الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

واقعنا وطريق النجاة

                
إننا نعيش في وقت ، أصبحنا فيه أمماً لا أمةً واحدة ، ذات قاعدة واحدة ، ومصير واحد   وبدلاً من أن نكون دولةً واحدة ، أصبحنا بسبب الفراغ العقائدي ، دويلات متناقضة ممزقة الأوصال ، مشتتة الشمل .
وقد أعجبني ما كتبه دولة السيد سعد جمعه في هذا الموضوع حيث قال : ليس في الدنيا شئ  هو أحب إلى إسرائيل ، وآثر عندها من هذا التفتت ...لا إلى كيانات هشة فحسب ، بل إلى طبقات متناقضة المبادئ والمفاهيم والاتجاهات ، وإن هم إسرائيل كان وما يزال ، أن تجعل العرب أقل ارتباطاً بدينهم ، لتسهيل السيطرة عليهم وتحويلهم إلى قطيع سائب ، في خدمة إسرائيل . ويتابع قوله: لقد غاب عنا في تلك الدوامة ، التي تطحن بلا كلل ولا ملل ، فلا تقف ولا تعف  وأن الثأر ضريبة دم ، وان الجهاد في سبيل الله حتم ، حين تُهدر الكرامة ، وتُهان الحرمات  وتُداَسُ المقدسات .
إنه يتولى أمر هذه الأمة المريضة ، حكامٌ خائنون وقادةٌ فاشلون ، وساسةُّ تافهون ، ومفكرون مأجورون مجرورون ، كلُ ما فعلوه لاستعادة الحق والكرامة ، الخطابة بدل التخطيط ، والكلام بدل الفعل ، والكراهية بدل المحبة ، والتشنج بدل الحوار ، فأصبحت انتصاراتنا بهذا خطباً مسرحيه  لا أفعالاً حقيقية ، وبياناتٍ كاذبة ، لا مروءة ولا تضحية ولا إيثارا .
إن نظرةً إلى أحوالنا ، وما يحيط بنا ، نرى ألقاباً ورتباً وأوسمةً ، تتلألأ على الأكتاف والصدور  والله وحده عالم بما في الصدور ، وجنرالات ومارشالات بأعدادٍ كبيرة ،  لكنهم في الواقع  صقور على أهلهم ، حمائم أمام إسرائيل ، أشداء على قومهم ، أذلاء أمام  إسرائيل ، لا يصلحون لغير المراسم والمواسم ...والاستعراضات وشد المهاميز ، ونفخ الأبواق ، وقرع  الطبول .
إننا نلمس واقعاً مؤلماً ، حيث السرقات والتهريب والتخريب ، ومؤتمرات مؤامرات ، ومناورات   ومساومات ، وتنازلات . تجر علينا الهزائم  وأساطير انتصارات ، نصنعها لإسرائيل ، والكل يدعو إلى السلام والاستسلام ، والاستخذاء والركوع ، مع تنوع الأساليب والأشكال والأهداف.
هذا هو واقعنا ، فكل الأنظمة ، فريسة لأبطال السمسرة والتهريب ، والرشوة واستغلال النفوذ  والإثراء غير المشروع ، أما الشرفاء الذين يتحملون تبعات الحاضر ، وأمانة المستقبل ، فلا مكان لهم في مفاوز الزلفى و النفاق , و مفاسد الأخلاق  . .
وإذا كان هذا هو واقعنا ، فلم لا نلتزم بعقيدتنا  ونحتكم إلى شريعتنا ، التي تعطينا القدرة على ايجاد الحلول النهائية لمشاكلنا ، وألا نكتفي بأن تتضمن الدساتير مادةً ، تقول إن دين الدولة الإسلام ،  ثم نكتفي من الإسلام بشهادة ميلاد  وانتماء اجتماعي فقط لا غير ، ولا نعتنق من مفاهيم ديننا شيئا   ولا نطبق من أحكام شريعتنا الغراء ، الكثير أو القليل . إن قوتنا الحقيقية  تكمن في عزمنا وتصميمنا على الجهاد  والاستشهاد في سبيل الله ، لاسترجاع الأرض والمقدسات ، وحماية العرض والشرف ، وهذا لا يكون إلا بالرجوع إلى الإسلام .
إن دول الكفر تسعى إلى تعكير أجواء الأمةِ  بالسفاهةِ ، والتفاهة ، وإن العملاء  يفلسفون الهزيمة بألف تحليل و تحليل ، من المبررات الكاذبة البراقة ، خشية عودة الأمة إلى أصولها والى إيمانها  وهو سبب مصائبها ، فلو تسلح القادةُ الذين تولوا قيادة جيش الأمة ، أثناء هزيمة الذل   مؤمنين بالله ، لما طغت إسرائيل وبغت .
إن الأنظمة التي تقوم على إبعاد الدين والعقيدة  عن المواجهة مع أعدائها ، يكتر فيها الخونة والعملاء ولم لا ، وهم لا يؤمنون بالله ، ولا يقيمون وزناً لمبادئ شريعته ، ويفضلون متاع الدنيا ، وشهوة الجاه الرخيص ، والطموح السخيف ، على الكرامة والنخوة والجهاد .
إن قوة العدو ، لم تكن أمراً خارقا ، بل كانت الخيانات العربية ، هي الخوارق ، التي ليس لها نظير   ولم تكن أسطورة نصر عدونا تفوقاً معجزا   بل كانت انعكاساً للواقع الأَسود الذي نعيش .
وهنا نتساءل : هل إتعظنا ؟ وهل أيقظتنا العبر ؟  كلا ، والف كلا . فالملهاة تختلط بالمأساة ،كانت وما تزال ، والممثلون هم الممثلون ...والمناخ العربي ما يزال مهيأً اليوم ، كما كان مهيأً بالأمس ، نراوح مطارحنا في انتظار فرج الله  والمعركة بعد طويلة ، بيننا وبين أعدائنا ، ومنطق الرفض الإيجابي ، مع المناجزه المستمرة والجهاد الموصول ، الذي يدعو إليه ديننا من الصدق  والإخلاص ، الذي يقوم على مبدأ التنافي بين العرب والإسلام من جهةٍ ، وبين اليهود وأعوانهم منن جهةٍ أخرى ، فلا سبيل إلى المهادنة أو المصالحة أو التنازل أو الاستسلام .
إن طريق النجاة ، لا ولا يمكن ، أن تكون إلا بالعودة إلى الله ، وبما أن الإسلام قد جاء بشريعةٍ متكاملة  تصلح لكل زمان ومكان ، وهو الذي يقف في مواجهة سفه الصهيونية ، وجشع الرأسمالية . فان معركته هي معركة المصير الإنساني ، وإن أعمى البصيرة وحده ، هو الذي يرضى بواقع هذه الأمة   التي قال فيها عمر بن الخطاب : "كنا أذل قومٍ ، فأعزنا الله بالإسلام" .
إن هذا العالم الفاجر الداعر ، الظالم الغادر  المنحرف عن المسار الصحيح ، لا ينقذه إلا الإسلام ، فقد شهد العالم تغيرات كثيرة ، باسم شعارات متعددة ، ولكن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ ، لأن كل تغييرٍ لاينبثقُ من خلال عقيدة وإيمانٍ صحيح ، فإنَّ مصيره إلى زوال ، أو إلى مزيدٍ من المعاناةِ والآلام . إن التغير المنشود ، لا يتم إلا عن طريق تغيير  بنية المجتمع كلها من الأساس إلى القمة ، أما أن يكون البعض أسياداً  والبعض عبيدا ، والبعض جائعا والبعض متخما  فإن ذلك يتنافى مع مبادئ ديننا وعقيدتنا .
وهنا سؤال : ما هو حكم المتعاملين مع الأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله ؟
في هذه الحالة يمكن أن نكون في مقام التعليم ، لا في مقام إصدار الأحكام على الناس ، لأن جاهلية المجتمع ، ترجع إلى الحكم بغير ما أنزل الله   وهذه تشمل كل الناس الذين يحكمون بهذه القوانين ، بما في ذلك الدعاة إلى الله ، والحكم عليهم كما بين رسول الله   مستمدٌ من موقفهم هم ، من رضي بها فهو منها ، ومن أنكرها فله حكم خاص ، لقول رسول الله ( ص)  في الحديث الذي رواه مسلم ( فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع ) .
أما حكم تقلد الوظائف في ظل هذه الأنظمة  فإن الأصل لمن ينكرون الحكم بغير ما أنزل الله      أن يكونوا في مواقع بعيده عن ضغط الحكم ، لأن الوظيفة كلما قربت من السلطان ، فقد بعد موقع المسلم منها بالضرورة .
وما أروع قول ذلك الحكيم . في صُحبة  السلطان خطران : إن أطعته جازفت بدينك وإن عصيته جازفت بنفسك ، والخير ألا تقربْه ولا يقرَبُك .

إن المعركة مع أعداء الإسلام طويلة وشاقه ، لذا ينبغي على الفئة التي تقوم بهذا العبء ، أن تُربى لتكون طويلة النفس ، شديدة الصبر ، عميقة الإيمان بالله ، عميقة التوكل عليه ، مستعدة لما يتطلبه أمرها من المعاناة ، قادرةٌ على أن تبذل من نفسها ، من جهدها ومالها ودمها وفكرها ، ما يحتاج إلى إزالة الغربة التي ألمت بالإسلام ، ليعود مرَّةً أخرى راسياً في الأرض ، وحين تكون هناك القاعدة المطلوبة لإعادة حكم الله في الأرض ، فإنه يمَكِّنُ لدينه بمشيئته سبحانه .                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق