نشأ التصوف عند
الوثنيين القدماء ، في أحضان طائفةٍ محرومةٍ من فقراء الهنود ، الذين ألصقوا
الشعوذة بالدين ، وكذلك الشأن في بلاد فارس ، فقد بعث الترف والحرمان فيها ، ما
بعثه في جارتها الهند ، من الدعوة لتحقير الدنيا ، ونعيمها واعتزال الناس ، فحملت
التصوف الهندي بحرمانه ، حتى فتحها المسلمون
.
وعندما اعتنقت هذه
الأمم الإسلام ، خرجت عن دينها ، إلى دين الفاتحين ، وقد كانت رواسب العادات
والتقاليد الصوفية ، في أخلاق وطباع بعضهم
الذين أخذوا من تعاليم الإسلام ، ما يلائم طبيعتهم وغفلوا عن الجوهر ، فأخذ الإسلام طابع الأعاجم
في كل شيءٍ عندهم ، حتى إنه ليتميز من الإسلام الصحيح ، بما اقترن به في الجو
الأعجمي ، من تعطيل الإدراك ، وتخدير العقول ، والترخص في الفضائل والتلهي بالخيال ، والولوع بالخوارق ، وقد أدرك
عمر بن الخطاب ، ما يؤول إليه الأمر في تلك الديار فكان يحذِّرُ قومه بقوله : إياكم وأخلاق
الأعاجم .
لقد تعلَّم المسلمون
كثيراً ، من الفلسفات غير الإسلامية ، كاليونانية والافلاطونية الجديدة ، ومعها
عقائد الديانات الفارسية والهندية ، من الأمم الضالة وأدخلوها في الإسلام باسم التصوف ، وأطلقوا اسم
التصوف ، على كثيرٍ من العقائد ، والطرق الأجنبية
التي لا أصل لها في الكتاب والسنة .
وقد ارتكب بعض
الصوفية ، جنايةً لا يستهان بها حين دعوا
الناس إلى العزلة ، والرضا بالدون من العيش باسم الدين ، وصرفوا الناس عن حقيقة
الإسلام ، عند ذلك بدأت الصوفية ، تأخذ مكانها في المجتمعات الإسلامية ، ثم بدأت
نتيجة لذلك ، مفاهيم غير إسلامية ، تستعمل في حياة المسلمين مثل : الفناء في الله
، والحلول في الله ، والاتحاد بالله ، وفي الوقت نفسه ، بدأت طرقٌ غير إسلامية
، في التفكير والسلوك والحياة ، تظهر في
المجتمعات الإسلامية كطرق الدراويش ، ،
والمساكين والزهاد ، الذين ركزوا على ترديد الأوراد والأحزاب ، التي ابتدعها
الشيوخ ، ليصرفوا الناس بها عن تلاوة القرآن ، وتدبر معانيه كانت هذه الطرق ، تمثل
اتجاهً غير إسلامي ، في الهروب من الحياة العادية ، للمسلم العادي ، وفي إهمال
تعاليم الإسلام في الحياة ، وفي تربية أجيال النشىء من أبناء المسلمين ، تربية
منحرفةً عن المسارات الإسلامية . ثم تدرج هؤلاء الناس في تحرير أنفسهم ، عن قيود
الإسلام ، حتى أن بعضهم قال : بإسقاط الفرائض ، ولا علاقة للتصوف بالشريعة وما على الصوفي أن يقيد نفسه بالقانون وأحكام
الشريعة ، وإن أتباع الصوفية ، لا يعنيهم من الدين سوى المناسك ، والإسلام في
نظرهم ، لا يعدو الزاوية والمسبحة . وقد فرقوا بين الدين والدولة ، وقالوا هذا شيء
وذاك شيء آخر ، أما فهم الإسلام ، على أنه عقيدة ترخص في سبيلها المهج الأرواح ،
فهذا ما لا تتسع له أفهامهم ، ولا يجول بخاطرهم .
واتجه قسمٌ منهم إلى
البحث ، عن المعرفة في الذوق والشوق ، والمشاهدة والمكاشفة ، وغير ذلك من أفانين
التصوف ومبتكراته ، وقد شكلت أحوال الدراويش ، وادعاءات بعضهم ، بأنهم جزء من ذات
الله تعالى ، كابن الفارض وابن العربي ، وكذلك قطبيتهم - القطب هو الدرويش الذي
زعم الصوفيون أنه يمثل أحد أقطاب الكون - فقد شكلت محتوى طرقهم ، وأنظمتهم في
التربية الصوفية ، التي لم تلتزم بالوصف الإسلامي ، للتفكير والسلوك والحياة
والتربية فكانت مزاعم الحلاج مثلاً ، وهو
يمثل الشخصية الصوفية القيادية ، براهين واضحة ، على بعد التصوف عن نطاق الإسلام ،
وكان قد زعم في حياته أنه حل في الله واتحد معه .
لقد قادت الصوفية ،
أفكار اللاهوت المسيحي واليهودي ، ومقولات الفلسفة اليونانية ، وزرعتها كبذور غير
إسلامية ، في التربية الإسلامية ، التي كانت من قبل نقية ، كما بدأت الصوفية نحو
فصل الإسلام النقي عن حياة المسلمين وتفكيرهم .
إن الإسلام صريح في
إنكار الصوفية ، ولم يطلب من المسلمين ، أن يكونوا صوفيين ، أو أن يمارسوا التصوف
، فلا القرآن ولا السنة يدعو إلى التصوف
ومن الثابت الصحيح ، عن رسول الله ( ص (
قوله : (لا رهبانية في الإسلام ) وما قيل بأن رسول الله كان صوفي النزعة ، وأنه كان في حياته يتكلف
الزهد ويروض نفسه على الجوع والحرمان ،
ذلك غير صحيح ، فما كان عليه السلام من المتكلفين ، فهم أساءوا فهم بساطة العيش ،
وأخطئوا الحكم على فطرة الحياة ، التي كان يحياها النبي عليه السلام ، كما لم يثبت
أن صحابة رسول اللهﷺ ، وأئمة الإسلام الكبار من بعدهم ، مارسوا الصوفية أو
الزهد بالمعنى الصوفي .
لقد بني الإيمان في
الإسلام ، على مفردات الإيمان وأركان
الإسلام ، التي رسمها الوحي ، وعلى أساسها
لا مجال لأي مسلم ، أن يعزل نفسه ، عن المسلمين الآخرين ، أو يعزل المسلمين
الآخرين ، عن المجتمع الإسلامي ، وليس لأي مسلم ، من وجهة نظر الإسلام ، الحق في
أن يحتجز أتباعه ، ويقصر نشاطهم على الذكر ، وترديد أغاني التصوف لهم ، أو أن
يمنعهم من أداء واجباتهم الأخرى ، في حياتهم اليومية ليجرد نفسه من أداء واجبات الحياة ، كما رسمتها
شريعة الإسلام .
وينطبق هذا القول ،
على الزهد والتنسك ، الذي جعلت الصوفية منه المحور الأساسي ، الذي تدور عليه
تعاليمهم ، معتمدين على أحاديث موضوعة ، في فضل الزهد والزهاد ، حتى انخدع بها بعض
فقهاء المسلمين ، ممن لم يعنوا بتحقيق الأحاديث وتخريجها فهذا الغزالي في كتابه
الإحياء ، ساق أحاديث في باب الزهد ،لم يصح شيءٌ منها عند رجال الحديث .
إن أكثرية الأمم ،
التي خامرها المتصوفون ، وعاث فيها الزهاد ، استحلت الرضا بالتوافه ، وحرمت التطلع
إلى عظائم الأمور ، وهجرت من العقيدة صلب الحياة ، وأرست أوتادها ،حول أوراد
الشيوخ وأذكارهم ، وغفلت عن حقوق الله ، التي تتمثل كاملةً ، في رعاية مصالح الأمة
، حتى أصبح حرص الصوفي على تنسيق لحيته ، وإرخاء عذبته ، وحمل مسبحته ، أكثر من
حرصه على التطلع ، إلى حمل السلاح للجهاد ، ناسياً أن بلاداً إسلامية تحتل .
إن الزهد عند الصوفية
، يتمثل في ترك الدرهم والدينار ، والتجرد من العمل والكسب ، وعدم المبالاة بما
حوله ، والإعراض عن الطيبات من الرزق ومع
هذا فإن نهم الصوفية ، الزاهدين في الطعام
تراهم في حفلات الموالد ، عند تقديم الموائد ، يأتون على ما فيها من الأخضر
واليابس ليس من الإسلام ، أن يكون المسلم
، عاطلاً عن العمل ، ولا يبالي بما حوله ، ويهمل واجباته .
إن مثل هذا التصوف ، ليس من الإسلام في شيء أبدا
، إنما التصوف في حقيقة الأمر ، عبارةً عن حب الله ورسوله الصادق ، بل الولوع بهما
، والتفاني في سبيلهما ، وذلك يقتضي ألا ينحرف المسلم ، عن إتباع أحكام الله
ورسوله .
لقد عمد بعض الصوفية
، إلى الظهور بالخوارق ، في الأوساط الإسلامية ، تحت ستار الولاية ، وقالوا لا
تتحقق ولاية بغير كرامة ، وأنها نتيجة العمل بالكتاب والسنة . أما معنى الولاية
عندهم ، فهي تسخير قوى الكون للولي ، بقوةٍ روحانية ، وتكون مظاهرها بإطالة الشعر ، ولباس المرقع ، والتشرد في
الأرض . ثم قسموا الولاية لأنفسهم ، على أساس الكرامات ، إلى مراتب في الولاية
أعلاها القطب مما لا داعي له ، لأن الكرامات لو كانت دليل صلاح وتقوى ، لكان
الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، أحق بها من هؤلاء المتمشيخين المتأخرين ، الذين
تنسب إليهم الكرامات بغير حساب .
إن كل ما يقال في
الكرامات ، هو من قبيل الادعاء والشطح ، وهي أمراض لأعراضٍ نفسيةٍ معقدةٍ ، على أن
ادعاء الصوفية في باب الكرامات لا يقف عند
حد ، وشعارهم في ذلك قولهم : كل ما كان
معجزةً لنبي ، جاز أن يكون كرامةً لولي
وللصوفية في معاملة
أتباعهم ، تقاليد بنيت على إذلال المريدين ، وإخضاعهم لأغراض الشيوخ فقد أوجبوا عليهم الطاعة المطلقة ، والانقياد
الأعمى ، فلا يجوز لمريد أن يعترض على شيء مما يفعله شيخه ، إضافة إلى تقبيل يد
الشيخ والوقوف له ، والسير خلفه ،
وتقديمه على نفسه وولده .
ويعتمد بعض الصوفية
على نوع من العلم الغيبي يطلقون عليه -
اسم العلم اللدني - يدَّعون تلقيه عن الله بلا واسطة .
وموضوع هذا العلم :
الفيوضات والتجليات والكشف والكرامات ، والتحقق بهذا العلم معناه الولاية ، وهي
عندهم تسخير قوى الكون ، وفق إرادتهم ، والتصرف في الموجودات ، بالاسم الأعظم والقدرة على إتيان الكرامات والخوارق والنطق بالسريانية ، وهي عندهم لغة الملائكة
وأهل الجنة .
ومن فروع هذا العلم :
استخدام الطلسمات والحروف والأرقام ، في شفاء الأمراض ، وكتابة التعاويذ . وأصل
هذا العلم عندهم ، يرجع إلى الخضر صاحب
موسى عليه السلام ، لأنه في نظرهم إمام الأولياء والمساكين .
وللشيوخ وعجائب
أحوالهم ، حكاياتٌ وأراء كما نسمع من طي الأرض لهم في سياحاتهم حتى عرف بعضهم بأهل الخطوة ، ومن الدعاية لشيوخ
الطريقة وما أُحيطوا به ، من جو الكرامة
والقداسة , حتى أن السذَّج ، يخشعون لذكراهم ويتندرون بحكاياتهم وكراماتهم ، وإذا
ما اعترضت ، هبوا في وجهك يحذرونك ، وكأنك أتيت منكراً .
ولقد حذَّر العلماء
من هؤلاء الناس ، فقالوا : إذا رأيت رجلاً يطير في الهواء ، أو يمشي على
الماء أو يقطع المسافة البعيدة في طرفة
عين ، فلا تغترَّ به فهناك بعض العوام ،
ممن لا يعرف لهم صلاح قد تظهر على أيديهم بعض الخوارق ، فلا تسمى كرامة بل معونةً من الله ، ولا يسمى صاحبها ولياً ،
لأن الله لا يتولى إلا الصالحين .
إن فريقاً من الصوفية
، قد بلغ درجة الإسراف في إسناد معجزاتٍ وقصص
، نصت الكتب الصحيحة على كذبها ، كقصة صخرة بيت المقدس ، التي زعموا أنها
انطلقت تعدو خلفه يوم عُرج به ، حتى أمسكها جبريل ، فظلت معلقة بين السماء والأرض
.
ومن الشطحات الصوفية
، التي تدل على فساد نظرتهم إلى الرسول الأمين ، وخروجهم عن حدود الحقيقة عندما يجعلون محمداً ﷺ أصل الوجود ، والسبب
في كل موجود ، ولعلهم تأثروا في ذلك بالفلسفة اليونانية ، التي تجعل لكل قوة من
القوى إلهاً تقوم به ويا ليتهم تمثلوا ما ذكره المناوي ، فيما يرويه عن أحمد وأبو
داود أن رجلاً قال للمصطفى ( أنت سيد قريش
فقال له : السيد الله ، قال : أنت أعظمها طولاً وأعلاها قولاً ، فقال ﷺ : يا أيها الناس قولوا بقولكم ،
ولا يستهوينكم الشيطان ، أنا عبد الله ورسوله ) .
لقد بقيت كتب الصوفية
في طي النسيان ، حتى جاء المستشرقون ، ينقبون عن مادة جديدة للفتنة ويثيرون الخلاف بين المسلمين من جديد فوجدوا ضالتهم في آثار الصوفية ، فاهتموا بها ،
حتى أنه يمكن القول ، بأن بحوث التصوف الحديثة وكتاباته ، ترجع كلها إلى عمل
المستشرقين ، ولما حذقوا هذه العلوم وغيرها ، تكلموا فيها وصاغوا نظرياتهم المعادية للإسلام والمسلمين وتبعهم تلامذتهم من أبناء
المسلمين ، على هذا النهج ، جهلا بأغراض الاستشراق .
إن محاربة المعتقدات
الجاهلية ، أمرٌ لا بد منه لتطهير المجتمع
المسلم ، من شوائب الشرك وبقايا الضلال
ولا بد من الإعراض ، عما يقال عن الأسباب الخفية المزعومة ، التي يلجأ
إليها ويروجها عادة ، سدنة المعابد ، ومحترفو الدجل الذين يدّعون معرفة الغيب عن طريق اتصالهم بالجن .
لقد حارب الإسلام هذا
النوع من الدجل ، الذي لا يقوم على علم ، ولا هدى ولا كتاب مبين ، قال تعالى : { قل
لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } النمل 65 .
وقد أُشرك معهم في الإثم ، الذين يجيئونهم
ويسألونهم ويصدقونهم في أوهامهم
وتضليلهم فقال ﷺ (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما قال
، لم تقبل له صلاةً أربعين يوماً ) رواه مسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق