الأحد، 26 أكتوبر 2014

سبيل الخلاص

                  
يمرُّ المسلمون بمرحلة عصيبة من مراحل تاريخهم  المعاصر ، وتكاد تغلب في هذه المرحلة عوامل اليأس ومشاعر الإحباط ، ومردُّ هذا الشعور يرجع إلى الضربات المتلاحقة التي توجه بخبث ومكر من أعداء الإسلام ، إلى المسلمين الصادقين والدعاة المخلصين ، من أجل إطفاء نور الإسلام  ووقف حركته وتمويت يقظته ، وقد استعانوا على ذلك ببعض حكام  المسلمين ، الذين  استجابوا لأوامر أعداء الدين ، بضرب الدعوة والدعاة   لأنهم يخافون من انتصار الإسلام ، الذي يحرمهم من شهواتهم  ويجرِّدهم من مكاسبهم المحرمة .
كما أن القوى المعادية للإسلام ، تمارس حرباً نفسية ، ليتسرب اليأس إلى نفوس المسلمين ، كما   تتهم وتشوه كل ما هو إسلامي ، وتتهم الدعاة بالتطرف والعنف والإرهاب والأصولية ، مما يوجب علينا أن نقاوم هذه الحملات ، بنشر الأمل بانتصار الإسلام وإحياء الرجاء في مستقبله  فقد وعد الله عباده المؤمنين بنصر الإسلام ، قال تعالى {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يُتمَّ نورَهُ ولو كره الكافرون}التوبة 32 .  وقال تعالى :{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخفلفنهم في الأرض }النور 55 .
يقول إبن كثير : هذا  وعد من الله لرسوله بأنه سيجعل أمته خلفاء في الأرض ، أي أئمة الناس والولاة عليهم ، وبهم تصلح البلاد ، روى مسلم أن رسول الله قال:( إنَّ الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ  ملك امتي ما زوى لي منها) ، ولكن وعد الله مشروط بالإيمان وعمل الصالحات ، وعبادة الله وحده وعدم الإشراك به لقوله تعالى:{يعبدونني لا يشركون بي شيئا}كما جاء وعد الله المؤمنين  بالنصر والنجاة والدفاع في قوله تعالى :{ وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }الروم 47 . وقوله :{إن الله يدافع عن الذين آمنوا}الحج 38. وكل شيء عنده بمقدار وبأجل مسمى قال تعالى :{حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنَّهم قد  كُذِبوا جاءهم نصرنا}يوسف 110 .
إن الأمة الإسلامية هي المسؤولة عن حمل الرسالة الى العالم أجمع ، والاتصال به إتصال رعاية ومسؤولية ، فهي خير أمة أُخرجت للناس ، حيث وصل الإسلام عن طريقها إلى معظم مناطق العالم
لكنها تعرضت إلى انتكاسة أقعدتها عن متابعة مسؤوليتها عن العالم ، فأصبحت مسلوبة الإرادة وضعيفة ، حيث هزمت أمام النظام الرأسمالي هزيمة فكرية أعقبتها الهزيمة السياسية التي أنتهت بزوال الخلافة الإسلامية .
إن الإسلام لا ولن يهزم لأنه الحق من عند الله  فقد تكفل الله بأنه يدَّخِرُ لهذا الدين جيلاً من المؤمنين الأقوياء ، يقاومون الردَّة ويقيمون الدين في أنفسهم ، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه }المائدة 54 . وإذا تولّى الناس عن عن نصرة دين الله وإقامة شريعته فإن الله يقول : {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثمَّ لا يكونوا أمثالكم}محمد 38 . وإذا هُرِم المسلمون ورضخوا للظلم السياسي والإقتصادي ، وأصبحوا يعانون من الشقاء والاستعباد والإذلال ، إلا أن الامل قائم في أن تأخذ الأمة على عاتقها مهمة إنقاذ العالم ، بعد العمل على إنقاذ نفسها ، لأنها وجدت من أجل هدى البشرية ، وقد ورد في الحديث عن رسول الله ( ص ) ما يدل على أن الخير سيستمر في هذه الأمة ، وأنها لا تخلوا من قائم لله بالحجة ومن ناصرٍ للحق ، مستمسك به حتى تقوم الساعة  فقال ( ص ) : ( لا تزال طائفة من امتي قائمةً بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ، حتى ياتي امر الله ، وهم ظاهرون على الناس) رواه أحمد والشيخان .
إن هذه الطائفة باقية حتى يأتي امر الله ، وإن اصابها ما اصابها ، لأنها قويةٌ بعقيدتها المتمثلة في الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة  والإهتمام بالعقيدة السياسية التي تبحث شؤون الدنيا ، معتمدة على القاعدة الفكرية التي تبنى عليها الأفكار ، وتنبتق عنها الأنظمة ، والعمل على إيجاد القيادة الفكرية القادرة على إنقاذ العالم  مهما كانت قوة الدول المسيطرة عليه .
إن الأمة الإسلامية لم تغلب في تاريخها الطويل بوصفها أمة إسلامية ، حيث فتحت أكثر بلاد العالم القديم ، مما يدل على أن الأمة الإسلامية قادرة على  إنقاذ العالم من هذه القوى التي تتحكم فيه وتتسلط عليه وتعمل على إذلاله   وقد  يتسائل الكثيرون : إن الأمة الإسلامية خاضعة لدول الكفر التي وصلت إلى أعلى درجات الإستعداد والقوة ، فكيف يكون في مقدورها أن تصارع هذه القوى التي تمتلك أسلحة الدمار والخراب  ؟
إن أعدائنا عملوا على إشغال الأمة بنفسها لصرفها عن حمل رسالتها إلى العالم ، وتثبيت سيطرتهم على بلاد الإسلام ، لأنهم يدركون قوة الإسلام ، النابع من عقيدة التوحيد التي كان لها القدرة الهائلة في إيجاد القوة الروحية التي استهانت بالحياة في سبيل العقيدة ، والتي تشهد لها وقائع التاريخ وأحداث الماضي ، مما يدعو للتفائل لمستقبل هذا الدين ، رغم العقبات والعوائق التي ترجع الى الأعداء في الخارج والخصوم في الداخل  وما يدعو للعجب أن يكون اكثر الخصوم ممن يحملون اسم الإسلام والذين لا يريدون لشريعة الإسلام أن تحكم .
نذكر من الوقائع ما يتعلق بسيرة النبي ( ص ) وكيف كان النصر في بدر رغم قلة المسلمين وفي الخندق حيث اشتدَّ الكرب ، كما كان النصر حليف المسلمين على الفرس والروم ، ثم التصدي للزحف الصليبي ، والذي تكلل بالنصر في معركة حطين وغيرها من المعارك ، والتصدي للتتار الذين أنزلوا بالمسلمين أشدَّ الهزائم ، ورغم ذلك تحققت المعجزة وهزم التتار شرَّ هزيمة في معركة عين جالوت ، مما يدل على قوة المسلمين أمام الأحداث لتمسكهم بعقيدتهم .    
 ولا عجب أن يكون للمسلمين في هذا العصر إذا ما تمسكوا بعقيدتهم ، ما كان لهم في ذلك العصر  ولكن الدين لاينتصر وحده ، إنما ينتصر باهله  والحق لا يعلو وحده ، إنما يعلو وفق سنن الله بدعاته ورجاله الذين يجمعون بين العلم والعمل والإخلاص .
إن الأمل بانتصار الإسلام ، يجب أن يمنح الأمة وقوداً متجدداً لمزيدٍ من العطاء والعمل ، ولا تطمع أن يمدها الله بنصره ، على ما بها من سيئ الخصال والفعال ، بل لا بد ان تغِّير ما بأنفسها حتى يغيِّر الله ما بها ، ولا تطمع أن تنتصر على عدوها ، وهي على حالها من التمزق والتعادي والعجز والضياع لأن الله لا ينصر الكسالى على العاملين والمفكرين في هموم امتهم .
كما يستحيل أن تنصر أمة ، أعظم ما يشغلها لعب الكرة ، وأهم ما يملأ صحفها واذاعتها المسموعة والمرئية هو الغناء المبتذل والرقص والتمثيل غير الهادف ، وأشهر نجوم المجتمع فيها ليسوا العلماء ولا الأدباء ولا المفكرين بل هم المطربون والمطربات ، والراقصون والراقصات  والممثلون والممثلات الأحياء منهم والأموات
 ومن هنا فإن الأمة مسؤولة عن نشر الهدى  بين الناس ، وأن يدرك كل مسلم أن الأمة الإسلامية أقوى من كل القوى ، بفكرتها الكلية عن الكون والإنسان والحياة ، التي لا يملكها أحد غيرها  وهي تعطي الصورة الحقيقية عن العالم ، وعن الناس والدول والمجتمعات ، وتعطي الطريقة الصحيحة للتغلب على دول الكفر بإذن الله   كما أن الأمة الإسلامية تملك من القوى المادية ما لا يملكه سواها فإذا ما أحسن استغلالها ، كانت  عاملاً من عوامل النصر ، شريطة أن تتحرك الأمة  إن الأمة الإسلامية وهي تؤمن إيماناً جازماً بوجود الله وأن محمد نبي الله ورسوله إلى الناس كافة  تدرك واجبها نحو نفسها ، ومهمتها تجاه بني الإنسان ، وتفهم معنى السياسة والحرب     وتعرف كيف  تصارع قوى الكفر .
إنه فرض عليها أن تقاتل عدوها ، وتسلك السياسة إلى جانب الحرب والدهاء ، والحيلة إلى جانب الإعداد والقوة وهي تقرأ قوله تعالى :{فقاتل في سبيلل الله لا تكلف إلا نفسك}.
إنها في حالة الدفاع يجب أن تقاتل عدوها مهما بلغت قواه من القوة ، ومهما بلغت هي من الضعف حتى تدفعه عن نفسها أو تفني عن بكرة أبيها .
وفي حالة تكتل الدول ضدها وكيف تتقي شرَّها  تعمل بالتوجيه الإلهي في قوله تعالى:{ وإما تخافنَّ من قومٍ خيانةً فانبذ اليهم على سواء } .
فلا تكون أسيرة المعاهدات والاتفاقات ، فإذا أحست بالشرِّ أو الضرر نبذتها . 
 إن حاجة العالم الى الإسلام أصبحت ملحة    وقد آن الأوان لأن تتحرك الأمة الإسلامية لإنقاذ العالم  والمسلمون قادرون على الخلاص مما هم فيه من ذلٍّ وشقاء ، والأعداء يدركون هذه الحقيقة  لذا يشيعون بين المسلمين أجواء الخوف والرعب قال تعالى:{ فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين}          
     





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق