الأحد، 26 أكتوبر 2014

على من تعدو الذئاب


أعجبني هذا العنوان في مجلة إسلامية ، ليكون موضوع هذا الأسبوع ، وردت قصة في كتب الأدب القديمة ، تحكي قصة امرأة ذات شرف وتقى ، كانت في موسم الحج تخرج وحدها للطواف والصلاة في البيت الحرام ، وجعل رجل يتبعها كلما غدت أو راحت ، فأحرجها وضايقها مجونه ، فقالت لزوجها لو ذهبت إلى الحرم انتظرني حتى أخرج معك ففعل ، فخرجت معه متعلقةً بذراعه ، مائلة عليه ، وسارا على الطريق نفسه الذي كانت تسلكه ، أما الرجل الذي كان يضايقها لما رآها مع زوجها  فقد ترك الطريق وانصرف ،  فأسرعت إليه حتى أدركته وقالت له : اسمع يا فتى وتمثلت بقول الشاعر :
تعدوا الذئاب على من كلاب له    وتتقي سورة المستنفر الحامي
هذه القصة تذكرنا بعربدة شارون وجنوده الذين يمارسون شتى صنوف الإجرام في حق الشعب الفلسطيني ، غير مكترثين بالدول العربية والإسلامية ، وكأنها دول حياد تام ولا يحق لجيوشها أن تتحرك ، إلا لتزيل الصدأ عن أسلحتها القديمة ، في الوقت الذي تمارس فيه دول الكفر لعبة التخويف على المسلمين ، بإصدار قوائم إرهاب بين الحين والحين ، وترفض هذه الدول التفريق بين الإرهاب وحق الشعوب في الدفاع عن نفسها ، ذلك لأن المسلمين ضعفاء لأنهم لم يعدو العدة التي أمرهم الله بها ، حتى يرهبهم الأعداء ، ولأنهم يواجهون الدنيا في كبوة من تاريخهم ، وانفصال عن أنفسهم ورسالتهم   فتكالب عليهم الأعداء ، وأصبحوا هدفاً سهلاً يُغار عليهم ولا يُغيرون ، ويُعتدى عليهم ولا يردون ، ولأن الواقع الذي يعيشونه جعل بعضهم ينكر بعضاً ، ويرحم الله أياماً كانت الشعوب الإسلامية فيها أسرة واحدة ، تظلها راية واحدة   فأصبحت تعيش في عصر تقاسي فيه من محن قاسية فمنذ سقطت الخلافة وعربدت قوى الكفر في بلاد الإسلام ، أصبح المسلمون في دول صُنِعت صناعة ليكون السلطان فيها بعيداً عن الطريق المستقيم ، ويعيشون في جوٍ من الفتنة والإرهاب تستهدف إذابة العقيدة الإسلامية ومحو معالمها ، فالمسلمون على مدار التاريخ لا تنتهي أمامهم سلسلة المتاعب ، بل لا بد أن يواجهون الصعاب التي شرعت من أجلها فريضة الجهاد   أما إذا تركوا المترفين يرتعون في الفسق ويستهترون بالقيم والمقدسات دون رادع ، فإن الأمة تفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها   فتهلك ويصيبها الدمار والهلاك ، وتكون هي المسؤولة عما يحل بها ، لأنها لم تضرب على أيدي المترفين ، ولم تصلح من نظامها الذي يسمح بوجود المترفين ، وقد عرف علتنا هذه شارل مار تل   فكان ذلك سبب نهاية المسلمين في الأندلس   فكيف كان ذلك ؟ عندما أتم عبدالرحمن الغافقي أمير المسلمين في الأندلس عدته ، وأخذ يرسل طلائعه إلى قلب فرنسا ، وقد كانت مقاومة الشعوب الأوروبية للفتح الإسلامي ضعيفة   فاندفع المسلمون صوب حدود فرنسا الشرقية في حركة جريئة يحاولون بها اجتياز ألمانيا ، عندها قرر الغربيون أن يجمعوا كلمتهم ، وأن يبذلوا آخر ما لديهم من جهد ، وأن يلقوا بمصيرهم في معركة حاسمة ، تستسلم بعدها أوروبا قاطبة أو يرتد بعدها العرب الفاتحون على أعقابهم وانتخبوا شارل مار تل قائداً لهم في هذه المعركة ، وسلموا له مقاليد أمورهم ، وكان ذا كياسة ودهاء ، فقرر أن يحتال لقومه ، وأن ينتهز الفرصة السانحة ليشترك في المعركة التي يضمن نتائجها ويطمئن إلى نهايتها ، وقد ضمن سياسته مع المسلمين في خطبته التي قال فيها :  "الرأي عندي ألا تعترضوا العرب ، فإنهم كالسيل المنحدر يجرف ما يصادفه   وإنهم في إقبال أمرهم عقدوا نيتهم وجمعوا أمرهم   فأصبح الرجل فيهم يغني عن كثرة العدة  واتحدت قلوبهم فصارت أشد من حصانة الدروع   فأمهلوهم حتى تمتلئ الأيدي من الغنائم ويتخذوا المساكن ويتنافسوا على الرياسة ويستعين بعضهم على بعض ، فإذا كان ذلك فإنكم ستتمكنون منهم بأيسر ما تبذلون .. ".
أسمعتهم ما ورد في هذه الخطبة ، لقد عرف هذا القائد الداهية علتنا ، فاستعان على بلوغ غايته بيده وأيدينا ، وما حصل فقد لاحت بوادر الفتنة في جيوش المسلمين ، وبدأ كل قطر يذكر نفسه ويرفع رأسه على حده ، واستيقظت صيحات الجاهلية الأولى التي طالما عمل الإسلام على سحقها ، وتطهير النفوس من رجسها  واستبدت دنيا الأهواء بكثرة الناس ، فقل الصالحون المخلصون ، وتطلعت الأعين للدنيا ، وضاع أدب الدين بين حب المال والجاه ، وبهذه الروح المعنوية كانت جيوش عبدالرحمن الغافقي تستعد لملاقاة جيوش شارل مارتل التي جمعها ونظمها   وتحالفت جيوش ألمانيا وفرنسا على دفع جيوش المسلمين ، وظل القتال سبعة أيام ، وكان اشتباكاً مروعاً بين الشرق والغرب ، وصراعاً له ما بعده من آثار بعيدة ، وقد عرف الغربيون ذلك فاستعدوا له ، على حين كان جيش المسلمين في الأندلس هو الذي يخوض وحده غماره   ويتحمل وحده نتائجه ، وقد قتل عبدالرحمن   وأصابت المسلمين خسائر جسيمة ، وحلت الهزيمة بالعرب والبربر وسائر الأحزاب المتكالبة على الدنيا ، المتباعدة عن هدي الإسلام  .
 ومن المؤسف أن المسلمين اليوم يكررون الغلطة نفسها ، ويكرر عدوهم الدور نفسه }وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون{.النحل 33
ذكر التاريخ الإسلامي أن المتصور الخليفة العباسي   طلب من طاوس في مجلس أن يناوله الدواة ليكتب شيئاً فامتنع ، فسأله الخليفة عن سبب امتناعه وعدم امتثاله أمر خليفة المسلمين فقال : أخاف أن تكتب بها معصية فأكون شريك فيها   ومتعاوناً على الإثم والعدوان . تصور يا أخي المسلم هذا الموقف ، وقارنه بمواقف المسلمين في أيامنا هذه المساندة لدول الكفر في موقفها ضد الإسلام والمسلمين ، كانوا في مواقفهم يتمثلون قول الله تعالى : }وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان {.
وقارن هذا الاحتراس من التعاون على الإثم والعدوان ، وهذا التعفف عن المشاركة في نظام غير صحيح ، من أدنى مساعدة لهدف لا يتفق ومصالح الأمة الإسلامية أو يعود عليها بالضرر  أو أي موقف فيه غش وخديعة للأمة ، قارن هذا بما نراه من المساعدة والتعاضد الذي تتمتع به حكومات دول الكفر من المسلمين ، ولكن ماذا نقول لأمة لا يتعدى نظرها ولا يسمو فكرها عن الحصول على اللباس والطعام ، والركون إلى حياة الذل والدعة ، وقد عبر الشاعر العربي باللعنة على من هذا حاله فقال :
لحا الله صعلوكاً مناه وهمه     من العيش أن يلقى لبوساً ومطعماً
نعم لقد سادوا يوم كانوا نماذج عالية لما ينشده الإسلام من فضائل ، ولما دعا الناس إليه من سيرة ومعاملة ، وقد ضاع المسلمون هذه الأيام لأنهم اتخذوا القرآن مهجورا .
وقد أدرك الإنسان الفلسطيني هذا الموقف المزري للمسلمين من قضيته ، فقرر الاعتماد على النفس   دون انتظار الدعم من أحد ليأسه من ذلك متمثلاً قول القائل :
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي      فدعني أبادرها بما ملكت يدي
إن الذين يتحدثون عن الإرهاب ويتهمون غيرهم به ، هم من أكثر الذين عرفتهم الدنيا بأسرها إرهاباً واعتداء ، لقد أرخص الغربيون كل شيء في بلاد المسلمين لترسيخ أقدامهم ،  وطمس تاريخ المسلمين وتلويث ينابيعهم الفكرية ، لأنهم عندما اصطدموا بتعاليم الإسلام الموروثة وتقاليده الباقية بين أهله  عملوا على إماتته ، بإبعاد شرائعه واحتقار تقاليده ، وبدلاً من أن نعمل على مقاومته  الغرب ، وصلنا إلى ما أغرى بنا الأعداء وأضعف أمل الأصدقاء .
أما شعب فلسطين فإنه اليوم يقف وحيداً في الساحة ، يقدِّم في كل يوم الشهيد تلو الشهيد   ويقاوم جبروت اليهود الضاغط على أعناقهم   دون أن يُلَبى لهم صريخ أو تُسْمَع لهم استغاثة  إنهم ينازلون اليهود مجردين من ابسط أنواع السلاح ، ويكتبون بدمائهم سطور حرياتهم   ويرفضون الهجمة الشرسة على ديارهم ودينهم بل وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم . ويقاتلون استجابة لقوله تعالى : } قاتلوا في سبيل الله  الذين يقاتلونكم { البقرة 189 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق