قال
تعالى:{ظهر الفساد في البرِّ والبحرِ بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي
عملوا لعلهم يرجعون }الروم 41 .
إن
فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم ، يوقع في الأرض الفساد براً وبحراً ، وذلك في
تقديري لا يتم عبثاً ، ولا يقع مصادفةً ، إنما هي سنة الله ليذيقهم بعض الذي عملوا من الشرَّ والفساد
ويتألمون لما يصيبهم بما كسبت أيديهم ، ولما هو عليه الحال من فساد في أنظمة
الحياة وقوانينها وفي الإدارة والحكم ،
وحتى في الشوارع والمنتديات ، ولا يُطالب ذوو الرأي والبصيرة والجاه والنفوذ
والسلطان بمقاومة الفساد والرجوع الى الله
، وأن توزن الأمور بميزان الإسلام وتقاس بمقياس الشرع ، وعندما نطالبهم بأن يتصدوا
لأفعال المنحرفين عن منهج الله ببيان زيف
أعمالهم ، وكشف تصرفاتهم للأمة وإبداء رأى
الإسلام وحكم الشرع في تلك التصرفات والأفعال ، يستشهدون في معرض الدفاع عن أنفسهم
، بأن المطلب فيه هلاك وتهلكة مُستدلين
بقوله تعالى:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} متناسين أن الآية نزلت في الدعوة إلى الإنفاق
في سبيل الله والجهاد ، والتارك لذلك معرضٌ نفسه لهلاك الدنيا والآخرة ، بدليل
قوله تعالى في أول الآية:{وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
ويتجاهلون قول رسول الله ﷺ:
(من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ، ناكثاَ لعهده مخالفاً لسنة
رسوله ، فلم يغيرَّ بقول ولا فعل ،كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ) . وقول
على رضى الله عنه : "وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يقرِّبان من
أجل ولا ينقصان من رزق ، وأفضل ذلك كلمة عدل عند إمام جائر" . وهو المعنى
الذي أفاده حديث رسول الله ( ص ) :( إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)
.
أن
نظرةً إلى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وحتى علاقات الجنسين ، وما يسمى
بالفن الساقط الرخيص ، نجد أن الفساد قد استشرى وعم ، ففي عالم السياسة نجد كثيراً
من الدول تدّعي أنها تحكم بإرادة
الشعب والذي لا وجود له في الواقع ، والذي يحكم
بإرادة الطواغيت لا بما أنزل الله ، حيث أن كل حكم غير حكم الله ، لا بد
وأن يكون طاغوتا لأن الفساد في بنية
النظام ذاته ، لا في الأداة المنفذة له ، ولا في وسائل التنفيذ ، والعلاج ليس في
مزجه بالحرية والديمقراطية وإنما بتغييره
من أساسه ، وذلك بالرجوع إلى منهج الله دون سواه
والحكم بما أنزل الله جملةً وتفصيلاً
لأن الشقوة التي تعانيها البشرية ، لن يرفعها عنها تغييرارت طفيفة في
جزئيات النظم والأوضاع ولن ينجي البشر
منها إلا تلك النقلة الواسعة البعيدة ، النقلة من مناهج الخلق الى منهج الرب ، ومن
نظم البشر الى نظام رب البشر ، ومن أحكام العبيد الى حكم رب العبيد .
وإن
الذين يقولون ، إن الإنحرافات والجرائم تصحَّح وتقوَّم وتردَعُ بالوعظ والإرشاد
ويتجاهلون الدعوة إلى التطبيق الكلي للمنهج الرباني . إن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن
الجرائم لا تقاوم إلا بالقانون الرادع ، والعقاب الصارم والحكم العادل الذي لا جور
فيه ولا محاباة ، وما تفشت الرذائل وانتشرت الجريمة ، إلا يوم أن ظهرت هناك دعوات
تنادي بالوعظ والإرشاد وحده ، واعتماد المقولة :" إذا صلح البيت صلح المجتمع
"، مما أدى إلى أزدياد العدوان والطغيان وتفشي الجرائم وانتشار الرذائل وضياع القيم وفساد الذمم وأكل الربا ، مما أكد
وجوب تحقيق مقولة القائل :" يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" ، فالله لم
يكتف بإنزل الكتب وإرسال الرسل ، بل شرع العقوبات ردعاً للمجرمين وقطعاً لدابر
الجريمة .
أما
لماذا يُستبعدُ منهج الله دون سواه عن واقع الحياة ؟ فهذا في تقديري له أسبابه ،
ففي العالم الإسلامي، لا يمكن للمسئولين
فيه أن يطبقوا الإسلام ، لأنه يجعل ولاء الناس لله ، بينما هم يريدون أن يكون
الولاء لهم من دون الله .
وأما المثقفون فهم خلاصة الكيد الخبيث للقضاء
على الإسلام ، لأن الغرب أوهمهم بأن الإسلام تأخرٌ ورجعية ، وأن الوسيلة الوحيدة
للتحضر هي إبعاده عن مجال الحياة العامة ،
وإلغاء سيطرته على أي مفهوم من مفاهيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
وحتى الأخلاقية .
أما
الكتّاب والقصّاصون والإذاعيون والتلفزيونيون والسينمائيون ، فهم ولا شك يكرهون
الإسلام لأن التجارة التي يربحون عن
طريقها ، هي تجارة فساد الأخلاق ، وإشاعة الفاحشة في المجتمع وإطلاق الأولاد والبنات بلا ضابط أو رادع وهم يعرفون جيداً أنها تجارة محرمة ، وأن
الإسلام يوم يجئ ، لن يدع لهم ذلك المستنقع القذر، الذي يعيشون في أوساخه ، إنها
تجارة محرّمة ، كتجارة الأعراض والمخدرات سواء بسواء ، وهم يعلمون أن الإسلام
بنظافته وطهارته ، وأخلاقه المترفعة التي يربيَ أبناؤه عليها ، لن يتيح لهم الوجود
والتكاثر والربح ، لذا يكرهون الإسلام .
أما الأولاد والبنات فقد فُتِحَ الباب على
مصراعيه ليُفْسِدوا ويَفْسِدوا في تيار
الانحلال الخلقي فصارت حياتهم أغنية مائعة
أو رقصة داعرة فاجرة أو لحظة جنس مسعورة
يمارسونها خفيةً أو علانية وهؤلاء ولا شك
يكرهون الإسلام ، لأنهم يعلمون أنهم يختلسون هذه الأعراض التي ينتهكونها والشهوات التي يمارسونها في غيبة من دين الله ،
لأن الدين بنظافته وترفعه وتطهره ، لن يتيح لهم هذه القذارة الدنسة ، التي يعيشون
فيها وأما المرأة المتحررة ، فهي من أخطر
القضايا التي جند لها الغرب جهوده ، لأن المرأة أقدر على جرِّ المجتمع بعيداً عن
الدين ، فهي أم وهي التي تنشئ الطفل النشأة الأولى ، وهي التي تبذر في أبناءها بذور العقيدة تلقائيا ،
في السنوات الأولى من حياة الأطفال وهؤلاء
مهما فسدوا بعوامل خارجية ، ومهما خطط لذلك ، فستظل هذه البذرة التلقائية
الأولى تردهم عن الفساد الكامل وتعيدهم إلى الصواب .
ومن
هنا كان تخطيط الغرب لإفساد الأم بإخراج
العقيدة من قلبها ، وذلك بالعمل لإخراج جيل من النساء ، لا يعرف من الإسلام إلا
الاسم عندها لن تبذر في نفوس أبنائها بذور
العقيدة مادامت هي لا تؤمن بهذه العقيدة ،
وليس لها في حياتها حساب ، لأنها تربت على كره هذا الدين إنهم يريدون كما يقولون ديناً عصرياً ، بغير
قيود ولا حدود . يريدون أن يتسللوا بالسينما ولو كانت فاجرة ، وبرقصات التلفزيون
والأغاني الفاضحة على أنها مجرد تسلية ، فأوجدوا الستلايت (الدش) لهذا المهمة ،
والذي غزا معظم البيوت . يريدون أن يكذبوا ويغتابوا ويتجسسوا بحرية ، يريدون أن
يستمتعوا بالفتنة التي تعرضها المرأة في الطرقات ، وتريد فئة من النساء أن يستمتعن
بالقدرة على إغراء الرجال ، وأن يتبرجن في الملبس والزينة بلا قيود ، وإذا كان لا
بد من الشعور بالإسلام ، فليكن عقيدة مستسرة في القلب أو على الأكثر عقيدة صلاة
وصيام فقط إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم
سلوك الناس ويلزمهم بتكاليف الإسلام في
الصغيرة والكبيرة في الملبس الشرعي
والمأكل الشرعي والحكم بالشرع ، فهذا في
رأيهم ليس له لزوم ، وهذا الذي يدعونا للعجب ، لأن الإسلام يوجب علينا أن نصهر
ذاتية الأمم في ذاتية الإسلام ، لا أن تجترئ أمم الفساد والشر أن تذيبنا في
ذاتيتها ، مما أوصل المسلمين الى الهوان الذي يعيشوه اليوم . إننا نلاحظ تباشير جيل قادم ، سيحمل رايةَ
الإسلام مهما عمل الكارهون للإسلام على إقصائه عن الحياة ، لأنهم ليسوا الموكلين
بدين الله قال تعالى : {إن يشأ يذهبْكم أيها الناس ويأت بآخرين ، وكان الله على
ذلك قديرا } .
محاربة
الظلم والظالمين
قال
تعالى :{فاستقم كما أمرت ومن تاب معك
ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير . ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار
، وما لكم من دون الله من أولياء ، ثم لا تنصرون}هود12.
إن
قضية الإمتثال لأمر الله ، قضيةٌ جوهرية في بنية التشريع ، ولا أدل على ذلك من
وصية الله تعالى لنبيه عليه السلام
بالإستقامة ، التي هي المدوامة على فعل ما ينبغي تركه ، وقد نصح رسول الله ﷺ
بلزومها لمن سأله عن قول فصل ، يصلح به جماع أمره ، فقد جاء في الحديث الصحيح الذي
رواه مسلم أن سفيان بن عبدالله قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً
، لا أسأل عنه أحداً غيره ، قال : ( قل أمنت بالله ثم استقم) . وأما قوله
سبحانه :{ولا تطغوا} وقوله :{ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار
} . فإن هذا النهي الذي أعقب الأمر
بالإستقامة ، لم يكن نهياً عن القصور والتقصير ، إنما كان نهياً عن الطغيان
والمجاوزة ، وفي الآية أيضاً ما يشير إلى الأمر بأن لا نطمئن إلى الذين ظلموا ، و
لا إلى الجبارين الطغاة الظالمين ، أصحاب القوة في الأرض الذين يقهرون العباد بقوتهم ، ويُعَبِّدونهم
لغير الله من العبيد ، وأن لا نركن إليهم ، لأن ذلك يعني إقرارهم على هذا المنكر
الأكبر ، الذي يزاولونه ومشاركتهم إياه .
إن
على المسلمين أن يحاربوا المنكر والظلم والبغي حيث كان ، حتى ولو كان ظلم الدولة
لرعاياها . فحيثما كان على وجه هذه الأرض ظلم ، فإن الأمة المسلمة مكلفة أن تحاربه
وتزيل أسبابه وتعمل على دفعه وتحقيق كلمة
الله في الأرض وهذا هو الجهاد لإعلاء كلمة
الله ، لا بالإكراه بل بإتاحة الفرصة لعباد الله ، ليتخلصوا من الظلم والذل ،
وينالوا حريتهم بعيداً عن القوى الطاغية الضالة
ويستمتعوا بالعدل الذي يريده الله لعباده
قال تعالى {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}النساء
76 .هذا هو الفارق بين الجهاد في سبيل الله ، و الجهاد في سبيل الشهوات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق