الأحد، 26 أكتوبر 2014

ذكرى المولد النبوي


المولد النبوي كان مولد الهدى والنور والحق والخير والصلاح ، لذا ينبغي ألا يكون الاحتفال بمولده يومًا واحدًا في العام ، بل إن الحياة جميعها والوقت كله بل والزمن كله ، لا يكفي لذكر فضائل النبي محمد وتعاليمه وحقوقه ، وإنما كان يوم مولده الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، كرمز فقط لذكرى عظيمة استشعر عظمتها أهل الأرض والسماء   حتى تكون انطلاقةً وحركة دفع  ،الهدف منها السير على ما كان عليه محمد  . أما من ابتدع الاحتفال بالذكريات المتعلقة بالنبي  ؟ زاعمين أنهم بذلك ، يعظموا الرسول  بما يعظمه به سلف الأمة الصالح ، إنهم ملوك الدولة الفاطمية في القرن الرابع الهجري ، ومن تسمى منهم باسم (المعز لدين الله) ومعلوم أنه وقومه جميعا إسماعيليون زنادقة ، متفلسفون . أدعياء للنسب النبوي الشريف ، فهم من ذرية عبد الله بن ميمون القداح اليهودي الباطني ، وقد ادعوا المهدية وحكموا المسلمين بالتضليل والغواية ، وحولوا الدين إلى كفر وزندقة وإلحاد ، فهذا الذي تسمى (بالحاكم بأمر الله) ، هو الذي ادعى الألوهية وأسس جملة من المذاهب الباطنية والدرزية احدها ، وأرغم المصريين على سب أبي بكر وعمر وعائشة وعلق ذلك في مساجد المسلمين ، ومنع المصريين من صلاة التراويح ، ومن العمل نهاراً إلى العمل ليلاً ، ونشر الرعب والقتل ، واستحل الأموال وأفسد في الأرض ، مما تعجز المجلدات عن الإحاطة به ، وقد أكل المصريون في عهدهم القطط والكلاب وأكلوا الموتى ، بل وأكلوا أطفالهم ، وفي عهدهم تمكن الفاطميون والقرامطة من قتل الحجاج وتخريب الحج وخلع الحجر السود .
ونحن نحتفل بذكرى ميلاد رسول الله e ، جديرٌ بنا أن نلقي نظرة على الواقع المر الذي يواجهه ويعيشه المسلمون حيث يواجهون مطامع الدول الكبرى ، التي تسعى جاهدة للسيطرة على الأمة ونهب خيراتها ، ويعيشون شحاً مطاعا وهوى متبعا ومنكرا فاشيا وفساداً مستحوذا .
أما ما تعنيه الذكرى بالنسبة لنا ، فهي أن نتدبر ما نقرأ من سيرة نبينا  وأن نفتدي به سلوكاً ومنهج حياة    والأمة محتاجة إلى هذا احتياجاً شديداً ، وهي ليس بحاجة أبداً إلى تحول الدين إلى مراسم وأشكال وإلى صور ومظاهر ، كما هو الحال هذه الأيام ، فإن الاحتفالات التي تقام تحسس المسلم بأنها صلةٌ مفتعلةٌ بين المسلمين ونبيهم ، وأن ما يلقى من خطب ، فيها دعاوى حبٍ لا يسانده دليل ، ولا يؤيده واقع ، والناظر إلى هذه الاحتفالات لا يجد فيها ما يدل على صدق الإتباع وحس التأسي ، وكأن هذه الاحتفالات عبارة عن تقليدِ مكررِ مألوف جرت عليه العادة ليس إلا ، حيث تجاوز الناس اللباب وتعلقوا بالقشور ، مع أن الواجب يدعونا إلى العودة إلى ديننا ، وأن نفقه ما وراء الحوادث التي تساق ، والعيب أننا نطالع صفحات السيرة النبوية فنقرأ أنباء الانتصارات في الغزوات والأخبار المتعلقة بأقوال وأفعال رسول الله  ، علماً بأن العبرة من دراستها شيء آخر وراء ذلك ، إذ يجب علينا أن نعرف كيف ندعو إلى دينه  .
عارٌ علينا أن يكون برناردشو الأديب الإنجليزي أقرب منا إلى فهم نبينا  قال : " لو كان محمد موجوداً لحل مشكلات العالم وهو يتناول فنجاناً من القهوة " فالمطلوب منا ونحن نحتفل بذكرى ميلاد رسول الله e أن نعرف كيف دعا محمد  إلى دينه ، من خلال السيرة النبوية ، لأن مسلك الإنسان أدل شيٍ على سياسته ، وإن حياة إنسان ما على نحو معين ، دليل واضح على الأسلوب الذي اختاره في حياته ، لذا علينا ونحن نتابع سفره واقامته وصحته ومرضه ، ونتابع حربه وسلمه وصداقته وخصومه ونومه ويقظته واستجمامه وعمله ، نتابع ذلك لكي نعرف من خلال النظر فيها ، كيف نجح في تكوين أمة من الصفر ، وكيف استطاع أن يجيء بكل ما أتاه الله من مواهب وأفاء عليه من أفضال مادية وأدبية  ليقود هذه الأمة ويدفع بها إلى الأمام ، لتكون الأمة الأولى في العالم . هذا هو المطلوب ، وحتى تكون العلاقة بين النبي وهذه الأمة مقبولة تنال رضا الله ، وذلك بالتأسي برسول الله e والسير تحت لوائه والاهتداء بهديه ، بذلك تكون الأمة أولى به في الدنيا والآخرة ، وإن لم تحتفل بذكرياته ، وإلا فالرسول بريءٌ ممن لا يتبع هداه وإن أقيمت الاحتفالات . لأنها في هذه الحالة لا تعمِّرُ قلباً خالياً من الإيمان بالله ولا تصوغ خلقا  ولا تسوي صفا ، ولا تصنع مثلاً أعلى ، فهل يتعظ المسلمون ؟ ويعودوا إلى الله أم تمضي فيهم سنة الأولين الذين لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ؟ .   
أعجبني ما قاله بعض العلماء : إن نبينا عليه الصلاة والسلام أمر أن يقتدى بالأنبياء قبله قال تعالى :)أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده( الأنعام 90 . وقالوا : إن تقليد نبي واحد قد يفيد أن مفضول ، لأن المقلِّد أقل درجة من المقلَّد ، لكنه أمر أن يقتدى بمجموعة من الأنبياء بعد أن ذكر الله أسماء ثمانية عشر نبياً ، إذن هو مكلف أن يجمع في سيرته ما تعرف من ألوان الكمال الإنساني ، في سيرة أولئك الذين ذُكرت أسماؤهم وأنسابهم .
 إن ما تَفرق من الكمالات البشرية في الأنبياء السابقين ، جُمع في نبينا محمد e وفي سيرته  لكن مع تفاوت في التطبيق   كيف ؟ في تطبيق إبراهيم لأمر الله ، أمر أن يدعوا إلى التوحيد وأن يحارب الوثنية ، فقد وجد أن الناس لم يحسنوا الاستماع إليه ، ولا تتبع الأدلة على النحو الذي شرحته سورة الأنعام ، عندما  تدرج في فهم الألوهية من كوكب إلى قمر إلى شمس ، ولم يجد معهم هذا الأسلوب ، فذهب إلى الأصنام وهدمها وعلق الفأس في رقبة الصنم الكبير   وسخر منهم عندما جاءوا فوجدوا أصنامهم قد كسِّرت .
 لقد أفلح في لفت نظرهم إلى أنها لا تملك أن تدفع عن نفسها ، لكن ما حدود هذا الفلاح ؟ أخبر الله على لسانهم )فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ( الأنبياء 64. لكن هل تمت هذه الرجعة وامتدت ؟ لا كان الضمير ميتاً أدركته صحوة عابرة ثم عاد إلى موته ، وعادت الظلمة  قال تعالى : ) قالوا حرِّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ( الأنبياء 68 .
انتهى الأمر برمي إبراهيم في النار ، لم ينجح العلاج .
بينما تطبيق أمر الله في سيرة نبينا أخذ جانباً آخر  فرسول الله لم يحاول أن يكسِّر الصنم بيده ، وإنما ربى الأمة التي تستطيع أن تعقل وأن تستيقظ وأن تبصر وأن تدرك الحق وأن تتعصب له ، وأن تكره الباطل ولا تطيق بقائه ، وأن يجيء اليوم الذي تكسِّر الأصنام بيدها ، فهذا خالد بن الوليد الذي كان يعبد الأصنام في مكة ، والذي ظل يحارب تحت راية الشرك حتى أسلم ، هو الذي أخذ بنفسه سيخا من حديد يهدم به صنم العزَّى ويقول :

يا عُزَّى كفرانك لا سبحانك       إني رأيت الله قد أهانك

هذا هو منهج الدعوة ، والذي صنعه خالد هو كما رسم رسول الله  ، هذا المنهج قام على أساس أن محاربة الشرك لا تكون بتحطيم مظاهره في المجتمع ، لأن المجتمع الضال سوف يجيء بمظاهر أخرى ، لذا كان العمل الأول للدين داخل الإنسان نفسه ، فلا يجدي تكسير الأصنام إذا بقيت النفوس على ظلامها القديم ، لأن العباد سيبحثون عن آله أخرى ، وما أسرع الناس إلى تجاهل الوجود الحق وربه الأعلى والجري وراء أصنامٍ جديدة ، ومع تقدم الإنسانية فقد ترفض أن تعبد صنماً محفوراً من حجر ، ولكن هناك أصناماً أخرى تعبد الآن ، فحب الرئاسة صنمٌ يعبده من يعبده ، ويقدم له قرابين من عامة الناس   وهناك أشياء كثيرة جداً أصبحت أصناماً جديدة يعبدها الناس في عصرنا ، وما كان هذا يوجد لو ملأت الأنفس بعقيدة التوحيد كما شرحها القرآن وبينها رسول الله  .
في الأمة ناس ماديون يسيرون وراء الشهوات ولديهم ما يشغلهم عن الله والدار الآخرة ، هؤلاء بحاجة إلى العقيدة التي تهذَّب النفوس ، أما إذا وجد في الأمة من يزوَّر الفتوى والكذب على دين الله ورسوله  ، ومن عنده رغبة التسلط ويجد من يصفق له ، فأمتنا لا تستطيع أن تقوم بحقها   وهي دون رسالة الإسلام بيقين ، ورسالة الإسلام هي ألا يحني المسلم جبهته إلا لله وحده .
إن الاكتفاء بهذه الشكليات لا تزيد المسلمين من الله إلا بعدا ، ولا تزيدهم للإسلام الحنيف إلا ظلما ، لأن التدين ليس احتفالات تقام ، إنه قبل كل شيء قلب سليم ، وفكر مستقيم ، ينشأ عنهما مجتمعٌ كريم ، على هذه الطريقة في تحديد المفاهيم تأملت الحديث الذي رواه البيهقي مروياً عن النبي  : ( هل تدرون ما الشديد ؟ قلنا الرجل يصرع الرجل ، قال : إن الشديد كلَّ الشديد الرجل الذي يملك نفسه عند الغضب . أتدرون ما الرقوب ؟ قلنا الرجل الذي لا يولد له قال : إن الرقوب الرجل الذي له الولد ولم يقدِّم منهم شيئا _ يعني في سبيل الله _ قال : أتدرون ما الصعلوك ؟ قلنا الرجل الذي لا مال له . قال : إن الصعلوك كل الصعلوك الذي له المال لم يقدِّم شيئاً لله تعالى ) فهل نعود إلى جوهر الدين ونعوِّل عليه ؟ .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق