قال لي أحد إخواني
المصلين وفقه الله ، خطبك عبارة عن تعليق سياسي ، فلماذا لا تطرق لنا مواضيع فقهية
وأخلاقية ؟
خطبة الجمعة هي لبحث
الأمور المستجدة خلال الأسبوع ، ومحاولة طرح الحلول المناسبة لها لذا فإن طرق أي
موضوع غير موضوع الساعة ، لا يتناسب وما يعاني المسلمون شيباً وشبابا ونساءً
وأطفالاً ، من جراء استخدام الأسلحة الفتاكة والقنابل المدمرة ، من قبل دول لا
تأخذهم بنا رأفة ولا شفقة ، ولا يرحموا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة
ضعيفة ينقمون من إخوان لنا في الإسلام ،
فظلموا وتجبروا وطغوا وزلزلوا الأرض تحت أقدامهم
يصبِّحوهم بالقنابل المدمرة ويمسّوهم بالصواريخ الحارقة ، فترى المهاجرين
من الشيوخ والنساء والصبيان والعجزة الذين يهربون فراراً بأنفسهم وأعراضهم ،
يواجهون التفرق والشتات ، فمن الصبي التائه الذي يلتفت هنا وهناك ، إلى المسن الذي
يبدو حزيناً يتجرع الألم والحسرة والفراق ، بعد هدم البيت وتدمير الأملاك ،
والبقية الباقية يبدو عليهم الفزع والهلع
وقد أحاط بهم الألم ، فلا يهنئوا بنوم ولا يجف لهم دمع .
وهناك فئة منهم ،
تحس بأن قلوبهم عامرة بالإيمان مطمئنة
ساكنة يملؤها البشر والرحمة والشوق للقاء الله ، تحدوها أطايب الجنة إلى التسابق
في التضحية والشوق إلى ملاقاة الكفرة الملحدين في قوة وثبات وشجاعة ، لم يخفهم التدمير
الذي دفنهم أحياءً ، لأنهم يحرصون على الموت أكثر من حرصهم على الحياة ، ارتفعت
رؤوسهم الشماء اعتزازاً بدينهم ، وشمخت أفئدتهم الكريمة ثباتاً وصلابة لا يضرهم من
خذلهم ، لأنهم استعانوا بربهم ، وعضوا على دينهم بالنواجذ ، ولسان حالهم يقول :
أيها الكفرة ! إنكم تدمّرون ديارنا وتقتلون رجالنا ، أتظنون أن الله مخلف وعده
رسله ؟ افعلوا ما شئتم فإننا نرى بناءكم المترهل بدا يتساقط ويتمزق بإذن الله قال
تعالى : }ولينصرن الله من ينصره إن الله لقويٌّ عزيز{. الحج 40
تعالى : }ولينصرن الله من ينصره إن الله لقويٌّ عزيز{. الحج 40
إن الهجمة التي
يلاقيها المسلمون ، ليست وليدة مخططاتهم المستقبلية لحرب الإسلام والمسلمين فقد سمعنا وما زلنا الدعوات والصيحات من الغرب
، التي تبشر بصراعٍ قادم مع الأصولية الإسلامية ، باعتبارها العدو الأول للحضارة
الغربية ، وقد جرى الربط المريب بين ثلاث مفردات ، لتصبح ذات مدلول واحد في
النهاية وهي الإسلام والأصولية والإرهاب
، وقد اعتبروا التمسك بالإسلام أصولية ، والأصولية تعني الإرهاب وحتى بعض أجهزة
الإعلام العربية تكرر هذه النغمة ، ببلاهة وخبث حيناً ، وبخبث ومكر أحياناً ،
ولكثرة التركيز في الحديث عن الأصولية الإسلامية ، أصبحنا لا نسمع منهم حديثاً عن
الإسلام ، وأخيراً قلَّ الحديث عن الأصولية ليحل محله الحديث عن الإرهاب ، حتى
أصبح كل عدو لدود للإسلام يقول : نحن لا نحارب الإسلام بل نحارب الإرهاب ، حتى
باتت تهمة دعم الإرهاب جاهزةً لأي دولة أو منطقة إغاثية أو دعوية تقوم بأي حركة لم
يأذن بها الغرب ، فعندما يقتلون منا يبررون ذلك بما يتوافق مع أهوائهم ومخططاتهم
العدوانية ، وتقام الدنيا وتقعد إذا ما قتلنا منهم أحدا ، ويعتبرون ذلك منا إرهابا
.
وعلى هذا الزعم بدأت
الحرب في بلاد المسلمين ضد الإسلاميين باسم محاربة الإرهاب ، وقد حرصوا على أن
يعطوا هذه الحرب بُعداً دولياً بعد أن انطلقت الدعوة الصريحة إلى خوض حرب عالمية
تُقاد ضد الإرهاب .
والظاهر أن الصراع
الذي بشَّر به هنجتون في كتابه صراع الحضارات ، والخطوات العريضة التي وضعها
واينبرجر في كتابه الحرب القادمة والظروف
المواتية التي تحدَّث عنها نيكسون في كتابه نصر بلا حدود ، يدل على أن الاحتفالية
الألفية قد قص شريط افتتاحها رئيس كبرى دول هذا العالم ، فما هي أبرز معالم هذه
الحرب ؟ إذا علمنا أن العدو الوحيد فيها هم الإسلاميون كما أنها لم تقم وزناً لما يسمى بالشرعية
الدولية وفي هذه الحرب ليس لأي معارض لها
أي وزن لأنها ستدوس على سيادة أي دولة
إذا ما تعارضت مع أهداف هذه الحرب ، وستعتمد على أسلوب المباغتة حتى لا تترك أحداً
في مأمن منها .
إن الهدف والاستمرار
في هذه الحرب كما يبدو لي ، أنها ترمي إلى إبقاء المسلمين في ذيل الأمم ومؤخرة
الركب ، وتجريدِهم من أي قدرة على المبادرة أو التطلع إلى الخروج من الأزمة
المصيرية التي تعيشها الأمة الإسلامية .
وتحالف الكفر لا يخفي الإصرار العنيد على فرض كل
أنواع الحصار على أمة الإسلام ، وقد ركزوا أخيراً على الاقتصاد والمال كسلاح آخر ،
وهو لا يقل أهمية عن سلاح المعارك ، وإني أعتقد أن وقود هذه الحرب يُسْتمدُ من حقد
اليهود وليست أحقادهم القديمة وتصريحاتهم العدائية بأفصح ولا أصرح من
تصريحاتهم التحريضية الجديدة ، ففي عام 1993 قال هيرتزوج الرئيس الإسرائيلي السابق
أثناء زيارة قام بها لبريطانيا "إن الأصولية الإسلامية هي الخطر الأكبر على
العالم الحر " . وحول هذا المعنى كان تصريح رابين في نفس السنة قال
:"إننا نريد التأكد من أن الرئيس كلينتون وفريقه يدركون تماماً خطر الأصولية
الإسلامية ، والدور الإسرائيلي الحاسم في محاربتها واستطرد قائلاً : إن مقاومتنا ضد الإرهابيين
المسلمين القتلة ، مقصود منها إيقاظ العالم الذي يرقد في سبات عميق ، على حقيقة أن
هذا خطر جاد وحقيقي يهدد السلام العالمي ، والآن نقف نحن الإسرائيليين في خط النار
الأول ضد الإسلام الأصولي ، ونحن نطالب كل الدول وكل الشعوب أن يكرسوا انتباههم
إلى الخطر الضخم الكامن في الأصولية الإسلامية".
ولما جاءت الأغلبية
اليهودية إلى الكونجرس الأمريكي ، بدأت تترجم هذه الصيحات التحذيرية إلى سياسات
عملية ، حتى إن رئيس المجلس ترأس جلسة للمجلس عرض فيها برنامجاً شاملاً للسياسة
المقترحة لمواجهة الأصولية الإسلامية في العالم ، وضمت الجلسة التي عُقدت في
واشنطن ما يزيد على 400 من كبار الخبراء في الشؤون الأمنية والعسكرية وقدم خطة من
أربعة بنود ، تهدف إلى كسر شوكة الإسلاميين في العالم ، وقد قال رئيس الكونجرس
الأمريكي بالحرف الواحد :"الأصولية تعني إعلان الحرب علينا وعلى الحضارة
الغربية ، فيجب التعامل معها من واقع الحرب المعلنة ".
هذه هي مواقفهم قبل أيلول ، فلا يستغرب ما نراه
منهم بعده ، فما هي مواقفنا إزاء ما يجري وما يدبر ضدالإسلام والمسلمين ؟! نعلم أن
اليهود والنصارى مجتمعين لم يكونوا يوماً
إلا أعداءً للإسلام نفسه قبل أن يوصف بالأصولية والإرهاب ، لأنهم كما قال الله
تعالى يتمنون أن يرونا كفاراً ولو كنا مسالمين مهادنين قال تعالى :
}ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء{.النساء 89
وهم سيناصبوننا ذلك
العداء إلى حد القتال قال تعالى:}ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم
عن دينكم إن استطاعوا{.البقرة 217 .
وقال تعالى :}إن يثقفوكم يكونوا
لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون{الممتحنة
2
إنهم لن يرضوا عنا
مهما أظهرنا لهم من رغبة في الود والحب وموافقتهم فيما يريدون إلا إذا كنا على
دياناتهم الباطلة فقال تعالى:}ولن ترضى عنك اليهود
ولا النصارى حتى تتبع ملَّتهم{.البقرة 12
إن لهم من الحضارة
والتمكين في الأرض والرخاء والمتاع
والسلطان ، ما جعلهم مخدوعين بما هم فيه ، فبطشوا وظلموا ، ناسين أن هناك سنة ،
وأن الله يستدرجهم وفق هذه السنة والذين
يدورون في فلكهم ، ويسيرون وفق خططهم التي تتمرد على سلطان الله ، وتعيث في الأرض
فسادا ، وهي تظلم الناس بعد اعتدائها على سلطان الله ، وليس هذا إلا بداية الطريق وصدق رسول الله e عندما قال : (
إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا- على معاصيه – فإنما هو استدراج ) ثم تلا قوله
تعالى:} فلما نسوا ما ذُكروا
به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم
مبلسون { . رواه ابن جرير
. غير أنه ينبغي مع ذلك التنبيه إلى أن سنة الله في تدمير الباطل تعتمد على أن يقوم في الأرض حق يتمثل في أمة ،
ثم يقذف الله بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق .
فلا ينبغي أن يقعد
أهل الحق كسالى ، يرتقبون أن تجري سنة الله بلا عمل منهم ولا كدٍ ولا تعب ، فإنهم
حينئذٍ لا يمثلون الحق ، ولا يكونون من أهله وهم كسالى قاعدون ، فالحق لا يتمثل
إلا في أمة ، تقوم لتقرّ حاكمية الله في الأرض ، وتدفع المغتصبين لها عندها تكون الغلبة للحق وأهله ، وهذه حقيقة
يجب علينا أن نؤمن بها ، فقد أخبرنا
سبحانه وتعالى بذلك وأكد أن النصر
حليفنا عليهم إن اعتصمنا بالله والتجأنا إليه فقال تعالى :} ولو قاتلكم الذين
كفروا لوّلوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيرا{.الفتح 22
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق