تبليغ الدعوة إلى
الله وطاعته واجبٌ في الإسلام ، والإرشاد إلى الخير منهاج أهل الحق وأهل
الإيمان الذين يصلحون أنفسهم ثم يحاولون
إصلاح غيرهم ، وإعداد النفس هذا معروفٌ من قوله تعالى : ) إن الذين
قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( وبعد إعداد النفس
هذا تأتي المرتبة التالية بدعوة الآخرين إلى الهدى والخير قال تعالى : ) ومن أحسن
قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ، لا تستوي الحسنة ولا
السيئة ادفع بالتي هي أحسن
(فصلت 34
لا أحد أحسن حالاً
ممن اتخذ الإسلام ديناً ومنهجاً ومذهبا ، ودعا إلى توحيد الله وعبادته وطاعته والآية ترسم منهج الداعية إلى الله بالصبر
على الإساءة الموجهة إليه وعدم مقابلتها بالغضب والإيذاء بالمثل وأن يدفع بالتي هي
أحسن ابتغاء مرضاة الله ، وحرصاً على روابط الأخوة الإيمانية بين المؤمنين وفيها ترغيب للدعاة إلى الله بالصبر على الأذى
لأن كل من يأمر بالحق يؤذى ، فأمروا بمقابلة الإساءة بالإحسان والذنب بالعفو
والغضب بالصبر والحلم قال تعالى:) ادفع
بالتي هي أحسن ( فمن أساء إليك
ادفعه عنك بالإحسان إليه قال عمر بن الخطاب : " ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع
الله فيه " .
وقال ابن عباس في
تفسير الآية ، أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند
الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه وليٌ حميم ،
وقال : " ادفع
بحلمك جهل من تجهّل عليك " وجاء في نهج البلاغة للإمام علـي " احصد الشرّ من صدر غيرك بقلعه من صدرك
" . وقال يحي بن معين : " ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته وأحببت
أن أزيّن أمره وما استقبلت رجلاً في وجهه
بأمرٍ يكرهه ، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه ، فإن قبل ذلك وإلا تركته "
نفهم من هذا أن توجيه النصيحة أو تصحيح الأخطاء ينبغي أن يكون باللين والستر لا
بالتشفي والتعيير والفضيحة . ومن الخير للإنسان أن يلقى ربه بإحسان الظن بإخوانه
والتماس العذر لهم وليس بالقيل والقال
والأخذ بالظنة . والقاعدة تنص : " على أن
الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع "
. ومن يطلب الحق يقبله من كل الناس ويغفر لهم ما سوى ذلك ، ولا يلتفت إلى التوافه
التي تفسد على المرء دينه قال أبو عبيدة : " من شغل نفسه بغير المهم أضرّ بالمهم "
. فمن يصبر على إساءة المسيء ولا يقابل سفاهته بالغضب ولا الإيذاء بالمثل وينصحه برفق يكون سبباً في تحويل الأعداء إلى
أصدقاء ) ادفع بالتي هي أحسن فإذا
الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم ( .
ولا يدفع السيئة بالحسنة إلا من صبر على كظم الغيظ واحتمال المكروه ، ومع أن الصبر
شاقٌ على النفوس ولكنه على الطاعات وعن الشهوات جامعٌ لخصال الخير كلها ، وهذه
الوصية لا يتقبّلها إلا ذو نصيبٍ وافر من السعادة في الدنيا والآخرة وذو حظٍ عظيم
في الثواب قال تعالى : ) وما
يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظٍ عظيم ( .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق