المطلوب منا
كمسلمين ، أن لا نقع في الدائرة التي
يحددها أعداء الإسلام ، بخصوص الاقتصاد
وأن نحاول جلبهم إلى الدائرة التي حددها الإسلام وذلك لاختلاف المنظور الاقتصادي الرأسمالي
السائد ، عن المنظور الاقتصادي الإسلامي المنشود.
إننا ننطلق من أسس
عادلة ، مبنية على الأحكام الشرعية ، المستنبطة من الكتاب والسنة ، أو ما أرشدا
إليه من أدلة ، وهم ينطلقون من واقع الدعوة إلى جعل أساس النظام الرأسمالي ، أساسا
للتنظيم الاقتصادي ، وجعل الحياة الاقتصادية أساساً للعلاقات بين الناس ، وكان من
نتائج هذه الدعوة ظلم أكثرية الناس وهم
الضعفاء وتركيز الفقر ، ونفي القيم
الرفيعة في المجتمع من منطلق القوة
العمياء ، والربح السريع والاستغلال
الفاحش .
إن اقتصادهم يقوم على
قانون الغاب ، ويبيح كل أشكال الإبادة
والقتل ، ويصب في خزائن تجار الموت ، وسماسرة السلاح ، وقادة العصابات
والجريمة المنظمة .
إنه اقتصاد قائم على
الجور ، ونهب ثروات المستضعفين ، وإذلال الشعوب الفقيرة ، وبث الفرقة بينها وتوكيل الوكلاء على مصائرها وقرار الدول الكبرى على طاقاتها ، واسعار
مواردها الأولية وكبرى المصائب ، تتمثل في
المصارف العملاقة ، بقروضها ، وفوائدها
ويأتي في قمة المصائب البنك الدولي
وصندوق النقد الدولي وشركات عالمية أخرى .
تلك هي مؤسسات النهب
والسلب ، وتزويق وجه الباطل ، بمساحيق النظام الاقتصادي العالمي الجديد ، من أجل
تسويق الاعتقاد ، بأن العالم يخضع لقانون أبدي خالد ، هو الظلم المتمثل في النظام
الرأسمالي ، وتحكم الدول الكبرى ، في مصائر الشعوب .
ففي أحد اجتماعات
الدول السبع الأغنى في العالم ، وقد حضرته روسيا ، بمدينة هاليفاكس الكندية ، تلقى
صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ، تعليمات من السبع الأغنياء أو المجلس الأعلى
للوصاية ، لتشديد الرقابة على اقتصاديات العالم بأسره ، وفرض حراسة مشددة على
البلدان النامية ، التي خضعت للتكليف الهيكلي
مقابل إعادة جدولة ديونها السابقة ، وفق الشروط المجحفة ، التي لا تبقي من
حقوق السيادة الوطنية ، سوى المظاهر الشكلية .
وقد رافق تراكم
الديون على هذه الدول ، حالةً من الركود الاقتصادي ، والتضخم المتسارع والاختلال
في الميزان التجاري ، ورافق ذلك ارتفاع متزايد ، لفاتورة الواردات من السلع
والخدمات وانخفاض متزايدٍ ، للصادرات
بطريقةٍ مفتعلة ، تتمثل في التلاعب بأسعار المواد الأولية والمضاربة على النفط ،
بالتواطؤ مع حلفائهم من كبار المصدرين
للمحروقات أو عن طريق التلاعب بآلية العرض والطلب .
والحقيقة المرة أن
البلدان المسماة نامية في نظرهم تتقدم
الآن راكعة ، الواحدةُ تلو الأخرى
أمام الهيئة التنفيذية لصندوق النقد والبنك الدولي والمنظمة الدولية للتجارة ، لتتلقى التعليمات
الملزمة بخصوص المديونية . لذا تجد هذه
البلدان نفسها ، من الناحية الفعلية ، تحت الوصاية المباشرة السياسية والاقتصادية
والمالية للمجلس الأعلى للوصاية الدولية ،
المتمثل في مجموعة السبع الأثرياء .
إن فخ المديونية الذي
يتردد على أسماعنا ، في الإذاعة والتلفزيون والصحافة ، جزء من مؤامرة التفقير
والتجويع والنهب والسلب على أوسع نطاق ، مما أوجد البطالة والكساد ، ثم الاستيراد
الإلزامي من البلدان المقرضة ، وبشروطها السياسة والمالية ، والتي تتنافى مع مصالح
شعوب تلك الدول .
إن ما يسمى بمقتضيات
ومتطلبات الاقتصاد العالمي ، ما هو إلا تكريس للهيمنة على خيرات تلك الدول ،
لأقلية عالمية لها وسائل سخرتها لاستمرار المظلمة .
ومن تلك الوسائل ، ما
فرضته من ضريبة الكربون على إنتاج البلاد المسلمة من النفط حتى تخضع لضغوط السوق ، وتقبل بأسعار منخفضة
لهذه المادة الحيوية ، وآخر تلك الوسائل القرارات القاضية ، بفرض حصارات لأسباب
شتى على بلدان مسلمة ، والمشاركة في دفع التكاليف المترتبة على ذلك حتى تنهار مُقَدِّراتها
ومنها أيضاً الترويج
لمشروع الشرق الأوسط الاقتصادي ، على حساب بلدان عربية مسلمة ويمكن أن يفهم أنهم
يروِّجون للسوق ، لإذلال الشعوب المسلمة ، وحصرها في دور الأيدي العاملة ،
وتسخيرها للتمويل ،كأنما هي خزائن مال ، وليست شعوباً أصيلة ، لها مجدها وكرامتها
.
ويمكن أن تكون
إسرائيل هي الأداة المنفذة والعقل المدبر
، والقلب الاقتصادي الحي ، وما نحن إلا الأذرع الرخيصة والخزينة المليئة والأرض المفتوحة ، والسوق المضمونة ، مما يشير
إلى أن دار الإسلام ، ستكون لا قدَّر الله
لإسرائيل وحماتها ، أذرعاً تصنع ، وبطوناً تبلع وصيرَفِّياً يدفع .
والسؤال الذي يطرح
نفسه بماذا نواجه هذا الاقتصاد ؟ وما هو البديل ؟
إن الإسلام ينظر في
النظام الاقتصادي لا في علم الاقتصاد ، ويجعل الانتفاع بالثروة قائماً وكيفية حيازة هذه المنفعة ، هي موضوع
البحث ولم يركَّز على إنتاج الثروة ، ولا
إلى وسائل المنفعة ، بقدر ما ركَّز حيازتها .
إن سياسة الاقتصاد
الإسلامي ، تتمثل في الإشباع الكلي لكل فرد ، كما تمكنه من إشباع الحاجات الكمالية
بقدر ما يستطيع ، بمعنى أن الأساس الذي توضع الأحكام والقواعد الاقتصادية لتحقيقه
ليس تنمية الثروة وتكثيرها إنما هو توزيع
الثروة توزيعاً يضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية ، إشباعاً كلياً لكل فرد من
أفراد الرعية ، ويمكِّنُ كل فرد منهم من إشباع حاجاته الكمالية .
إن الأساس من وجهة
نظر الإسلام ، هو تنظيم توزيع الثروة بحسب القواعد الشرعية ، وليس تنميتها ، وفي
الوقت نفسه يحث على الكسب وطلب الرزق ،
والسعي لتحقيق أكبر درجة ممكنة من الرفاهية ، للفرد والمجموع ، لذلك كان السعي
لكسب الرزق ، فرضاً على كل مسلم قال تعالى :{فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}الملك
15 . و في الحديث القدسي عن الله سبحانه : ( عبدي حرِّك يدك أنزل عليك الرزق
) .
لقد راعى الإسلام
للحصول على المال ، عدم تعقيد الكيفية التي يحوزُهُ بها ، فجعلها بسيطة كل البساطة
، فحدد أسباب التملك ، وحدد العقود التي يجرى بها تبادل الملكية .
لقد تجنب الإسلام
تجميد الوضع الاقتصادي ومساعدة الناس على
الربح ، والحيلولة دون وقوع الهزات الاقتصادية ، لذا حدد الإسلام أسباب التملك في
النظام الاقتصادي ، كما حدد كيفية تنمية المال ، وحدد النظرة إلى التوازن .
أما أسباب التملك ،
فلا يجوز إلا بحدود وصفها الشارع ، فلا يجوز أن تعتمد على شركة غير إسلامية أو عمل
غير إسلامي ، ولا يجوز الغش والاحتكار والقمار وغير ذلك ، مما يحد من النشاط
الاقتصادي ، ومن حيث التوازن ، هناك الزكاة والركاز والمواريث والوقف ، والإشراف
الداخلي والخارجي على التجارة ، مع وجود النقد الذهبي والفضي .
إن المسلمين يسيرون
من ضعف إلى ضعف ويخرجون من جهل إلى جهل ،
وهم لا يدرون أو يتجاهلون أن العلة الحقيقية لما هم فيه ، إنما هي الجهل أو التخلي
عن الشريعة الإسلامية وعدم تطبيقها على
كمالها وسموها ، ولا يعلمون أن تشبثهم بالقوانين الوضعية الفاسدة ، هو الذي أفسدهم
وأورثهم الضعف والذلة والمهانة . ولو عرف المسلمون حق المعرفة واجبهم نحو دينهم
وشريعتهم ، لما تأخروا عن العمل لخدمة الشريعة
وتطبيق أحكامها .
إن الأولى بالمسلمين
وهم يملكون هذا الزاد الضخم ، أن يكونوا أول من يفئ إلى هذه العقيدة ، وينتفع بما
فيها من طاقات .
وأولى بهم ، أن
يعودوا إلى مركزهم التاريخي لا أن يكونوا في ذيل القافلة ، وفي
استطاعتهم أن يكونوا كذلك ، حين يؤمنون بالله ، ويعملون على تحقيق منهجه في الحياة
، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ألا
بنصر الله تطمئن القلوب .
مستقبل الإسلام
إننا نعيش في بلادٍ
إسلامية ، ومجتمعٍ إسلامي يؤمن بالعقيدة الإسلامية ، ولكن لا تحكمه الشريعة ولا
النظام الإسلامي ، كما لا وجود فيه للإسلام ولا للحياة الإسلامية .
لماذا ؟ لأنه لا يمكن
أن تقوم في الضمير عقيدة ولا في واقع
الحياة ديناً ، إلا أن تتمثل فيه العقيدة كنظامٍ واقعي في للحياة ، بتطبيق شريعة
الله وعدم التشريع بما لم يأذن به الله ،
مما يُتَخَذُ من أنظمةٍ وقوانين غير مستمدة من شريعة الله ، ولا يمكن ذلك أيضاً ،
إلا إذا كانت ألحا كمية لله والتي تتمثل
في قضائه وقدره ، وشرعه وأمره .
إن العودة إلى
الإسلام ، لا تتم بمجرد وضع تشريعات وقوانين ، ونظم مستمدة من الشريعة الإسلامية ،
فلا بد من العقيدة الصحيحة ، التي تفرد الله سبحانه بالألوهية والحاكمية ، وشريعة
الله تعني كل ما شرعه الله لتنظيم الحياة البشرية .. وهذا يتمثل في أصول الاعتقاد
، وأصول الحكم ، وأصول السلوك والمعرفة .. ويتمثل في العقيدة والتصور ، كما يتمثل
في الأحكام التشريعية ، والقيم والموازين التي تسود المجتمع وفي هذا كله ، لا بد من التلقي عن الله .
إن الناظر إلى النصوص
القطعية الثبوت ، التي لا سبيل إلى تأويلها ، كقوله تعالى :{إن الحكم إلا لله} وقوله :{ وأن احكم بينهم بما أنزل الله
} يجد أن الذي يحدد مدلول الدين ، ومفهوم
الإسلام هو الله ، الذي يقرر أنه لا إسلام
ولا إيمان ، بغير الإقرار بالحاكمية لله ، وتحقيق منهجه في الحياة .
وعلى ضوء هذا التقرير
الإلهي ، لمفهوم الدين والإسلام ، فإن وجودهما قد توقف ، منذ أن تخلى المسلمون عن
إفراد الله سبحانه بالحاكمية في حياة البشر ، وعن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون
الحياة .
إن أعداء هذا الدين ،
يعملون على تخدير مشاعر المسلمين ، وإيهامهم أن الناس بخير ، وأن الناس يمكن أن
يكونوا مسلمين ، دون أن تحكمهم شريعة هذا الدين ، بل دون أن يعتقدوا أن الحاكمية
لله وحده ، علماً بأن الإصرار على ذلك كفرٌ وخروجٌ من هذا الدين .
إننا على ثقةٍ بأن
المستقبل لهذا الدين ، وأن التوقف عن العمل بشريعته لن يستمر ، ولن يطول بعون الله
، وسيعود هذا الدين إلى الوجود إن شاء الله ، رغم العقبات القائمة في وجه وجوده
الفعلي .
لقد توالت الصدمات
التي تعرض لها العالم الإسلامي ، وفي كلِّ مرَّة كانت تعود للإسلام عزَّته ، ويعود
له كيانه ، فمن غزوات التتار المدمرة ، إلي الحروب الصليبية ، فقد ظلت الأمة
الإسلامية متماسكة قوية ، وقائمة على أصول الدين .
وظل الإسلام يعاني
العداء الوحشي، من الروح الصليبية من ذلك
الحين ، ظاهراً ومستتراً وحتى الآن وقد
أصاب العالم الإسلامي ما أصابه ، من العداء الصليبي للإسلام ، والكامن في النفس
الأوروبية وما اللورد أللنبي ، إلا مثلاً
لضمير أوروبا كلِّها ، وهو يدخل بيت المقدس ويقول : " اليوم فقط انتهت الحروب
الصليبية" . إن هذا العداء نلمسه من أعداء الإسلام ، الذين عملوا ويعملون ،
على إقامة الأوضاع التي تسحق الإسلام ، بكل مقوماته العقيدية والحركية في جميع
أنحاء العلم .
إن أعداء الإسلام
عملوا ، وما زالوا يعملون على تحطيم قوة
الإسلام ، ورغم ذلك فإن روح الإسلام باقية ، فما من حركة سياسيةٍ أو حزبيةٍ في هذا
العالم ، إلا ويحسب فيها للإسلام حساب
إن العودة إلى النظام
الإسلامي ، ليست مستحيلة ولكن ذلك بحاجة
إلى جهود غير عادية ، وقبل كل شيء ، بحاجة إلى حماسة في الإيمان به وصبرٍ على الجهد الشاق الواجب له ، وثقةٍ في
ضرورته للعالم الإسلامي ، لا بل للعالم الإنساني كله .
إن التسلح بالإيمان ،
هو الطريق الوحيد إلى النصر ، وليس بكثرة الجيوش والحصول على السلاح ، فقد مرَّ
المسلمون بتجربة مؤلمة ، أدت إلى هزيمة منكرة ، في ساعاتٍ قلائل ، خلَّفت وراءها
أسلحة كالجبال ، وذخائر كالتلال . فلو كانت الجهود تنصب إلى إعداد المؤمنين
الصادقين الذين لا يخونون بسلاح ، ولا يدعون السلاح يخونهم ، ويطلبون النصر على
الأعداء من الله بعد اتخاذ الأسباب التي
طلبها الإسلام ، لكان النصر حليفهم .
قبل حرب حزيران في
أحد الجامعات في لندن وقف طالب يهودي ،
يراهن طلاب الجامعة على إسرائيل قائلاً : سوف نكسب الحرب إذا وقعت فلما انتهت الحرب وسئل عن أسباب ثقته بما يقول
قال : ما دمتم تدعون إلي قومية .. وعروبة .. واشتراكية .. وغير ذلك من الشعارات
غير الإسلامية ، فنحن لا نخافكم .. نحن منتصرون .. أما إذا ذكرتم الإسلام ، فإنا
نخافكم ، وإن خضتم المعركة على أساسه كنا خاسرين . لقد حدد اليهودي الذي يعي حقيقة
المعركة ، معالم على الطريق ، وكأنه يقرأ حديث رسول الله (ص ) حيث يقول : ( لا زلتم منصورين على
أعدائكم ما دمتم متمسكين بسنتي ، فإن أنتم خرجتم على سنتي ، سلط الله عليكم من
أعدائكم ، مَنْ يخيفكم فلا ينزع خوفه من صدوركم حتى تعودوا إلي سنتي ) .
فهل تصحو الأمة على
هذه الحقيقة ؟؟ فتربي الجيل على القوة ، وتبعث فيه معاني العزة وأحاسيس الكرامة والإيمان بالله ، والاعتزاز
بالتراث ، وتنطلق في إيمان لا يعرف الكفران
وتنظيم لا يعرف الفوضى ، وعلمٍ يمزق ظلمات الجهالة ، وخلقٍ لا يعرف الفجور
، وعزةٍ لا تعرف الذل والمهانة . اللهم أعنهم على ذلك واجعل النصر حليفهم ، اللهم آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق