الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

لا بد من القوة لمواجهة العدو


روى أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله e يقول وهو على المنبر ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة  ،  ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ) . وجاء في حديث آخر عن عقبة أن رسول الله e قال : ( ومن علمه الله الرمي فتركه رغبه عنه فنعمة كفرها رغبة عنه )  أي كراهيةً فيه ، وكفرها أي جحدها ، فقد جاء الخطاب بالرمي في زمنه ، أما في العصر الحديث فيدخل في معناه ما استحدث الآن من الرمي بالبنادق والمدافع والقنابل ونحوها   وكل ما يُحَدَّث من آلات القتال في كل زمان ومكان ، لأن الآية تدل على وجوب صنع الآلات الحربية ، ففي زماننا يكون بصنع المدافع والدبابات والطائرات والسفن الحربية المدرعة والغواصات ، والدلالة على وجوب صنعها لا شرائها مصنوعة من الأعداء ، وفي الآية ما يدل على وجوب تعلم العلوم والفنون والصناعات التي يتوقف عليها ذلك ، وما أصابنا التأخر والانحطاط وطمع بنا الأعداء إلا لأننا أهملنا هذه المهمات  ولم نعد العدة التي ترهبها قوى الكفر فتخشى من مهاجمة دار الإسلام ، والإسلام يدعو المسلمين لأن يتخذوا للنصر عدته حتى يمنعوا الأعداء من الاعتداء على الإسلام والمسلمين قال تعالى:}  وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم { الأنفال 60 .
فالاستعداد بما أمكن فريضة تصاحب فريضة الجهاد ، والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها و أسبابها ، حتى يُرْهِبَ المسلمون  أعداء الله وأعداء دار الإسلام ، التي تحميها القوة التي تحفظ المجتمع الإسلامي من الفوضى ، وتردع الطغاة الأقوياء من التلاعب بحياة الناس واستغلالهم ، لأن وجود قوة في قبضة أهل الحق والعدل ، تردع بها أهل الظلم والباطل  وتخضعهم لحكم الله وشريعته .
أما وقد غابت هذه القوة فإن حربهم الملعونة على الأمم المستضعفة في مشارق الأرض ومغاربها مستمرة ، فجاسوا خلال الديار يبحثون عن أسواق لبضائعهم وأرض لقواعدهم العسكرية  والهيمنة على الدول وثرواتها ، وما تنتجه أراضيهم لتكون غذاءً لشعوبهم ، ومواد خام لمصانعهم ومعاملهم ، يبحثون عن ذلك وبين أيديهم الدبابات وفوق رؤوسهم الطائرات التي تقذف بقنابلها ، ووراء ظهورهم الألوف من العساكر المدربة يقطعون على  البلاد سبل رزقها ، وعلى أهاليها الوادعين طريقهم إلى الحياة الكريمة  يريدون بذلك أن يهيئوا وقوداً لنيران مطامعهم الفاحشة التي لا تزيدها الأيام إلا التهاباً   ويكفي مثالاً على هذه القوة التي تملكها أمريكا  وتستغلها في الاعتداء على الشعوب الضعيفة ، والسلب والنهب دون رادع وزاجر إلا نضال الشعوب العزلاء ، كما يجري في فلسطين هذه الأيام .
يقول نيكولاس سبيكمان في كتابه الإستراتيجية الأمريكية في السياسة العالمية يقول :"مسموح لنا نحن الأمريكيين بكل أشكال الجبر والقسر بما فيها حروب الدمار ، أن نملي أرادتنا ونفرضها بالقوة على الذين لا قوة لهم " . 
ويقول ليو ويلتش الأمريكي : " واجبنا أن نحقق زعامتنا الإيجابية بالقوة على العالم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، ولا ينبغي أن يكون ذلك إلى أجل مسمى ، إنه واجب أبدي لا يجوز التفريط فيه " .
ولا سرّ لهذا التعاظم من أعداء الله والجهر بالعدوان على عياله وعباده من غير مبالاة ، إلا عدم الخوف والرهبة من القوة الرادعة ، التي تجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الباطل هي السفلى  وأما عن سذاجتنا وبله رجالنا فحدِّث ولا حرج  فقد وصل الحال إلى تحريف الكلم عن مواضعه  فسمعنا من يقول ما لنا وللقتال إنما نحن دعاة ومبشرين ندعو إلى دين الله دين الأمن والسلامة والدعة بالحكمة والموعظة الحسنة ، لسان حالهم نبلِّغ كلام الله تبليغ الرهبان والدراويش ، ونجادل من يعارضنا بالخطب والمقالات والتصريحات والإدانات ، وأما الجهاد والقتال فلا يفكر فيه ولاة أمور المسلمين ، الذين تنازلوا عن الجهاد رسمياً في مؤتمر دكار ، واقتصر الجهاد عندهم بمواصلة المطالبة بالحقوق باللسان والقلم ، أما المدافع والدبابات والطائرات وغيرها من الآلات فهم أحق بها وهم أهلها ما لنا ولها فكانت النتيجة كما نرى ونسمع ، أن نصَّبوا أنفسهم المسيطرون على الأمم والشعوب ، يأمروا بالذي يريدون ويفعلوا ما يشاءون ، فكان ذلك مبعث الفساد في الأرض الذي تفجَّرت منه ينابيع الشرِّ والطغيان 
وما ذلك إلا لأنهم علموا أن الأمة تخلّت عن الجهاد واستبعدته من حساباتها ، وكم أقلقهم وأخافهم وأرهبهم اندفاع الشباب الإستشهادي الذي لبى نداء الواجب ، ساخراً من الدنيا وزينتها وزخرفها ، طامعاً بالثواب العظيم الذي أعده الله للمجاهدين . روى أحمد في مسنده عن عتبة بن عبد الله السُّلمى قال : قال رسول الله e : ( القتلى ثلاثة ، رجل مؤمن قاتل بنفسه وماله في سبيل الله   حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل ، فذلك الشهيد المُفْخَرَ من الفخر _ في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة  ورجل مؤمن قَرَفَ -أي عليه ذنوباً أرتكبها- على نفسه من الذنوب والخطايا ، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقْتَلْ ، مُحيت ذنوبه وخطاياه )
إن النـزاع مع إسرائيل قد يطول سنين ، وإني على يقين بأن توقف هذه الحرب متوقف على قدر ما يثوب المسلمون إلى رشدهم ، ويعودوا إلى دينهم ، فلو فرضنا جدلاً رجوع المسلمين إلى دينهم اليوم ، فإن النصر على اليهود سيكون غدا 
إن لسان الحال يدل على أن المسلمين لا يعتبرون قضية فلسطين إسلامية ، لأنهم ابتعدوا عن الإسلام ، واستمروا في تعاونهم مع أعداء الدين  رغم أنهم يعلمون أن الحرب مع إسرائيل لن تنتهي  بل ربما قامت لإسرائيل إمبراطورية على حساب أراضٍ أخرى مجاورة ، وإن أي نصر لإسرائيل لا ولم يكن فخراً لها ، بقدر ما كان هذا الانتصار خزياً لنا ، وإن ما يجري في فلسطين يدل على أن الموضوع ليس موضوع استئصال شعب بقدر ما هو محاولة للإجهاز على الدين الإسلامي وإحلال دينٍ آخر ، هذه هي حقيقة المعركة ، ومن اجل ذلك تدعم أمريكا إسرائيل ، وتدافع عنها  وتتعصب لها وترسل إليها الأسلحة ، وهي بدورها تضرب بها الفلسطينيين ، وها هو شعبنا يتحدى إسرائيل ويصبر على مواجهة مكرها ومؤامراتها ، ويمضي في تحديها ، بالجهاد البطولي الذي لم نر أشرف ولا أزكى ولا أطهر منه  والذي لم نشهد له مثيلاً في العصر الحاضر ، إنهم رجال لا يملكون ما يوجعون به عدو الله غير أجسادهم ، يواجهون بها ترسانة التسلح الإسرائيلي ، في الوقت الذي يقف العرب والمسلمون منهم موقف المتفرج ، لأنهم يعيشون في هذه الدنيا لأنفسهم لا لربهم ، بل لا يفكرون في مرضاته أو ضبط سلوكهم وفق هداياته .
وأخيراً وليس آخراً فإن حبل الجهاد يطول والامتحان يتكرر ، ولا بد لأهل الحق من الثبات قال تعالى : } ولَنبْلُوَنَّكم حتى نعلم المجاهدين منكم { محمد 31 .

وإن ما يجري على يد هذه الفئة المؤمنة بشارة من بشائر النصر والظفر على أعداء الله  ولن يحبطها الله ولا يبطلها ، ولن يسلبهم حلاوتها ، ولن يحرمهم ثوابها إن شاء الله وصدق الله الذي قال : } ولن يتركم أعمالكم { محمد 35 .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق