إن
القروض التي تقدمها الدول الكبرى لدولنا ، هي نوع من أنواع الاستعمار ، حتى أن
سياسة الدول الكبرى ، تقوم على إثارة القلاقل ، في البلاد التي تمتنع عن أخذ هذه
القروض .
ثم
إن تمويل الدول الكبرى ، للمشاريع في بلادنا ، هي أخطر طريق تسلكه دولنا ، وما
استُعْمِرَتْ البلاد إلا عن طريق هذه الديون .
وقد
كانت الدول الغربية ، قبل الحرب العالمية ، تسلك أسلوب إعطاء المال قرضاً ،ثم تدخل
عن طريق هذا القرض ، لتتغلغل في البلاد .
أما
هذه الأيام فإن الطريقة التي تُعطى فيها
هذه القروض ، تتم بإرسال خبراء ، لمعرفة مقدرة البلاد المالية ، أي معرفة أسرارها
الاقتصادية ، وتحديد المشاريع التي تُنْفَقُ عليها هذه القروض ، فهي تعطي القروض ،
وتنتظر ارتباك الدول المقترضة ، وتتخذ ذلك وسيلةً ، لوضع يدها على مقدرات البلاد ،
بل قد تحدد الطريق التي يَحْصُلُ بها الارتباك ، بعرض مشاريع معينه ، وبشروط معينه
، حتى تؤدي هذه القروض إلى الفقر والفوضى ، وهذا ما نلاحظه من أن القروض الأجنبية
، ما سببت إلا الفقر والضيق والبطالة في البلاد المقترضة .
وقد
صرح مسئولون غريبون ، بأن قروضهم سببت الفقر
للبلدان التي اقترضت منهم ، فهذا وليام دوغلاس أحد قضاه المحكمة العليا
الأمريكية ، يقول في خطاب له في اجتماع ما سوني : إن هناك دولاً كثيرةً ، ازدادت
حالتها سوءاً ، نتيجةً لتلقيها مسا عدةً أمريكية … وتابع قائلاً : لقد أصبح
كبار المسؤولين في تلك الدول ، أثرياء نتيجةً للمساعدة الأمريكية ، وفي الوقت ذاته
، أخذ أفراد عامة الشعب يهلكون جوعاً .
إن
القروض الأجنبية ، ما هي إلا أسلوبٌ من أساليب الاستيلاء على البلاد المقترضه ،
وبسط النفوذ والسيطرة عليها . وهذه القروض إما أن تكون طويلة الأجل ، أو قصيرة
الأجل ، أما القصيرة الأجل فإن المقصود منها ، ضربُ عملات البلاد ، لإيجاد
اضطرابٍ فيها ، وحين تُسْتَحَقُ هذه القروض
فإنهم لا يقبلون السداد ، بالعملات المتداولة في البلاد المقترضه ، بل
يشترطون أن يكون السداد بالعملات الصعبة ، وهي الدولار أو الجنيه الإسترليني .
وعندما تعجز هذه البلاد عن التسديد بالعملات الصعبة ، لحاجتها إليها ، مما يضطرها
إلى شراء هذه العملات ، بأسعارٍ عاليةٍ بالنسبةِ إلى عملتها ، مما يُؤدي إلى هبوط قيمة العملة ،
المتداولة في البلاد المقترضة ، ويضطرها إلى أن تلجأ إلى صندوق النقد الدولي ،
والذي يتحكم في عملاتها ، حسب السياسة التي تراها الدول المقرضة لأنها المالكة
لأسهم صندوق النقد الدولي ، وهي التي تُسيطرُ عليه .
أما القروض الطويلة الأجل ، فهي تُعْطى لآجال
طويلة ، فتتراكم هذه الديون ، وتصبح مبالغ ضخمه ، فتعجز البلاد عن تسديدها نقداً ،
أو أموالاً منقولة ، فتضطرُّ إلى تسديدها أموالاً غير منقولة من أراضٍ وعقارات ،
وبذلك يُصبح لهذه الدول الدائنة ، مصالح تُؤدي إلى بسط نفوذها ، على الدول المدينة
.
هذا
هو واقع ديون صندوق النقد الدولي ، وحكم الشرع فيها أنها حرام ، من حيث كونها ربا
.
إن
الصراع في العالم اليوم ، القائم على الفكرة المادية عن الحياة ، وهو قويٌّ وعنيف
، وإن دول الكفر تتنازع النفوذ في العالم ، بهدف إيجاد أسواقٍ رابحةٍ لها ، ونحن
هذه الأسواق .
وهناك
صراعٌ آخر ، وهو الأهم في نظرهم ، إنه الصراع بين الإسلام ودول الكفر ، لأنه القوة
الحقيقية التي تقف في وجه الفكرة المادية ، التي تدين بها هذه الدول , ولأن
الإسلام هو الذي يتضمن التصور الكلي ، عن الوجود والحياة ، ويقيم التكافل
الاجتماعي ، مقام الصراع والنزاع ، ويجعل للحياة قاعدة روحية ، تصلها بالخالق
سبحانه وتعالى في السماء ، وتسيطرُ على اتجاهها في الأرض ولا تنتهي بالحياة إلى تحقيق أغراضٍ مادية بحتة
.
إن
الإسلام هو وحده ، الذي يقف في وجه تلك التيارات ، التي لا يوجد لديها أية فكرةٍ
عن الحياة الإنسانية ، لأنه نظامٌ شاملٌ ، فيه العقيدة ، والتشريع ، والتنظيم
الاجتماعي والاقتصادي ، الخاضع للتشريع ، والقابل للنمو في الفروع والتطبيقات ،
كما يقدم للبشرية ، تصوراً شاملاً كاملاً عن الوجود والحياة ، ونظاماً عملياً
واقعياً للمجتمع ، وشريعة مفصَّلةً ، قابلةً للنمو الذي تتطلبه حاجات المجتمع
المتجددة ، ويُقيم نظامه على هذا الأساس ، كما يُقيم السلوك على أساس مزج المادة
بالروح ويرفض الفكرة التي تجعل المنفعة
عقيدة ، مما يُؤكد لنا أن الصراع الحقيقي ، في المستقبل القريب سيكون بين الإسلام ، الذي يجعل العبودية لله
وحده ، ويُخرج الناس من عبادة العباد ، إلى عبادة الله وحده ، وبين سائر الأنظمة
في العالم ممثلةً في الرأسمالية ، التي تقوم على أساس عبودية العباد ، مما دفع دول
الكفر للعمل على سحق حركات البعث الإسلامي ، في كل مكان .
إن
على كل مسلمٍ أن يُدْرِكَ هذه الحقيقة ، وأن يُدركَ أن الإسلام هو القوة الحقيقية
، التي تحسب حسابها دول الكفر . مما يوجب على المسلم ، أن يسلك طريق العمل لتحكيم
كتاب الله بعد توقف أما الطريق الذي تسلكه
بعض الفئات ، التي تظن أن الإسلام قائم ، بدليل السماح لهم ببعض الممارسات
الإسلامية بحرِّيه ، ظانين أنهم بذلك ، قد أدوا واجبهم تجاه ربهم ، إن هؤلاء الذين
يدَّعون الإسلام ، ويتسمون بأسماء المسلمين هم فعلاً مسلمون ، وأن الأوضاع
العلمانية السائدة في الأرض هي أوضاعٌ
إسلامية ،كالوضع الذي أقامه أتاتورك ، يوم أن عمل على هدم الخلافة الإسلامية والدعاة على مفترق الطريق ، فإما أن يلقوا ما
لقيته الجماعة المسلمة الأولى ، من الاضطهاد والتعذيب ، ومن الصبر والمصابرة حتى
تم لها النصر والتأييد ، ومكن الله لها في الأرض في نهاية المطاف وإما أن تسير وراء سراب كاذب ، تلوح لها فيه من
بعيد ، فئاتٌ تحَّرفُ الكلم عن مواضعه
وترفع راية الإسلام على مساجد الضرار ، وتضع لافتات اسلاميه على معسكرات
الفجور والانحلال إن أملنا بالله كبير ،
أن يفتح البصائر على الحق ، وان يفتح العيون على الواقع ، لتثبيت مفاهيم الإسلام ،
والمطالبة بدستور الهي ، لا يعتريه تغيير أو تبديل ، ألحا كمية فيه لله وحده ، ولا
طاعة فيه لمخلوق في معصية الخالق ، ولا فضل فيه لإنسان على إنسان إلا بالتقوى .
إننا
في جاهلية عمياء ، وواجب المؤمن ، أن يصدع بأمر الله ، إننا إن فعلنا ذلك انتصرنا
، وإلا توالت هزائمنا ، والعياذ بالله من ذلك وهو المستعان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق