الأحد، 26 أكتوبر 2014

رمضان واستقبال المودعين

              رمضان واستقبال المودعين
  إذا عمل الإنسان عملاً ، أو زار مكاناً ، أو اجتمع إلى شخص ، واستشعر أثناء ذلك أنه لن يعود إليه مرة أخرى ، فإن هذا الشعور     يضاعِفُ في نفسه شعوراً آخر ، بضرورة اغتنام تلك الفرصة التي قد لا تتكرر؛ ولهذا فإن الصحابة رضوان الله عليهم . لما استمعوا من النبي إلى موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، قالوا : (كأنها موعظة مودع ) أخرجه الترمذي . ومن هنا نستطيع أن ندرك السرَّ في نصيحته لأحد أصحابه عندما قال له :  ( إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودع ) أخرجه ابن ماجة . تعالوا نتصور..رجلاً مخلصاً يصلي ركعات ، يعلم أنه يودع بها الدنيا .. كيف ستكون في تمامها .. في خشوعها.. في شدَّةِ إخلاصها وصدق دعاءها
إن الرسول يعلمنا بهذا الهدي والله أعلم . كيف نتخلص من آفة تحوُّل العبادة إلى عادة ؟ ولماذا لا نستحضر روح الوداع في عبادتنا كلها .. خاصة وأننا إلى وداع في كل حال.. ؟
 وخاصةً أن صلاتنا ليست مهددة وحدها بالتحول من عبادة إلى عادة ؟
إن رمضان يحل علينا ضيفاً مضيافاً ، يكرمنا إذا أكرمناه ، فتحل بحلوله البركات والخيرات ، يُقدِم علينا ، فيقدِّم هو إلينا أصنافاً من الإتحافات والنفحات .. فينعش نفوس المسلمين ويجدد نشاطهم  ويفجر طاقاتهم ، ويصلهم بأجمل ذكرياتهم ، ويدفع بهم إلى العمل الصالح  ويتسامى بنفوسهم إلى أبهج صورها وأسمى كمالاتها ، يشير إلى ذلك ما ورد في الحديث من أنه لو علم المسلمون ، ما لهم من الفضل والكرامة في رمضان ، لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان 
إنه ضيف ، وربما يكون الواحد منا في ضيافته للمرة الأخيرة .. فلماذا لا نخرج بصيامنا من إلف العادة إلى روح العبادة ، في شهرٍ يعتبر فرصةً للخطائين ، يتطهرون فيه من ذنوبهم ، وللطائعين يرتفعون إلى أعلى الدرجات بطاعتهم ، شهرٌ تكثر فيه الخيرات ، وتزداد الطاعات ، إنه شهر صومٍ وصلاةٍ وعبادة ، وذكرٍ ودعاء ، وأملٍ في الله في أن يُعْطي المحروم ، ويتوب على العاصي  ويملأ حياتنا بالخير والبركة ، يستيقظ فيه النائمون  ويتنبه الغافلون ، ويعودُ الآبقون  
شهرٌ نصومه وهم أكثرنا ، أن يبريء الذمة ويؤدي الفريضة ، فلم لا يكن صومنا إيماناً واحتسابا ، ليغفر الله لنا ذنوبنا وهي كثيرة . شهرٌ يحرص الكثيرون فيه على ختم القرآن مراتٍ عديدة ، فلم لا يكون ختمه بتدبرٍ وتأمل  وتجديد العزم على إقامة حدوده ، والتزام منهجه ، قبل قراءته . نسعى فيه إلى اختيار الصوت الأجمل في قراءة الإمام ، والحرص على الجماعة ، فلم لا يكن سعينا إلى الصلاة الأكمل .
نخصُ رمضان بالتوسعة على النفس والأهل بأطيب الأطعمة والألبسة ، فلم لا تشمل هذه التوسعة الأسر المحتاجة ؟ لعظم فضلها في هذا الشهر . لحديث انس قال : سُئلَ رسول الله ( ص ) أي الصدقة أفضل ؟ قال:(صدقةٌ في رمضان) رواه الترمذي
وقد دعا رسول الله ( ص ) إلى إكثار النفقة والتوسعة على الفقراء ، وأخبر أن ثوابها كثواب النفقة في سبيل الله ، من حيث تكثير الأجر وتكفير الوزر ، روى ابن أبي الدنيا أن رسول الله ( ص ) قال :  (انبسطوا في النفقة في شهر رمضان ) فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله )      
لقد جعل الله لبغض الأزمنة حرمةً ، كما جعل لبعض الأماكن حرمةً ، وكما ينبغي ألا تهتك حرمةٌ المكان ، فكذلك حرمةُ الزمان ، ولرمضان حرمةٌ ، ولأيامه منزلة ، وللياليه قدسيةٌ ، فمن أخلَّ بتلك الحرمة ، والمنزلة القدسية ، في الزمان المحرم كرمضان ، كان كمن أخلَّ بها في المكان المحرَّم كالمسجد الحرام ، قال عليه السلام :  (رمضان شهر الله الحرام ) أخرجه مسلم . فلرمضان حرّمةً في ليله ونهاره  ولكنَّ  كثيراً من الغافلين المحرومين ، يصومون عن المباح في نهاره  ويسهرون على الحرام في لياليه .
وأبرز الأمثلة على ذلك الحرمان ، من يُضيِّعون صلاة القيام في هذا الشهر المبارك ، حتى لا تضيع عليهم الحلقات ، والمسلسلات التلفزيونية  كغيرهم من الغافلين والغافلات ، فلا يكتفون بفقدان الثواب ، بل يفقدون معه المروءة يلتهون عن التشمر للشهر ، بالتسمر أمام ما يبث من أنواع الخلاعة والعهر ، التي يُخَصُّ بها هذا الشهر الكريم ، وكأن الشياطين تنتهي من حشد تلك المسلسلات قبل أن تسلسل في رمضان  فتنصرف إلى محابسها ، تاركةً لشركائها من شياطين الإنس ، أن يُضَيِّعوا على الناس فضيلة هذا الشهر ، والثواب الذي أعده الله لمن صامه وقامه ، ومن حرم فضيلة هذا الشهر ، فقد حرم الخير والأجر ، وصدق رسول الله ( ص ):(لا يُحْرَمُ خيرها إلا محروم) رواه ابن ماجة .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق