للإسلام منهجه الخاص
في استقبال الأعياد والاحتفال بها ، وهو في هذا لا يخرج عن طابعه الأصيل الذي يجعل
العبد موصولاً بربه ، في أحوال سروره ، وفترات تطلعه بالاستمتاع بأنعم ربه ، فليس
فيها مجال للتمتع الرخيص ، الذي يقوم على طغيان الشهوة ، وتمرد النزوة وإشباع
الغريزة .
والانحراف عن حدود القصد ، والاعتدال في الأكل
والشرب واللبس ، حتى في الكلمة التي يملأ بها فراغ هذه الأيام المباركة ، فلا بد
من التكبير والتهليل ، ورفع الصوت بالحمد على إتمام النعمة وعلى رأس هذه الأعياد يوم الجمعة ، شرعه الله
لجمع آحاد الأمة ، في لقاء يتجدد عن قرب
حتى تظل الرابطة بين الجماعة المسلمة قوية ومتينة
ولنا عيدان سنويان ، أولهما يربطنا بذكريات بدء
الدين ، وهو عيد بعد صيام رمضان ، الذي ابتدأ نزول القرآن في النصف الثاني منه ،
وثانيهما يومنا هذا عيد النحر ، الذي يذكرنا بتمام الدين حيث نزلت فيه تلك الآية في يوم عرفة ، ( اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت
لكم الإسلام دينا ) المائدة 3 .
ولا بأس في الأعياد من المرح ، واللعب في صورته
المباحة ، والغناء الحسن العفيف . روى البخاري عن عائشة قالت : ( دخل رسول اللهﷺ
علي و عندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش و حوّل وجهه ودخل أبو
بكر فانتهرني
وقال مزمارة الشيطان
عند النبي ﷺ
فأقبل عليه ﷺ
و قال : ( دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا و في رواية قال : يا أبا بكر إن لكل
قوم عيداً وإن اليوم عيدنا ) .
إن أعيادنا الإسلامية الأصيلة ، لا صلة لها
بالأشخاص مهما بلغت منزلتهم ، لا بولادتهم ولا بولايتهم ، ولا بتخليد موقعه من
الوقائع ، أو ذكرى من الذكريات .
إن شعائر أعيادنا ،
لم يطرأ عليها تغيير و لا تحرير نشيدٌ
علويٌ سماوي ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر و لله الحمد ،
وصلاةٌ جامعة محددةُ المعالم ، ثابتةُ الأقوال والأفعال ، وخطبتان مناسبتان .
إن من شعائر الإسلام
في أعيادنا ، التطهر والتزين والتطيب ، ولبس أجمل الثياب ، لأن الرسول ﷺ
أمرنا في العيدين ، أن نلبس أجود ما نجد
وأن نتطيب بأجود ما نجد .
إن أعيادنا الإسلامية أعياد عامه ، لا تصطبغ
بصبغةٍ فرديةٍ ولا محليةٍ ، إنها للصغير والكبير وللأمة قاطبة ، ترتسم الابتسامة
فيها على كل شفة ، تتقارب فيها القلوب على الود ، وتجتمع النفوس على الألفة ،
وَتُطَهَرُ النفوسُ من الضغائن والأحقاد ، وتتصافح الأيدي بعد طول انقباض ويتناسى الناس ما بينهم ، طلباً لرضى الله 2ويقول المسلم لأخيه ما كان يقوله أصحاب
رسول الله ، تقبل الله منا و منك .
والأعياد في الإسلام شُرعت لتأليف القلوب والتقائها في صعيد واحد ، يتبادل فيها المسلمون
التهاني والتعاطف ، والتوادد والتراحم ، ويتقربون من الله بتوزيع الصدقات ، وإطعام
الفقراء والمحتاجين وصلة الأرحام ، حتى يتساوى الجميع أغنياء وفقراء ، في
الاستمتاع ببهجة العيد وفرحته والشعور
بالأخوة الشاملة أيام العيد .
إن هذا اليوم يوم
الخيرات ، وموسم الربح والعطيات ، فلقد أنزل الله على رسوله يوم عرفة (اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة 3 .
2فكان
نزولها للمسلمين عيداً ، فاههنأوا بما أنعم الله عليكم ، وأقيموا شعائر الله بصلاة
عيد الأضحى والتضحية ، امتثالاً لأمر الله {إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر}
واعملوا بسنة نبيكم في الأضاحي ، فما عُبد الله في هذه الأيام بشيءٍ أفضل من إراقة
الدماء .
ولتكن الأُضحية خاليه
من العيوب ، ومن أجود النعم . قال تعالى : {لن تنالوا البرَّ حتى تنفقوا مما
تحبون } وقد جعل الله علامة محبة العيد طاعة الله ، واتباع سنة نبيه (ص ) ،
قال تعالى :{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم
والله غفورٌ رحيم}آل عمران 31 .
وقال (ص ) : ( إنه من يعش منكم بعدي فسيرى
اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا
عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأُمور فإن كل محدثةٍ بدعه وكل بدعةٍ ضلاله )
.
وإن من البدع القبيحة
، والعادات السيئة في الأعياد ، زيارة النساء للقبور ، علماً بأنه لم يثبت قط أن
النبي (ص ) زار قبراً ، بل قال في عيد
الأضحى ، أول ما نبدأ به في يومنا هذا ، أن نصلي ثم نرجع فننحر ، من فعل ذلك فقد
أصاب سنتنا . فما أجمل التضحية وما أعظم شأنها ، إنها رمز الصبر والمصابرة ،
وعلامة الأمن والأمان .
2وما
أحوج المسلمين اليوم إلى الاعتصام بحبل الله
في هذه الظروف التي يعاني فيها المسلمون أشدّ أنواع البطش والاضطهاد ، في
أماكن مختلفة من العالم .
2إن
أيام العيد أيام تسامح وسرور ، فأطعموا الطعام وصلوا الأرحام ، وأكرموا الأرامل
والأيتام وتزاوروا وتصافحوا ، يَذهبُ الغل من قلوبكم اجعلوا من يوم عيدكم ، سبباً للتصافي والتواصل
واعطفوا على الفقراء والمساكين ، وتواصلوا وتواصوا بالحق والصبر .
وكل
عام وأنتم بخير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق