الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

قضية فلسطين


مرَّ جيلان من الفلسطينين لا يعرفون فلسطين   ولم يروا بيوتهم المغتصبة فيها ، لكنهم متمسكون بها كوطن وحق وتراث ، وإن الممارسات الإسرائيلية تزيدهم صلابة وإصراراً وتمسكاً بحقهم في إقامة دولتهم المستقلة ، وقد انعكس هذا بما يجري من مقاومة اليهود لاقتناع الفلسطيني بحقه   ورفضه أن يَضيع هذا الحق ويستمر الباطل   وكما نلاحظ هذه الأيام فإن القضية تمر بمرحلة دقيقة على الصعيد الدولي ، والحديث جاري عن الحلول السلمية والمبادرات الكثيرة من جهات مختلفة . إن هذا الجيل بحاجة ماسة ليفهم كيف نشأت الدولة اليهودية ، وما هو ثمن ذلك للغرب والشرق ، في وقتٍ تقف بريطانيا وأميركا بكل ثقلها خلف الحركة الصهيونية التي تتعارض فلسفتها مع تطلعات العرب إلى قيام دولتهم وتحرير أرضهم ، مما زاد ممارسة الحركة الصهيونية من أجل الدولة اليهودية في التعسف الذي أدى وما زال إلى المذابح والحروب ، فأثبتت هذه الحركة بأعمالها وممارساتها ، أنها جسم غريب في المنطقة العربية .
ونظرة إلى هذا الاحتلال وما سبقه وما رافقه إلى المزيد من التوسع ومصادرة الأراضي وإقامة المستعمرات عليها ، حيث لا حق لهم أن يكونوا هناك أصلاً ، لكننا نرى مع الأيام زيادة الأعمال التعسفية ، مما يدل على أن إسرائيل اليوم لا تريد أقل من الاختفاء الكامل للشعب الفلسطيني بكل ما تملك من قوى ووسائل .
إن ما تفعله إسرائيل لا يختلف عما فعله هتلر  بتبنية نظرية الشعب المتفوق ، والتي لا تختلف عن نظرية اليهود ، وبينما اعتقد العالم أنه تخلص من النازية ، إذا به يجد نفسه يواجه الحركة الصهيونية  التي لا تقل عنفاً وتعسفاً واستهتاراً بقيم الإنسان  وهي تنمو بسرعة فائقة ، لأنها تنعم بالدعم الأميركي السياسي والاقتصادي والعسكري وبالمساندة والتأييد   أخذت تعمل على تمييع الهوية الفلسطينية ، وتجاهل وجود الشعب الفلسطيني ، فقد صرَّح بذلك زعمائهم ، قالت غولدا مائير " أين هو الشعب الفلسطيني إنه لا وجود له ". كما أن بيجن وشامير وشارون ينكرون حق هذا الشعب في وطنه ، ويحاولون جعل قضيته عربية فلسطينية لا فلسطينية إسرائيلية  فلا غرابة إذن بما تقوم به إسرائيل من احتلال الأراضي ومواصلة الاستيطان بدعم خارجي لهذه السياسة وغياب في الموقف العربي الموحد والفعّال  فكان رد الفعل من شعبنا ما تشهده الأراضي المحتلة اليوم من انتفاضة شعبية تهز الكيان الصهيوني ، وما رافق ذلك من بشاعة الممارسات الإسرائيلية القمعية التي تنفذها يومياً ضد الإنسان الفلسطيني ومقوماته ومؤسساته وأرضه  واستشهاد الكثير من الشباب الفلسطيني ، في الوقت الذي تشتتت فيه الإرادة العربية ، وفقد العمل العربي المجدي لحل ما يلاقي الشعب الأعزل  بل تعقدت سبل التفاهم حول صيغة تمثل الحد الأدنى من التوجه العربي المخلص لهذا الشعب .
وهنا نتساءل : كيف يصف التاريخ هذه الفترة الحزينة ؟ وما سرُّ السكوت والوقوف موقف المتفرج من ممارسات السلطات الإسرائيلية ، التي تستبيح مقدساتنا وتعرِّض أبناءنا وبناتنا ورجالنا ونساءنا لأنواع البطش والقتل والتعذيب . وهل يكفي عقد الاجتماعات لاتخاذ قرارات الإدانة وجمع التبرعات ، ومناشدة المنظمات الدولية لوقف ما يجري ؟ لا يا اخوة ، فقد عقد مجاس الجامعة العربية قديماً اجتماعات مماثلة لم يتوصل فيها إلى حل يحد من المأساة التي كان يعاني منها شعب فلسطين ، ففي أحد هذه الاجتماعات   في بيروت سنة 1947 قرر زعماء العرب ما يلي : " يجب أن يترك للفلسطينيين أنفسهم عبء الدفاع عن بلادهم ، على أن تزودهم الحكومات العربية بالمال والسلاح ، فإن الفلسطينيين أخلص لقضية بلادهم واعرف بمداخلها ومسالكها  وأولى من غيرهم بالدفاع عن ممتلكاتهم وأعراضهم" . ناسين أن فلسطين بلد إسلامي  ومهمة الدفاع عنها وطرد اليهود منها واجب ديني . ويومها قال القائل فيهم :
قد اجتمعوا وما جمعوا        لهم أمراً فما صنعوا ؟
فكم قالوا وكم صالوا         فما صدقوا وما نفعوا
 وبانت فيهم الأحـقاد              والشر الـذي رضعوا
  فهذا ينصب الأشراك           يبـغي من بها يقـع
وآخر يدّعي الإخلاص          وهو الكاذب الجشع
أمورٌ تبـعث الأحزان           ليت القوم ما اجتمعوا
وقبل هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية ، كانت فلسطين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية ، ولهذا لم يكن لها في عهد الحكم العثماني وحدة جغرافية مستقلة ولا كيان سياسي منفرد ، ولذلك كانت الحركة الوطنية الفلسطينية تعمل في إطار الحركة الوطنية العربية في كل سوريا الطبيعية ، وكان تقسيم سوريا بين بريطانيا وفرنسا ليصبح اسمها سوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين ، وكان صدور وعد بلفور الذي تبع الاتفاق على هذا التقسيم ، قد خلقا وعياً جديداً وخوفاً من ضياع فلسطين ، فأخذت تتبلور الحركة الوطنية الفلسطينية ، التي تدعو لمقاومة بناء الوطن القومي اليهودي في فلسطين .
إن جوهر المشكلة الفلسطينية هو مصير شعب ومصير وطنه ، إنه الغزو التدريجي والاستيلاء المستمر على البلاد بالقوة العسكرية ، وتجريد السكان الأصليين من ممتلكاتهم بالقوة   وتشريدهم وإخضاع المتبقين منهم ، واستقدام اليهود على نطاق جماعي لكي يحلّوا محل المطرودين ، وينشروا لواء الاستيلاء على المهزومين ، واستغلال الأراضي المنـزوعة ملكيتها ، والموارد التي تم الاستيلاء عليها من الشعب المغلوب ، بل يمكن القول بأن جوهر المشكلة هو حقاً القضاء على الشعب الفلسطيني  واستبداله باليهود المنقولين من شتى أنحاء العالم وبصدور وعد بلفور يلمس المطلع على الأحداث في ذلك الوقت وخصوصاً مراسلات الحسين _ مكماهون التي وُعِدَ فيها العرب بالاستقلال   لكنه تبين فيما بعد أن العرب خُدِعوا وأنهم بموقفهم ناصروا عدوهم ، وإن أمل الاستقلال والتزام بريطانيا بتحقيقه ، لم يكن إلا مجرد حبرٍ على ورق ، وإن مرحلة النضال ضد بريطانيا من جهة  والحركة الصهيونية من جهة أخرى قد بدأت ، وإن طريق النضال الطويل والوصول إلى التحرير لن يتحقق بسهولة ويسر .
وقد كثرت الاجتماعات ، وبدأت أعمال المقاومة تظهر في فلسطين ، وفي عام 1919 وصلت إلى فلسطين لجنة كينغ-كرين لتقصي الحقائق ، والتي توصلت إلى أن معنى وطن قومي للشعب اليهودي لا يعني أن تصبح فلسطين دولة يهودية ، لأن هذا يعتبر اعتداء على الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين ، وأن تعريض سكان فلسطين للهجرة غير المحدودة والضغوط المالية والاجتماعية المستمرة من أجل التخلي عن أراضيهم بشكل مخالفة كبيرة لمبدأ تقرير المصير" .
هذا ما كانت تفعله بريطانيا ، بإرسال لجان تحقيق كلما حدثت انتفاضة في البلاد  فأرسلت اللجنة الملكية البريطانية لتقصي الحقائق حول أسباب ثورة 1936 التي عادت بتقريرها الذي يؤكد أن أسباب الثورة ، هي رغبة العرب في نيل الاستقلال ومعارضتهم لإنشاء وطن قومي يهودي  لكن العرب لا يستطيعون مواجهة القوة الصهيونية ، وكانت زعامة الشعب الفلسطيني تلجأ إلى المؤتمرات الإسلامية ، التي كانت أكثرية دولها إما ترزح تحت نير الاستعمار أو عبارة عن مناطق نفوذ استعمارية ، وأما الجيوش العربية فلم تكن مستعدة للحرب أصلاً ، بدليل عدم الاستعدادات ، والنقص في الأسلحة والذخائر وعدم وجود خطط واضحة للعمليات الحربية المزمع القيام بها ، حتى إنه نقل عن المشتركين فيها قولهم : "كنا نشعر بالعجز وتأكد لنا بأن هذه ليست سوى حرب سياسة ". وهو ما أكده قائد القوات المصرية في فلسطين ، اللواء احمد علي المواوي بقوله :" إن النقراشي قال إن الاشتباكات ستكون مجرد مظاهرة سياسية وليست عملاً حربياً ، ويعتقد أن المسألة ستسوى سياسياً بسرعة  وأن الأمم المتحدة سوف تتدخل".
ثم كيف يرجى الخير من بعض هذه الجيوش التي دخلت الحرب بقيادة ضباط بريطانيين وبريطانيا هي التي عملت على قيام دولة اليهود .
وحتى الجامعة العربية التي أُسست بناءً على تصريح بريطانيا على لسان وزير خارجيتها ايدن عام 1943 ، والذي تحبذ فيه بريطانيا ظهور مبادرة في سبيل الوحدة العربية   فأنشئت الجامعة العربية ، التي لم يشر ميثاقها لا تصريحاً ولا تلميحاً إلى الشؤون العسكرية أو الدفاعية ، وحتى الزعماء العرب لم يكن للجانب العسكري عندهم أية أهميه ، بل تغاضوا عنه ، ولم يولوا العسكرية في إطار التعاون أي اهتمام ، وها هو التاريخ يعيد نفسه   لقد أوضحت بعض الوثائق ، أن الدول العربية عام 1948 حينما قررت دخول جيوشها فلسطين ، لم تتخذ التدابير التي كان لا بد من اتخاذها لمواجهة حال الحرب ، بل لم يُتخذ من الإجراءات ما يدل على أن البلاد العربية مقدمة على حرب تحريرية ، ولو أن الدول العربية كانت جادّة بتهيئة وسائل الحرب والدفاع وحسن استخدامها في المعركة مع اليهود لتحقيق استقلال فلسطين في إثر انسحاب القوات البريطانية منها  لتغير مجرى الأحداث والنتائج التي انتهت إليها حرب 1948 آنذاك .
ولم تكن القوات العربية ترقى إلى مستوى قوات دفاعية للأمن الخارجي ، بل كانت قاصرة على صون الأمن وحماية الأنظمة ،  ورغم ذلك فإن إخفاق الجيوش العربية في فلسطين عام 1948 كان سياسياً أكثر مما كان عسكرياً ، وكان في وسع هذه الجيوش رغم تخلف سلاحها وقلته وفساده ، تصفية الحساب مع المنظمات الصهيونية  الإرهابية والحفاظ على عروبة القدس .
ولكن الظاهر أن هذه القوات الباسلة ، قد دُفعت لخوض الحرب لا لتكسبها بل لتخسرها ويومها كتب الزعيم الفلسطيني عوني عبدالهادي وكأنه يستطلع الغيب قال :"أخشى أن نكون في حاجة إلى نكبات أخرى حتى نستفيق ... ويظهر لي أن النكبات التي أصابت العرب منذ 1948 لم توقظنا بعد اليقظة التي تجعلنا نستفيق ، أنا مؤمن بأننا سنستيقظ يوماً في المستقبل ، ولكن متى ؟ يوم يرجع المسلمون إلى كتاب ربهم وسنة رسولهم e 
ويومها لا بد أن يستعيد الشعب حقوقه وقيمه ما دام متمسكاً بهما ، فهما ماضيه وهما حاضره الذي يجب أن يكون أساسا لمستقبله ، وما يقوم به الأهل من مقاومة وتضحية وتفانٍ ، لدليل على رفضهم التسليم بضياع تراثهم وترابهم ، وإن الهوية الفلسطينية قائمة منذ فجر التاريخ   وستبقى ما دام هناك شعب يقول كل فرد من أفراده  بحزم وعزم وإصرار أنا فلسطيني .
إن الأمة هي الضحية وهي المتآمر عليها ، ودماء أبناءها هي التي تنـزف ، وأبناؤها هم الذين يُقتلون ، ومقدساتها هي محل البحث ، وهي بانتظار المخلصين الأوفياء من اجل العمل على تخليصها مما هي فيه من مذلَّةٍ ومهانة  .
 إن هذا الواقع يفرض على المسلمين ألا يتركوا الضلال يستكبر ، ولا يجد من يقمعه ويردعه  وإن الإيمان والإرادة الصادقة أقوى من أسلحتهم وأدوات دمارهم ، فلماذا لا نعمل على رد كيدهم ، وإعادة الأمة إلى سابق عزها ومجدها  خير أمة أُخرجت للناس .

ومن مواثيق الله التي وعد بها رسوله e أن تسليط الأعداء على الأمة المسلمة ليس تسليط استئصال ، وان إصابتهم للمسلمين وإضرارهم بهم ، ما هو إلا أذى وليس إنهاءاً لهم ، لأنهم أمة الرسالة الخاتمة والخالدة  .                                             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق