قال
تعالى :{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ، ويكون الدين كله لله}الأنفال 39 . وقال :{
إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير}الأنفال 73 .
إن
الإسلام ليس مجردَ مجموعةٍ من العقيدة الكلامية ، وجملةٍ من المناسك والشعائر ،كما
يفهم من معنى الدين في هذه الأيام . إنه نظامٌ كليٌ شامل ، يقضي على سائر النظم الباطلةِ الجائرةِ في
العالم ويقطعَ دابرها ، ويستبدلَ بها نظاماً صالحاً ومنهاجاً معتدلاً خيراً
للإنسانية منها ذلك لأن فيه نجاةً للجنس
البشري ، من أدواءِ الشرِّ والطغيان ، وفيه السعادة في الدنيا والآخرة .
إنه
نظامٌ يشمل الدين والدنيا ويدعو البشر جميعاً إلى كلمة الله وإلى الوقوف عند حدوده
، ويمنعهم أن يطغوا في الأرض ، ويوجههم الى الدخول في كنف حدود الله التي حددها
لهم ، وإلى أن يكفّوا أيديهم عما نها الله عنه ، ويحذرهم من أن يسلموا أمرهم
لغيردين الله ، فإن أسلموا لأمر الله ودانوا لنظام الحق والعدلِ الذي أقامه للناس
، فذلك خيرٌ وبركه ، ولهم الأمنُ والدعة والسلام ، لأن الإسلام لا يعادي أحدا ،
وإنما يعادي الجور والفساد والفحشاء ، وإن وجد مظلوم فمن الواجب أن يُنْتصر له ،
وتُسْتَرد له حقوقه المغصوبة ، التي استبد بها الطغاةُ بغياً وعدواناً وبهذا نطق القرآن {وما لكم لا تقاتلون في
سبيل الله والمستضعفين}النساء 75 .
إن
الإسلام يوجب على الجماعة المسلمة أن تدفع بالقوة من يتعرض لها بالأذى والفتنة ،
ضماناً لحرية العقيدة ، وكفالةِ الأمن لمن هدى الله وإقراراً لمنهج الله في الحياة ، وتحطيماً للقوى
التي تعترض طريق الدعوة ، وفي حدود هذه المبادئ كان الجهاد في الإسلام ، يأمر به
ويُقِره ويُثيبُ عليه ، ويعتبرُ الذين يقتلون فيه شهداء .
لذلك
كان لابد للإسلام من نظام ، ولا بد له من قوة ، حتى تكون له هيبته وصولته في نفوس
أعدائه ، وفي الدفاع عن معتنقيه ، وتوفير الأمن والحماية لهم ، وفي هذا الصدد يقول
على بن طالب رضي الله عنه : " أما بعد فإن الجهاد بابٌ من أبواب الجنة ، فتحة
الله لخاصة أوليائه ، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة ، وجُنتّه الوثيقة فمن تركة رغبة عنه ، ألبسة الله ثوب الذُل
وشَمْلةَ البلاء " .
إن
الواقع الفاسد المنحل الذي تعيشه مجتمعاتنا هذه الأيام يؤلمنا ، بعد أن وقفنا لا
نقوى على دفع القضاء وردِّ البلاء ، والذود عن كرامتنا ومستقبل أمتنا ، حيث يبني
أعداؤنا ونهدم ويدنسون مقدساتنا ويحتلون
أرضنا ، ويشردون ويضايقون أهلنا ، بالمطاردة والتجويع والسجن ولا حيلة لنا أمام صلفهم وكبريائهم ، إلا أن
نلقاهم بالشعارات والمهاترات ، ونزيف الدم العربي بالأيدي العربية ، حتى أصبحنا
نَلمْسُ بأن أبناء ديننا ، يقومون بوظيفة أعدائنا ، في الملاحقة والاعتقال والسجن ،
إرضاءً لرغبة عدونا وخدمةً له .
إن
أعداءنا يخططون لعشراتٍ من السنين القادمة ونحن نجترُّ مآسينا ، ولا عمل ولا تخطيط
، حتى أصبحت أُمتنا ضائعةً مشلولة مفككة الأوصال لأنها تنكرت لماضيها ، وأنكرت حاضرها ولعنت
مستقبلها ، لدرجة أن الكوارث والأزمات أصبحت ، لا تحرك همةً ولا تثير عزيمة ، لقهر
العدوّ الجاثم على أرضنا ، فلماذا لا نجمعُ قوانا ونعبئ طاقاتنا ، ونوحِدُ
صُفُوفنا ونعلن الجهاد في سبيل الله ، ونستعلي على مِتَع الدنيا ، ونستخِفُ بوعيد
العدو لوعيد الله .
قيل
لأعرابي : أيما أحبُ اليك أن تلقى الله ظالما أو مظلوما ؟ قال : ظالما قيل له ويحك
ولم ؟ قال ما عذري إذا قال لي ربي خلقتك سوياً قويا فلم لا تستعد ؟ .
وكان
الواحد من السلف يخرج وحده للقاء جيش بكامله ، فيخشى علية صَحْبُه من هلاكٍ مؤكد فيجيئونه بابنه ، عسى أن يراه فيحن اليه فيثنيه
عن عزمه ، أتدرون ماذا كان يقول ؟ هل يتخاذل أو يتقاعس ؟ أم يختلق لنفسه
المعاذير؟ وهل يتخلف عما يراه جهاداً في
سبيل الله ؟ لا إنه ليس بهذا ولا ذاك ، بل كان يقول لمن جاءوه بابنه رجاء أن يثنوه
عن حلمه الذي يعيش من أجله ويموت من أجله "والله يا قوم إني إلى طعنةٍ نافذةٍ
أتقلب فيها على كعوب الرماح ، احبُّ إليَّ
من ابني ".
والله
لقد عقمت أمة المائة مليون أن تخرِّج لنا عدداً من أمثال هؤلاء ، ولو وُجِدَ
أمثالهم لما كنا نذِلُ لإسرائيل ، ولما كنا نأكلُ خزياً ونشربُ هوانا ، ونتزاحمُ
تحت أقدام الأعداء ، نستجدي مساعدتهم وعطفهم ، وإسرائيل تضرب بعرض الحائط ،
بالقرارات والإدانات الصادرة من هنا وهناك ، فطمعت فينا أمم الأرض ، وما قيمة هذه
الكثرة العربية المسلمة ، إذا كانت كثرة بلاء وجُفاء وهباء ؟ ثم ما جدوى الفئة الكبيرة الجاحدة ، إزاء الفئة
الصغيرة المؤمنة المتراصّة ؟ .
ألا
نحس بالصغار والدونية عندما تغلبت فئتنا القليلة على دولتي الفرس والروم ، يوم كنا
نعوذ بإيماننا من غلبة الذل ، ونجاهد في سبيل الله ، ثم يصير حالنا إلى ما نحن فيه
.
ألا
يُخزينا أننا أبناء أولئك الذين وضعوا نصب أعينهم ، أن يجاهدوا لإعلاء كلمة الحق ،
ونحن المائة مليون ونملك من الأموال أموال قارون
نَقبلُ بعذاب الخزي في الحياة
الدنيا . إن ما نراه من تفتت مجتمعنا بين يمين ويسار وتقدمي ورجعي ، وبين من يرون
قضايانا تجارةً وانتفاعاً وبين من يرونها
قدراً ومصيرا ، وبين من يجعلونها سلعة في سوق المساومات الدولية ، ومن يعتنقونها مبدءاً وغاية . الأمر الذي يضعنا
أمام قدرٍ محتوم وتحد مخيف ، فإما أن نكون فقدنا القدرة على البقاء ، وإما أن نصمد
بطاقاتنا الكامنة ، وحوافزنا الروحية ، ومقوماتنا الحضارية لذا كانت معركتنا مع عدونا خاسرة ، لأن منا
من تنكر لإسلامه وتآمر عليه مع المتآمرين
.
إن
الناظر إلى المجتمعات الإسلامية ، يجد أن سبب الكوارث التي حلت بها ، ترجع إلى
التيارات الحاقدة ، والتي تذل أمام عدوها وتستأسدُ على شعوبها ، في الوقت الذي
فقدت فيه القدرة على مواجهة مسؤولياتها . فهي مجتمعات ممزقة متفرقة والعدو الجاثمُ على أرضنا بخير، بل ويُشْغَلُنا
عن مواجهتة بأمورٍ جانبية ،كمؤتمرات السلم والسلام ورياضة كأس العالم ، بدل الإعداد للجهاد والقتال
الذي هو جزء من ديننا وإيماننا وعماد وجودنا ، على العكس مما يفعله أعداؤنا .
إن
طبيعة السلام في الإسلام ليس سلاماً بالمعنى الذي يفهمونه ، بترك القتال على حساب
المبادئ التي أرادها الله في الأرض لبني الإنسان ، وهذا ما حذَّرنا الله منه فقال
:{فلا تهنوا وتدعوا إلى الله السلم وانتم الأعلون والله معكم }محمد 35 .
قال
الأعلون لأن المسلمين يمثلون الصورة العليا للحياة ، والتي لا بد لها من النصر ،
حين يؤمنون بها تحقيقاً لوعد الله { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}
وقوله تعالى:{ولينصرن الله من ينصره إن الله لقويٌ عزيز الذين إن مكناهم في
الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله
عاقبة الأمور}الحج 40 .
إن حملة الإسلام في جهاد دائم لا ينقطع أبدا لتحقيق كلمة الله في الأرض ، وهم مكلفون ألا
يهادنوا قوى الطاغوت على وجه هذه الأرض وألا يفتروا عن مجاهدتها ما استطاعوا ، وألا
يعاونوها ويقفوا في صفها بحال من الأحوال قال تعالى:{ولا تعاونوا على الإثم
والعدوان}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق