الأحد، 26 أكتوبر 2014

ظاهرة التسول


التسول عملية تختلف وتتنوع باختلاف البيئة وتنوعها ففي حين يلجأ متسول الشوارع إلى طرق زجاج السيارة أو بيع ما لا يباع في الشوارع الرئيسية ، فإننا نرى آخرين يقومون بابتكار أساليب مؤثرة ، كأن يحمل ولداً و تقريراً طبياً يّدعي أنه بحاجة إلى علاج أو لا يوجد في بيته ما يأكله ولذلك يجمع المال .
كثيراً ما نرى هؤلاء يقفون يسألون الناس داخل المساجد ناسين أن رسول الله قال لمن نشد ضالته في المسجد لا ردها الله إليك مما يدل على أن المساجد لا تصلح لهذا .
و ما نراه من تسوّل الأطفال واستغلالهم أمرٌ يثير الشفقة و النساء التي تجوب الشوارع وتستوقف المارة قائلة من فضلك كلمة و غير ذلك من الأساليب . لقد ورد النهي عن الشحاذة وسؤال الناس في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عمر أن النبي قال : ( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم ) وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي باستناد صحيح : ( ثلاثة أقسم عليهم : ما نقص مال من صدقة ولا ظُلم عبدٌ مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزّا ولا فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ) فيه تحذير من هوان النفس وتعريض الإنسان لذل السؤال للناس كي يمنحوه من عطائهم ، ويتمثل هذا بحرمان الإنسان من الشيء الذي أساء التصرف بغية الوصول إليه لأن هذا الإنسان اتخذ سؤال الناس ليصل إلى الغنى ، لذا فإن سنة الله تقضي بمعاقبته بأن يجعل الله الفقر بين عينيه ، وكلما فتح باباً من أبواب المسألة فتح الله عليه باباً من أبواب الفقر ، فتظل مشاعر الفقر وآلامه تلاحقه ولو كان بين يديه من المال ما يكفيه وهو ما نلاحظه من المتسولين ، فقد يجمع احدهم بالمسألة ملاً كثيراً وهو مع ذلك مصابٌ بداء الفقر النفسي ، ومعظمهم لا ينتفع بما يجمع من مال ، ويظل يكنـزه ويبخل به على نفسه حتى يوافيه الأجل وهو في ثياب الفقر وطعام الفقر ومأوى الفقر يعاني من داء طلب الغنى والخلاص من الفقر .
أما حكم المسألة شرعاً فإنه ينبغي للمؤمن أن لا يسأل الناس من غير حاجة تضطره إليه بل يستعفف عن السؤال ما استطاع ، لأنه ذل في الدنيا وفقر معجل وحساب طويل يوم القيامة ، قال رسول الله يوماً لأصحابه : ( ألا تبايعون ؟ فقالوا : قد بايعناك يا رسول الله ، قال تبايعون على أن لا تسألوا الناس شيئاً ) فكان بعد ذلك يقع المِخْصرة – السوط – من أحدهم فينـزل لها ولا يقول لأحد ناولنيها . ونظر رسول الله إلى رجال يسألون فقال : ( هؤلاء شرار من خلق الله ، الناس مقبلون على الله وهم مقبلون على الناس ) .
وسأل رجل النبي فقال أسألك بوجه الله فأمر النبي بضربه خمسة أسواط ثم قال : ( سل بوجهك اللئيم ولا تسأل بوجه الله الكريم ) . وروى ابن حبان في صحيحة عن عمر بين الخطاب قال : ( قال رسول الله من سأل الناس ليُثرى – يكثر ماله – فإنما رضْفٌ من النار ملهبةٌ فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر ) . والحديث الذي رواه الطبراني عن حبشي قال : سمعت رسول الله يقول : ( من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الجمر ) . وبالرغم من ذلك كله جاء النعي عن زجر السائل قال تعالى : ) وأما السائل فلا تنهر ( أي لا تزجره في وجهه ولا تعبس في وجهه ولا تغلظ له القول بل رده رداً جميلاً وأخرج البيهقي في مجمع الزوائد والبزار في كشف الأستار أن رسول الله قال : ( لا يمنعن أحدكم السائل ، وإن رأى في يديه قُلبين – سوارين – من ذهب ) . يروي التاريخ أن أحمد بن طولون كان كثير الصدقة وكان الموكل بصدقته سليم الخادم الذي قال له يوماً أيها الأمير إني أطوف القبائل وأدق الأبواب لصدقاتك وإن اليد تمد إلي وربما كان فيها الخاتم الذهب والسوار أفأعطي أم أرد ؟ فاطرق طويلاً ثم قال : كل يدٍ مدت إليك فلا تردها . كما جاءت الأحاديث بالحض على إعطاء السائلين الذين يضعون أنفسهم موضع السؤال روى أبو داود و أحمد في مسنده أن رسول الله قال ( أعط السائل ولو على فرسه ) لأنك لا تعرف لماذا يسأل ، وبعض الناس يبرزون الشح فيقولون : إن كثيراً من السائلين هم قومٌ محترفون للسؤال . نقول لهم ما دام قد سأل فأعطه ولا تتردد ولن تخسر شيئاً من عطائه ولأن تخطيء في العطاء خيرٌ من أن تصيب في المنع . إن المؤمن عزيزٌ غير ذليل قال تعالى : ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( . وسؤال الناس مذلة وضعة ، فإن أعطي السائل فالمنة عليه ثقيلة ، و الجميل أسرٌ له واستعباد ، وإن المنع خزيٌ وخجل وتأففُ من المسئول وإن كان السائل قادراً على الكسب فهو كافرٌ بنعمة الله إذا ترك الكسب عن طريق الكدح في سبيل الرزق ولو من اقل المهن وأصغرهن لأن الرسول يحضنا على العمل ويبغضنا في السؤال روى البخاري ومسلم أن رسول الله قال : ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب فيبيعها فيكُفَّ الله بها وجهه خيرٌ له من أن يسال الناس أعطوهن او منعوه ) .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق