السكينة هي الرحمة ، وقيل هي رضا وطمأنينة ينـزلها الله في
قلب عبده المؤمن عند الشدائد فتهون عليه
الدنيا وما فيها ومن فيها . والسكينة إذا نزلت على القلوب ، زادتها ثقة وطمأنينة
ويقيناً في الله وتوكلاً عليه .
وقد أعز الله دينه ونصر نبيه ، ليفرح المؤمنون وتطمئن قلوبهم
، ويزدادوا يقينا بربهم وثقة بنبيهم وقوة في دينهم فأنزل عليهم السكينة قال تعالى
:)هو
الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم( الفتح 4 .
وقد صوَّر رسول الله e معنى رحمة الله بالإنسان وجحود الإنسان لربه .. ( قالت
الأرض يا رب ائذن لي أن أخسف بابن آدم الأرض ، فقد طعم خيرك ومنع شكرك . وقالت
السماء يا رب ائذن لي أن أسقط كسفاً على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك . وقالت
الجبال يا رب ائذن لي أخر على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك . وقالت البحار يا
رب ائذن لي أن أغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ) . فكل العوالم التي سخرها الله للإنسان ضجت من معصيته ، وطلبت من الله
الأذن أن تفني بني آدم من الوجود ، جزاءً له على معصيته وجاء الرد في تكملة الحديث
القدسي يقول تعالى :
( لو خلقتموه لرحمتموه دعوني وعبادي وإن
تابوا إلي فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ) .
هذه هي رحمة الله وصبره على عباده ، وعدم مواجهة الإساءة
بالعقوبة ، وفتحه باب الرحمة والتوبة والمغفرة لكل نادم على معصية . فباب الله
مفتوحٌ دائما لمن يعود ويبدأ باسم الله ، لأن الله لا يعرف الحقد ولا يتغير على
خلقه بينما الإنسان عندما تعصيه ، فإنه
ينهي علاقته بك وقد يسعى للإضرار بك .
ولنتعلم السكينة من رسول الله e كان رسول الله e يجلس أمام الكعبة
في المسجد الحرام فجاء رجل وكان المشركون محلقين هناك ، فقال لهم يا قوم ؟ إن لي
عند أبي جهل دينا ، وقد ماطلني ولم يؤدِّ ديني
أليس منكم رجل يطالبه بديني ويرد إلي حقي ؟ فقالوا له مستهزئين : ليس بيننا
رجل يأتيك بحقك إلا ذلك الرجل الذي يجلس هناك
ونظر الرجل ولم يجد إلا رسول الله e ، فذهب إليه وقال إن لي ديناً على عمرو بن هشام وقد ماطلني فهل
ترد لي حقي منه ؟ فذهب معه إلى أبي جهل وطرق الباب ، فقال أبو جهل : من الطارق ؟
فقال رسول الله e محمد ففتح الباب وقال ماذا تريد يا محمد ؟ قال اقضي
لهذا الرجل دينه ، فدخل أبو جهل وأتي بالدين وسلّمه لصاحبه كاملاً غير منقوص ،
فانطلق الرجل يجري سروراً خشية أن يرجع أبو جهل في كلامه فقالوا له هل قضاك دينك ؟ قال نعم , فقالوا له
يا أبا الحكم : أخفت من محمد وأنت فينا من أنت ؟ فقال لهم أبو جهل : واللات والعزى
عندما فتحت الباب لم أر وجه محمد ولكنني رأيت وجه أسد لو تأخرت أو تقدمت خطوة
لطحنني بين أنيابه ... ثقة وسكينة من خاف الله وحده خوّف الله منه جميع خلقه ، ومن
لم يخف الله خوفه الله من جميع خلقه .
فلو عدنا إلى الله
وتعلمنا من رسول الله الثقة والاعتماد على الله ، لتطهرت قلوبنا وصلحت
أحوالنا وقد كان العلماء من سلفنا الصالح
مثالاً لمن تعلموا الثقة والطمأنينة والسكينة من رسول الله ، وكانت لهم مواقف تعبر
عن مدى إيمانهم وثقتهم بالله وتوكلهم عليه فلا يخشون في الله لومة لائم .
كان أحمد طولون في مصر قد ظلم وتكبر فذهب الناس إلى أبي الحسن أحمد بن بنان أحد
علمائهم وطلبوا منه أن يأمره بالمعروف
وينهاه عن المنكر فدخل على ابن طولون
وقال له اتق الله في الرعية لقد ظلمتهم ، فأشار ابن طولون إلى جلاديه ، وقال لهم :
خذوه وجوعوا له أسداً ثلاثة أيام ، ثم ضعوه مع الأسد ودعوه وأخبروني بعد ذلك بما فعل به الأسد فأُخذ ووضع في زنزانته حتى جاع الأسد ، ثم ادخل
العالم على الأسد واغلق عليهما ، وبعد ساعات طلب ابن طولون أن يخبروه بما فعله
الأسد مع أبي الحسن ؟ وفتح الحارس الباب فرأى العالم ساجداً والأسد إلى جانبه واقف
خاشع ، وقد تمثل أبو الحسن قو القائل :
لا تخضعن لمخلوق على طمـع فإن ذلك نقص منك في الديـن
لا يقدر العبد أن يعطيك
خردلة إلا بإذن الذي سواك مـن طـين
واستغن بالله عن دنـيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
وجيء بأبي الحسن أمام ابن طولون فقال له : لماذا لم يقربك
الأسد بسوء ؟ فقال له عندما أغلقتم الباب علي مع الأسد ، كنت أتلو قول الله تعالى
:)واصبروا
لحكم ربك فإنك بأعْيُننا(.
هكذا تعلم الحسن من كتاب الله ، ثم قال له ابن طولون : يا أبا
الحسن أي شيء كنت تخشى وأنت مع الأسد ؟
قال أبو الحسن : كنت أخشى أن يصيبني الأسد بلعابه فينجس ثوبي
فلا أستطيع الصلاة .
إنها الثقة والسكينة التي تعلمها أبو الحسن من رسول الله
إن من المسلمين من زعموا العمل للعودة إلى الدين فضلوا الطريق ولم يحسنوا العودة ، لأنهم أحبوا
أن يأخذوا الدين قشوراً ، لا أن يأخذوه عقلاً نقياً وقلباً موصولاً بالله ، يستمد
منه ويلجأ إليه .
أخذوا بعضاً من الإيمان وتركوا بعضا ، الأمر الذي أخر الأمة
الإسلامية عن بلوغ أهدافها وغسل العار
الذي نزل بها ، ولن تنجوا امتنا مما هي فيه ، إلا يوم يوجد المؤمنين الذين يريدون
الإسلام كله شكلاً وموضوعاً وعنواناً وحقيقة
أما الأمة التي يضيع فيها العدل ، فلابد أن تهان وكما قال الله تعالى :)وما
كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون( هود 117.
وكما قال e في الحديث الذي رواه
ابن ماجة بإسناد صحيح : ( إنه لا قدست أمةٌ لا يأخذ الضعيف فيها
حقه غيرُ مُتُّعْتَع ". أي من غير أن يصيبه أذى
.
وكما قال ابن تيمية :
" أن الله ينصر الدولة الكافرة بعدلها على الدولة المسلمة بجورها " كيف
نقيم الحق والعدل فيكون الحاكم والمحكوم أمام القضاء سواء ؟ وعندما لا نجد الجواب
اليوم ففي الغد ستكون الإجابة شافية إن شاء الله ، لأن لله أياماً آتية ، تسوق
الطمأنينة والنصر إلى من عملوا وسعوا في سبيله
مقابل أمور لا بد من تحقيقها ذكرها الله تعالى :
)وأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ( النور 56 .
وهل يمكن أن يجيء النصر بعد هذا قال تعالى :
)لا تحسبن
الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار وبئس المصير(. النور 75
ولا بد من حكومة تقيم الإسلام وترعاه وتحميه وهي ضرورية من أجل حفظ العقيدة من عبث
العابثين وضرورية من أجل إقامة العبادات ولحفظ الأرواح والأعراض ، وإقامة كل أنظمة
الإسلام السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحكومة ضرورية لإقامة الجهاد من أجل أن تكون
كلمة الله هي العليا .
والمسلم في ظل حكومة غير إسلامية ، أو حكومة تحكم الناس
بالقوانين الوضعية ، معرَّضٌ إسلامه للخطر ومضطر للطاعة حتى في ظل معصية الله .
وما لم تكن للإسلام حكومة تحمله وتحميه يكون ذليلاً والنفوس بطبيعتها تحب الانطلاق والانفلات إلى
كل شهوة وهوى قال تعالى:{ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات
والأرض ومن فيهن }. لذلك لا بد من حكومة تصرف
الناس عن الهوى إلى الاستقامة ، وقديماً قال الخليفة الراشد:"إن الله ليزع
بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق