إن
أجيالاً كثيرة انحرفت بالمرأة ، وعطلت كفايتها وأخلَّت برسالتها ، فالمرأة المفترى
عليها أصبحت مفترية على الإسلام ، تتظلم
من أحكامه وتشكو من شرائعه ، وما درت أنها ما سُلِبَتْ حقها ،
إلا حين شملت الجاهلية مجتمعها ، وحين غاب
الإسلام عنها ، فالإلحاد والفجور ، هو الجو الذي اعْتُدِىَ فيه على النساء ، مع أن
الإيمان واليقين والاستقامة ، هو الجو الذي صلُحَ فيه أمر النساء
وأصبح لهن بجانب الرجال ، مكان النصفة والعدل .
لكنها
اليوم ، في أغلب بلاد العالم تعيش على إبراز أنوثتها للرجال ، وان احتفاظ المرأة بعملها مرهونٌ بمدى
نجاحها في إبراز جسدها ، وحسن عرضه ، مما يحط من قيمة المرأة في نظر الرجل
العاقل ولا تنال إلا إعجاب الرجل الفاجر وتبتغي رضاه .
أما
الإسلام فيسمو بالمرأة إلى آفاق لا تدركها حضارة الغرب ، فإذا كانت المرأة في
الإسلام أُماً ففي طاعتها رضوان الله ، وتحت أقدامها الجنة وإن كانت زوجةً صالحة
،ً فهي أفضل ذخر يستفيده المرءُ من دنياه بعد تقوى الله.
أما أن تخرج لتتملق شهوات الرجال ، وتتدخل فيما
لا شأن لها به ، فإن ذلك يثير في الحياة الخلل والاعوجاج ، وهناك أعمالٌ لا ينبغي
في نظر الإسلام ، أن تتورط فيها المرأة ، مهما بلغت من الفاقة والاحتياج .
فما
معنى أن تعمل الفتاة سكرتيرة خاصة لرجل
أولُ ما يطلبه الجمال والمظهر الحسن ، وما معنى أن تعمل الفتاة مضيفه في
ملهى أو مرقص أو عارضة أزياء ، أو راقصة أو ممثلة ، في سلك الفن الجنسي السافر ،
إن الفتاة في هذا كله تؤجِّرُ أُنوثتها ،
وإن المستغلين ، يلوحون للفتاة بهذه الأعمال ، لتتخلّى عن كل شئ ، وتتنازل عن كل
قيمة .
إنه
لا بد من حماية المرأة من هذا الاستغلال
البشع ، الملوث بتجارة الجنس ، الهادف إلى الهدم والإفساد ، مع أن الأولى
بالمرأة أن تحافظ على إنسانيتها ، وتدافع عن قيمتها ، ولا تتدنى إلى مجرد الأنوثة
، والكسب من هذا الطريق ، وأن تستعين
بمبادئ الإسلام الذي يضع لذلك الضوابط والحدود ، فاهتم بتطهير المجتمع من الفوضى
والفساد والتحلل الخلقي ، حفظاً للأمة من عوامل التردي في بؤرة الإباحية والفجور
والدعارة والمجون ، والذي يتسبب في ضياع العرض والشرف .
إن
الإسلام وهو يقرِّر العقوبة الشديدة والصارمة على مرتكبي جريمة الزنى ، لم يكن
يُغْفِلُ الدوافع الفطرية أو يحاربها ، إنما أراد محاربة الحيوانية التي لا تفرِّق
بين جسدٍ وجسد ، أو لا تهدف الى إقامةبيتٍ وإنشاء حياةٍ مشتركة ، لا تنتهي بانتهاء
اللحظة الجسدية الغليظة ، لكنها تهدف الى إقامة العلاقات الجنسية على أساس المشاعر
الإنسانية التي تربطها حياة مشتركة ، ومن هنا شدّد الإسلام في عقوبة الزنا بوصفه
نكسةً حيوانية همها إرواء جوعة اللحم والدم في لحظةٍ عابرة .
إن
الإسلام لا يشدّد في عقوبة الزنى هذا التشديد إلا بعد تحقيق الضمانات الوقائية
المانعة من وقوع الفعل ، ومن توقيع العقوبة إلا في الحالات الثابتة التي لا شبهة
فيها .
إن
الإسلام منهج حياة متكامل لا يقوم على العقوبة ، إنما يقوم على توفير أسباب الحياة
النظيفة ، ثمَّ يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب الميسرة ، ويتمرَّغ في
الوحل طائعاً غير مضطر .
إن
مما يدعو للأسف أن تنشر صحفنا بلا خجل ولا وجل هذا العنوان " الحملة الوطنية
الشعبية للقضاء على ما يسمى بجرائم الشرف " وما دروا أنهم بذلك تنصلوا من
الشرف ولا شرف ، لأنهم ادّعوا أن المادة التي تضمنها الدستور بهذا الخصوص تتنافى
مع أحكام الإسلام .
إن
القائمين على هذه الحملة هم بلا شك ممن تأثروا بالثقافة الغربية ، التي ترى في
الحدود والعقوبات من الشدَّة والقسوة ما لا يتفق مع روح العصر ، وما يتعارض مع
الحرية الشخصية وخاصة حرية المرأة التي تنادي بها دول الكفر باسم التحرُّر
والمساواة وتحت شعار الديمقراطية .
إن
الإسلام يعتبر الزنى لوثةً أخلاقية وجريمةً اجتماعية خطيرة ينبغي أن تقاوم بدون
هوادة ، حتى أن الإسلام اعتبر الذين يقتلون في سبيل الدفاع عن العرض في عداد
الشهداء فقال ﷺ
: ( من قتل دون أهله فهو شهيد ) . لأن الدفاع عن الأهل يعني الدفاع عن
العرض ، ولا شيئ على من قتل زوجه أو ابنته أو اخته إن وجد مع أحدهما رجلاً يمارس
جريمة الزنى ، ولا شيئ عليه إن قتل الرجل
لأن واجب المسلم أن يحمي عرضه ويتولى الدفاع عنه دفاعاً زاجراً ومؤثراً ولو
أدى الى القتل ، ولا يكون بذلك قد تولى الأمر عن الدولة ، لأنه يقوم بأمرٍ طلبه
الإسلام منه مباشرة .
ويا
ليت القائمين على هذه الحملة الذين يدّعون أن المادة التي تنص على ما يسمى بجرائم
الشرف تتناقض مع أحكام الإسلام ، يا ليتهم يقومون فعلاً بالمطالبة بإلغاء كل
القوانين التي تتنافى مع مبادئ الإسلام وما أكثرها .
لقد
منح الإسلام للمرأة حقوقاً ، لم تنلها في كلِّ النظم والقوانين ، التي عرفتها
الإنسانية حتى يومنا هذا . قال تعالى : { ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ وأنثى ،
فأولئك يدخلون الجنة ، ولا يظلمون نقيرا }النساء 124 .
كما
ضمن للمرأة من ناحية الأهلية ، حقوقاً لم تبلغها كلُ القوانين الوضعية في العالم .
قال تعالى:
{
للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا ، وللنساء نصيب مما اكتسبن } النساء32.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق