الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

نصرة المسلمين فرض


ها هي إسرائيل تهاجم الفلسطينين وتفرض عليهم حصاراً ظالماً ، وهم يستغيثون ويستنصرون ولا مجيب لهم ، ولكنهم أثبتوا أن بطن الأرض خيرٌ من ظهرها لأمة كل مواقفها وفق هوى إسرائيل ومصلحتها ، وتحولوا عن مواقع النصر في داخل أنفسهم إلى مواقع الهزيمة أمام أعدائهم ، وأمام هذا الجبن والتخاذل المريب ، اعتمد الفلسطينيون على أنفسهم في مواجهة هذه الهجمة الشرسة   التي أحرقت ومزقت ودمرت وأخرجت العديد من بيوتهم ، وقسماً كبيراً منهم وقع في الأسر   إنها حملة ظالمة خلَّفت وراءها الكثير من المآسي  من بكاء الثكالى والأرامل إلى  ما رأيناه من الأوصال المقطعة ، إلى الأطفال الذين لا يجدون ما يسد رمقهم ، والجرحى الذين لا يجدون الدواء  بل منع عنهم الإسعاف فمات الكثير منهم  ورغم ذلك ترى عجبا رغم القصف بالصواريخ والدبابات والحصار المحكم ، فإنهم يتصدون لليهود بقوة وصلابة وبطولات فائقة ، ويوقعون في صفوفه ما يؤلمه ويخزيه ، وذلك بما قدمه ويقدمه الشباب الاستشهادي من بطولات فذة  ستكون مضرب الأمثال على مدار التاريخ ، وقد كانت أم الشهيد فرحات مثالاً رائعاً وهي تودع ابنها الذي انضم إلى قافلة الشهداء الأبرار ، كان لها موقفاً عزّ أن يكون مثله في التاريخ المعاصر   أما تاريخنا القديم فقد كان لها فيه سابقة ، إنها الخنساء كما روى المؤرخون  أنها شهدت حرب القادسية تحت راية سعد بن أبي وقّاص ، وكان معها بنوها الأربعة ، فجلست إليهم وهي تحثهم على القتال والثبات ، وكان من قولها لهم :" أي بنيّ إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين . . وقد تعلمون ما اعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين ، واعلموا أن الحياة الباقية خيرٌ من الدار الفانية ، والله تعالى يقول :
 } يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون{.آل عمران 200 . فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين ، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائكم مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرّت عن ساقها فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رئيسها تظفروا بالغنم في دار الخلد " .
فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب فتية وأنوف حميَّة ، إذا فتر أحدهم ذكّره أخوه وصية الأم العجوز ، فزأر كالليث وانطلق كالسهم والصاعقة ، ونزل كقضاء الله على أعداء الله وظلوا كذلك حتى استشهدوا واحداً بعد واحد . وبلغ الأم نعي الأربعة في يوم واحد فلم تلطم خداً ولم تشق جيباً ، ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين وصبر المؤمنين وقالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته". فما الذي جعلها تقف هذا الموقف ؟ إنه الإيمان صانع المعجزات .
فماذا قدم العرب والمسلمون ، ولماذا لا تحارب   جيوشهم اليهود ، أم أنها أعدت للعرض والاستعراضات ، وقمع الاضطرابات والمظاهرات  والمحافظة على أمن الحكومات ، ولماذا يصمت المفكرون والمفكرات ، أم أن مهمتهم اقتصرت على  حقوق المرأة وحوار الأديان والتفاهم بين الحضارات ، ولماذا الأمة تائهة حيرى لا تسأل      عما يجب فعله لنصرة المجاهدين في فلسطين أم أنها لا تعلم بأن نصرتهم فرض على المسلمين قال تعالى:}والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير{الأنفال 73   فإذا لم يجانبوا المشركين ويوالوا المؤمنين  وقعت الفتنة في الناس ووقع الفساد في الأرض  بطغيان الجاهلية على الإسلام ، وطغيان ألوهية العباد على ألوهية الله ، ويصبح الناس عبيداً للعباد ، وهذا هو أفسد الفساد  الذي يتحمل المسلمون تبعته  ويتحملون نتيجة تنكرهم لما فعله الإيمان بأمة العرب   الذي حولهم من رعاة غنم إلى رعاة أمم  ومن قبائل بداوة إلى أمة حضارة ، والذي يرجع إلى الإيمان الذي صبه محمد e في نفوس أصحابه ، فنقلهم من حال إلى حال ، وفي تاريخنا الأمثلة الكثيرة على صدق ما نقول ، فهذا عمر بن الخطاب الذي رووا أنه بلغ من انحراف العقل أن عبد إلهاً من الحلوى ثم جاع يوماً فأكله ، ومن انحراف العاطفة ، أن وأد بنتاً صغيرة له كانت تمسح الغبار عن لحيته وهو يحضر لها مكانها في التراب ، عمر هذا يبلغ من سمو العاطفة ورقة قلبه وخشيته لله ، ما ملأ صفحات التاريخ بآيات الرحمة الشاملة للمسلم وغير المسلم ، بل للإنسان والحيوان حتى قال : " لو عثرت بغله في العراق لسألني الله عنها لم تصلح لها الطريق يا عمر " .
ومثال آخر لما فعله الإيمان من الأقدام إلى التضحية بالنفس في سبيل الله ، يتمثل في إقدام البراءُ بن مالك الأنصاري ، عندما التقى جيش المسلمين بجيش مسيلمة على أرض اليمامة في نجد  ورجحت كفةُ مسيلمة وأصحابه ، وتراجع المسلمون عن مواقعهم ، واقتحم أصحاب مسيلمة خيمة خالد بن الوليد ، واقتلعوها من أصولها وكادوا يقتلون زوجته لولا أن أجارها واحد منهم ، عند ذلك شعر المسلمون بالخطر الداهم   وأدركوا أنهم إن يهزموا أمام مسيلمة ، فلن تقوم للإسلام قائمةٌ بعد اليوم ، وهب خالد في جيشه فأعاد تنظيمه ، حيث ميز المهاجرين عن الأنصار  وميّز أبناء البوادي عن هؤلاء وهؤلاء وجمع أبناء كلِّ أب تحت راية واحدة منهم ، ليُعْرَفَ بلاءُ كُلِّ فريقٍ في المعركة ، وليُعُلَمَ من أين يُصابَ المسلمون ، ودارت بين الفريقين رحى معركة لم تعرف حروب المسلمين لها نظيراً من قبل  وكانت هناك بطولات خارقة ، كان من أكثرها إقداماً ما قام به البراء ، وعندما حميت المعركة واشتدت   التفت إليه خالد بن الوليد وقال له : إليهم يا فتى الأنصار فالتفت البراءُ إلى قومه وقال يا معْشر الأنصار لا يُفكِرَنَّ أحد منكم بالرجوع  إلى المدينة  فلا مدينة لكم بعد اليوم ، وإنما هو الله وحده ثم الجنة ، ثم حمل على المشركين وحملوا معه وبدأت الهزيمة على مسيلمة وأصحابه فلجأوا إلى الحديقة ، التي عرفت في التاريخ باسم حديقة الموت ، لكثرة ما قتل فيها في ذلك اليوم ، لأن مسيلمة وجيشه لجئوا إليها واغلقوا أبوابها  وحصنوا أعالي جدرانها ، وجعلوا يمطرون المسلمين بنبالهم من داخلها التي تساقطت على المسلمين تساقط المطر ، عند ذلك تقدم البراء بن مالك وقال يا قوم  ضعوني على ترس وارفعوا الترس على الرّماح ، ثم اقذفوني إلى الحديقة قريباً من بابها فإما أن استشهد وإما أن أفتح لكم الباب  وفي لمح البصر جلس على ترس وكان ضئيل الجسم ورفعته عشرات الرماح ، فألقته في حديقة الموت بين الآلاف المؤلفة من جند مسيلمة فنـزل عليهم نزول الصاعقة ، وما زال يجالدهم أمام باب الحديقة ويُعْملُ في رقابهم السِّيف حتى قتل عشرة منهم وفتح الباب وبه بضع وثمانون جراحةً من بين رمية بسهم أو ضربةٍ بسيف ، فتدفق المسلمون على حديقة الموت ، ودخلوها وقتلوا مسيلمة والكثير جداً من جنوده ، وحُمل البراء ليداوى ، وأشرف خالد بن الوليد على علاجه لمدة شهر حتى أذن الله له بالشفاء .
ومثال آخر في معركة بدر عندما دنا المشركون قال رسول الله e ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ) فقال عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض ؟ فقال : نعم ! قال : بخٍ بخٍ ؟ فقال رسول الله e ما يحملك على قول بخٍ بخٍ ؟ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها   قال فإنك منهم قم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة ، قال فرمى ما كان معه من التمر ، ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله . 
بمثل هذه المواقف الجهادية التي سار استشهاديوا فلسطين على نهجها ، وقدموا من التضحيات ما تعجز عنه الشعوب المعاصرة ، التي تعيش حياةً كلها أقفالاً معقدة وأبواباً مغلقة ، وعقولاً مقفلة أعيا فتحها الحكماء والفلاسفة ، و ضمائراً مغلقة أعيا الوعاظ والمرشدين فتحها ، وقلوباً مقفلة أعيا فتحها الحوادث ، أقفال وأقفال أخفق الكبار وفشلوا في فتحها ، لأن القفل لا يفتح بغير مفتاحه ، وقد ضّيعوا المفتاح وجربوا غيره ، فإذا هو لا يوافق الأقفال ، والمفتاح الذي نقصده هو الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، الذي تخلى عنه المسؤولون المتخاذلون ، وسمحوا للعدو يصول ويجول ، متجاهلين نصرة إخوانهم الذين يعانون أبشع أنواع البطش والظلم والقتل . أخرج أبو داود والبيهقي والطبراني بإسناد حسن عن جابر وأبى أيوب الأنصاري قالا : قال رسول الله e : ( ما من امرئٍ يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته ، إلا خذله الله في موطن يجب فيه نصرته ، وما من امرئٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يجب فيه نصرته ) . وفي هذا دليل على وجوب نصرة المسلم المحتاج إليها  والنصرة تكون بتجهيز المقاتلين ومشاركتهم في قتال الأعداء وقول الحق والدعاء لهم ، لا الوقوف وقوف المتفرج على ما يجري  ولا ندري متى يفيق المسلمون من غفلتهم ويثوبوا إلى رشدهم . وما علموا أن في قتل الإسلام  توسيعٌ لسطوة الإلحاد ، وإعانة لليهود على شعب فلسطين . اللهم أنت القادر على أن تفتح قلوبنا لذكريات أمتنا في الرجال ، وأن تأخذ بأيدينا إلى مواطن القوة والنصر ، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
                      



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق