إننا
نعيش في وقت ، أصبحنا فيه أمماً لا أمةً واحدة ، ذات قاعدة واحدة ، ومصير
واحد وبدلاً من أن نكون دولةً واحدة ،
أصبحنا بسبب الفراغ العقائدي ، دويلات متناقضة ممزقة الأوصال ، مشتتة الشمل .
وقد
أعجبني ما كتبه دولة السيد سعد جمعه في هذا الموضوع حيث قال : ليس في الدنيا
شئ هو أحب إلى إسرائيل ، وآثر عندها من
هذا التفتت ...لا إلى كيانات هشة فحسب ، بل إلى طبقات متناقضة المبادئ والمفاهيم
والاتجاهات ، وإن هم إسرائيل كان وما يزال ، أن تجعل العرب أقل ارتباطاً بدينهم ،
لتسهيل السيطرة عليهم وتحويلهم إلى قطيع سائب ، في خدمة إسرائيل . ويتابع قوله:
لقد غاب عنا في تلك الدوامة ، التي تطحن بلا كلل ولا ملل ، فلا تقف ولا تعف وأن الثأر ضريبة دم ، وان الجهاد في سبيل الله
حتم ، حين تُهدر الكرامة ، وتُهان الحرمات
وتُداَسُ المقدسات .
إنه
يتولى أمر هذه الأمة المريضة ، حكامٌ خائنون وقادةٌ فاشلون ، وساسةُّ تافهون ، ومفكرون
مأجورون مجرورون ، كلُ ما فعلوه لاستعادة الحق والكرامة ، الخطابة بدل التخطيط ،
والكلام بدل الفعل ، والكراهية بدل المحبة ، والتشنج بدل الحوار ، فأصبحت
انتصاراتنا بهذا خطباً مسرحيه لا أفعالاً
حقيقية ، وبياناتٍ كاذبة ، لا مروءة ولا تضحية ولا إيثارا .
إن
نظرةً إلى أحوالنا ، وما يحيط بنا ، نرى ألقاباً ورتباً وأوسمةً ، تتلألأ على
الأكتاف والصدور والله وحده عالم بما في
الصدور ، وجنرالات ومارشالات بأعدادٍ كبيرة ،
لكنهم في الواقع صقور على أهلهم ،
حمائم أمام إسرائيل ، أشداء على قومهم ، أذلاء أمام إسرائيل ، لا يصلحون لغير المراسم والمواسم
...والاستعراضات وشد المهاميز ، ونفخ الأبواق ، وقرع الطبول .
إننا
نلمس واقعاً مؤلماً ، حيث السرقات والتهريب والتخريب ، ومؤتمرات مؤامرات ،
ومناورات ومساومات ، وتنازلات . تجر
علينا الهزائم وأساطير انتصارات ،
نصنعها لإسرائيل ، والكل يدعو إلى السلام والاستسلام ، والاستخذاء والركوع ، مع
تنوع الأساليب والأشكال والأهداف.
هذا
هو واقعنا ، فكل الأنظمة ، فريسة لأبطال السمسرة والتهريب ، والرشوة واستغلال
النفوذ والإثراء غير المشروع ، أما
الشرفاء الذين يتحملون تبعات الحاضر ، وأمانة المستقبل ، فلا مكان لهم في مفاوز
الزلفى و النفاق , و مفاسد الأخلاق . .
وإذا
كان هذا هو واقعنا ، فلم لا نلتزم بعقيدتنا
ونحتكم إلى شريعتنا ، التي تعطينا القدرة على ايجاد الحلول النهائية
لمشاكلنا ، وألا نكتفي بأن تتضمن الدساتير مادةً ، تقول إن دين الدولة الإسلام
، ثم نكتفي من الإسلام بشهادة ميلاد وانتماء اجتماعي فقط لا غير ، ولا نعتنق من مفاهيم ديننا شيئا ولا نطبق من أحكام شريعتنا الغراء ، الكثير أو
القليل . إن قوتنا الحقيقية تكمن في عزمنا
وتصميمنا على الجهاد والاستشهاد في
سبيل الله ، لاسترجاع الأرض والمقدسات ، وحماية العرض والشرف ، وهذا لا يكون إلا
بالرجوع إلى الإسلام .
إن
دول الكفر تسعى إلى تعكير أجواء الأمةِ
بالسفاهةِ ، والتفاهة ، وإن العملاء
يفلسفون الهزيمة بألف تحليل و تحليل ، من المبررات الكاذبة البراقة ، خشية
عودة الأمة إلى أصولها والى إيمانها وهو
سبب مصائبها ، فلو تسلح القادةُ الذين تولوا قيادة جيش الأمة ، أثناء هزيمة
الذل مؤمنين بالله ، لما طغت إسرائيل
وبغت .
إن
الأنظمة التي تقوم على إبعاد الدين والعقيدة
عن المواجهة مع أعدائها ، يكتر فيها الخونة والعملاء ولم لا ، وهم لا
يؤمنون بالله ، ولا يقيمون وزناً لمبادئ شريعته ، ويفضلون متاع الدنيا ، وشهوة
الجاه الرخيص ، والطموح السخيف ، على الكرامة والنخوة والجهاد .
إن
قوة العدو ، لم تكن أمراً خارقا ، بل كانت الخيانات العربية ، هي الخوارق ، التي
ليس لها نظير ولم تكن أسطورة نصر عدونا
تفوقاً معجزا بل كانت انعكاساً
للواقع الأَسود الذي نعيش .
وهنا
نتساءل : هل إتعظنا ؟ وهل أيقظتنا العبر ؟
كلا ، والف كلا . فالملهاة تختلط بالمأساة ،كانت وما تزال ، والممثلون هم
الممثلون ...والمناخ العربي ما يزال مهيأً اليوم ، كما كان مهيأً بالأمس ، نراوح
مطارحنا في انتظار فرج الله والمعركة بعد
طويلة ، بيننا وبين أعدائنا ، ومنطق الرفض الإيجابي ، مع المناجزه المستمرة
والجهاد الموصول ، الذي يدعو إليه ديننا من الصدق
والإخلاص ، الذي يقوم على مبدأ التنافي بين العرب والإسلام من جهةٍ ، وبين
اليهود وأعوانهم منن جهةٍ أخرى ، فلا سبيل إلى المهادنة أو المصالحة أو التنازل أو
الاستسلام .
إن
طريق النجاة ، لا ولا يمكن ، أن تكون إلا بالعودة إلى الله ، وبما أن الإسلام قد
جاء بشريعةٍ متكاملة تصلح لكل زمان ومكان
، وهو الذي يقف في مواجهة سفه الصهيونية ، وجشع الرأسمالية . فان معركته هي معركة
المصير الإنساني ، وإن أعمى البصيرة وحده ، هو الذي يرضى بواقع هذه الأمة التي قال فيها عمر بن الخطاب : "كنا أذل
قومٍ ، فأعزنا الله بالإسلام" .
إن
هذا العالم الفاجر الداعر ، الظالم الغادر
المنحرف عن المسار الصحيح ، لا ينقذه إلا الإسلام ، فقد شهد العالم تغيرات
كثيرة ، باسم شعارات متعددة ، ولكن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ ، لأن كل تغييرٍ
لاينبثقُ من خلال عقيدة وإيمانٍ صحيح ، فإنَّ مصيره إلى زوال ، أو إلى مزيدٍ من
المعاناةِ والآلام . إن التغير المنشود ، لا يتم إلا عن طريق تغيير بنية المجتمع كلها من الأساس إلى القمة ، أما
أن يكون البعض أسياداً والبعض عبيدا ،
والبعض جائعا والبعض متخما فإن ذلك يتنافى
مع مبادئ ديننا وعقيدتنا .
وهنا
سؤال : ما هو حكم المتعاملين مع الأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله ؟
في
هذه الحالة يمكن أن نكون في مقام التعليم ، لا في مقام إصدار الأحكام على الناس ،
لأن جاهلية المجتمع ، ترجع إلى الحكم بغير ما أنزل الله وهذه تشمل كل الناس الذين يحكمون بهذه
القوانين ، بما في ذلك الدعاة إلى الله ، والحكم عليهم كما بين رسول الله ﷺ مستمدٌ من موقفهم هم ، من رضي بها فهو منها ،
ومن أنكرها فله حكم خاص ، لقول رسول الله ( ص)
في الحديث الذي رواه مسلم ( فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من
رضي وتابع ) .
أما
حكم تقلد الوظائف في ظل هذه الأنظمة فإن
الأصل لمن ينكرون الحكم بغير ما أنزل الله
أن يكونوا في مواقع بعيده عن ضغط الحكم ، لأن الوظيفة كلما قربت من السلطان
، فقد بعد موقع المسلم منها بالضرورة .
وما
أروع قول ذلك الحكيم . في صُحبة السلطان
خطران : إن أطعته جازفت بدينك وإن عصيته جازفت بنفسك ، والخير ألا تقربْه
ولا يقرَبُك .
إن
المعركة مع أعداء الإسلام طويلة وشاقه ، لذا ينبغي على الفئة التي تقوم بهذا العبء
، أن تُربى لتكون طويلة النفس ، شديدة الصبر ، عميقة الإيمان بالله ، عميقة التوكل
عليه ، مستعدة لما يتطلبه أمرها من المعاناة ، قادرةٌ على أن تبذل من نفسها ، من
جهدها ومالها ودمها وفكرها ، ما يحتاج إلى إزالة الغربة التي ألمت بالإسلام ،
ليعود مرَّةً أخرى راسياً في الأرض ، وحين تكون هناك القاعدة المطلوبة لإعادة حكم
الله في الأرض ، فإنه يمَكِّنُ لدينه بمشيئته سبحانه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق