إن الأبناء بحاجة إلى تربية وتوجيه ، على أساس
الإيمان بالله ، والتمسك بتعاليم الدين وقيمه وذلك لا
يتحقق بكثرة الكلام ، ولا بشدَّة التحذير والإنذار ، إنما بالقدوة الصالحة
المؤمنة التي تقرن القول بالعمل ، لأن
الناشئ يقلد الكبار ببراعة وإتقان . وأنشدوا :
وينشئ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
وذكر ابن القيم في
تحفة الودود بهذا الصدد فقال: "من
أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركه سُدى فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر
الأولاد ، إنما جاء فسادهم من قبل الآباء ، وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض
الدين وسننه ، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا
هم بأنفسهم ، ولم ينفعوا آبائهم كبارا " .
إن محاسبة الأبوين
للأولاد على تصرفاتهم الخاطئة ضروري
للغاية ، وعليهم أن يحاسبا أولادهم على تصرفاتهم الشاذة ، أو السهر خارج البيت إلى
وقت متأخر من الليل ، في أماكن مشبوهة أو مع رفاق السوء . وعليهم وضع الأمور في
نصابها وإلا يعتبران مقصران في صميم
واجباتهما .
إن التربية السليمة ،
تؤدي إلى يناء مجتمع قوي سليم معافى ، مما جعلها بالنسبة لنا قضية حياة أو ممات في
وقتٍ شاع فيه الفساد والانحلال الخلفي والترف .
أما أن يكون الأبوان
بواد ، وتعاليم الدين بواد ومسؤولية توجيه
الأبناء في واد آخر ، بحيث لا يؤدون واجباتهم كما ينبغي ، في التربية
والتوجيه فإن ذلك يتنافى مع تعاليم ديننا
. وصدق رسول الله ﷺ بقوله : (من خاف على عقبه وعقب عقبه
فليتق الله) .
إن الآباء الذين
يريدون أن يفرضوا سيطرتهم على أولادهم ، بعد أن شبوا عن الطوق ، دون أن يكلفوا
أنفسهم عناء تربيتهم تربية صالحة فأخفقوا
منذ طفولتهم ، في فرض سيطرتهم عليهم كل الإخفاق ، كما نسمع ونشاهد هذه الأيام حتى أصبحت السيطرة بيد الأولاد على
الأبوين لا بيد الأبوين على الأولاد ، مما
أدى إلى تصدع بناء الأسرة ، وحلول الكوارث الأخلاقية وإرخاء العنان طوعاً أو كرها .
إن ولد اليوم هو رجل
المستقبل ، فيجب أن يكون الهدف من تربيته ، بناء المثل العليا في نفسه حتى يتسنى
له عند ما يحين الوقت المناسب ، أن يؤثر في الآخرين إلى ما فيه الخير .
وإن غرس المثل العليا
في الطفل ، يجب أن يتم في البيت ، وإن التربية الأساسية ، يجب أن تبدأ هناك وما نسميه اليوم من انحرافات الأحداث ، سببه
إهمال الأبوين تربية الطفل ، الذي يجب أن يربى تربية ، تجعله يميز بين الخطأ
والصواب ، ويتجلى ذلك بالصدق والاستقامة وحب الخير ، وطاعة الوالدين والاستماع
لتوجيهاتهما ، والإحسان لهما والبر بهما تقديراً لجهودهما .
ومن هنا جعل الله
الإساءة إليهما من أكبر الكبائر فقال رسول
الله ﷺ:
( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله فقال: الإشراك بالله وعقوق
الوالدين) . وقال ( كلُّ الذنوب يؤخِّر الله ما شاء منها ، إلا عقوق
الوالدين فإن الله يُعَجِّل لصاحبه في الحياة الدنيا قبل الممات ) إن تربية
الأولاد الدينية والخلقية ، تعتمد على العقيدة السليمة ، وقد ضرب القرآن لذلك مثلا
فقال تعالى في وصية لقمان : { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم }.
ثم الأمر والتدريب
على العبادات , والأخلاق الفاضلة , والأعمال الصالحة ، ليشب عليها الأولاد فلا تشق
عليهم إذا كبروا . قال تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها }. وقال
عليه السلام (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء
عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) .
كما نبه الإسلام إلى
مراعاة الأولاد في سن المراهقة . فقال عليه السلام ( إلزموا أولادكم وأحسنوا
أدبهم ) رواه ابن ماجة . وقد يضيق صدر بعض الآباء من سلوك أبناءهم المراهقين ،
فينهالون عليهم باللوم والتسفيه والتجريح ، أو العقاب البدني ، الذي ينهى عنه
الدين ، ويأمر الآباء أن يتقوا الله في أفلاذ أكبادهم ، وأن يقوموا على تربيتهم
بحسن الأدب والخلق الطيب ، والوقوف إلى جانبهم في هذه الفترة الحرجة ، ليأخذوا
بأيديهم ، حتى يعبروها بسلام .
قال بعض الحكماء
:" لاعب ولدك سبعاً وأدبه سبعاً ، وصاحبه سبعاً ، ثم اترك حبله على
غاربه" ذلك تأكيداً لمصاحبه الأب
لابنه وتأكيداً لمعنى حديث رسول الله
إلزموا أولادكم .
ومن واجب الآباء العدل بين الأولاد ، لحديث
النعمان بن بشير قال : أعطاني أبي عطية ولم ترض أمي حتى تُشهد عليها رسول الله ﷺ
. فانطلق أبي إلى رسول الله وقال له : إني نحلت ابني هذا غلاما ، فقال له رسول
الله ﷺ
( أكلهم له مثل هذا ؟ قال : لا فقال رسول الله : فلا تشهدني إذن ، فإني لا أشهد
على جور ، يا بشير أتحب أن يكون لك في البر سواء ؟ قال : نعم قال : إذن فاذهب
فارجعه ، إن لبنيك عليك من الحق ، أن تعدل بينهم ، كما أن لك من الحق عليهم ، أن
يبروك ، ثم قال : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) أخرجه البخاري وصححه .
وقد يوسوس الشيطان
للآباء ، بأنهم أحرار في مالهم ، وأن من حقهم أن يميِّزوا هذا عن ذاك من الأولاد ،
وما دروا أن الله وضع لهذه الحرية حدودا ، ومن تعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه .
إن التفرقة بين
الأولاد ، هي مبدأ الفرقة والشقاق والعداوة بينهم ، وقد تمتد إلى ذرياتهم حتى أننا
نلاحظ أن التفرقة حتى بالكلمة ، تزرع الحقد بين الأخوة ، فماذا يكون الحال حين
تكون التفرقة بالمال . إن كثيراً من الأسر تتهدم ، ويتحول الأخوة الأحباء إلى
أعداء ألداء ، فلو فكر الآباء فيما ينتظرون من عذاب الله نتيجة جورهم وظلمهم لبعض أولادهم ، لما اشتروا عذاب الله
ببعض مال يتمتع به ولد من الأولاد في دنياه
بينما يتلظى الأب بعد موته في جهنم . عن أبي هريرة قال: ( قال رسول الله ﷺ
:أعينوا أولادكم على البر بالإحسان إليهم ، وعدم التضييق عليهم والتسوية بينهم
في العطية ، من شاء استخرج العقوق من ولده ) رواه الطبراني في الأوسط .
ومن أخطر أنواع
التفرقة بين الذكور والإناث من الأولاد ، ما نراه من الجهلة من الآباء ، الذين
يحرمون بناتهم حقهنَّ في الميراث ، ويفرقون في المعاملة بين الذكور والإناث ، وهذا
ضلال مبين وعلى الآباء تعويد الأبناء ارتياد المساجد ، فهي دور العبادة ، يتعلم
فيها المرء قواعد العقائد وفرائض العبادات ، ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الآداب ،
وطريق المعاملات . ففي الحديث القدسي ( إن بيوتي في أرضي المساجد ، وإن زواري
فيها هم عُمّارها ، فطوبى لمن تطهر في بيته ، ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن
يكرم زائره ) .
وعلى الآباء أن
يكونوا خير قدوة للأبناء ، وعند ما نشكوا من مظاهر الانحراف ، نلوم الأبناء بالزجر
والوعيد ، وهيهات أن يجدي ذلك ، إذا افتقد الأبناء القدوة الصالحة ، في الآباء
والموجهين وعلى الآباء أن يُعَلِّموا
أولادهم حسن اختيار الأصدقاء . قال عليه السلام ( المرء على دينه خليلة فلينظر
أحدكم من يخالل ) .
إن التهاون في اختيار
الأصدقاء ، ومخالطة السفهاء وأصحاب الريب ، والمفرطين في حق الله الذين لا يؤدون
ما فرضه الله عليهم من عبادات ، ولا يهمهم الخوض في إعراض الناس ، واكل الأموال
بالباطل مما يؤدي إلى انحراف الأبناء ، حيث يسير على منهجهم وطريقهم ، ويكتسب
صفاتهم .
من أجل ذلك حذرنا الله من هؤلاء وامثالهم فقال
تعالى :{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ، وما لكم من دون الله من
أولياء ثم لا تنصرون}هود 113 .
وعلى الآباء أن ينهوا
أبنائهم عن التقليد الأعمى سواء على مستوى
الأفراد أو الدول في كثير من مظاهر الحياة ، والعادات والتقاليد ، بدعوى التحضر
والمدنية ، ناسين أن ذلك تبعية بغيضة ذمها الإسلام وسخر منها ، حتى أن الله شبه
هؤلاء المقلدين بالحيوانات ، التي لا إرادة لها ولا إدراك . قال تعالى :{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل
الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا
يهتدون . ومثل الذين كفروا كمثل الذي يَنْعقُ بما لا يسمع إلا دُعآءً وندآءً صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون }البقرة 171
. أما التقليد فيما برعوا من علوم
وصناعة ، فهذا مأمورٌ به ، لما فيه صالح الأمة ، والرسول ﷺ يوجهنا إلى أخذ
العلم أينما وجد حيث يقول (الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها فهو أحق بها) فاتقوا الله في أولادكم وأنفسكم ، فكلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق