الاثنين، 27 أكتوبر 2014

عوائق الدعوة إلى الإسلام


يلاقي الإسلام مقاومة عنيفة من دول الكفر والشرك ، والتي تتمثل في المقاومة بالكيد والدس وبالمؤامرات والفتن والحروب ، ومنذ بداية دعوة الإسلام فإن الدين الإسلامي انتشر في البلاد التي يدين أهلها باليهودية أو المسيحية أو الوثنية  وحيث أن الإسلام قضى على الوثنية ، فقد خشي أهل الديانتين أن يأتي دورهم في التصفية ، فاتخذوا لذلك أسباباً دفاعية وهجومية ، أما اليهود فقد استمرت طريقتهم في الدس والكيد ، التي تمثلت في إيجاد الماسونية والقومية والشيوعية والاشتراكية ، بغية القضاء على الوحدة الدينية لإضعاف المسلمين وتفريقهم .
أما المسيحية فقد لجأت إلى تدعيم كيانها بزيادة عناصرها ، فاتجهت إلى التبشير في العالم  وكانت تقصد منه استمالة المسلمين إن استطاعت  وإدخال الوثنية في المسيحية قبل أن يبتلعهم الإسلام ، وإذا كانت الحركة التبشيريه قد فشلت فشلاً ذريعاً بالنسبة إلى استمالة المسلمين ، فإنها نجحت نجاحاً كبيراً في تنصير الوثنية ، ولو اتجه المسلمون هذه الوجهة لما كان يوجد اليوم في القارة الإفريقية على الأخص غير الإسلام والمسلمين .
وللأسف فإن الإحصائيات تدل على أن الذين اعتنقوا المسيحية بلغوا خمسين مليونا من السود  هم حصيلة الدعوة المسيحية أو حصيلة إهمال المسلمين . إن المتتبع لحركة دخول الوثنيين الإفريقيين في الإسلام ، يجد أنها كانت عظيمةً وسائرةً سيراً طبيعياً ، والناس يدخلون في الإسلام تلقائياً من غير تبشير ولا دعوة بل بالإقتداء ، ولا نعرف بالتأكيد متى دخل الإفريقيون في الإسلام ، ولا كيف دخلوا ، وكل ما نعرفه هو أن الإسلام أخذ ينتشر في إفريقية السوداء منذ وطأت أقدام المسلمين الشمال الإفريقي ، زمن الخلفاء الراشدين بعد أن استولى المسلمون على مصر  ولو وجد شخصٌ واحد في إفريقية ، يدعو إلى الإسلام قبل أن يصلها المبشرون المسيحيون لما وجدوا فيها غير مسلم .
وما زال المسلمون في غفلة عما يجري في الشمال الأفريقي ، أوردت مجلة العصر تصريحاً لمسئول كنيسة واضية في منطقة القبائل في الجزائر قال : إن عدد الذين يتنصرون يزداد يوماً بعد يوم  وخاصة خلال الأزمة الأخيرة التي تعرَّض فيها الإسلام للتشويه ، وما نسب للإسلاميين زوراً وبهتاناً من جرائم ومذابح إلى درجة أن بعض المتنصرين من منطقة القبائل صرَّح قائلاً : إن المسيحية حياة والإسلام موت .  
وإذا كانت خسارة المسلمين في إفريقية كبيرة  فإن خسارتهم كانت أكبر وأعظم في أوروبا وروسيا  ،حيث لا زالت مناطق واسعة تدين بالوثنية ، ما عدا القسم الجنوبي من روسيا ، فقد كان الإسلام مزدهراً في بلاد بخارا وسمرقند ، أما روسيا القيصرية فقد اعتنقت المسيحية نتيجة لغلطة صغيرة من عالم مسلم ، وما حصل أن قيصر روسيا آنذاك جاجليون بن أولفريد أراد أن يختار لنفسه دينا ، وقد أعجبه الدين الإسلامي فاستدعى عالماً مسلماً يريد أن يسلم على يديه  فعلّمه الدين وبين له الحلال والحرام ، ونها فيما نهاه عن شرب الخمر ، وكان القيصر مولعاً بشرب الخمر فلم يشأ تركه ، ولم يكن العالم المسلم بالرجل الحصيف ، الذي يعرف كيف يتصرف بالأمور فرفض القيصر الإسلام واعتنق المسيحية وتابعه الروس كلهم ، ولولا هذه الغلطة لكانت روسيا كلها بلاد إسلامية 
واليوم ما هو المطلوب منا لاستدراك ما فات ؟ من واجبنا أن نهتم بالمسلمين الموجودين ليفهموا الإسلام فكرة الصحيح وإنا لندرك عظمة الإسلام  عندما نرى أتباعه آخذين بالازدياد يوماً بعد يوم  رغم كل العوائق والحملات  التي يشنها عليه الأعداء ، ورغم كل الدسائس والمؤامرات التي تدبر ضده ، وعلى كل مسلم أن يعرف بأننا أمام حملة الحادية عاتية منظمة منسقة ، تعمل بكل قواها وبجميع الوسائل لهدم الإسلام ، فكان لا بد من توحيد جهود الأمة كلها تحت راية واحدة منظمة ، بإيمان وعقيدة واحدة هي عقيدة الإسلام  التي انتصر بها المسلمون قديماً ، أما اليوم فلا إيمان ولا عقيدة ولا سلاح كالذي يمتلكه الأعداء فكان النصر حليفهم والهزيمة حظنا . وإن أخوف ما يُخاف على الأمة اليوم  والذي يجعلها فريسة للأعداء ولعبة للعابثين ، هو فقدها للوعي وخضوعها لكل متسلط  وسكوتها عن كل فظيعة  واندفاعها لكل ضيم ، فلم تعد تفرق بين الغاش والناصح الأمين ، وكثيراً ما يتولى قيادتها المحترفون والقادة الخائنون ، الذين يأمنون سخطها ومحاسبتها ، فيتمادون في غيتهم ويسترسلون في خيانتهم وعبثهم ، لبلاهة الأمة وسذاجتها  وفقدان الوعي الفكري عندها .
إن شعوب أمتنا مع الأسف ضعيفة الوعي الديني إن لم تكن فاقدة له ، لأنها لا تعرف صديقها من عدوها ، حتى أنها تتعامل مع عدوها أحسن مما تتعامل مع نفسها ، فتسلطت عليها القيادات الزائفة ، فكان لا بد من عمل يخدم هذه الأمة  ويؤمنها من المهازل والمآسي التي لا تكاد تنتهي  وذلك بالعمل على إيجاد الوعي في الأمة كلها  وتربيتها التربية العقلية والمدنية والسياسية ، ولا يخفى أن الوعي غير التعليم وزوال الأمية ، وليعلم كل ذي علم    أن الأمة التي لا وعي عندها غير جديرة بالثقة ، ولا تبعث حالتها على الارتياح  وهي عرضة لأطماع الأعداء وسخريتهم كريشة في مهب الرياح لا تستقر في مكان . والسؤال هنا : إلى متى يا ترى يصرف المسلمون قواهم الجبارة التي فتحوا بها العالم قديماً في ميادين ضيقة ؟ وإلى متى تنحصر هذه القوى التي جرفت بالأمس مدنيات وحكومات الشرك فدانوا للإسلام والمسلمين ؟ يوم أن اختار الله المؤمنين للقيادة واجتباهم للهداية ، فكانت البعثة المحمدية فاتحة لعهد جديد في تاريخ الأمة بل وتاريخ العالم أجمع  وفي مصير الأمة ومصير العالم الذين احتضنوا الدعوة الإسلامية ، وتفانوا في سبيلها وجاهدوا فيها تلبية لنداء الله : ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم  وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبلُ ، وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس ، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير(  الحج 78
إن مهمة الإسلام تتركز في السعي لإقامة حياة إسلامية حقيقية لا شكلية ، حياة تعمل على إصلاح ما بأنفس الناس حتى يصلح الله ما بهم  حياة إسلامية يُبنى في ظلها الإنسان المؤمن والأسرة المتماسكة والمجتمع المترابط والدولة العادلة التي تتصف بالقوة والأمانة ، أي أن المطلوب حياة إسلامية متكاملة ، توجهها عقيدة الإسلام وتحكمها شريعة الإسلام وتسودها مفاهيم الإسلام ، وتضبطها أخلاق الإسلام وتجملها آداب الإسلام .
حياة مجتمع متماسك لبنيان يشد بعضه بعضا ، لا يجوع فيه فرد ويتوافر فيه العلم النافع والعمل المناسب والأجر العادل لكل عامل والغذاء الكافي لكل جائع والعلاج الناجح لكل مريض والسكن الصحي لكل مواطن والكفاية التامة لكل محتاج والرعاية المادية الاجتماعية لكل مهاجر ، أضف إلي ذلك في هذه الحياة القوة في الفكر والبدن والخلق والاقتصاد والقوة في السلاح والإعداد  وأساس ذلك كله قوة الإيمان .
لأن المسلم بإيمانه أقوى من أعتى قوة على وجه الأرض ، وما أسعد الأمة بأقوياء الإيمان وما أشقاها بالضعفاء والمهازيل ، الذين لا ينصرون صديقا ولا يخيفون عدوا ولا تقوم بهم نهضة أو ترتفع بهم راية .
لقد كان لأقوياء الإيمان مواقف مشرِّفةٍ في التاريخ  طلب الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك طاووس اليماني يوماً إلى مجلسه فلما دخل عليه ، لم يُسلم عليه بأمير المؤمنين ، ولكن قال : السلام عليك يا هشام وجلس بإزائه ، وقال : كيف أنت يا هشام ؟ فغضب هشام غضباً شديداً حتى هم بقتله  وقال له : يا طاووس ؟ ما الذي حملك على ما صنعت ؟ قال : وما الذي صنعت ؟ فازداد غضباً وغيظاً ، وقال : خلعت نعليك بحاشية بساطي  ولم تُقبل يدي   ولم تُسلم على بأمير المؤمنين ، لم تُكنني ، وجلست بازائي بغير إذني  وقلت : كيف أنت يا هشام ، قال أما ما فعلت من وضع نعلي بحاشية بساطك ، فإني أضعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات ، وأما قولك : لم تُقبل يدي ، فإني سمعت علياً بن أبي طالب رضي الله عنه يقول :" لا يحل لرجل أن يُقبل يد أحد إلا امرأته من شهوة أو ولده من رحمة ". وأما قولك : لم تُسلم على بأمير المؤمنين ، فليس كل الناس راضين بإمرتك ، فكرهت أن أكذب ، وأما قولك : جلست بازائي ، فإني سمعت أمير المؤمنين علياً يقول :"إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام ".
فقال هشام : عظني ... فقال : سمعت من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أن في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال ، تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته _ ثم قام . . ترى لو أن كل ذي رأي ومكانة ، وقف من الظالمين المنحرفين ما وقفه طاوس من هشام ، أما كانت الأمة تنعم بحكم عادل ورفاهية شاملة ، ولو أن الناس لم يتملقوا الحاكمين ولم يسمعوهم كلمات الثناء الكاذب والمديح الباطل ، أكان يجد الطغاة ما يزيدهم طغياناً واستخفافاً بإرادة الأمة وكرامتها ؟ لا ألف لا والله .
وفي تاريخنا الحديث رأينا أبطالاً في صور شتى وفي بلاد عديدة ،  كلهم تحرروا من الخوف والطمع واستهانوا بالدنيا وما فيها ومن فيها فيما عند الله )وما عند الله خير للأبرار( .
رأينا البطل الليبي عمر المختار الذي حارب الاستعمار الإيطالي ، وجيوشه المجهزة بأحدث الأسلحة ، بالقلة العزلاء  أو شبه العزلاء من جنده : وقف يحارب الطائرة بالحصان ، والمدفع بالسيف ، واستطاع أن يُنـزل بأعدائه ضربات موجعة ، ولم يرض بالتسليم ساعة ما رغم نفاذ قوته المادية كلها ، ولكنه قال للطليان : " لئن كسر المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقي ". وكان مريضاً بالحمى ، تهز رعدتها جسده  وترتعد بها فرائصه ، ورغم هذا قال لجنوده :" اربطوني على ظهر جوادي بالحبال حتى لا أتخلف عن القتال معكم " . وحين ظفر به الجيش المستعمر وحكموا عليه بالإعدام ، تقبل الحكم برحابة صدر وابتسامة سخرية ، وقال له بعضهم قبل تنفيذ الحكم : أطلب العفو ونحن نطلق سراحك  فأجابهم بكل إباء وشمم : " لو أطلقتم سراحي لعدتُ لمحاربتكم من جديد " .
ذلك هو شأن الإيمان الذي يملك صاحبه الدنيا ولا تملكه ، ويجمع المال ولا يستعبده  وتحيط به النعمة ولا تبطره وينـزل به البلاء ولا يهزه ، فلا تزيده الشدائد إلا عزيمة مع عزيمته وقوة إلى قوته  إنه الإيمان صانع العجائب . قال تعالى : ) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وألئك هم المفلحون ( النور 47 . وروى مسلم أن رسول الله e قال : ( إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون   فمن كره فقد بريء ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضى وتابع ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن  وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) .
 هذا هو أمر الله ورسوله ، لا فصل بين حكم الدين وبين أي شيء في حياة الإنسان .

                   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق