إننا
نعيش في وقت فقدنا فيه العملية الفكرية الصحيحة
التي ترشدنا إلى السبيل الناجح لقتال عدونا وتحقيق النصر ، وبدلاً من أن
نكون أمةً واحدة ودولة واحدة أصبحنا بسبب
الفراغ العقائدي دويلات متناقضة ممزقة الأوصال مشتتة الشمل ، وهو ما تحبه إسرائيل
التي كان همها وما يزال أن تجعل العرب أقل ارتباطاً بدينهم ، لتسهيل السيطرة عليهم
، وتحويلهم إلى قطيع سائب في خدمتها ، لذا نلاحظ أن كثيراً من المسلمين في هذه
الأيام فقدوا النظر إلى اليهود نظرة عداء ، ونظرة إلى ما جرى ويجري على الساحة ،
نرى أن اليهود يقتلون وفئة منا تقابلهم باللقاءات والمفاوضات ، هم ينتهكون الحرمات
والمقدسات ويسفكون الدماء ويقطعون الأشجار ويرِّعون الشيوخ والنساء والأطفال ليل
نهار وفئة منا تسعى لعقد اتفاق أمني معهم
لبناء الثقة آملين أن يحل الوئام محل
الخصام وغاب عنها في هذه الدوامة التي تطحن
بلا كلل ولا ملل ، أن ذلك نوعاً من المتاجرة بالدماء الزكية الظاهرة ، وبذلها
رخيصة في أسواق التفاوض ، التي تعتبر ترويع اليهود لأهلنا في فلسطين ، ثمناً
لتحسين شروط المفاوضات وتوفير الأمن والأمان لليهود ، حتى يقبلوا بالعودة إلى
طاولة المفاوضات ، يرقصون على أنغام لجنة ميتشل ، وقطاع كبير من ولاة أمر المسلمين
تصفق لهم ، وكأن ميتشل جاء بالنصر المبين ، علماً بأن مقترحاته تعتبر تراجعاً عما
حصلوا عليه في المفاوضات السابقة ، إنها أسوء من سابقتها ورغم ذلك يتغنون بها
لأنها تقول بعدم ضم أراضي جديدة للمستوطنات ، مقابل ضمان الأمن لليهود وكأن قضية
فلسطين اقتصرت على قضية عدم بناء مستوطنات جديدة ، والاكتفاء بما هو قائم ناسين أن
فلسطين قضية إسلامية ، ورقبتها مملوكة للمسلمين ، لا يملك أحد التنازل عن شيء منها
. ومتناسين أن الثأر ضريبة دم وأن الجهاد في سبيل الله حتم ، حين تهدر الكرامة
وتهان الحرمان وتداس المقدسات ، وكل ما فعله المسؤولين لاستعادة الحق والكرامة ،
الخطابة بدل التخطيط ، والكلام بدل الفعل ، والكراهية بدل المحبة ، فأصبحت
انتصاراتنا خطباً مسرحية لا أفعالاً حقيقية ، وبيانات كاذبة لا مروءة ولا تضحية
ولا إيثار ونظرةً إلى أحوالنا ، وما يحيط
بنا في كثيرٍ من بلاد المسلمين ، نلمس واقعاً مؤلماً حيث السرقات والتهريب
والتخريب ، ومؤتمرات مؤامرات ، ومناورات
ومساومات وتنازلات تجر علينا
الهزائم ، وأساطير انتصارات ، نصنعها لإسرائيل
والكل يدعو إلى السلام والاستسلام ، والاستخذاء والركوع ، مع تنوع الأساليب
والأشكال والأهداف.
هذا
هو واقعنا ، فكل الأنظمة ، فريسة لأبطال السمسرة والتهريب ، والرشوة واستغلال
النفوذ والإثراء غير المشروع ، أما
الشرفاء الذين يتحملون تبعات الحاضر ، وأمانة المستقبل ، فلا مكان لهم في مفاوز
الزلفى و النفاق , و مفاسد الأخلاق . .
وإذا
كان هذا هو واقعنا ، فلم لا نلتزم بعقيدتنا
ونحتكم إلى شريعتنا ، التي تعطينا القدرة على إيجاد الحلول النهائية
لمشاكلنا ، وألا نكتفي بأن تتضمن الدساتير مادةً ، تقول إن دين الدولة الإسلام
، ثم نكتفي من الإسلام بشهادة ميلاد وانتماء اجتماعي فقط لا غير ولا نعتنق من مفاهيم
ديننا شيئا ، ولا نطبق من أحكام شريعتنا الغراء ، الكثير أو القليل .
إن
قوتنا الحقيقية تكمن في عزمنا وتصميمنا
على الجهاد والاستشهاد في سبيل الله لاسترجاع الأرض والمقدسات ، من عدونا الذي جار
وبغى ، لذا أمر الله بمقاتلته فقال تعالى : ) واقتلوهم حيث
ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم
(
.
نقاتلهم
من أجل استرداد الأرض وحماية العرض والشرف ، وهذا لا يكون إلا بالرجوع إلى الإسلام
ورفع راية الجهاد .
إن
دول الكفر تسعى إلى الانتقام من أمة الإسلام وتدميرها ، وقد ذكروا ذلك في صحفهم
فقالوا إنهم انتقموا لهزيمتهم أمام صلاح الدين زمن الحروب الصليبية مرتين الأولى :
عندما كانوا وراء مصطفى كمال للقضاء على الخلافة ، والثانية : عندما زرعوا الكيان
الصهيوني في فلسطين ، قالوا ذلك تصريحاً لا تلميحا ، هكذا فعلوا من قبل ، وهكذا
تفعل لجانهم اليوم ، لتثبيت الكيان الصهيوني في فلسطين ، وضمان الأمن ولهدوء له ،
واتخاذ خطوات من شأنها بناء الثقة مع اليهود والإقرار بكيانهم .
كما
تسعى هذه الدول إلى تعكير أجواء الأمةِ
بالسفاهةِ والتفاهة ، وإن العملاء
يفلسفون الهزيمة بألف تحليل و تحليل ، من المبررات الكاذبة البراقة خشية عودة الأمة إلى أصولها والى إيمانها ، الذي
لو تسلح به القادةُ الذين تولوا قيادة جيش الأمة ، أثناء هزيمة الذل لما طغت إسرائيل وبغت .
إن
الأنظمة التي تقوم على إبعاد الدين والعقيدة
عن المواجهة مع أعدائها ، يكثر فيها الخونة والعملاء ولم لا ، وهم لا
يؤمنون بالله ، ولا يقيمون وزناً لمبادئ شريعته ويفضلون
متاع الدنيا ، وشهوة الجاه الرخيص ، والطموح السخيف ، على الكرامة والنخوة والجهاد
.
إن
قوة العدو ، لم تكن أمراً خارقا ، بل كانت الخيانات هي الخوارق التي ليس لها
نظير ولم تكن أسطورة نصر عدونا تفوقاً
معجزا ، بل كانت انعكاساً للواقع الأَسود الذي نعيش . وهنا نتساءل : هل اتعظنا ؟
وهل أيقظتنا العبر ؟ كلا ، وألف كلا .
فالملهاة تختلط بالمأساة ،كانت وما تزال ، والممثلون هم الممثلون ...والمناخ ما
يزال مهيأً اليوم كما كان مهيأً بالأمس ، نراوح مطارحنا في انتظار
فرج الله والمعركة بعد طويلة ، بيننا وبين
أعدائنا ، ومنطق الرفض الإيجابي ، مع المناجزه المستمرة والجهاد الموصول ، الذي
يدعو إليه ديننا من الصدق والإخلاص ، الذي
يقوم على مبدأ التنافي بين العرب والإسلام من جهةٍ ، وبين اليهود وأعوانهم منن
جهةٍ أخرى ، فلا سبيل إلى المهادنة أو المصالحة أو التنازل أو الاستسلام . روى
التاريخ أن قتيبة بن مسلم الباهلي أثناء فتوحاته في منطقة بخارى ، قد ظفر بأحد
مجرمي العدو الذين كانوا يجيِّشون الجيوش ضد المسلمين ، فحاول هذا المجرم أن يفدي
نفسه ، فعرض ألف ألف من نقدهم ، وكان مبلغاً كبيراً جداً في نظر المسلمين ، حتى
أشار بعضهم على قتيبة أن يقبل الفداء لكن
قتيبة أبى أن يقبل الفدية وقال قولته : والله لا تروَّع بك مسلمةً أبدا وأمر به
فقتل . هذا هو الدواء الناجع لقادة العدو ومجرميه ، أن تتحرك جيوش المسلمين للقضاء
عليهم .
إن
طريق النجاة ، لا ولا يمكن ، أن تكون إلا بالعودة إلى الله ، وبما أن الإسلام قد
جاء بشريعةٍ متكاملة تصلح لكل زمان ومكان
، وهو الذي يقف في مواجهة سفه الصهيونية وجشع
الرأسمالية . فان معركته هي معركة المصير الإنساني ، وإن أعمى البصيرة وحده هو الذي يرضى بواقع هذه الأمة التي قال فيها عمر بن الخطاب : "كنا أذل
قومٍ ، فأعزنا الله بالإسلام" .
إن
هذا العالم الفاجر الظالم الغادر المنحرف
عن المسار الصحيح ، لا ينقذه إلا الإسلام فقد
شهد العالم تغيرات كثيرة ، باسم شعارات متعددة ، ولكن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ
، لأن كل تغييرٍ لاينبثقُ من خلال عقيدة وإيمانٍ صحيح ، فإنَّ مصيره إلى زوال أو إلى مزيدٍ من المعاناةِ والآلام . لأن التغيير
المنشود ، لا يتم إلا عن طريق تغيير بنية
المجتمع كلها من الأساس إلى القمة ، أما أن يكون البعض أسياداً والبعض عبيدا
والبعض جائعا والبعض متخما ، فإن ذلك يتنافى مع مبادئ ديننا وعقيدتنا .
وهنا
سؤال : ما هو حكم المتعاملين مع الأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله ؟
في
هذه الحالة يمكن أن نكون في مقام التعليم ، لا في مقام إصدار الأحكام على الناس لأن جاهلية المجتمع ترجع إلى الحكم بغير ما أنزل الله ، وهذه تشمل
كل الناس الذين يُحْكَمون بهذه القوانين ، بما في ذلك الدعاة إلى الله ، والحكم
عليهم كما بين رسول الله
ﷺ مستمدٌ من موقفهم هم ، من رضي بها فهو منها ، ومن أنكرها فله حكم خاص لقول رسول الله ( ص) في الحديث الذي رواه مسلم ( فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع ) . أما حكم تقلد الوظائف في ظل هذه الأنظمة ، فإن الأصل لمن ينكرون الحكم بغير ما أنزل الله ، أن يكونوا في مواقع بعيده عن ضغط الحكم لأن الوظيفة كلما قربت من السلطان فقد بعد موقع المسلم منها بالضرورة .
ﷺ مستمدٌ من موقفهم هم ، من رضي بها فهو منها ، ومن أنكرها فله حكم خاص لقول رسول الله ( ص) في الحديث الذي رواه مسلم ( فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع ) . أما حكم تقلد الوظائف في ظل هذه الأنظمة ، فإن الأصل لمن ينكرون الحكم بغير ما أنزل الله ، أن يكونوا في مواقع بعيده عن ضغط الحكم لأن الوظيفة كلما قربت من السلطان فقد بعد موقع المسلم منها بالضرورة .
وما
أروع قول ذلك الحكيم : " في صُحبة
السلطان خطران : إن أطعته جازفت بدينك وإن عصيته جازفت بنفسك ، والخير ألا
تقربْه ولا يقرَبُك " .
إن
المعركة مع أعداء الإسلام طويلة وشاقه ، لذا ينبغي على الفئة التي تقوم بهذا العبء
أن تُربى لتكون طويلة النفس ، شديدة الصبر
، عميقة الإيمان بالله ، عميقة التوكل عليه
مستعدة لما يتطلبه أمرها من المعاناة
قادرةٌ على أن تبذل من نفسها ، من جهدها ومالها ودمها وفكرها ، ما يحتاج
إلى إزالة الغربة التي ألمت بالإسلام ، ليعود مرَّةً أخرى راسياً في الأرض ، وحين
تكون هناك القاعدة المطلوبة لإعادة حكم الله في الأرض ، فإنه يمَكِّنُ لدينه
بمشيئته سبحانه ، قال تعالى : )
وعد
الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ، وليكنن لهم دينهم
الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ( .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق