بدعوى
حماية سكان إقليم كوسوفا والدفاع عن حقوق الإنسان ، قامت أمريكا بالضربات الجوية
ضد الصرب ، رغم الصمت المريب على المذابح والإنتهاكات التي تتم ضد هؤلاء السكان
منذ عشر سنوات تقريباً ، كما فعلت أمريكا وحليفاتها مع العراق ، عندما وجدت فرصتها
السانحة بدعوى تحرير الكويت ، لتدمير العراق وبنيته العسكرية ، وبدعوى توفير
الحماية والأمن ودرء الخطر العراقي نهبت أموال الخليج .
كما
أن المأساة هي نفسها ، التي مارسها اليهود في فلسطين والتي لم تتوقف حتى اليوم ،
فما زالت الأخبار تروي لنا كيف تهدم الجرافات البيوت في فلسطين ، كما أن الأنباء
تروي لنا ممارسات اليهود ضد الفلسطينين من الإعتقال والتعذيب والطرد .
إن
أشدَّ ما نخشاه هو أن خطر التهجيرالذي لاقاه شعب فلسطين ، قد يواجه لاجيئي
كوسوفا وأن إفراغ كوسوفا من أهلها ،
سيتيح للصرب إعادة ترتيب الأوضاع وتغْييرها ، كما حدث تماماً في فلسطين ، عندما
انشغل المعـنيون يومها بتوفير الخيام للمهاجرين من فلسطين ، بدلاً من إعدادهم
ومساعدتهم في إستراد ديارهم وأرضهم التي سلبت منهم بالقوة ، وحُرِمَ الكثير منهم
من العودة إلى بلادهم حتى اليوم .
وتتكرر
المأساة مع شعب كوسوفا حيث يتفرق نساؤه وأطفاله في بقاع مختلفة من الأرض ، كما لا
نتوقع عودة الكثير منهم إلى ديارهم ، بل إننا نخشى أن يندمجوا في تلك المجتمعات
الجديدة ويذوبوا فيها .
وهذه
مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المسلمين في العالم لمنع تكرار المأساة ، لأن مسلمي
البلقان جزء من الأمة الإسلامية ، لذا فإن قضيتهم هي من قضايا الأمة ، وليست قضايا
شعوب منفصلة عن الأمة وعلينا واجب النصرة ، وواجب النصرة هذا يجب أن يتعدى الحماسة
والإنفعال النفسي إلى ضرورة الفهم والتدبر والتصبر في السباق المحيط لهذه المأساة
، وما يتطلبه هذا الفهم من مواقف تتعدى الإغاثة الإنسانية ، وهنا يمكن الإشارة إلى
بعض الملاحظات المتعلقة بتاريخ منطقة البلقان وتوازناتها ، وما تقدمه لنا من أنماط
متكررة طوال القرنين التاسع عشر والعشرين بصفة خاصة .
إن
تاريخ الأزمات الكبرى التي تصادمت فيها الدولة العثمانية في مرحلة ضعفها وشعوب
البلقان والتي لعبتها الدول الكبرى يومها ، والذي أدى إلى أمور أساسية ، منها تعرض
منطقة البلقان لإعادة تشكيل لتوازناتها في المراحل الإنتقالية التي يمر بها النظام
الدولي ، مما يجعل المنطقة نفسها وعمليات إعادة تشكيلها ، ساحةً مهمةً وأساسيةً
لاختيار التوازنات الأوروبية بصفة عامة ، وحول المنطقة بصفة خاصة ، آخذين بعين
الإعتبار الكيفية التي تشكل فيها مصير البلقان وشعوبها تحت وطأة نتائج الحروب السابقة في تلك المنطقة وبحلول قسّرية تفرض طبيعتها ، حالةُ التوازنات
الكبرى ، وليس حمايةً لحقوق المصير أو منعاً لانتهاكات حقوق هذه الشعوب ، التي
تتعرض وخاصةً مسلميها من اليوسينين والألبان إلى موجات متتالية من التنكيل
والتهجير ، فاقت ما تعرضت له غيرها من الشعوب
فكما
أن تحالف القوى غير المسلمة مع الدولة العثمانية في مواجهة روسيا ، كان تحالفاً تكتيكياً
وليس لحماية المصالح الإستراتيجية للطرف المسلم
حيث أدت هذه التحالفات في النهاية إلى التصفية التدريجية للدولة العثمانية
، وإستقلال شعوب البلقان في دولة مستقلة والذي لم يوفّرْ الإستقرار إلى المنطقة ،
بقدر ما وضع بذور التفجير المتكرر طوال القرن الحالي .
ولهذا
فإن تدخل الناتو تحت مبرر حماية البان كوسوفا ، ليس إلا تكتيكاً لن يكون في الأجل
الطويل لصالح وجودهم المستقر في المنطقة ، بقدر ما هو خدمة لمصالح إستراتيجية كبرى
لا علاقة لها بحماية هوية البان كوسوفا ، أو حماية وطنهم أو حتى حمايتهم من الفناء
والتشتت ، في ظل واحدة من اسوأ مآسي ما يسمى بالتطهير العرقي في التاريخ المعاصر .
ومن
هنا فإننا بحاجةٍ ماسةٍ الى المنهج الإسلامي لإقامة التجمع الإسلامي على آصرة
العقيدة وحدها ، والذين يعدلون عنه الى أي منهج آخر يقوم على أي قاعدةٍ أُخرى من القوم أو الجنس أو
الطبقة هم المعنيون بقوله تعالى :{قل :
هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً . الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم
ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقبم لهم يوم القيامة وزنا ، ذلك جزاؤهم جهنَّم بما
كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا}الكهف 103 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق