الاثنين، 27 أكتوبر 2014

فرض الصيام


قال رسول الله في خطبة له آخر شعبان من السنة الثانية للهجرة : ( أيها الناس لقد أظلكم شهر عظيم مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليلة تطوعاً ؟!
لقد فُرِضَ الصيام في المدينة بعد هجرة المسلمين إليها، لأن العهد المكي كان عهد تأسيس العقائد  وترسيخ أصول التوحيد ، وتدعيم القيم الإيمانية والأخلاقية ، في العقول والقلوب ، وتطهيرها من رواسب الجاهلية ، في العقيدة والفكر والخلق والسلوك .
أما بعد الهجرة إلى المدينة ، فقد أصبح للمسلمين كيان وجماعة متميزة ، تنادى بـ( يا أيها الذين أمنوا ) فشرعت عندئذٍ الفرائض . وحدت الحدود ، وفصلت الأحكام ، ومنها الصيام ، ولم يُشرع في مكة إلا الصلوات الخمس ، لما لها من أهمية خاصة ، وكان ذلك في ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة .
إن علينا أن نحافظ على هذه العبادات ، لأن الله سبحانه شرعها لتهذيب الأخلاق ، وترقيق العواطف لذا يمكن أن نقول ، بأن العبادات تغير عادات الإنسان ، من الأسوأ إلى الأحسن ، أي أنها تسمو بالإنسان ، وترقى به إلى مدارج الكمال ، وتنزله في الآخرة منازل الأبرار الصالحين .
 وشهر رمضان له لون فريد ، يميزه عن بقية العبادات الأخرى ، وذلك لأن الصيام يقوي الإرادة كما أن الإنسان وهو صائم ، يستطيع أن يُغَيِّرَ من العادات السيئة ، التي تعود عليها في غير رمضان .     والصيام لم يُفْرضْ ليكون سبباً في عذاب النفس ، وإنما فرض لتكون أيامه خيراً  تسكن فيها ثائرة النفس ، ويهدأ توتر الأعصاب  وينضم العبد مع جند الله الصالحين ، ليكون مع الأطهار الأبرار فيصلي صلاة القيام ، ويقرأ القرآن  ويخشع لله ، ويذكر لله ليذكره .
 أما الصائم الذي يلوك بلسانه عرض المسلمين  ويتتبع بعيونه حرمات المؤمنين ، فهذا نذكره بقول الصادق الأمين: ( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ).
إن الصيام مدرسة منهجها تقوية العزيمة ، وتغيير السلوك من السيئ إلى الأحسن ، وربط الإنسان بخالقه ، وحسن صلته بالناس ، لينعم بأجر الصائمين ، وبفوز برضا رب العالمين . والصوم فريضة لها قدر كبير بين الفرائض ، إنها العبادة الوحيدة التي يترك فيها الصائم حظوظ نفسه  وشهواتها الكثيرة التي جبلت عليها ، ولا يتحقق ذلك في عبادة أخرى .
والأمل من الله أن يكون هذا الشهر مباركاً  بإحياء معاني الإسلام في النفوس ، وإعمار القلوب بالإيمان . وأن يكون منا سبة عظيمة لتحريك الهمم ، والشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتق هذه الأمة  لتدفع عن هذا الدين ، ما أحاط به من الشرور والفتن . وتعمل على الدفاع  عن مبادئ الإسلام والمسلمين ، من المؤامرات التي تحاك خيوطها في ظلمه الليل ووضح النهار . قال تعال: {وما لكم لا تقاتلوا في سبيل الله }النساء 75 .
فلم لا ندافع عن مقدساتنا ومبادئنا الإسلامية  ولم لا نهب جميعاً للدفاع عن وجودنا وكرامتنا ومصادر رزقنا ، ولم لا يكون هذا الشهر شهر الجهاد ، عسى أن يشملنا الله برحمته ، ويحوطنا بعنايته وينقذنا مما ألم بنا من نكبات وويلات  ويتقبل منا ما نقدم من صوم وقيام ، وبذل وإحسان وعمل للخير في كل ميدان ، حتى نكون من الفائزين .
يلتقي المسلمون في شهر رمضان بثلاثة معالم  اختصهم الله تعالى بها ، وهذه المعالم هي : القرآن وليلة القدر وأمة القرآن .
أما القرآن : فإن الذين يتِّصلون به ، تلاوة أو استماعا في رمضان وغير رمضان ، هم في حالة ذكر وصلاةٍ ودعاء ، وليس شهر رمضان وحده المعنى بذلك ، بل إن تلاوة القرآن أو الاستماع إليه مطلوبٌ في أيِّ وقت ، بشرط التذكر والتدبر  لقوله تعالى {كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ، وليتذكر أولو الألباب}ص 29 . والذي يقرأ أو يستمع إلى القرآن ، بدون تدبر وتذكر ، ليس بقارئ وإن قرأ أو استمع ، قال تعالى {وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وانصفوا لعلكم ترحمون}. فالرجاء في رحمة الله ، رهن بالاستماع والإنصات لما يتلى .
أما من يفتحون المذياع والتلفاز أو المسجل ، على قراءة القرآن ، ولا يجلسوا مجلس القرآن في الاستماع إليه ، فإن هؤلاء بخسوا القرآن حقه  وظلموا أنفسهم ، ولو حوَّلوا مؤشر المذياع أو التلفاز إلى غير القرآن ، لكان ذلك على ما به  أصون لمقام القرآن واحفظ لجلاله .
أما ليلة القدر : وهي من ليالي هذا الشهر ، الذي أنزل فيه القرآن ، إنها ليلة العاملين الذين يصومون شهر رمضان ، فيمسكون ألسنتهم عن الفحش والسوء ، ويفطرون على الحلال الطيب ، مما كسبت أيديهم . إنها ليلة القرآن وأهل القرآن  وهي ليلة من ليالي شهر رمضان ، فمن طلبها فليطلبها فيه  صائماً نهاره ، قائماً ليلة ، ومن فترت همته ، فليطلبها في العشر الأواخر من الشهر الكريم ، حيث أشار إليها الرسول بقوله " التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ".
ومن ضعف عن ذلك ، فليقم لها في الليالي الفردية من العشر الأواخر ، حيث تظاهرت الأخيار بأنها واحدة من تلك الليالي ، فمن عجز عن هذا ، فليقم لها ليلة السابع والعشرين ، حيث وردت أحاديث كثيرة تشير إلى ذلك ، منها ما رواه ابن عباس عندما سئل عنها فقال ( إني أراها أي أظنها ليله السابع والعشرين. فقيل له : أعندك من خبر بهذا ؟ فقال : لا ، ولكن نظرت فوجدت أن الله تعالى خلق الإنسان من سبعة أطوار … ) .
وفي رمضان كان ميلاد دولة الإسلام ، وكان القرآن الكريم ، هو الروح السارية في كيانها  فكانت كما نوة الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله تعالى :{كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر  وتؤمنون بالله }.
فيا أمة الإسلام هذا هو القرآن ، فكوني أمة القرآن ، تلاوةً وتدبراً وتذكراً وعملا .
وهذا شهر رمضان ، فكوني أمة هذا الشهر  صياماً وقياماً واستقامة وإحسان .
وهذه ليلة القدر ، فكوني أمة ليلة القدر … صفاء روح ، وطهارة نفس .

إنها مسئولية كل مسلم عن نفسه ، وعن أمته  وعن كتاب ربه،  يأتمر بما أمر ، وينتهي عما نهى كما قال تعالى {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون }الزخرف 44.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق