يمرُّ المسلمون بمرحلة عصيبة من مراحل
تاريخهم المعاصر ، وتكاد تغلب في هذه
المرحلة عوامل اليأس ومشاعر الإحباط ، ومردُّ هذا الشعور يرجع إلى الضربات
المتلاحقة التي توجه بخبث ومكر من أعداء الإسلام ، إلى المسلمين الصادقين والدعاة
المخلصين ، من أجل إطفاء نور الإسلام ووقف
حركته وتمويت يقظته ، وقد استعانوا على ذلك ببعض حكام المسلمين ، الذين استجابوا لأوامر أعداء الدين ، بضرب الدعوة
والدعاة لأنهم يخافون من انتصار الإسلام
، الذي يحرمهم من شهواتهم ويجرِّدهم من
مكاسبهم المحرمة .
كما أن القوى المعادية للإسلام ، تمارس
حرباً نفسية ، ليتسرب اليأس إلى نفوس المسلمين ، كما تتهم وتشوه كل ما هو إسلامي ، وتتهم الدعاة
بالتطرف والعنف والإرهاب والأصولية ، مما يوجب علينا أن نقاوم هذه الحملات ، بنشر
الأمل بانتصار الإسلام وإحياء الرجاء في مستقبله
فقد وعد الله عباده المؤمنين بنصر الإسلام ، قال تعالى {يريدون
أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يُتمَّ نورَهُ ولو كره الكافرون}التوبة
32 . وقال تعالى :{وعد الله الذين
آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخفلفنهم في الأرض }النور 55 .
يقول إبن كثير : هذا وعد من الله لرسوله ﷺ بأنه سيجعل أمته
خلفاء في الأرض ، أي أئمة الناس والولاة عليهم ، وبهم تصلح البلاد ، روى مسلم أن
رسول الله ﷺ
قال:( إنَّ الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك امتي ما زوى لي منها) ، ولكن وعد الله
مشروط بالإيمان وعمل الصالحات ، وعبادة الله وحده وعدم الإشراك به لقوله تعالى:{يعبدونني
لا يشركون بي شيئا}كما جاء وعد الله
المؤمنين بالنصر والنجاة والدفاع
في قوله تعالى :{ وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }الروم 47 . وقوله :{إن
الله يدافع عن الذين آمنوا}الحج 38. وكل شيء عنده بمقدار وبأجل مسمى قال تعالى
:{حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنَّهم قد
كُذِبوا جاءهم نصرنا}يوسف 110 .
إن الأمة الإسلامية هي المسؤولة عن حمل
الرسالة الى العالم أجمع ، والاتصال به إتصال رعاية ومسؤولية ، فهي خير أمة أُخرجت
للناس ، حيث وصل الإسلام عن طريقها إلى معظم مناطق العالم
لكنها تعرضت إلى انتكاسة أقعدتها عن
متابعة مسؤوليتها عن العالم ، فأصبحت مسلوبة الإرادة وضعيفة ، حيث هزمت أمام
النظام الرأسمالي هزيمة فكرية أعقبتها الهزيمة السياسية التي أنتهت بزوال الخلافة
الإسلامية .
إن الإسلام لا ولن يهزم لأنه الحق من
عند الله فقد تكفل الله بأنه يدَّخِرُ
لهذا الدين جيلاً من المؤمنين الأقوياء ، يقاومون الردَّة ويقيمون الدين في أنفسهم
، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم
يحبهم ويحبونه }المائدة 54 . وإذا تولّى الناس عن عن نصرة دين الله وإقامة شريعته
فإن الله يقول : {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثمَّ لا يكونوا أمثالكم}محمد
38 . وإذا هُرِم المسلمون ورضخوا للظلم السياسي والإقتصادي ، وأصبحوا يعانون من
الشقاء والاستعباد والإذلال ، إلا أن الامل قائم في أن تأخذ الأمة على عاتقها مهمة
إنقاذ العالم ، بعد العمل على إنقاذ نفسها ، لأنها وجدت من أجل هدى البشرية ، وقد
ورد في الحديث عن رسول الله ( ص ) ما يدل على أن الخير سيستمر في هذه الأمة ،
وأنها لا تخلوا من قائم لله بالحجة ومن ناصرٍ للحق ، مستمسك به حتى تقوم
الساعة فقال ( ص ) : ( لا تزال طائفة
من امتي قائمةً بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ، حتى ياتي امر الله ،
وهم ظاهرون على الناس) رواه أحمد والشيخان .
إن هذه الطائفة باقية حتى يأتي امر الله
، وإن اصابها ما اصابها ، لأنها قويةٌ بعقيدتها المتمثلة في الفكرة الكلية عن
الكون والإنسان والحياة والإهتمام
بالعقيدة السياسية التي تبحث شؤون الدنيا ، معتمدة على القاعدة الفكرية التي تبنى
عليها الأفكار ، وتنبتق عنها الأنظمة ، والعمل على إيجاد القيادة الفكرية القادرة
على إنقاذ العالم مهما كانت قوة الدول
المسيطرة عليه .
إن الأمة الإسلامية لم تغلب في تاريخها
الطويل بوصفها أمة إسلامية ، حيث فتحت أكثر بلاد العالم القديم ، مما يدل على أن
الأمة الإسلامية قادرة على إنقاذ العالم
من هذه القوى التي تتحكم فيه وتتسلط عليه وتعمل على إذلاله وقد
يتسائل الكثيرون : إن الأمة الإسلامية خاضعة لدول الكفر التي وصلت إلى أعلى
درجات الإستعداد والقوة ، فكيف يكون في مقدورها أن تصارع هذه القوى التي تمتلك
أسلحة الدمار والخراب ؟
إن أعدائنا عملوا على إشغال الأمة
بنفسها لصرفها عن حمل رسالتها إلى العالم ، وتثبيت سيطرتهم على بلاد الإسلام ،
لأنهم يدركون قوة الإسلام ، النابع من عقيدة التوحيد التي كان لها القدرة الهائلة
في إيجاد القوة الروحية التي استهانت بالحياة في سبيل العقيدة ، والتي تشهد لها
وقائع التاريخ وأحداث الماضي ، مما يدعو للتفائل لمستقبل هذا الدين ، رغم العقبات
والعوائق التي ترجع الى الأعداء في الخارج والخصوم في الداخل وما يدعو للعجب أن يكون اكثر الخصوم ممن يحملون
اسم الإسلام والذين لا يريدون لشريعة الإسلام أن تحكم .
نذكر من الوقائع ما يتعلق بسيرة النبي (
ص ) وكيف كان النصر في بدر رغم قلة المسلمين وفي الخندق حيث اشتدَّ الكرب ، كما
كان النصر حليف المسلمين على الفرس والروم ، ثم التصدي للزحف الصليبي ، والذي تكلل
بالنصر في معركة حطين وغيرها من المعارك ، والتصدي للتتار الذين أنزلوا بالمسلمين
أشدَّ الهزائم ، ورغم ذلك تحققت المعجزة وهزم التتار شرَّ هزيمة في معركة عين
جالوت ، مما يدل على قوة المسلمين أمام الأحداث لتمسكهم بعقيدتهم .
ولا عجب أن يكون للمسلمين في هذا العصر إذا ما
تمسكوا بعقيدتهم ، ما كان لهم في ذلك العصر
ولكن الدين لاينتصر وحده ، إنما ينتصر باهله والحق لا يعلو وحده ، إنما يعلو وفق سنن الله
بدعاته ورجاله الذين يجمعون بين العلم والعمل والإخلاص .
إن الأمل بانتصار الإسلام ، يجب أن يمنح
الأمة وقوداً متجدداً لمزيدٍ من العطاء والعمل ، ولا تطمع أن يمدها الله بنصره ،
على ما بها من سيئ الخصال والفعال ، بل لا بد ان تغِّير ما بأنفسها حتى يغيِّر
الله ما بها ، ولا تطمع أن تنتصر على عدوها ، وهي على حالها من التمزق والتعادي
والعجز والضياع لأن الله لا ينصر الكسالى على العاملين والمفكرين في هموم امتهم .
كما يستحيل أن تنصر أمة ، أعظم ما
يشغلها لعب الكرة ، وأهم ما يملأ صحفها واذاعتها المسموعة والمرئية هو الغناء
المبتذل والرقص والتمثيل غير الهادف ، وأشهر نجوم المجتمع فيها ليسوا العلماء ولا
الأدباء ولا المفكرين بل هم المطربون والمطربات ، والراقصون والراقصات والممثلون والممثلات الأحياء منهم والأموات
ومن هنا فإن الأمة مسؤولة عن نشر الهدى بين الناس ، وأن يدرك كل مسلم أن الأمة
الإسلامية أقوى من كل القوى ، بفكرتها الكلية عن الكون والإنسان والحياة ، التي لا
يملكها أحد غيرها وهي تعطي الصورة
الحقيقية عن العالم ، وعن الناس والدول والمجتمعات ، وتعطي الطريقة الصحيحة للتغلب
على دول الكفر بإذن الله كما أن الأمة
الإسلامية تملك من القوى المادية ما لا يملكه سواها فإذا ما أحسن استغلالها ،
كانت عاملاً من عوامل النصر ، شريطة أن
تتحرك الأمة إن الأمة الإسلامية وهي تؤمن
إيماناً جازماً بوجود الله وأن محمد نبي الله ورسوله إلى الناس كافة تدرك واجبها نحو نفسها ، ومهمتها تجاه بني
الإنسان ، وتفهم معنى السياسة والحرب
وتعرف كيف تصارع قوى الكفر .
إنه فرض عليها أن تقاتل عدوها ، وتسلك
السياسة إلى جانب الحرب والدهاء ، والحيلة إلى جانب الإعداد والقوة وهي تقرأ قوله
تعالى :{فقاتل في سبيلل الله لا تكلف إلا نفسك}.
إنها في حالة الدفاع يجب أن تقاتل عدوها
مهما بلغت قواه من القوة ، ومهما بلغت هي من الضعف حتى تدفعه عن نفسها أو تفني عن
بكرة أبيها .
وفي حالة تكتل الدول ضدها وكيف تتقي
شرَّها تعمل بالتوجيه الإلهي في قوله
تعالى:{ وإما تخافنَّ من قومٍ خيانةً فانبذ اليهم على سواء } .
فلا تكون أسيرة المعاهدات والاتفاقات ،
فإذا أحست بالشرِّ أو الضرر نبذتها .
إن حاجة العالم الى الإسلام أصبحت ملحة وقد آن الأوان لأن تتحرك الأمة الإسلامية
لإنقاذ العالم والمسلمون قادرون على
الخلاص مما هم فيه من ذلٍّ وشقاء ، والأعداء يدركون هذه الحقيقة لذا يشيعون بين المسلمين أجواء الخوف والرعب
قال تعالى:{ فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين}
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق