إن
الكلمة تكاد أن تجف قبل أن يجف مدادها
فلمثل هول هذه المؤامرة ، يذوب القلب من كمدٍ ولمثل هذا الهوان تنفطر
الأكباد ، ولأن كانت الغفلة قد رانت على القلوب ، فإنا نذكر المثل القائل "
رب ضارة نافغة " فلعلَّ هذه الأحداث المؤلمة تحرك الضمائر وتوقظ الهمم ولكن
هيهات .
إن
قوة العدو بعيدةً كل البعد عن ذاته لأنها
قائمةٌ على تخاذلنا وتخلخل صفوفنا وعدم حرصنا على إعداد العدة ، لمواجهة
المأساة التي حلت بإخواننا الذين أصبحوا بين عشية وضحاها ملهاة الزمن وحديث
المتفضلين .
إن
إخواننا يتلقون المأساة على شكل معركة تدور واعتداءٍ يُدبَرْ ومؤمرات تُحاك ،
ومقدساتٍ تنتهك حرماتها ، وأرضٍ يعتدي عليها الغاصبون
إنهم
يتطلعون إلى الساعة التي يفرح فيها المؤمنون بنصر الله ، إنهم يبتسمون للموت ولسان
حالهم وهم يقاومون اعتداء المعتدي قول الله تعالى :
}
والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلَنا وإن الله لمع المحسنين {
. في الوقت الذي يولي المسلمون ظهورهم لما يجري ، ويطمئنوا لما هم عليه من ضياعٍ
وفرقة ، ويهونوا على أنفسهم حتى تبلد منهم الحس ، فلماذا لا يستيقظوا على وقع
المطارق التي لا تعرف إلاً ولا ذمة .
ولماذا
يخضع القائمون على أمر الأمة الخضوع الأعمى للمؤامرة الدنيئة التي تستهدف قتل روح
الجهاد والمقاومة في الأمة ، أليس من عجائب دهرنا ومصائب زماننا أن يعربد الكفر
ويصول ويجول ويقتل ويدمر ؟ والمسلمون يسيرون في مواكبة ويركضون في ركابه ، أليس من
سخرية القدر أننا لا نعرف أعدائنا وأصدقائنا ؟ أليست مصيبة الإسلام في مضيعة لا
معين له عليها بين جهل أبنائه وعجز علمائه ؟ في
الوقت الذي يواجه هجوماً شرساً يهدف إلى القضاء عليه وإفراغ المسلمين من
حوافزه الروحية .
إن
المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين في أوج شراستها وعنفوانها ، بسبب الصراع والفراغ العقائدي
، الذي مزق أوصال الأمة وشتت شملها مما
سهّل على إسرائيل أن تفترس شعباً بكامله
وهان علينا أن نغضي على الأذى ونحن نرى جناته ، ونصبر على المكائد ونحن
نعرف موقديها ونرتكس في مطارحنا الذليلة نقتات أوهاماً ونجتر آلاماً ، ونصبِّرُ
أنفسنا على البلاء الذي يُمارس ضدنا ، حتى صار الذل جزءاً من طبيعتنا ، لا نكاد
نحس به أونُباليه ، في الوقت الذي نرى إسرائيل المزعومة كما نسميها ، وحده دينية
واجتماعية وسياسية مترابطة متلاحمة ، ونحن فرديون أنانيون لا حقيقيون ، لكل منا
قصة ولكل منا قضية ولكل منا درب وسبيل .
إسرائيل
أمة متكاملة تكونت خلال عقدين من الزمان ، من تسعين جنسية مختلفة ، لا يجمع بينها
إلا رباط الدين ، ونحن أمة مشرذمة لا خطة ولا حافز ولا حاضر ولا مستقيل ولا مصير ،
نتداعى إلى اجتماع أو مؤتمر فنخدع أنفسنا والناس
ويحتدم النقاش وقد يقع الخصام فتضيع الحقيقة بين التخدير والإيهام .
أنظر
يا أخي فيما يحيط بنا من غفلة عامة توشك أن تَقْطع المسلمين من أرض الأحياء فلا
تكاد ترى إلا ألقاباً في غير موضعها ، ورتباً وأوسمة تتلألأ على الأكتاف والصدور
والله وحده عالم بما في الصدور ، ومسؤول هنا وآمرٌ هناك صقورٌ على أهليهم حمائم
أمام إسرائيل ، أشداءُ على قومهم أذلاء أمام إسرائيل ، لا يصلحون لغير المراسم
والمواسم الاستعراضات .
وأسمع
يا أخي المسلم لما يدور من
حولك : صفقات وعمولات وسرقات وتهريب وتخريب وأسلحه صدئه مهترئه من نفايات الأعداء ، ومخلفات الحرب ، تستعمل للزينة أو للضرب ، ومؤتمرات تجتمع وتنفض لتنقض ونقاش وحوار ومساومات وتنازلات ، تنقشع عن هزائم نصنعها لأنفسنا ، وأساطير انتصاراتٍ نصنعها لإسرائيل ، وما تزال المأساة تحل بأمتنا وتلعب بأقدارها ومصائرها .
حولك : صفقات وعمولات وسرقات وتهريب وتخريب وأسلحه صدئه مهترئه من نفايات الأعداء ، ومخلفات الحرب ، تستعمل للزينة أو للضرب ، ومؤتمرات تجتمع وتنفض لتنقض ونقاش وحوار ومساومات وتنازلات ، تنقشع عن هزائم نصنعها لأنفسنا ، وأساطير انتصاراتٍ نصنعها لإسرائيل ، وما تزال المأساة تحل بأمتنا وتلعب بأقدارها ومصائرها .
ولكي
نخرج من هذا المأزق ، لا بد أن نعرف حقيقة لا شك فيها ، وهي أن الحياة كما تتقدم
بالرجال الأخيار ، فإنها تتأخر بالمنافق الخبيث منهم ، وكما أنه من حق الشجرة لكي
تنمو أن تقلّم ، فذلك من حق الحياة لكي تصلح أن تنقى من السفهاء والعتاة والآثمين
، والمتآمرين على الشعوب والأمم ، الساكتين عن مساندة الحق وقول الحق ، وقديماً
قيل : الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس ، وقد أثبتت الأحداث الجارية أن الجبن والنكوص
والخيانة والخذلان ، قد كشفا عن طوية المنافقين الذين يتفرجون على الأحداث ولا
يتدخلون ، كما أثبتت الأحداث أن الأمة التي لا يحكمها آمرٌ واحد ، أو تغلب على
قيادتها النـزعات الفردية ، لا تنجح في صدام بل لا تُشرِّف نفسها في حربٍ أو سلام
، فلماذا لا تنسى الأمة خلافاتها وتقف صفاً واحداً أمام قوى الشر المعادية لها ؟
ولماذا
لا تكون الشدائد دافعاً من دوافع لم الشمل وتوحيد الصفوف ؟ وهو ما يحبه الله
لعباده المؤمنين قال تعالى :}إن
الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص{.الصف4
إن
الثأر ضريبة دم حين تهدر الكرامة وتهان الحرمات وتداس المقدسات ، وليس بين صفوفنا
من ينادي بذلك . لأن الذين يستطيعون تحمل تبعات الحاضر وأمانة المستقبل ، لا مكان
لهم في مفاوز الزلفى والنفاق ومفاسد الأخلاق ، وإن معركة الإسلام ليست معركة ضد
الصهيونية وحدها ، أو ضد أوروبا أو أمريكا ، بل هي معركة المصير الإنساني كله ،
وإن أعمى البصيرة وحده هو الذي يرضى بواقع هذه الأمة أو واقع هذا العالم ، الذي
تتحكم فيه قوةً واحدة متجبرة فتنتحل الذرائع
الكاذبة من أجل السيطرة على مقدرات هذا العالم بقوة السلاح ، وإن التحدي الصادق
لهذه القوة يتطلب منا أن نفعل ما يجب علينا أن نفعله من الأعداد والاستعداد ،
بإيمان صادق بأن الأرواح والأرزاق بيد الله .
وأن
يكون هذا حافز لنا على الاستبسال والجهاد
وعندها نصنع الأعاجيب ، أما الذين يخافون من ذكر الحرب مع الأعداء ، فقد
اختاروا العمى على الهدى ، والفساد على الضلال ، والذل على الجهاد ، كل فريق بما
لديهم فرحون ، ناموا على الخزي حتى فقدوا القدرة على الإحساس بالعار وقد سبقت كلمة الله عز وجل في وصف ما نحن فيه
فقال تعالى :}يا أيها الذين
آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة
الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل . إلا تنفروا يعذبْكم
عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم {
التوبة
38 .
وهذا
ما حصل أما الإيمان فقد غاب ،وأما العذاب فانتظروه ، وقد أمر الإسلام بتطهير
الصفوف حتى يكون الجيش المقاتل ذا عقيدة لا عقائد شتى قال تعالى في حق مثبطي
العزائم : } لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خيالا ولأوضعوا
خِلالكم يَبغونَكُمُ الفتنة وفيكم سَّماعُون لهم {
التوبة
46
.
وكأن
الله بواسع علمه قد رأى ما ستكون عليه حال الأمة فيما آلت إليه ، فقد اثاقلنا إلى
الأرض ولم ننفر في سبيل الله ، فأذاقنا عذاب الهون واستبدل بنا قوماً غيرنا في أرضنا ومقدساتنا
وقد قال تعالى يصف تآمر الأعداء علينا .
أعداء
الداخل والخارج :}ود
الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدة{
النساء
102 .
فكيف
يقاتل عن شرفه وأرضه وعرضه من لا يؤمن بالله ، لقد عرف أعداؤنا مقتلنا فأغفلونا عن
أسلحتنا ، وشنوا علينا هجماتهم الشرسة لتفريغ المقاتل المسلم من هذه الشحنة التي
لا يكون بدونها نصر ، قال تعالى : }وأنزلنا
الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس {
الحديد
25 .
في
الآية حث ظاهر على الاستعداد للمعركة
بإنشاء المعامل الحربية لصناعة الأسلحة بمختلف أنواعها ، لنواكب تقدم الأمم
في هذا المضمار ولنحمي أنفسنا من أسلحة
الدمار. حتى لا نصرع أمام الكفّار ، أما الإسلام فلا يمكن أن يصرع لأنه من عند
الله وقد تكفل الله بحفظه .
إن
دولاب الزمن لا ولن يقف والحياة لا تنتظر متخاذلاً ولا تقبل عذر متخلف ، وإن وقود
الحركة التي تأخذ بيد الأمة إلى طريق النصر هو قلبٌ يعي ، وفكر يعمل ، وتضحيات
تبذل بغير حساب ، ومن هنا كان لمداد العالم الصادق المخلص الذي لا تأخذه في قول
كلمة الحق لومه لائم ، له وزنه في بناء كيان الأمة ، وكان لدم الشهيد قدره في
الحفاظ على وجودها ، لأن عطاء العالم دليل السلامة في العقيدة والاستقامة على
الطريق ، والمجاهد حين يبذل دمه خالصاً في سبيل الله ، فذلك برهان الوفاء وصدق ما
عاهد الله عليه ، إن كلمات المخلصين من إخواننا تحكي وقطرات دمهم تحكي ، والحركة
مستمرة لأنها تنسمت بالدم معنى الحياة ، لقد آن لنا أن نذكر ومطارق الغدر والخيانة
والاعتداء تدق أبوابنا صباح مساء ، آن لنا أن نذكر الكلمة المضمخة بالدم ، التي
يطل بها صاحبها هازئاً بهذا العالم الفاني مختاراً الشهادة على حياة الذل والعار .
آن
لنا أن نفيق من الغفلة ونأخذ زمام المبادرة ونتسلم الراية من جديد ، ونجنب الأجيال
القادمة جحيم الدنيا والآخرة .
فهل
نحن فاعلون ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق