفة قرناء السوء من الشياطين ، أن يصدوا قرناءهم عن سبيل الله ، فيما يحسبون أنهم مهتدون .
 ألم يتوعد الشيطان الناس بنشر سمومه ، فقال تعالى :{لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم}الأعراف 16 وقال لخالق السماوات والأرض:{لئن أخَّرْتَنِ إلى يوم القيامة لأحتَنِكَنَّ ذريته إلا قليلا}الإسراء 62
أي لأستولينَّ عليهم بالإغواء والإضلال ، فيجيبه الخالق:{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}الحجر42.
كما جاء في الحديث : أن إبليس قال لرب العزة لأغوينهم ، ما دامت أرواحُهم في أبدانهم ، فقال رب العزة : ( وعزتي وجلالي لأغفرنَّ لهم ما داموا يستغفرونني ) .
ويوم تنحرف الإنسانية عن طريق الله ، فإن الشياطين تزين لهم ما يفعلون ، ويصيرون هم لها متبعين  وتقوم بينهم ولاية ، قال تعالى :{إنهُ يراكم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهم ، إنا جعلنا الشياطين أولياء ، للذين لا يؤمنون}الأعراف 27 . أي يُزَينُ الشيطان لهم سوء عملهم ، فيروه حسنا فيصدوا عن سبيل الله قال تعالى :{وزين لهم الشيطان أعمالهم  فصدهم عن السبيل ، فهم لا يهتدون}النمل 24 .        
ثم يقول الله مبيناً الطريقة التي اتبعوها ، والسبيل التي سلكوها فيقول :{ إن الذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ، الشيطان سوَّل لهم ، و أمْلى لهم}محمد 25 . ثم كشف القرآن النقاب ، عن الذين يتخذهم الشيطان أولياء  فيسلكون معه طريق الإغواء ، قال تعالى :{هل أُنبِئُكُم على من تنَزَّلُ الشياطين ، تنَزَّلُ على كل أفّاكٍ أثيم }الشعراء 221 .
إن طلاب الدنيا الساعون لها ، المكذبون بآيات الله ، المعرضون عن ذكره ، دائماً في تعب في الليل والنهار ، والصحة والمرض ، والغنى والفقر  إن أُعطوا في الدنيا طلبوا المزيد ، وإن لم يُعْطوا فيها ، حزنوا وابتأسوا ، وغزا الغَمُّ والهمُّ والنصب والوصبُ نفوسهم . ولو كان لأحدهم واديان من مال لابتغى ثالثاً ، لأن جوف الإنسان لا يملؤه إلا التراب ، ومن هنا جاءت النصيحة الغالية التي يوجهها الله في الحديث القدسي : (ابن آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك ، لا بقليل تقنع  ولا من كثيرٍ تشبع ، إذا كنت معافى في بدنك  آمناً في سربك  عندك قوت يومك ، فعلى الدنيا العفاء ) قولٌ كريم ، وربٌ كريم .
  النفس تجزع أن تكون فقيرةً    والفقر خيرٌ من غنى يطغيها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت     فجميع ما في الأرض يكفيها
إن من أعرض عن ذكر ربه ، وهديه تكون حياته ضنكا ، ويعيش في ضنك ، من يحب خمساً وينسى خمساً ، يحب المخلوق وينسى الخالق  يحب المال وينسى الحساب ، يحب القصور وينسى القبور،يحب الذنوب وينسى التوبة ، يحب الدنيا وينسى الآخرة . ويعيش في ضنك الذي  لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ، ولا من المصحف إلا رسمه . وهمه بطنه ، وقبلته نساؤهُ ، إذا رأى غيره حسده ، وإذا توارى عنه اغتابه .
لقد حذَّرَ الرسول من أمورٍ ، قال في إحداها : ( ولم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها ، إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ، وقال في ثانيها: ولم يمنعوا زكاة أموالهم ، إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدَّة المؤونة وجور السلطان). وقال النبي عليه السلام فيما يرويه عن ربه : ( أنا الله لا اله إلا أنا مالك الملك ، وملك الملوك قلوب الملوك في يدي ، وإن العباد إذا أطاعوني ، حوّلت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة  وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة ، فساموهم سوء العذاب ، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على ملوككم ، ولكن اشغلوا أنفسكم بذكري  والتقرب إليَّ أكفكم ملوككم ) .
 ومن النتائج المترتبة على الإعراض عن ذكـر الله  مصير المعرض يوم القيامة ،كيف يحشر بين الناس  و ماذا يقول وبأي شيءٍ يُرَدُ عليه .
أما النتيجة الأولى فهي قول الله جل وعلا (نُقَيضْ له شيطاناً فهو له قرين ) الزخرف 36 .وأما الثانية {ونحشره يوم القيامة أعمى }طه 124 .
وماذا بعد ذلك قال تعالى :{ ومن يُعرض عن ذكر ربه يسْلُكه عذاباً صعَدا }الجن 17 . أي مشقة لا راحة معها .
وهناك فريق المستقيمين والمعرضين عن ذكر الله .
أما المستقيمين :{تتنـزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا ، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون}فصلت 30 .
وأما المعرضين فيقول قائلهم : {رب أَرْجِعون لعلّى أعمل صالحاً فيما تركت }المؤمنون 100 .
  فيقال له : {كلا إنها كلمةٌ هو قائلها ، ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون }المؤمنون 100  .وإذا نفخ في الصور يقول فريقٌ : {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}يس 52 . أما حال الفريق الثاني:{وجوهٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظره}القيامة 22 .
إن لهذا الضنك ، والعبث الطاغي على شؤون المسلمين في كل أوطانهم ، ولهذا الهوان المضروب عليهم ، سبب واحد لا ثاني له ، هو اتخاذهم القرآن مهجورا ، وإهمالهم لذكر الله في كل أحوالهم  وهجرهم للدّين أمراً وزجراً ووعظاً وذكرا.
إن المسلمين اليوم ، لا ينتفعون بصلاةٍ ولا صوم ولا زكاة ولا حج ، ولا بأي منسك أو عبادة أو عمل مما افترضه الله علينا ، لأن فريقاً منا لا يؤديه إطلاقاً ، والفريق الثاني يؤديه رسمياً لا موضوعاً ولا شكلاً ولا حقيقة ، وقليل جداً هم الصادقون 
إن الإسلام دين النوايا والموضوعات والحقائق  وليس دين الأشكال ، إنه ليس دين النفاق والمنافقين الذين يُخادعون الله وهو خادعهم   وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ، يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا .
إن المسلمين لا يذكرون الله بقلوبهم وعقولهم   وفي أعمالهم ومتاجرهم وأسواقهم ومكاتبهم ومدارسهم ، ولا في سلمهم وحربهم إلا قليلا .
ويوم يذكر المسلمون الله كثيرا ، ويلتزمون الصدق والأمانة والوفاء ، في كل ما يقولون ويعملون  فسيكون لهم من الله عز وجل سلطان  ونور في أبصارهم وأسماعهم وأيديهم وأقدامهم  وهو المعنى الذي جاء في الحديث القدسي : (ما  تقرَّبَ  عبدي  بأحب مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلَّى بالنوافل حتى أحبه   فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استغاثتي لأغيثنه) . ويؤكد القرآن الكريم   حقيقة عواقب الإيمان والتقوى ، والذكر الدائم لله عز وجل ، ببركات من السموات والأرض قال تعالى :{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا   لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}الأعراف 96 
ولو أقمنا القرآن ، عقيدة وشريعة وخلقاً وسلوكا  وذكرنا الله حق ذكره ، لانتصرنا على أعدائنا . ولو أن المسلمين حكَّموا القرآن  وذكروا الله  وتذكروا أمره الجازم ، بألا يتخذوا أعداءهم وأعداء دينهم أولياء ، لما تفرَّق شملهم ولا تصدع كيانهم ، ولا اختلفت كلمتهم ، ولا نزع الله مهابتهم من صدور أعدائهم ، ولا كانوا كغثاء السيل .
وقضية فلسطين مثل حيٌّ على هزيمة المسلمين في معاركهم مع أعداء دينهم ، ومغتصبي أوطانهم وآكلي ثرواتهم ، ولو ذكروا الله بإخلاص   وآمنوا واتقوا لكان النصر حليفهم ،{إن تنصروا الله ينصركم }محمد 7 .
وحين نسي المسلمون ربهم ، أنساهم أنفسهم  وعطلهم عقلياً وجسدياً ، فلم يعد عندهم تفكير سليم ، ولا عمل صالح ، ولا شجاعة عند لقاء العدو، ولا بركة في طلب العلم ، ولم تعد لهم المعرفة الصحيحة لعدوهم وصديقهم ، فاتخذوا الأعداء أولياء ، وهجروا الأقرباء والأصدقاء بل أعلنوا على أهليهم وذويهم وإخوانهم الحرب  يضربُ بعضهم رقاب بعض ، بينما عدوهم الذي اغتصب أرضهم وديارهم وأموالهم ، ينظر إليهم شامتاً متمنياً لهم مزيداً من الفرقة ، والخلاف والتخريب وسفك الدماء ، وعندما نسوا الله نسيهم ، فلم يذكرهم برحمة ولا لطف ، ولا توفيق إلى الخير ولا هداية لأسباب النصر ، فهم في غناهم فقراء ، وفي جماعتهم ضعفاء ، وهم على علمهم جهله    وعلى كثرتهم غثاء .

وحتى تكون للمسلمين مكانتهم المرموقة في العالم  عليهم أن يحسنوا الأعداد ، ويصدقوا النية والعزم لصد الكفر وأهله ، وبالنية الصادقة والتوكل على الله ، وإعداد العدة ينتصر الحق وأهله { ولينصرن الله من ينصره} الحج 40 .                                   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق