الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

كيف نصنع في دوامة الاقتصاد العالمي؟


المطلوب منا كمسلمين  ، أن لا نقع في الدائرة التي يحددها أعداء الإسلام ، بخصوص الاقتصاد  وأن نحاول جلبهم إلى الدائرة التي حددها الإسلام  وذلك لاختلاف المنظور الاقتصادي الرأسمالي السائد ، عن المنظور الاقتصادي الإسلامي المنشود.
إننا ننطلق من أسس عادلة ، مبنية على الأحكام الشرعية ، المستنبطة من الكتاب والسنة ، أو ما أرشدا إليه من أدلة ، وهم ينطلقون من واقع الدعوة إلى جعل أساس النظام الرأسمالي ، أساسا للتنظيم الاقتصادي ، وجعل الحياة الاقتصادية أساساً للعلاقات بين الناس ، وكان من نتائج هذه الدعوة   ظلم أكثرية الناس وهم الضعفاء  وتركيز الفقر ، ونفي القيم الرفيعة في المجتمع   من منطلق القوة العمياء ، والربح السريع  والاستغلال الفاحش .
إن اقتصادهم يقوم على قانون الغاب ، ويبيح كل أشكال الإبادة  والقتل ، ويصب في خزائن تجار الموت ، وسماسرة السلاح ، وقادة العصابات والجريمة المنظمة .  
إنه اقتصاد قائم على الجور ، ونهب ثروات المستضعفين ، وإذلال الشعوب الفقيرة ، وبث الفرقة بينها  وتوكيل الوكلاء على مصائرها  وقرار الدول الكبرى على طاقاتها ، واسعار مواردها الأولية  وكبرى المصائب ، تتمثل في المصارف العملاقة ، بقروضها ، وفوائدها   ويأتي في قمة المصائب  البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وشركات عالمية أخرى  .
تلك هي مؤسسات النهب والسلب ، وتزويق وجه الباطل ، بمساحيق النظام الاقتصادي العالمي الجديد ، من أجل تسويق الاعتقاد ، بأن العالم يخضع لقانون أبدي خالد ، هو الظلم المتمثل في النظام الرأسمالي ، وتحكم الدول الكبرى ، في مصائر الشعوب .
ففي أحد اجتماعات الدول السبع الأغنى في العالم ، وقد حضرته روسيا ، بمدينة هاليفاكس الكندية ، تلقى صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ، تعليمات من السبع الأغنياء أو المجلس الأعلى للوصاية ، لتشديد الرقابة على اقتصاديات العالم بأسره ، وفرض حراسة مشددة على البلدان النامية ، التي خضعت للتكليف الهيكلي  مقابل إعادة جدولة ديونها السابقة ، وفق الشروط المجحفة ، التي لا تبقي من حقوق السيادة الوطنية ، سوى المظاهر الشكلية .
وقد رافق تراكم الديون على هذه الدول ، حالةً من الركود الاقتصادي ، والتضخم المتسارع والاختلال في الميزان التجاري ، ورافق ذلك ارتفاع متزايد ، لفاتورة الواردات من السلع والخدمات  وانخفاض متزايدٍ ، للصادرات بطريقةٍ مفتعلة ، تتمثل في التلاعب بأسعار المواد الأولية والمضاربة على النفط ، بالتواطؤ مع حلفائهم  من كبار المصدرين للمحروقات أو عن طريق التلاعب بآلية العرض والطلب .
والحقيقة المرة أن البلدان المسماة نامية في نظرهم  تتقدم الآن راكعة ، الواحدةُ تلو الأخرى      أمام الهيئة التنفيذية لصندوق النقد والبنك الدولي  والمنظمة الدولية للتجارة ، لتتلقى التعليمات الملزمة بخصوص المديونية  . لذا تجد هذه البلدان نفسها ، من الناحية الفعلية ، تحت الوصاية المباشرة السياسية والاقتصادية والمالية  للمجلس الأعلى للوصاية الدولية ، المتمثل في مجموعة السبع الأثرياء .
إن فخ المديونية الذي يتردد على أسماعنا ، في الإذاعة والتلفزيون والصحافة ، جزء من مؤامرة التفقير والتجويع والنهب والسلب على أوسع نطاق ، مما أوجد البطالة والكساد ، ثم الاستيراد الإلزامي من البلدان المقرضة ، وبشروطها السياسة والمالية ، والتي تتنافى مع مصالح شعوب تلك الدول .
إن ما يسمى بمقتضيات ومتطلبات الاقتصاد العالمي ، ما هو إلا تكريس للهيمنة على خيرات تلك الدول ، لأقلية عالمية لها وسائل سخرتها لاستمرار المظلمة .
ومن تلك الوسائل ، ما فرضته من ضريبة الكربون على إنتاج البلاد المسلمة من النفط  حتى تخضع لضغوط السوق ، وتقبل بأسعار منخفضة لهذه المادة الحيوية ، وآخر تلك الوسائل القرارات القاضية ، بفرض حصارات لأسباب شتى على بلدان مسلمة ، والمشاركة في دفع التكاليف المترتبة على ذلك  حتى تنهار مُقَدِّراتها
ومنها أيضاً الترويج لمشروع الشرق الأوسط الاقتصادي ، على حساب بلدان عربية مسلمة ويمكن أن يفهم أنهم يروِّجون للسوق ، لإذلال الشعوب المسلمة ، وحصرها في دور الأيدي العاملة ، وتسخيرها للتمويل ،كأنما هي خزائن مال ، وليست شعوباً أصيلة ، لها مجدها وكرامتها .
ويمكن أن تكون إسرائيل هي الأداة المنفذة  والعقل المدبر ، والقلب الاقتصادي الحي ، وما نحن إلا الأذرع الرخيصة  والخزينة المليئة  والأرض المفتوحة ، والسوق المضمونة ، مما يشير إلى أن دار الإسلام ، ستكون لا قدَّر الله  لإسرائيل وحماتها ، أذرعاً تصنع ، وبطوناً تبلع  وصيرَفِّياً يدفع .
والسؤال الذي يطرح نفسه بماذا نواجه هذا الاقتصاد ؟ وما هو البديل ؟
إن الإسلام ينظر في النظام الاقتصادي لا في علم الاقتصاد ، ويجعل الانتفاع بالثروة قائماً    وكيفية حيازة هذه المنفعة ، هي موضوع البحث  ولم يركَّز على إنتاج الثروة ، ولا إلى وسائل المنفعة ، بقدر ما ركَّز حيازتها .
إن سياسة الاقتصاد الإسلامي ، تتمثل في الإشباع الكلي لكل فرد ، كما تمكنه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر ما يستطيع ، بمعنى أن الأساس الذي توضع الأحكام والقواعد الاقتصادية لتحقيقه ليس تنمية الثروة وتكثيرها  إنما هو توزيع الثروة توزيعاً يضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية ، إشباعاً كلياً لكل فرد من أفراد الرعية ، ويمكِّنُ كل فرد منهم من إشباع حاجاته الكمالية .
إن الأساس من وجهة نظر الإسلام ، هو تنظيم توزيع الثروة بحسب القواعد الشرعية ، وليس تنميتها ، وفي الوقت نفسه يحث على الكسب  وطلب الرزق ، والسعي لتحقيق أكبر درجة ممكنة من الرفاهية ، للفرد والمجموع ، لذلك كان السعي لكسب الرزق ، فرضاً على كل مسلم قال تعالى :{فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}الملك 15 . و في الحديث القدسي عن الله سبحانه : ( عبدي حرِّك يدك أنزل عليك الرزق ) .
لقد راعى الإسلام للحصول على المال ، عدم تعقيد الكيفية التي يحوزُهُ بها ، فجعلها بسيطة كل البساطة ، فحدد أسباب التملك ، وحدد العقود التي يجرى بها تبادل الملكية .
لقد تجنب الإسلام تجميد الوضع الاقتصادي  ومساعدة الناس على الربح ، والحيلولة دون وقوع الهزات الاقتصادية ، لذا حدد الإسلام أسباب التملك في النظام الاقتصادي ، كما حدد كيفية تنمية المال ، وحدد النظرة إلى التوازن .
أما أسباب التملك ، فلا يجوز إلا بحدود وصفها الشارع ، فلا يجوز أن تعتمد على شركة غير إسلامية أو عمل غير إسلامي ، ولا يجوز الغش والاحتكار والقمار وغير ذلك ، مما يحد من النشاط الاقتصادي ، ومن حيث التوازن ، هناك الزكاة والركاز والمواريث والوقف ، والإشراف الداخلي والخارجي على التجارة ، مع وجود النقد الذهبي والفضي .
إن المسلمين يسيرون من ضعف إلى ضعف  ويخرجون من جهل إلى جهل ، وهم لا يدرون أو يتجاهلون أن العلة الحقيقية لما هم فيه ، إنما هي الجهل أو التخلي عن الشريعة الإسلامية  وعدم تطبيقها على كمالها وسموها ، ولا يعلمون أن تشبثهم بالقوانين الوضعية الفاسدة ، هو الذي أفسدهم وأورثهم الضعف والذلة والمهانة . ولو عرف المسلمون حق المعرفة واجبهم نحو دينهم وشريعتهم ، لما تأخروا عن العمل لخدمة الشريعة  وتطبيق أحكامها .
إن الأولى بالمسلمين وهم يملكون هذا الزاد الضخم ، أن يكونوا أول من يفئ إلى هذه العقيدة ، وينتفع بما فيها من طاقات .
وأولى بهم ، أن يعودوا إلى مركزهم التاريخي لا أن يكونوا في ذيل القافلة ، وفي استطاعتهم أن يكونوا كذلك ، حين يؤمنون بالله ، ويعملون على تحقيق منهجه في الحياة ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله  ألا بنصر الله تطمئن القلوب .







                  مستقبل الإسلام 

إننا نعيش في بلادٍ إسلامية ، ومجتمعٍ إسلامي يؤمن بالعقيدة الإسلامية ، ولكن لا تحكمه الشريعة ولا النظام الإسلامي ، كما لا وجود فيه للإسلام ولا للحياة الإسلامية .
لماذا ؟ لأنه لا يمكن أن تقوم في الضمير عقيدة  ولا في واقع الحياة ديناً ، إلا أن تتمثل فيه العقيدة كنظامٍ واقعي في للحياة ، بتطبيق شريعة الله  وعدم التشريع بما لم يأذن به الله ، مما يُتَخَذُ من أنظمةٍ وقوانين غير مستمدة من شريعة الله ، ولا يمكن ذلك أيضاً ، إلا إذا كانت ألحا كمية لله  والتي تتمثل في قضائه وقدره ، وشرعه وأمره  .
إن العودة إلى الإسلام ، لا تتم بمجرد وضع تشريعات وقوانين ، ونظم مستمدة من الشريعة الإسلامية ، فلا بد من العقيدة الصحيحة ، التي تفرد الله سبحانه بالألوهية والحاكمية ، وشريعة الله تعني كل ما شرعه الله لتنظيم الحياة البشرية .. وهذا يتمثل في أصول الاعتقاد ، وأصول الحكم ، وأصول السلوك والمعرفة .. ويتمثل في العقيدة والتصور ، كما يتمثل في الأحكام التشريعية ، والقيم والموازين التي تسود المجتمع   وفي هذا كله ، لا بد من التلقي عن الله .    
إن الناظر إلى النصوص القطعية الثبوت ، التي لا سبيل إلى تأويلها ، كقوله تعالى :{إن الحكم إلا لله}  وقوله :{ وأن احكم بينهم بما أنزل الله }  يجد أن الذي يحدد مدلول الدين ، ومفهوم الإسلام  هو الله ، الذي يقرر أنه لا إسلام ولا إيمان ، بغير الإقرار بالحاكمية لله ، وتحقيق منهجه في الحياة .  
وعلى ضوء هذا التقرير الإلهي ، لمفهوم الدين والإسلام ، فإن وجودهما قد توقف ، منذ أن تخلى المسلمون عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية في حياة البشر ، وعن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون الحياة .
إن أعداء هذا الدين ، يعملون على تخدير مشاعر المسلمين ، وإيهامهم أن الناس بخير ، وأن الناس يمكن أن يكونوا مسلمين ، دون أن تحكمهم شريعة هذا الدين ، بل دون أن يعتقدوا أن الحاكمية لله وحده ، علماً بأن الإصرار على ذلك كفرٌ وخروجٌ من هذا الدين .
إننا على ثقةٍ بأن المستقبل لهذا الدين ، وأن التوقف عن العمل بشريعته لن يستمر ، ولن يطول بعون الله ، وسيعود هذا الدين إلى الوجود إن شاء الله ، رغم العقبات القائمة في وجه وجوده الفعلي .
لقد توالت الصدمات التي تعرض لها العالم الإسلامي ، وفي كلِّ مرَّة كانت تعود للإسلام عزَّته ، ويعود له كيانه ، فمن غزوات التتار المدمرة ، إلي الحروب الصليبية ، فقد ظلت الأمة الإسلامية متماسكة قوية ، وقائمة على أصول الدين .
وظل الإسلام يعاني العداء الوحشي،  من الروح الصليبية من ذلك الحين ، ظاهراً ومستتراً وحتى الآن  وقد أصاب العالم الإسلامي ما أصابه ، من العداء الصليبي للإسلام ، والكامن في النفس الأوروبية  وما اللورد أللنبي ، إلا مثلاً لضمير أوروبا كلِّها ، وهو يدخل بيت المقدس ويقول : " اليوم فقط انتهت الحروب الصليبية" . إن هذا العداء نلمسه من أعداء الإسلام ، الذين عملوا ويعملون ، على إقامة الأوضاع التي تسحق الإسلام ، بكل مقوماته العقيدية والحركية في جميع أنحاء العلم .
إن أعداء الإسلام عملوا ، وما زالوا يعملون  على تحطيم قوة الإسلام ، ورغم ذلك فإن روح الإسلام باقية ، فما من حركة سياسيةٍ أو حزبيةٍ في هذا العالم ، إلا ويحسب فيها للإسلام حساب 
إن العودة إلى النظام الإسلامي ، ليست مستحيلة  ولكن ذلك بحاجة إلى جهود غير عادية ، وقبل كل شيء ، بحاجة إلى حماسة في الإيمان به   وصبرٍ على الجهد الشاق الواجب له ، وثقةٍ في ضرورته للعالم الإسلامي ، لا بل للعالم الإنساني كله .
إن التسلح بالإيمان ، هو الطريق الوحيد إلى النصر ، وليس بكثرة الجيوش والحصول على السلاح ، فقد مرَّ المسلمون بتجربة مؤلمة ، أدت إلى هزيمة منكرة ، في ساعاتٍ قلائل ، خلَّفت وراءها أسلحة كالجبال ، وذخائر كالتلال . فلو كانت الجهود تنصب إلى إعداد المؤمنين الصادقين الذين لا يخونون بسلاح ، ولا يدعون السلاح يخونهم ، ويطلبون النصر على الأعداء من الله  بعد اتخاذ الأسباب التي طلبها الإسلام ، لكان النصر حليفهم .
قبل حرب حزيران في أحد الجامعات في لندن  وقف طالب يهودي ، يراهن طلاب الجامعة على إسرائيل قائلاً : سوف نكسب الحرب إذا وقعت  فلما انتهت الحرب وسئل عن أسباب ثقته بما يقول قال : ما دمتم تدعون إلي قومية .. وعروبة .. واشتراكية .. وغير ذلك من الشعارات غير الإسلامية ، فنحن لا نخافكم .. نحن منتصرون .. أما إذا ذكرتم الإسلام ، فإنا نخافكم ، وإن خضتم المعركة على أساسه كنا خاسرين . لقد حدد اليهودي الذي يعي حقيقة المعركة ، معالم على الطريق ، وكأنه يقرأ حديث رسول الله  (ص ) حيث يقول : ( لا زلتم منصورين على أعدائكم ما دمتم متمسكين بسنتي ، فإن أنتم خرجتم على سنتي ، سلط الله عليكم من أعدائكم ، مَنْ يخيفكم فلا ينزع خوفه من صدوركم حتى تعودوا إلي سنتي ) .
فهل تصحو الأمة على هذه الحقيقة ؟؟ فتربي الجيل على القوة ، وتبعث فيه معاني العزة  وأحاسيس الكرامة والإيمان بالله ، والاعتزاز بالتراث ، وتنطلق في إيمان لا يعرف الكفران  وتنظيم لا يعرف الفوضى ، وعلمٍ يمزق ظلمات الجهالة ، وخلقٍ لا يعرف الفجور ، وعزةٍ لا تعرف الذل والمهانة . اللهم أعنهم على ذلك  واجعل النصر حليفهم ، اللهم آمين
          


 

                

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق