الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

مفهوم الجهاد والسلم


قال تعالى :{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ، ويكون الدين كله لله}الأنفال 39 . وقال :{ إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير}الأنفال 73 .
إن الإسلام ليس مجردَ مجموعةٍ من العقيدة الكلامية ، وجملةٍ من المناسك والشعائر ،كما يفهم من معنى الدين في هذه الأيام . إنه نظامٌ كليٌ شامل ،  يقضي على سائر النظم الباطلةِ الجائرةِ في العالم ويقطعَ دابرها ، ويستبدلَ بها نظاماً صالحاً ومنهاجاً معتدلاً خيراً للإنسانية منها  ذلك لأن فيه نجاةً للجنس البشري ، من أدواءِ الشرِّ والطغيان ، وفيه السعادة في الدنيا والآخرة .
إنه نظامٌ يشمل الدين والدنيا ويدعو البشر جميعاً إلى كلمة الله وإلى الوقوف عند حدوده ، ويمنعهم أن يطغوا في الأرض ، ويوجههم الى الدخول في كنف حدود الله التي حددها لهم ، وإلى أن يكفّوا أيديهم عما نها الله عنه ، ويحذرهم من أن يسلموا أمرهم لغيردين الله ، فإن أسلموا لأمر الله ودانوا لنظام الحق والعدلِ الذي أقامه للناس ، فذلك خيرٌ وبركه ، ولهم الأمنُ والدعة والسلام ، لأن الإسلام لا يعادي أحدا ، وإنما يعادي الجور والفساد والفحشاء ، وإن وجد مظلوم فمن الواجب أن يُنْتصر له ، وتُسْتَرد له حقوقه المغصوبة ، التي استبد بها الطغاةُ بغياً وعدواناً  وبهذا نطق القرآن {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين}النساء 75 .
إن الإسلام يوجب على الجماعة المسلمة أن تدفع بالقوة من يتعرض لها بالأذى والفتنة ، ضماناً لحرية العقيدة ، وكفالةِ الأمن لمن هدى الله  وإقراراً لمنهج الله في الحياة ، وتحطيماً للقوى التي تعترض طريق الدعوة ، وفي حدود هذه المبادئ كان الجهاد في الإسلام ، يأمر به ويُقِره ويُثيبُ عليه ، ويعتبرُ الذين يقتلون فيه شهداء .
لذلك كان لابد للإسلام من نظام ، ولا بد له من قوة ، حتى تكون له هيبته وصولته في نفوس أعدائه ، وفي الدفاع عن معتنقيه ، وتوفير الأمن والحماية لهم ، وفي هذا الصدد يقول على بن طالب رضي الله عنه : " أما بعد فإن الجهاد بابٌ من أبواب الجنة ، فتحة الله لخاصة أوليائه ، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة ، وجُنتّه الوثيقة  فمن تركة رغبة عنه ، ألبسة الله ثوب الذُل وشَمْلةَ البلاء " .
إن الواقع الفاسد المنحل الذي تعيشه مجتمعاتنا هذه الأيام يؤلمنا ، بعد أن وقفنا لا نقوى على دفع القضاء وردِّ البلاء ، والذود عن كرامتنا ومستقبل أمتنا ، حيث يبني أعداؤنا ونهدم  ويدنسون مقدساتنا ويحتلون أرضنا ، ويشردون ويضايقون أهلنا ، بالمطاردة والتجويع والسجن  ولا حيلة لنا أمام صلفهم وكبريائهم ، إلا أن نلقاهم بالشعارات والمهاترات ، ونزيف الدم العربي بالأيدي العربية ، حتى أصبحنا نَلمْسُ بأن أبناء ديننا ، يقومون بوظيفة أعدائنا ، في الملاحقة والاعتقال والسجن ، إرضاءً لرغبة عدونا وخدمةً له .
إن أعداءنا يخططون لعشراتٍ من السنين القادمة ونحن نجترُّ مآسينا ، ولا عمل ولا تخطيط ، حتى أصبحت أُمتنا ضائعةً مشلولة مفككة الأوصال  لأنها تنكرت لماضيها ، وأنكرت حاضرها ولعنت مستقبلها ، لدرجة أن الكوارث والأزمات أصبحت ، لا تحرك همةً ولا تثير عزيمة ، لقهر العدوّ الجاثم على أرضنا ، فلماذا لا نجمعُ قوانا ونعبئ طاقاتنا ، ونوحِدُ صُفُوفنا ونعلن الجهاد في سبيل الله ، ونستعلي على مِتَع الدنيا ، ونستخِفُ بوعيد العدو لوعيد الله .
قيل لأعرابي : أيما أحبُ اليك أن تلقى الله ظالما أو مظلوما ؟ قال : ظالما قيل له ويحك ولم ؟ قال ما عذري إذا قال لي ربي خلقتك سوياً قويا فلم لا تستعد ؟ .
وكان الواحد من السلف يخرج وحده للقاء جيش بكامله ، فيخشى علية صَحْبُه من هلاكٍ مؤكد  فيجيئونه بابنه ، عسى أن يراه فيحن اليه فيثنيه عن عزمه ، أتدرون ماذا كان يقول ؟ هل يتخاذل أو يتقاعس ؟ أم يختلق لنفسه المعاذير؟  وهل يتخلف عما يراه جهاداً في سبيل الله ؟ لا إنه ليس بهذا ولا ذاك ، بل كان يقول لمن جاءوه بابنه رجاء أن يثنوه عن حلمه الذي يعيش من أجله ويموت من أجله "والله يا قوم إني إلى طعنةٍ نافذةٍ  أتقلب فيها على كعوب الرماح ، احبُّ إليَّ من ابني ".
والله لقد عقمت أمة المائة مليون أن تخرِّج لنا عدداً من أمثال هؤلاء ، ولو وُجِدَ أمثالهم لما كنا نذِلُ لإسرائيل ، ولما كنا نأكلُ خزياً ونشربُ هوانا ، ونتزاحمُ تحت أقدام الأعداء ، نستجدي مساعدتهم وعطفهم ، وإسرائيل تضرب بعرض الحائط ، بالقرارات والإدانات الصادرة من هنا وهناك ، فطمعت فينا أمم الأرض ، وما قيمة هذه الكثرة العربية المسلمة ، إذا كانت كثرة بلاء وجُفاء وهباء ؟  ثم ما جدوى الفئة الكبيرة الجاحدة ، إزاء الفئة الصغيرة المؤمنة المتراصّة ؟ .
ألا نحس بالصغار والدونية عندما تغلبت فئتنا القليلة على دولتي الفرس والروم ، يوم كنا نعوذ بإيماننا من غلبة الذل ، ونجاهد في سبيل الله ، ثم يصير حالنا إلى ما نحن فيه .
ألا يُخزينا أننا أبناء أولئك الذين وضعوا نصب أعينهم ، أن يجاهدوا لإعلاء كلمة الحق ، ونحن المائة مليون ونملك من الأموال أموال قارون   نَقبلُ بعذاب الخزي في الحياة الدنيا . إن ما نراه من تفتت مجتمعنا بين يمين ويسار وتقدمي ورجعي ، وبين من يرون قضايانا تجارةً وانتفاعاً  وبين من يرونها قدرا‍ً ومصيرا ، وبين من يجعلونها سلعة في سوق المساومات الدولية ، ومن  يعتنقونها مبدءاً وغاية . الأمر الذي يضعنا أمام قدرٍ محتوم وتحد مخيف ، فإما أن نكون فقدنا القدرة على البقاء ، وإما أن نصمد بطاقاتنا الكامنة ، وحوافزنا الروحية ، ومقوماتنا الحضارية  لذا كانت معركتنا مع عدونا خاسرة ، لأن منا من  تنكر لإسلامه وتآمر عليه مع المتآمرين .
إن الناظر إلى المجتمعات الإسلامية ، يجد أن سبب الكوارث التي حلت بها ، ترجع إلى التيارات الحاقدة ، والتي تذل أمام عدوها وتستأسدُ على شعوبها ، في الوقت الذي فقدت فيه القدرة على مواجهة مسؤولياتها . فهي مجتمعات ممزقة متفرقة  والعدو الجاثمُ على أرضنا بخير، بل ويُشْغَلُنا عن مواجهتة بأمورٍ جانبية ،كمؤتمرات السلم والسلام  ورياضة كأس العالم ، بدل الإعداد للجهاد والقتال الذي هو جزء من ديننا وإيماننا وعماد وجودنا ، على العكس مما يفعله أعداؤنا .
إن طبيعة السلام في الإسلام ليس سلاماً بالمعنى الذي يفهمونه ، بترك القتال على حساب المبادئ التي أرادها الله في الأرض لبني الإنسان ، وهذا ما حذَّرنا الله منه فقال :{فلا تهنوا وتدعوا إلى الله السلم وانتم الأعلون والله معكم }محمد 35 .
قال الأعلون لأن المسلمين يمثلون الصورة العليا للحياة ، والتي لا بد لها من النصر ، حين يؤمنون بها تحقيقاً لوعد الله { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} وقوله تعالى:{ولينصرن الله من ينصره إن الله لقويٌ عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}الحج 40 .
   إن حملة الإسلام في جهاد دائم لا ينقطع أبدا  لتحقيق كلمة الله في الأرض ، وهم مكلفون ألا يهادنوا قوى الطاغوت على وجه هذه الأرض  وألا يفتروا عن مجاهدتها ما استطاعوا ، وألا يعاونوها ويقفوا في صفها بحال من الأحوال قال تعالى:{ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق