قال تعالى : { فمن
اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا ونحشرهُ يوم القيامة أعمى }طه 134 .
الناس فريقان ، فريق
اهتدى ، وفريق غوى فهوى فمن تبع هدى الله
، فهو في أمان من الضلال والشقاء ، بإتباع هدى الله .
والشقاء ثمرة الضلال
، وما يضل الإنسان عن هدى الله ، إلا ويتخبط في القلق والحيرة .
ومن أعرض عن ذكره ، فإن له معيشة ضنكا ضنك الحيرة والقلق والشك ، ضنك الحرص والحذر ،
كما اقتضت مشيئة الله ، أنه حين يغفل الإنسان عن ذكر الله ، يجد الشيطان طريقة
إليه ويصبح له قرين سوء ، يوسوس ويزين له
السوء وإن وظيفة قرناء السوء من الشياطين
، أن يصدوا قرناءهم عن سبيل الله ، فيما يحسبون أنهم مهتدون .
ألم يتوعد الشيطان الناس بنشر سمومه ، فقال
تعالى :{لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم}الأعراف 16 وقال لخالق السماوات والأرض:{لئن
أخَّرْتَنِ إلى يوم القيامة لأحتَنِكَنَّ ذريته إلا قليلا}الإسراء 62
أي لأستولينَّ عليهم
بالإغواء والإضلال ، فيجيبه الخالق:{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}الحجر42.
كما جاء في الحديث :
أن إبليس قال لرب العزة لأغوينهم ، ما دامت أرواحُهم في أبدانهم ، فقال رب العزة :
( وعزتي وجلالي لأغفرنَّ لهم ما داموا يستغفرونني ) .
ويوم تنحرف الإنسانية
عن طريق الله ، فإن الشياطين تزين لهم ما يفعلون ، ويصيرون هم لها متبعين وتقوم بينهم ولاية ، قال تعالى :{إنهُ يراكم هو
وقبيلهُ من حيث لا ترونهم ، إنا جعلنا الشياطين أولياء ، للذين لا يؤمنون}الأعراف
27 . أي يُزَينُ الشيطان لهم سوء عملهم ، فيروه حسنا فيصدوا عن سبيل الله قال
تعالى :{وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم
عن السبيل ، فهم لا يهتدون}النمل 24 .
ثم يقول الله مبيناً
الطريقة التي اتبعوها ، والسبيل التي سلكوها فيقول :{ إن الذين ارتدّوا على
أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ، الشيطان سوَّل لهم ، و أمْلى لهم}محمد 25 . ثم
كشف القرآن النقاب ، عن الذين يتخذهم الشيطان أولياء فيسلكون معه طريق الإغواء ، قال تعالى :{هل
أُنبِئُكُم على من تنَزَّلُ الشياطين ، تنَزَّلُ على كل أفّاكٍ أثيم }الشعراء 221
.
إن طلاب الدنيا
الساعون لها ، المكذبون بآيات الله ، المعرضون عن ذكره ، دائماً في تعب في الليل
والنهار ، والصحة والمرض ، والغنى والفقر
إن أُعطوا في الدنيا طلبوا المزيد ، وإن لم يُعْطوا فيها ، حزنوا وابتأسوا
، وغزا الغَمُّ والهمُّ والنصب والوصبُ نفوسهم . ولو كان لأحدهم واديان من مال
لابتغى ثالثاً ، لأن جوف الإنسان لا يملؤه إلا التراب ، ومن هنا جاءت النصيحة
الغالية التي يوجهها الله في الحديث القدسي : (ابن آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما
يطغيك ، لا بقليل تقنع ولا من كثيرٍ تشبع
، إذا كنت معافى في بدنك آمناً في
سربك عندك قوت يومك ، فعلى الدنيا العفاء
) قولٌ كريم ، وربٌ كريم .
النفس تجزع أن تكون فقيرةً والفقر خيرٌ من غنى يطغيها
وغنى النفوس هو
الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض
يكفيها
إن من أعرض عن ذكر
ربه ، وهديه تكون حياته ضنكا ، ويعيش في ضنك ، من يحب خمساً وينسى خمساً ، يحب
المخلوق وينسى الخالق يحب المال وينسى
الحساب ، يحب القصور وينسى القبور،يحب الذنوب وينسى التوبة ، يحب الدنيا وينسى
الآخرة . ويعيش في ضنك الذي لا يعرف من
الإسلام إلا اسمه ، ولا من المصحف إلا رسمه . وهمه بطنه ، وقبلته نساؤهُ ، إذا رأى
غيره حسده ، وإذا توارى عنه اغتابه .
لقد حذَّرَ الرسول ﷺ
من أمورٍ ، قال في إحداها : ( ولم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها ، إلا فشت
فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ، وقال في ثانيها: ولم يمنعوا زكاة أموالهم ،
إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان
إلا أُخذوا بالسنين وشدَّة المؤونة وجور السلطان). وقال النبي عليه السلام فيما
يرويه عن ربه : ( أنا الله لا اله إلا أنا مالك الملك ، وملك الملوك قلوب الملوك
في يدي ، وإن العباد إذا أطاعوني ، حوّلت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط
والنقمة ، فساموهم سوء العذاب ، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على ملوككم ، ولكن
اشغلوا أنفسكم بذكري والتقرب إليَّ أكفكم
ملوككم ) .
ومن النتائج المترتبة على الإعراض عن ذكـر
الله مصير المعرض يوم القيامة ،كيف يحشر
بين الناس و ماذا يقول وبأي شيءٍ يُرَدُ
عليه .
أما النتيجة الأولى
فهي قول الله جل وعلا (نُقَيضْ له شيطاناً فهو له قرين ) الزخرف 36 .وأما الثانية
{ونحشره يوم القيامة أعمى }طه 124 .
وماذا بعد ذلك قال
تعالى :{ ومن يُعرض عن ذكر ربه يسْلُكه عذاباً صعَدا }الجن 17 . أي مشقة لا راحة
معها .
وهناك فريق
المستقيمين والمعرضين عن ذكر الله .
أما المستقيمين
:{تتنـزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا ، وابشروا بالجنة التي كنتم
توعدون}فصلت 30 .
وأما المعرضين فيقول
قائلهم : {رب أَرْجِعون لعلّى أعمل صالحاً فيما تركت }المؤمنون 100 .
فيقال له : {كلا إنها كلمةٌ هو قائلها ، ومن
ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون }المؤمنون 100
.وإذا نفخ في الصور يقول فريقٌ : {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}يس 52 . أما
حال الفريق الثاني:{وجوهٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظره}القيامة 22 .
إن لهذا الضنك ،
والعبث الطاغي على شؤون المسلمين في كل أوطانهم ، ولهذا الهوان المضروب عليهم ،
سبب واحد لا ثاني له ، هو اتخاذهم القرآن مهجورا ، وإهمالهم لذكر الله في كل
أحوالهم وهجرهم للدّين أمراً وزجراً
ووعظاً وذكرا.
إن المسلمين اليوم ،
لا ينتفعون بصلاةٍ ولا صوم ولا زكاة ولا حج ، ولا بأي منسك أو عبادة أو عمل مما
افترضه الله علينا ، لأن فريقاً منا لا يؤديه إطلاقاً ، والفريق الثاني يؤديه
رسمياً لا موضوعاً ولا شكلاً ولا حقيقة ، وقليل جداً هم الصادقون
إن الإسلام دين
النوايا والموضوعات والحقائق وليس دين
الأشكال ، إنه ليس دين النفاق والمنافقين الذين يُخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ، يراءون
الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا .
إن المسلمين لا
يذكرون الله بقلوبهم وعقولهم وفي أعمالهم
ومتاجرهم وأسواقهم ومكاتبهم ومدارسهم ، ولا في سلمهم وحربهم إلا قليلا .
ويوم يذكر المسلمون
الله كثيرا ، ويلتزمون الصدق والأمانة والوفاء ، في كل ما يقولون ويعملون فسيكون لهم من الله عز وجل سلطان ونور في أبصارهم وأسماعهم وأيديهم وأقدامهم وهو المعنى الذي جاء في الحديث القدسي :
(ما تقرَّبَ عبدي
بأحب مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلَّى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره
الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه
ولئن استغاثتي لأغيثنه) . ويؤكد القرآن الكريم
حقيقة عواقب الإيمان والتقوى ، والذكر الدائم لله عز وجل ، ببركات من
السموات والأرض قال تعالى :{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}الأعراف
96
ولو أقمنا القرآن ،
عقيدة وشريعة وخلقاً وسلوكا وذكرنا الله
حق ذكره ، لانتصرنا على أعدائنا . ولو أن المسلمين حكَّموا القرآن وذكروا الله
وتذكروا أمره الجازم ، بألا يتخذوا أعداءهم وأعداء دينهم أولياء ، لما
تفرَّق شملهم ولا تصدع كيانهم ، ولا اختلفت كلمتهم ، ولا نزع الله مهابتهم من صدور
أعدائهم ، ولا كانوا كغثاء السيل .
وقضية فلسطين مثل
حيٌّ على هزيمة المسلمين في معاركهم مع أعداء دينهم ، ومغتصبي أوطانهم وآكلي
ثرواتهم ، ولو ذكروا الله بإخلاص وآمنوا
واتقوا لكان النصر حليفهم ،{إن تنصروا الله ينصركم }محمد 7 .
وحين نسي المسلمون
ربهم ، أنساهم أنفسهم وعطلهم عقلياً وجسدياً
، فلم يعد عندهم تفكير سليم ، ولا عمل صالح ، ولا شجاعة عند لقاء العدو، ولا بركة
في طلب العلم ، ولم تعد لهم المعرفة الصحيحة لعدوهم وصديقهم ، فاتخذوا الأعداء
أولياء ، وهجروا الأقرباء والأصدقاء بل أعلنوا على أهليهم وذويهم وإخوانهم الحرب يضربُ بعضهم رقاب بعض ، بينما عدوهم الذي اغتصب
أرضهم وديارهم وأموالهم ، ينظر إليهم شامتاً متمنياً لهم مزيداً من الفرقة ،
والخلاف والتخريب وسفك الدماء ، وعندما نسوا الله نسيهم ، فلم يذكرهم برحمة ولا
لطف ، ولا توفيق إلى الخير ولا هداية لأسباب النصر ، فهم في غناهم فقراء ، وفي
جماعتهم ضعفاء ، وهم على علمهم جهله
وعلى كثرتهم غثاء .
وحتى تكون للمسلمين مكانتهم المرموقة في
العالم عليهم أن يحسنوا الأعداد ، ويصدقوا
النية والعزم لصد الكفر وأهله ، وبالنية الصادقة والتوكل على الله ، وإعداد العدة
ينتصر الحق وأهله { ولينصرن الله من ينصره} الحج 40 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق