الأحد، 26 أكتوبر 2014

شوائب الصوفية


نشأ التصوف عند الوثنيين القدماء ، في أحضان طائفةٍ محرومةٍ من فقراء الهنود ، الذين ألصقوا الشعوذة بالدين ، وكذلك الشأن في بلاد فارس ، فقد بعث الترف والحرمان فيها ، ما بعثه في جارتها الهند ، من الدعوة لتحقير الدنيا ، ونعيمها واعتزال الناس ، فحملت التصوف الهندي بحرمانه ، حتى فتحها المسلمون  .
وعندما اعتنقت هذه الأمم الإسلام ، خرجت عن دينها ، إلى دين الفاتحين ، وقد كانت رواسب العادات والتقاليد الصوفية ، في أخلاق وطباع بعضهم  الذين أخذوا من تعاليم الإسلام ، ما يلائم طبيعتهم  وغفلوا عن الجوهر ، فأخذ الإسلام طابع الأعاجم في كل شيءٍ عندهم ، حتى إنه ليتميز من الإسلام الصحيح ، بما اقترن به في الجو الأعجمي ، من تعطيل الإدراك ، وتخدير العقول ، والترخص في الفضائل  والتلهي بالخيال ، والولوع بالخوارق ، وقد أدرك عمر بن الخطاب ، ما يؤول إليه الأمر في تلك الديار   فكان يحذِّرُ قومه بقوله : إياكم وأخلاق الأعاجم .
لقد تعلَّم المسلمون كثيراً ، من الفلسفات غير الإسلامية ، كاليونانية والافلاطونية الجديدة ، ومعها عقائد الديانات الفارسية والهندية ، من الأمم الضالة  وأدخلوها في الإسلام باسم التصوف ، وأطلقوا اسم التصوف ، على كثيرٍ من العقائد ، والطرق الأجنبية  التي لا أصل لها في الكتاب والسنة .
وقد ارتكب بعض الصوفية ، جنايةً لا يستهان بها  حين دعوا الناس إلى العزلة ، والرضا بالدون من العيش باسم الدين ، وصرفوا الناس عن حقيقة الإسلام ، عند ذلك بدأت الصوفية ، تأخذ مكانها في المجتمعات الإسلامية ، ثم بدأت نتيجة لذلك ، مفاهيم غير إسلامية ، تستعمل في حياة المسلمين مثل : الفناء في الله ، والحلول في الله ، والاتحاد بالله ، وفي الوقت نفسه ، بدأت طرقٌ غير إسلامية ،  في التفكير والسلوك والحياة ، تظهر في المجتمعات الإسلامية  كطرق الدراويش ، ، والمساكين والزهاد ، الذين ركزوا على ترديد الأوراد والأحزاب ، التي ابتدعها الشيوخ ، ليصرفوا الناس بها عن تلاوة القرآن ، وتدبر معانيه كانت هذه الطرق ، تمثل اتجاهً غير إسلامي ، في الهروب من الحياة العادية ، للمسلم العادي ، وفي إهمال تعاليم الإسلام في الحياة ، وفي تربية أجيال النشىء من أبناء المسلمين ، تربية منحرفةً عن المسارات الإسلامية . ثم تدرج هؤلاء الناس في تحرير أنفسهم ، عن قيود الإسلام ، حتى أن بعضهم قال : بإسقاط الفرائض ، ولا علاقة للتصوف بالشريعة   وما على الصوفي أن يقيد نفسه بالقانون وأحكام الشريعة ، وإن أتباع الصوفية ، لا يعنيهم من الدين سوى المناسك ، والإسلام في نظرهم ، لا يعدو الزاوية والمسبحة . وقد فرقوا بين الدين والدولة ، وقالوا هذا شيء وذاك شيء آخر ، أما فهم الإسلام ، على أنه عقيدة ترخص في سبيلها المهج الأرواح ، فهذا ما لا تتسع له أفهامهم ، ولا يجول بخاطرهم .
واتجه قسمٌ منهم إلى البحث ، عن المعرفة في الذوق والشوق ، والمشاهدة والمكاشفة ، وغير ذلك من أفانين التصوف ومبتكراته ، وقد شكلت أحوال الدراويش ، وادعاءات بعضهم ، بأنهم جزء من ذات الله تعالى ، كابن الفارض وابن العربي ، وكذلك قطبيتهم - القطب هو الدرويش الذي زعم الصوفيون أنه يمثل أحد أقطاب الكون - فقد شكلت محتوى طرقهم ، وأنظمتهم في التربية الصوفية ، التي لم تلتزم بالوصف الإسلامي ، للتفكير والسلوك والحياة والتربية  فكانت مزاعم الحلاج مثلاً ، وهو يمثل الشخصية الصوفية القيادية ، براهين واضحة ، على بعد التصوف عن نطاق الإسلام ، وكان قد زعم في حياته أنه حل في الله واتحد معه .
لقد قادت الصوفية ، أفكار اللاهوت المسيحي واليهودي ، ومقولات الفلسفة اليونانية ، وزرعتها كبذور غير إسلامية ، في التربية الإسلامية ، التي كانت من قبل نقية ، كما بدأت الصوفية نحو فصل الإسلام النقي عن حياة المسلمين وتفكيرهم .
إن الإسلام صريح في إنكار الصوفية ، ولم يطلب من المسلمين ، أن يكونوا صوفيين ، أو أن يمارسوا التصوف ، فلا القرآن ولا السنة يدعو إلى التصوف  ومن الثابت الصحيح ، عن رسول الله ( ص ( قوله : (لا رهبانية في الإسلام ) وما قيل بأن رسول الله   كان صوفي النزعة ، وأنه كان في حياته يتكلف الزهد  ويروض نفسه على الجوع والحرمان ، ذلك غير صحيح ، فما كان عليه السلام من المتكلفين ، فهم أساءوا فهم بساطة العيش ، وأخطئوا الحكم على فطرة الحياة ، التي كان يحياها النبي عليه السلام ، كما لم يثبت أن صحابة رسول الله ، وأئمة الإسلام الكبار من بعدهم ، مارسوا الصوفية أو الزهد بالمعنى الصوفي .
لقد بني الإيمان في الإسلام ، على مفردات الإيمان  وأركان الإسلام ، التي رسمها الوحي ، وعلى أساسها  لا مجال لأي مسلم ، أن يعزل نفسه ، عن المسلمين الآخرين ، أو يعزل المسلمين الآخرين ، عن المجتمع الإسلامي ، وليس لأي مسلم ، من وجهة نظر الإسلام ، الحق في أن يحتجز أتباعه ، ويقصر نشاطهم على الذكر ، وترديد أغاني التصوف لهم ، أو أن يمنعهم من أداء واجباتهم الأخرى ، في حياتهم اليومية  ليجرد نفسه من أداء واجبات الحياة ، كما رسمتها شريعة الإسلام .
وينطبق هذا القول ، على الزهد والتنسك ، الذي جعلت الصوفية منه المحور الأساسي ، الذي تدور عليه تعاليمهم ، معتمدين على أحاديث موضوعة ، في فضل الزهد والزهاد ، حتى انخدع بها بعض فقهاء المسلمين ، ممن لم يعنوا بتحقيق الأحاديث وتخريجها فهذا الغزالي في كتابه الإحياء ، ساق أحاديث في باب الزهد ،لم يصح شيءٌ منها عند رجال الحديث .
إن أكثرية الأمم ، التي خامرها المتصوفون ، وعاث فيها الزهاد ، استحلت الرضا بالتوافه ، وحرمت التطلع إلى عظائم الأمور ، وهجرت من العقيدة صلب الحياة ، وأرست أوتادها ،حول أوراد الشيوخ وأذكارهم ، وغفلت عن حقوق الله ، التي تتمثل كاملةً ، في رعاية مصالح الأمة ، حتى أصبح حرص الصوفي على تنسيق لحيته ، وإرخاء عذبته ، وحمل مسبحته ، أكثر من حرصه على التطلع ، إلى حمل السلاح للجهاد ، ناسياً أن بلاداً إسلامية تحتل .
إن الزهد عند الصوفية ، يتمثل في ترك الدرهم والدينار ، والتجرد من العمل والكسب ، وعدم المبالاة بما حوله ، والإعراض عن الطيبات من الرزق  ومع هذا فإن نهم الصوفية ، الزاهدين في الطعام   تراهم في حفلات الموالد ، عند تقديم الموائد ، يأتون على ما فيها من الأخضر واليابس  ليس من الإسلام ، أن يكون المسلم ، عاطلاً عن العمل ، ولا يبالي بما حوله ، ويهمل واجباته  .
 إن مثل هذا التصوف ، ليس من الإسلام في شيء أبدا ، إنما التصوف في حقيقة الأمر ، عبارةً عن حب الله ورسوله الصادق ، بل الولوع بهما ، والتفاني في سبيلهما ، وذلك يقتضي ألا ينحرف المسلم ، عن إتباع أحكام الله ورسوله .
لقد عمد بعض الصوفية ، إلى الظهور بالخوارق ، في الأوساط الإسلامية ، تحت ستار الولاية ، وقالوا لا تتحقق ولاية بغير كرامة ، وأنها نتيجة العمل بالكتاب والسنة . أما معنى الولاية عندهم ، فهي تسخير قوى الكون للولي ، بقوةٍ روحانية ، وتكون مظاهرها  بإطالة الشعر ، ولباس المرقع ، والتشرد في الأرض . ثم قسموا الولاية لأنفسهم ، على أساس الكرامات ، إلى مراتب في الولاية أعلاها القطب مما لا داعي له ، لأن الكرامات لو كانت دليل صلاح وتقوى ، لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، أحق بها من هؤلاء المتمشيخين المتأخرين ، الذين تنسب إليهم الكرامات بغير حساب .
إن كل ما يقال في الكرامات ، هو من قبيل الادعاء والشطح ، وهي أمراض لأعراضٍ نفسيةٍ معقدةٍ ، على أن ادعاء الصوفية في باب الكرامات  لا يقف عند حد ،  وشعارهم في ذلك قولهم : كل ما كان معجزةً لنبي ، جاز أن يكون كرامةً لولي 
وللصوفية في معاملة أتباعهم ، تقاليد بنيت على إذلال المريدين ، وإخضاعهم لأغراض الشيوخ  فقد أوجبوا عليهم الطاعة المطلقة ، والانقياد الأعمى ، فلا يجوز لمريد أن يعترض على شيء مما يفعله شيخه ، إضافة إلى تقبيل يد الشيخ   والوقوف له ، والسير خلفه ، وتقديمه على نفسه وولده .
ويعتمد بعض الصوفية على نوع من العلم الغيبي  يطلقون عليه - اسم العلم اللدني - يدَّعون تلقيه عن الله بلا واسطة .
وموضوع هذا العلم : الفيوضات والتجليات والكشف والكرامات ، والتحقق بهذا العلم معناه الولاية ، وهي عندهم تسخير قوى الكون ، وفق إرادتهم ، والتصرف في الموجودات ، بالاسم الأعظم  والقدرة على إتيان الكرامات والخوارق  والنطق بالسريانية ، وهي عندهم لغة الملائكة وأهل الجنة .
ومن فروع هذا العلم : استخدام الطلسمات والحروف والأرقام ، في شفاء الأمراض ، وكتابة التعاويذ . وأصل هذا العلم عندهم ، يرجع إلى الخضر  صاحب موسى عليه السلام ، لأنه في نظرهم إمام الأولياء والمساكين .
وللشيوخ وعجائب أحوالهم ، حكاياتٌ وأراء كما نسمع من طي الأرض لهم في سياحاتهم  حتى عرف بعضهم بأهل الخطوة ، ومن الدعاية لشيوخ الطريقة  وما أُحيطوا به ، من جو الكرامة والقداسة , حتى أن السذَّج ، يخشعون لذكراهم ويتندرون بحكاياتهم وكراماتهم ، وإذا ما اعترضت ، هبوا في وجهك يحذرونك ، وكأنك أتيت منكراً .
ولقد حذَّر العلماء من هؤلاء الناس ، فقالوا : إذا رأيت رجلاً يطير في الهواء ، أو يمشي على الماء  أو يقطع المسافة البعيدة في طرفة عين ، فلا تغترَّ به  فهناك بعض العوام ، ممن لا يعرف لهم صلاح قد تظهر على أيديهم بعض الخوارق ، فلا تسمى كرامة  بل معونةً من الله ، ولا يسمى صاحبها ولياً ، لأن الله لا يتولى إلا الصالحين . 
إن فريقاً من الصوفية ، قد بلغ درجة الإسراف في إسناد معجزاتٍ وقصص  ، نصت الكتب الصحيحة على كذبها ، كقصة صخرة بيت المقدس ، التي زعموا أنها انطلقت تعدو خلفه يوم عُرج به ، حتى أمسكها جبريل ، فظلت معلقة بين السماء والأرض .
ومن الشطحات الصوفية ، التي تدل على فساد نظرتهم إلى الرسول الأمين ، وخروجهم عن حدود الحقيقة  عندما يجعلون محمداً  أصل الوجود ، والسبب في كل موجود ، ولعلهم تأثروا في ذلك بالفلسفة اليونانية ، التي تجعل لكل قوة من القوى إلهاً تقوم به ويا ليتهم تمثلوا ما ذكره المناوي ، فيما يرويه عن أحمد وأبو داود أن رجلاً قال للمصطفى ( أنت سيد قريش  فقال له : السيد الله ، قال : أنت أعظمها طولاً وأعلاها قولاً ، فقال  :  يا أيها الناس قولوا بقولكم ، ولا يستهوينكم الشيطان ، أنا عبد الله ورسوله ) .
لقد بقيت كتب الصوفية في طي النسيان ، حتى جاء المستشرقون ، ينقبون عن مادة جديدة للفتنة    ويثيرون الخلاف بين المسلمين من جديد  فوجدوا ضالتهم في آثار الصوفية ، فاهتموا بها ، حتى أنه يمكن القول ، بأن بحوث التصوف الحديثة وكتاباته ، ترجع كلها إلى عمل المستشرقين ، ولما حذقوا هذه العلوم وغيرها ، تكلموا فيها  وصاغوا نظرياتهم المعادية  للإسلام والمسلمين وتبعهم تلامذتهم من أبناء المسلمين ، على هذا النهج ، جهلا بأغراض الاستشراق .
إن محاربة المعتقدات الجاهلية ، أمرٌ لا بد منه  لتطهير المجتمع المسلم ، من شوائب الشرك وبقايا الضلال   ولا بد من الإعراض ، عما يقال عن الأسباب الخفية المزعومة ، التي يلجأ إليها ويروجها عادة ، سدنة المعابد ، ومحترفو الدجل الذين يدّعون معرفة الغيب  عن طريق اتصالهم بالجن .
لقد حارب الإسلام هذا النوع من الدجل ، الذي لا يقوم على علم ، ولا هدى ولا كتاب مبين ، قال تعالى : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } النمل 65 .
 وقد أُشرك معهم في الإثم ، الذين يجيئونهم ويسألونهم  ويصدقونهم في أوهامهم وتضليلهم  فقال   (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما قال ، لم تقبل له صلاةً أربعين يوماً ) رواه مسلم

      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق