التوحيد : هو واجب الله على بني الإنسان ، بأن
يعبدوه ويوحدوه ، في أُلوهيته وربوبيته ، ولا يشركوا به شيئا ، لقوله تعالى :{وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}الذاريات 56 . والتوحيد تحقيق لمضمون لا إله إلا
الله ، الكلمة التي تجمع دين الله ، والتي قامت عليها رسالات الأنبياء جميعاً ،كما
أخبر تعالى :{وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ، إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا
فاعبدون}الأنبياء 25 . إنه العبادة التي كلف الله بها عباده ، أمراً بكل ما
فرضه الله تعالى وأوجبه ، أو رغب فيه من الطاعات وحظراً بكل ما نهى عنه ونفَّر منه
، أو كرهه الله تعالى من المحرمات .
وسبب التكليف هذا ، هو الابتلاء من الله ، ليظهر
به المحسن من المسيء ، لقوله تعالى : {ليبلوكم أيكم أحسن عملا }هود 7. ومشروعية
التكليف هذه ، مبنية على الزام الرب ، والتزام العبد .إلزام يتمثل بفعل المأمور ،
وترك المحظور بلا تفريط . والتزام يتمثل بما يوجبه العبد على نفسه لربه ، بطريق
النذر .
ما هي أركان التوحيد ؟
هي الإسلام ،
والإيمان ، والإحسان ، فالإيمان به : هو التصديق بما جاء به الرسول ﷺ
مما علم من الدين بالضرورة ، وقد فسره النبي عليه السلام ، في الحديث الطويل الذي
رواه مسلم ، عن عمر بن الخطاب ، عندما سأل جبريل النبي عليه السلام قال : (فأخبرني
عن الإيمان ، قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله واليوم الآخر :
وتؤمن بالقدر خيره وشره ).
وأما الإسلام له ، فيكون بالامتثال
والانقياد لما جاء به النبي عليه السلام ، مما علم من الدين بالضرورة ، أو قام
عليه الدليل اليقيني . وقد فسره رسول الله (ص ) في حديث جبريل الذي رواه البخاري (قال:يا
محمد أخبرني عن الإسلام ،قال : الإسلام أن تشهد أن لا اله إلا الله ، وأن محمداً
رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت
إليه سبيلا) . إن الإيمان ، من الباطن الذي يستقر في القلب ، نيةً واعتقاداً .
وإن الإسلام هو الظاهر الذي يتجلى في عمل الجوارح . وإن كمال الإيمان وتمام
الإسلام ، هو الإحسان الذي فسره النبي عليه السلام بقوله : (أن تعبد الله كأنك
تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).
فما هي مراتب
العبادات إذن في دين التوحيد ؟
إنها مندرجةٌ من
الأهم إلى المهم ، وقد قسمت المأمورات تبعاً لذلك ، إلى الركن والفرض والواجب
والمسنونات . كما قسمت المحظورات ، إلى الكبائر والصغائر والمكروهات .
ومن أكبر الكبائر
الكفر ، وهو على أربعة أنحاء :
الأول : كفر إنكار : بأن لا يعرف الله أصلاً ولا
يعترف به ، بأن يكفر بقلبه ولسانه ، ولا يعرف ما يُذكرُ له من التوحيد ، كما في
قوله تعالى : { إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون }البقرة
6 ، أي الذين كفروا بتوحيد الله .
الثاني : كفر جحود :
بأن يعترف بقلبه ، ولا يقرَّ بلسانه ، فهو جاحدٌ كافر ككفر إبليس ، ومنه قوله
تعالى :{ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}البقرة 89
الثالث : كفر معاندة
: أن يعترف بقلبه ويُقرَّ بلسانه ، ويأبى أن يقبل كأبي طالب عم رسول الله (ص )
الرابع : كفر النفاق
: بأن يقرَّ بلسانه ويكفر بقلبه ولا يعتقد .
واعلم يا أحي المسلم
، أن من سب الله أو دينه ، كما هو حال كثيرٍ من الناس ، ومنهم من يرتاد المساجد ،
ويحافظ على الجمع والجماعات ، ليعلم هؤلاء أن من أتى بلفظ الكفر حبط عمله ، وتقع
الفرقة بين الزوجين ، ويجدد النكاح بعد تجديد الإيمان ، والتبرّي من لفظ الكفر ،
ولو أتى بالشهادة عادةً ولم يرجع عما قال ، لا يرتفع الكفر عنه ، ويكون وطؤه زنا ،
وولده ولد زنا .
ما هي أقسام التوحيد؟
توحيد الربوبية ، و
الألوهية ، والأسماء والصفات .
فما هو توحيد
الربوبية ؟
هو توحيد الله بجمع
أفعاله ، من الخلق والرزق ، والإماتة والإحياء ، وإمساك السموات والأرض من الزوال
أما توحيد الألوهية :
هو توحيد الله من
عباده ، بجميع ما يفعلونه ، ومما شرع لهم من العبادات التي تعبدهم بها ، وهذا ما
جحده الكفار ، وخاصموا رسلهم من أجله ، فأوجب الله جهادهم ، وأباح دمائهم وأموالهم
.
وأما توحيد الأسماء
والصفات :
فهو الإيمان بكل ما
ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية ، من صفات الله ، نصفه بها كما وصف نفسه ،
وكما وصفه رسول الله ﷺ ، بلا تكييف ولا تعطيل ، ولا تشبيه ولا
تمثيل ، ولا تحريف ولا تأمين ،لأن ذلك خروج بها عن حقيقتها ، إلى الميل والإلحاد
في معانيها ، قال تعالى :{وذروا الذين يلحدون في أسمائه ، سيجزون ما كانوا
يفترون}الأعراف 130 .
وأخيراً ما هي أصول التوحيد ؟
هي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه ،
وذلك يكون بمعرفة آياته ومخلوقاته ، وأثار قدرته في كل شئ . وطريق الوصول إليها
يكون بكتاب الله ، وسنة نبيه ﷺ وهذه الأصول هي :
أولاً : الأيمان بربوبية الله .
ثانيا : الأيمان بملائكته .
ثالثاً : الأيمان بكتبه .
رابعاً : الأيمان برسله .
خامساً : الأيمان باليوم الآخر
.
سادساً : الأيمان بالقدر : نؤمن به
ولا نحتج به ، فلوا كان القدر حجه للعباد ،لم يعذب أحداً من الخلق ، لا في الدنيا
ولا في الآخرة ، ولما أقيم الحد على ذي جريمة ، وعندما سئل النبي عليه السلام عن
هذا قال ( ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ، ومقعده من النار . فقيل
يا رسول الله ، أفلا ندع العمل ؟ ونتكل على الكتاب ؟ قال : لا . اعملوا فكل ميسر
لما خلق له ) ثم قرأ{ فأما من أعطى واتقى ،وصدَّق بالحسنى ، فسنيسره لليسرى ، وأما
من بخل واستغنى ، وكذب بالحسنى ، فسنيسره للعسرى }الليل 6 . فالله سبحانه علم
الأمور ، وكتبها على ما هي عليه ، بناءً على علمه المسبق بأفعال العباد ، فقد كتب
الله ما يصير إليه العباد ، من الشقاوة والسعادة ، وجعل الأعمال سبباً للثواب
والعقاب .
سابعاً : الإخلاص في العمل : وحقيقته النية بسلامتها ، وذلك بطمأنينة القلب
، وحُسن القصد والسكينة واليقين ، مع التسليم للمأمور ، والرضى بالمقدور ،
والإعراض عن المحظور .
ثم الكلمة بصدقها ، بعيداً عما يهدم الأعمال كلياً وجزئياً ، من النفاق
والكذب ، والخيانة والرياء والسمعة والشك والشبهة .
ثامناً : الحب والكره لله وفي
الله ، وكره من كرههم الله ، وذلك من ثمرات الإخلاص .
تاسعاً : الخشية والرجاء .
فالخشية : تعظيم الله خوفاً من
عقابه .
والرجاء : إحسان الظن بالله تعالى ،
أملاً في ثوابه ، ودفع النفس إلى الطاعة ، ومنعها من المعصية . العاشر : الولاء . ويقصد به
الدخول في الإيمان والإسلام والطاعة ، ونصره الله ورسوله للمؤمنين وطريق الموالاة
لله ، تكون بإتباع كتابه الكريم ، وللرسول بالإقتداء بسنته ، وللمؤمنين بالتذلل
لهم وخفض الجناح ولين الجانب ، وإخلاص النصح وبذل المشورة .
الحادي عشر : التبرؤ من الجاهلين :
والتبرؤ الخروج من الكفر ، والشرك والمعصية .
الثاني عشر : الدعاء : وهو إعلان من العبد عن عبوديته ، وضعفه وعجزه ،
وإعلان عن ربوبية الله وقدرته وحمديته
الثالث عشر : وهي الرجوع عن المعصية والدخول في الطاعة .
الرابع عشر : ابتغاء الوسيلة وطلب
الشفاعة : وهي التقرب إلى الله بعمل صالح وطلب الشفاعة وهي التقرب إلى الله به
تعالى ، أو بكرامة عمل صالح ، أو بدعاء كريم عند الله من نبي مرسل ، أو ولي صالح
من المؤمنين ، وقد اتفق المفسرون على أنها القربة والطاعة . و شفاعة الله معينته
ورحمته ورضوانه ومغفرته ، أما شفاعة الملائكة ، فهي استغفارهم لمن في الأرض ،
والصيغة المشروعة في طلب الشفاعة : أن يتوسل إلى ربه فيقول : اللهم اشفع لي ، أو
يقول اللهم شفِّع فيَّ ملائكتك ، وكتبك ورسولك المصطفى محمد ﷺ .
الخامس عشر : الحلف بالله .
السادس عشر : النذر لله : وهو أن يوجب العبد على نفسه لربه ما يفعله ، أو
يتركه بصيغة النذر والوفاء به واجبٌ شرعاً ، ولا يقبله الله إلا بشرط التقوى
والإخلاص ، لقوله تعالى {إنما يتقبل الله من المتقين }المائدة 27 .
السابع عشر : الذبح لله : وهو من النسك ، وهو عبادةٌ تصرف لله وحده ، ومن صرفها لغير الله
فقد أشرك ، لقوله تعالى : {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين لا شريك له}الأنعام 162 وتعظيم
الله في الذبح ، يكون بذكر أسمه عليها دون غيره ، والتقرب بها إلى الله وحده دون
سواه .
الثامن عشر : الجهاد في سبيل الله : وهو بذل
الجهد في القتال ، لدفع الظالمين المستكبرين ، والدفاع عن المظلومين من المستضعفين
، لإعلاء كلمة الله على الأرض كلها .
التاسع عشر : الهجرة
في سبيل الله : وهي الانتقال في مرحلة الضعف والعجز ، من دار الكفر والظلم إلى دار
الإسلام والعدل ، فرارا بالدين وطلباً لنصره المسلمين .
العشرون : الحكم
والتحاكم : الحكم بما أنزل الله ، والتحاكم إلى ما أنزل الله ، والحكم في الإسلام
يقوم على أسس وأصول ، من الالتزام بالشورى ، والحق والعدل ، وتحقيق المساواة ،
والحرية والإخاء ، ورعاية شؤون الناس ، من جلب المنافع لهم ، ودفع المضار عنهم ،
وتنفيذ الحدود وإعلان الجهاد ، وإظهار
الشعائر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الحادي والعشرين :
شعائر الإسلام وشعائر الكفر : شعائر الإسلام : هي العبادات التي يعرف بها المسلم ،
أو يحكم له بوصف الإسلام ، وتتمثل في الأركان من المسنونات .
أما شعائر الكفر : فهي معاصٍ صغيرة وكبيرة ،
يعرف بها الكافر ، و أعظمها نقص الأركان ، وقول الزور والزنى ، وقتل النفس وأكل
الربا .
الثاني والعشرون :
البسملة والحمد له : والبسملة هي أول ما أمر الله به نبية : في أول ما أنزل من
قرآن . قال تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وفي البسملة تعظيم لمقام الرب
بذكر اسمه ، ونسبة الفعل إليه ، وفيه تأدبٌ وخضوعٌ من العبد ، وأما الحمد له ،
فيدخل فيه الثناء ، وهو حمد باللسان والشكر حمدٌ في مقابل النعمة ، ويعمّ الحمد
فيكون على النقمة كذلك ،لأن الله يبتلي عبده بالنعمة والنقمة ، يشكر في الأول ،
ويصبر ويحتسب في الثانية .
وإذا كان الحمد
مطلوباً في السراء والضراء ، فإن الشكر مطلوب لتدوم النعم وتزيد لقوله تعالى
:
{لئن شكرتم لأزيدنكم
} إبراهيم 7 ، ومن شكر النعمة إعلانها والتحدث
بها ، لقوله تعالى :{ وأما بنعمة ربك فحدث }الضحى ، وذكر
الله أن كفران النعمة يؤدي إلى الهلاك قال تعالى : { وإذا أردنا أن
نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
}الإسراء 16
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق